!!
حسان م. الحسون
ذهب الحريري وودعته لبنان بكافة أطيافها السياسية والمذهبية في تظاهرة " وحدوية "طوعية وعفوية غير مسبوقة في الحياة السياسية العربية وما يعتريها من تجاذبات واستقطابات وتناحرات وتخوين وتجريم وإحجام الشعب عن توديع الزعماء في مواكب العزاء إلا بالتي هي أحسن !!.
الرجل وحد لبنان بدمه كما وحده في حياته وكان رجله حيا وميتا ، هذا أقل ما يمكن أن يقال ونحن نشاهد مئات الآلاف من اللبنانيين ينطلقون خلف جثمانه من دارته إلى مسجد محمد الأمين وسط بيروت وهم يرفعون اللافتات والشعارات التي تعبر عن حبها " لأبي الفقراء " تارة وللتعبير عن مواقف سياسية حسب جهاتها ومشاربها المتعددة وهي بحد ذاتها حالة مسبوقة في الحياة السياسية اللبنانية ويبدو أنها " القشة " التي قسمت ظهر الحريري .
من يمكن أن يكون المستفيد من مقتل الحريري في هذه الفترة بالتحديد ؟!
الحريري لم يكن من أمراء الحرب ، وكممثل " سياسي " للطائفة السنية لم يكن طرفا فيها تماما كما كانت الطائفة السنية ذاتها التي نأت بنفسها عن الدخول طرفا في الحرب الطائفية رغم المحاولات العديدة لاستجرارها والتي أتت بمعظمها من أطراف إقليمية خارجية وليس سنية لبنانية كحركة زعيم الجهاد سعيد شعبان الذي تبين أنها كانت مدعومة من إيران ، وقد يكون الحزب الناصري " المرابطون " بقيادة ابراهيم قليلات الطرف السني الوحيد الذي حمل السلاح وانخرط في الحرب ، فيما كانت (( كل )) الطوائف اللبنانية طرفا فيها بشكل أو بآخر إما مهاجمة أو لمجرد الدفاع عن وجودها ، وحدهم السنة كانوا طرفا (( محايدا )) وحاولوا طيلة سنوات الحرب أن يرسخوا أنفسهم طرفا توفيقيا بين الفرقاء فيما بينهم وبين الفرقاء والمحيط العربي السني للبنان .
من داخل هذه التركيبة أتى رفيق الحريري ، ومن خلال هذه المعطيات أتت النتيجة التي صنعها مع الرئيس حسين الحسيني رئيس مجلس النواب والتي كانت الطائف ثمرتها التي أنهت سنوات من الحرب الدامية التي انكشفت عن عشرات الآلاف من القتلى والمهجرين في بلد صغير كلبنان .
رفيق الحريري كان طرفا " سعوديا " في الحرب اللبنانية ولا شك ومن خلال دوره كمبعوث شخصي للملك فهد بن عبد العزيز في الثمانيات وقد يجوز عليه ما قد يجوز على الدور السعودي كطرف إقليمي مؤثر شأنه شأن أطراف عربية أخرى دخلت طرفا في الصراع كليبيا ومصر وسوريا والعراق وما يحمله هذا الدخول من تحليلات سلبية أو إيجابية ، إنما أيضا لا يمكن أن نضعه في خندق المتصارعين على الساحة اللبنانية ، فقد كان الزعيم اللبناني الوحيد الذي لم يتكئ على " ميليشيا " توفر له القصف التمهيدي اللازم لأي تحرك سياسي ولم يكن له أي قوة عسكرية لا أثناء الحرب ولا بعدها خلافا لمعظم زعماء الحرب الذين أصبحوا فيما بعد زعماءا للسلم كنبيه بري أو وليد جنبلاط أو إيلي حبيقة وغيرهم بل ظل ينتهج " الوسطية " المفرطة في خطه السياسي حتى قبيل اغتياله بدقائق عندما أجاب الصحفيين الذين سألوه وهو يرتشف فنجانه الأخير وسط بيروت عن أي المقاعد سيختار بين الطائف والقرار 1559 بقوله أنه سيجلس في المقعد الوسط.
وعليه ، فإن الحريري لم يكن ينضوي تحت أي شعار سياسي حزبي أو طائفي ، ولم يكن هو بذاته زعيما لحزب أو طائفة بعينها ولم يكن يطرح نفسه كزعيم مرحلة ، بل كان حتى لحظة اغتياله حلا توفيقيا بين كل الفرقاء اللبنانيين وبينهم وبين سوريا بالذات رغم موقفه الأخير منها ، فمن يمكن أن يكون له المصلحة في اغتياله وهو الزعيم اللبناني ( الوحيد ) الذي كان على الدوام بعيدا عن العداوات والحروب السياسية والطائفية ؟! :
1- إسرائيل :
كما تعودنا دائما في مواقف كتلك ، فإن إسرائيل هي المتهم الأول من قبل الأجهزة الأمنية العربية والشارع السياسي العربي المشحون سلفا ضدها كونها الطرف الأكثر جنيا للفوائد من أي " مصيبة " عربية بل الطرف الأكثر قدرة على ذلك .
إسرائيل ليس حمل وديع بكل تأكيد ويداها ليست أنظف من أن تقوم بجريمة كتلك ، لكن أيضا ليس كل ما تنتجه العاطفة صحيح .
حتى قبل أيام كانت السلطات السورية واللبنانية ومن يواليهما يتهمون المعارضة اللبنانية وبينها الحريري بأنهم عملاء لإسرائيل وأمريكا وأنهم يعملون ضد العلاقات السورية اللبنانية وضد سوريا بالذات كونها تقع تحت المجهر الأمريكي والتهديدات الأمريكية ، ولهذه الاتهامات وجاهتها قياسا للحالة العراقية وللثقل الماروني في هذه المعارضة ، إنما ما مصلحة إسرائيل – أو أمريكا – من قتل رجل متهم بتنفيذ مخططاتها كالحريري إن كان عميل لها ، بل ما مصلحتها من قتله إن كان زعيما وطنيا ولديها في لبنان " أولويات " إغتيالية أكثر طلبا لإسرائيل كحسن نصر الله زعيم حزب الله خاصة
أن دمه " مهدور " أمريكيا وعالميا كأحد صناع الإرهاب في المنطقة ؟!
إسرائيل لها مصلحة في زعزعة إستقرار لبنان والمنطقة والتشويش على سوريا ، ويمكن جدا أن تكون قد اختارت الحريري بالذات هدفا لهذه المهمة نظرا لثقله اللبناني والإقليمي والدولي ولعلاقته بسوريا ولموقفه الحالي منها هذا صحيح وبالتالي اتهام سوريا بالاغتيال ، لكن أيضا لا يمكن لها أن تتورط في اغتيال كهذا في لبنان بالذات وتضع نفسها في مواجهة مع فرنسا الحليف التاريخي للبنان ومع الإتحاد الأوروبي خاصة في ظل الاستقطاب الشديد الذي أفرزته حرب العراق بين أوروبا وأمريكا .
في الحقيقة فإن إسرائيل ليست بحاجة لهكذا عملية لرفع سقف التوتر بين سوريا وأمريكا لاستجرارها لاتخاذ موقف أعنف من سوريا ، وليست أيضا بحاجة إلى خلق فتنة طائفية داخل لبنان ربما تعيد " الحدود الرخوة " لجنوب لبنان كما كانت عليه قبل سيطرة حزب الله عليها وما يستتبع ذلك من تهديد مباشر لأمنها ، وليست أساسا بموقف يسمح لها بتوسيع دائرة الصراع في ظل استمرارية الإنتفاضة الفلسطينية .
2- الحركات الإسلامية المتطرفة :
رغم الدم المباح للحركات الإسلامية المتطرفة واستخدامها مشجبا وذريعة جاهزة خاصة هذه الأيام ، فإنه من المستبعد جدا أن تكون قامت بهذه العملية " النوعية " لأسباب كثيرة جدا تتعدى التخطيط " الإستخباراتي " المحكم لها وتتعدى دقتها المتناهية لتصل إلى الأهداف .
لا يكفي القول أن الحركات الإرهابية تمارس هواية القتل للقتل فقط لا غير ، وبالتالي فإن هدفا كالحريري لا يمثل لها أي بعدا استراتيجيا إلا فقط كونه شخصية مهمة قد يحلو للحركات الإرهابية أن تدعي شرف النجاح في اغتياله وهذا سبب غير كاف ، أيضا لا يمكن التعويل على المبررات التي ساقها شريط الجزيرة من أن اغتياله أتى انتقاما من
السلطات السعودية كون المغدور سعودي الجنسية بل يبدو أنه مبررا غاية في الضحالة والهامشية خاصة إذا ما اعتبرنا أن أهدافا سعودية في لبنان ذاتها كالسفارة مثلا أسهل منالا لتلك الحركات وأقوى تأثيرا على السعودية !!!
الملفت والمهم أن الأطراف اللبنانية قاطبة والمعارض منها بالذات قرأت باستخفاف الشريط الذي بثته قناة الجزيرة لفلسطيني يدعى أحمد أبو عدس يعلن فيه مسؤوليته عن الإغتيال وأعلنت أطراف عدة أن هذا الشريط ليس أكثر من تكملة إستخباراتية للعملية الأساسية وليس أكثر من تمويه فج ومكشوف ومحاولة يائسة لصرف الأنظار عن الفاعل الحقيقي .
3 – السلطات اللبنانية :
صحيح أن وليد جنبلاط زعيم الحزب التقدمي الإشتراكي المعارض اتهم الإستخبارات اللبنانية مباشرة باغتيال الحريري ، إلا أنه لا يمكن تجاهل مآرب جنبلاط وبقية أقطاب المعارضة اللبنانية من وراء اتهام كهذا وفي تجيير الحدث لأهداف سياسية داخلية معروفة .
الحكومة اللبنانية ليست اللاعب الأساسي على الساحة اللبنانية إلا من خلال علاقة هذا الدور باللاعب الأهم سوريا وبالأطراف التي تدعمها سوريا وتدعم هي سوريا داخل لبنان لأهداف استراتيجية بعيدة المدى أو حزبية وعلى رأسها حزب الله وحزب البعث وحركة أمل بدرجة أقل ، ومنذ اتفاق الطائف و حتى الآن لم تصل إلى سدة القرار أي أطراف معادية لسوريا أو حتى محايدة في مواقفها عدى رفيق الحريري ذاته ، بالتالي فإن اتهام السلطات اللبنانية هو في الحقيقة اتهام لسوريا ذاتها أو لأطراف بعينها داخل لبنان .
وبتجرد ، فإنه ليس للحكومة ككيان بيروقراطي و بمعزل عن أي مآرب لأطراف سياسية تدعمها أو تأثر عليها أي مصلحة في اغتيال الحريري بل العكس هو الصحيح ، فالحريري كان ضمانة مهمة للاقتصاد اللبناني وللإستثمارات العربية والدولية في لبنان ناهيك عن كونه زعيم سياسي لأحد أطياف المجتمع اللبناني المهمة والمؤثرة ، وبالتالي فإن الحكومة ليس لها أي مصلحة في إثارة هذا الجانب بالذات أو أن تضع نفسها في موقف ضعيف أمام المعارضة المتربصة .
3- سوريا :
كما كان متوقعا فإن الأطراف اللبنانية والدولية وعلى رأسها فرنسا وأمريكا ألمحت لسوريا على الفور كونها الراعي " الرسمي " للشارع السياسي اللبناني وكونها صاحبة المصالح الأكبر في لبنان ، بل فإن وليد جنبلاط وبعض أطراف المعارضة اللبنانية كانت أقرب إلى تسمية سوريا بالإسم لولا بعض المحاذير ربما .
في الحقيقة فإن التاريخ السوري في لبنان يشفع لمتهميها كونها صاحبة " مدرسة " عريقة في عالم السيارات المفخخة والتصفيات السياسية داخل لبنان والتي لم تقتصر على شخصيات لبنانية بل حتى سورية وعربية معارضة ، وسلسلة القتل " المفخخ " لأغراض سياسية سورية أو طائفية لبنانية سلسلة طويلة قد لا يكون أولها الزعيم الوطني الدرزي كمال جنبلاط الذي قتلته سوريا عام 1978 وتجير هذا الإغتيال لمصالح طائفية أدت إلى نشوب صراعات عنيفة بين الدروز والموارنة رسخت الدور السوري في لبنان وقتها ، إلا أن المعادلة مختلفة قليلا في الظروف الحالية .
اليد السورية الطولى ليست بعيدة عن رقاب السياسيين اللبنانيين إن بالتصفية الجسدية أو السياسية وسبق لها أن اغتالت الرئيس اللبناني رينيه معوض بعد أيام من توليه منصبه ولأسباب تتعلق بموقفه من الوجود السوري في لبنان واغتالت الشيخ حسن خالد، وأودت آخر سياراتها المفخخة بإيلي حبيقة الصديق اللدود لها في غمار حملة دولية ضد شارون لدوره في مجازر صبرا وشاتيلا 1982 وعلاقة القوات اللبنانية وإيلي حبيقة بالذات فيها ، إلا أن ذلك الإغتيال كان " اغتيالا تكتيكيا " مبررا بالنسبة لسوريا ولأطراف دولية باركت هذا الإغتيال أو غضت الطرف عنه على الأقل كأمريكا وإسرائيل خاصة بعد إحكام الحصار على حبيقة مما دفعه لخيار شمشون والتهديد بالكشف عن " أسرار " خطيرة كان يمكن أن تتسبب " بفضائح " إقليمية ودولية لسوريا وغير سوريا ، إنما الأمر مختلف تماما بالنسبة للحريري ، فالحريري ليس " عدوا " بالمعنى الضيق لسوريا يمكن مقارنته – من وجهة نظر سورية - بمعارضة باريس و قرنة شهوان أو حتى جنبلاط وليس ضد سوريا ككيان وجار مهم للبنان وكان على الدوام قريبا من سوريا أو مماشيا لخطها السياسي وكان وسيطا مهما بينها وبين المعارضة اللبنانية ولم يعلن يوما موقفا معاديا لسوريا يمكنها من خلاله أن تتهمه بأنه يعمل ضدها أو يؤلب الرأي العالمي عليها .
صحيح أنه اعترض على التمديد للرئيس اللبناني وانحاز لموقف المعارضة في مطالبتها بالإنسحاب السوري التام من لبنان أو الكف عن التدخل بالشأن اللبناني الداخلي على الأقل كموقف جنبلاط أو تطبيق القرار 1559 ، إلا أنه لم يتخذ موقفا متصلبا مواجهيا مع سوريا بل كان واضحا جدا في مطالبتها بالإلتزام بمرجعية الطائف التي كانت هي ذاتها طرفا مهما في اتفاقياته وفي التأكيد على أهمية تلازم المسارين وأهمية العلاقات اللبنانية السورية كإكليشة ثابتة دأبت الأطراف اللبنانية على ترديدها ، وتحلى موقفه بالوسطية البناءة حيال سوريا ودورها في لبنان وهي ليست " جرائم " يستحق عليها الإعدام حتى من المنظور السوري والعدالة السورية الإنتقائية والمطاطة .
الأمر الأهم أن سوريا ذاتها ليست مستعدة لدخول مغامرة " رعناء " كتلك في ظل تهديد أمريكي لها وبعد الدرس العراقي المؤلم للجار البعثي ، وليس من الحكمة المبالغة في تضخيم حجم الشيطان السوري الذي لا يراعي أي حدود لأنه لم يعد ذلك الشيطان اللامبالي الذي كان يلعب على الساحة الإقليمية كما يحلو له مستفيدا من التناقضات الدولية والإقليمية التي لعب عليها طيلة عقود ، فلا الواقع الدولي كما كان ولا وريث عرش دمشق الحالي يشبه أباه من ناحية الدهاء السياسي والحنكة والإقتدار على اللعب على هكذا تناقضات .
ليس لسوريا أي مصلحة في اغتيال الحريري وسيكون من الحماقة البالغة لدمشق أن تكون طرفا في هكذا عمل أرعن سوف يكون الخطأ الأخير في سلسلة أخطائها كونه لا يشبه أبدا خطأها الفادح في دعم التمديد " الجبري " للحود ، وإن كان خطأ سياسيا كهذا وضعها في مواجهة غير متكافئة ولا مبررة مع الحليف الأوروبي ذاته ، فكيف ستكون النتيجة لو ثبت تورطها فعلا باغتيال الحريري ؟!
سوريا في الظرف الراهن ليست على استعداد لكسب عداوات جديدة وعزلة نفسها أكثر خاصة فيما يتعلق بالشأن اللبناني ، وليس من مصلحتها على الإطلاق أن تستعدي الطائفة السنية التي وقفت على الدوام موقفا محايدا من الوجود السوريا وسوريا بشكل عام .
لسوريا أطراف داخلية يمكن أن تقوم بهذا العمل ، لكن سيكون من المستبعد جدا هذه المرة أن تقوم بها لصالح سوريا وليس لأهداف داخلية تخص هذه الأطراف ، إذ من المستبعد أن تسمح سوريا لهذه الأطراف أن تستجرها لمواجهة أكبر منها بكثير وسيصبح هذا العمل عملا داخليا ولحسابات داخلية لا أكثر أو أن هذه الأطراف تعمل لتوريط سوريا بالفعل على خلفية ما يحدث في العراق .
تبقى مسؤولية سوريا في هذا الصدد مسؤولية أمنية " أخلاقية " لا يمكن التغافل عنها كونها الراعي الأمني وصاحبة القوة والسلطان على كافة المناحي الأمنية داخل لبنان .
4- الأطراف اللبنانية :
تقودنا قراءة الموقف السوري حتميا إلى قراءة القوى اللبنانية الحليفة لسوريا استراتيجيا وليس مرحليا ، ومن نافلة القول أن حزب البعث وحزب الله على رأس هذه القوى وصاحبة الأهداف الأكثر وجاهة في اقصاء رجل بحجم ومكانة رفيق الحريري عن الساحة السياسية الداخلية .
قد يعطي الهجوم الذي تعرض له مقر حزب البعث في بيروت صبيحة الإغتيال من قبل المؤيدين للحريري مؤشرا مهما في ضلوع الحزب في عملية الإغتيال ، لكنه وكطرف تابع لسوريا في حلها وفي ترحالها سوف لن يجرؤ على تخطي القرار السوري والقيام بهذا العمل بدوافع ذاتية تطوعية وإلا فإنه سيحق لنا أن نقول أن سوريا ذاتها هي من قتلت الحريري، ويبقى الموقف الأهم على الإطلاق موقف حزب الله كطرف قوي ومؤثر في الساحة اللبنانية ، ولارتباطاته الإقليمية التي تتعدى سوريا ذاتها ، ولكونه صاحب " مشروع " واضح المعالم قد يصطدم في بعض مراحله بالقرار السوري ذاته ، وهو الأمر الذي قد يدفع حزب الله إلى العمل منفردا بمعزل عن تحالفه مع سوريا والذي هو بالأساس تحالف " إستراتيجي " بحت .
سيكون من الإجحاف توجيه أصابع الإتهام لحزب الله على أنه الفاعل الأكثر احتمالية ، لكن أيضا إرهاصات الأشهر الأخيرة والحالة الإقليمية قد تشكل سببا وجاهيا لوضع الحزب في دائرة الشكوك ، خاصة بعد تصاعد الحديث عن " هلال شيعي " وحلم فارسي قديم توارثته إيران الحديثة منذ البهلوية العلمانية إلى الخمينية المتطرفة إلى الخاتمية الوسطية والتي يشكل حزب الله أحد آلياتها ، والذي يبدو أن فوز التحالف الشيعي في العراق بأغلبية نيابية كبيرة قد زاد من تنامي الحلم ، ثم ليرفع تعليق زعيم الحزب حسن نصر الله عن الحدث في خضم خطابه الذي ألقاه في ذكرى عباس الموسوي من سقف هذه الشكوك من خلال " سرد " نصر الله لتفاصيل علاقة الحزب بالحريري ليبدو الأمر كما لو أنه ردا استباقيا لأي حملة تستهدف وضع الحزب في دائرة الشكوك بل ليبدو الموقف كما لو أن المريب يقول خذوني !!.
مشكلة الحديث عن حزب الله أنه يصطدم بقناعات راسخة عن دور الحزب في المقاومة ثم يتضخم الأمر ليصطدم بمحاذير طائفية كما لو ان انتقاد نهج حزب الله انما انتقاد لعموم الشيعة و للحسين بن علي ذاته ، لكن هذا لا يغير من الواقع وأن حزب الله حركة " سياسية " لها ثقلها في الشارع اللبناني ويجوز عليها ما يجوز عن بقية الحركات .
لماذا قد يغتال الحزب رفيق الحريري ؟
الحريري صديق لحزب الله وداعما مهما له بلا شك ، وحتى بعد أن تنحى عن رئاسة الوزراء وانحاز لموقف المعارضة ظل يعبر للحزب عن دعمه ورفضه نزع السلاح من يده ، إنما يبدو أن الحريري نزع من يد حزب الله ما هو أخطر من السلاح عندما ترك الحزب شبه معزول لينضوي تحت لواء المعارضة محققا بهذا الإنشقاق حالة لبنانية غير مسبوقة تجلت بوحدة وطنية وموقف سياسي وشعبي شبه موحد حيال سوريا في مواجهة موقف " مبدأي " متصلب لحزب الله من الوجود السوري وموقف " براجماتي " لا مفر من اتخاذه للحكومة اللبنانية ، فمنذ دخول القوات السورية إلى لبنان عام 1976 حتى الآن لم تلتئم الشرائح السياسية اللبنانية في موقف موحد كما تشهده الساحة اللبنانية الآن والتي كان للحريري دورا مهما وأساسيا فيه.
في حالة كتلك لم يعد اتكاء الحزب على دوره في المقاومة كافيا لفرض أحقيته على الشارع الوطني خاصة مع وجود انتقادات حتى لهذا الدور من قوى لبنانية وبعضها " شيعي " كموقف محمد حسن الأمين الذي عبر عنه في أحد اللقاءات التلفزيونية منتقدا استئثار الحزب كطيف شيعي في المقاومة خاصة بعد أن رحلت القوات الإسرائيلية عن الجنوب مما يزيد من عزلة الحزب أو حتى يقصيه عن أي دور سياسي مستقبلي مع تصاعد الحملة الأمريكية على سوريا والتي يشكل حزب الله أحد بنودها .
الأمر الأهم أن حزب الله بات مدركا كالكثيرين أن الوجود السوري في لبنان بات مسألة وقت لا بل حتى وجود النظام السوري برمته وهو ما قد يدفع الحزب لعدم اللعب على " الحصان الخاسر " وتوجيه الأنظار إلى الشريك الحقيقي للحزب في إيران والعراق الجديد وخطوة استباقية للانفصال " السياسي " عن سوريا لسحب أي ورقة ضغط لها على الحزب في حال قررت سوريا أخيرا الإنصياع للإملاءات الأمريكية بالتوقف عن دعم حزب الله .
بشئ من الخيال ، فإن وحدة وطنية تتزامن مع سقوط سوري سيشكل خطرا حقيقيا على وجود حزب الله وعلى " مشروعه " اللبناني الذي عمل له طويلا والذي كان للحريري الدور الأهم في زعزعته بل ربما تقويضه ، وبالتالي فمن المستبعد أن يقف الحزب موقف المتفرج حيال تلك التطورات تاركا الأمر للمصادفات .
القوى الأخرى المحتملة هي القوى المارونية والدرزية وهو ما سيدخلنا في " نظرية المؤامرة " وفي أن تلك القوى عملت على اغتيال الحريري لتوريط سوريا ولتسريع تدخل دولي ضدها وهذا احتمال مقبول للغاية من هذا الجانب خاصة أن موقف الحريري أكثر توازنا ووسطية من موقف تلك القوى وأقل حدة مع سوريا ، إلا أن هذا الإحتمال يبقى بعيدا عن العقلانية إذ ليس من مصلحة هذه القوى أن تخسر الحريري في هذه المرحلة حتى وإن كان تقاربه معها تقاربا مرحليا لا أكثر ، كما أنها لا تستطيع أن تعود للوراء وتضع نفسها في دائرة الإحتمالات في حال أدى هذا العمل إلى تفجير الحرب الأهلية من جديد .
أيا كان الأمر ، فإن اغتيال رفيق الحريري في هذه المرحلة البالغة الدقة سيفتح الإحتمالات على مصراعيها وسيدخل لبنان أولا وسوريا والمنطقة ثانيا في قراءات عديدة جميعها تفضي إلى نتائج كارثية قد تكون الحرب الأهلية أقربها وقوعا وأقلها خسائرا
إذا ما استطاع الفرقاء فعلا حصرها داخل حدود لبنان الصغير ، وهذا احتمال مفرط في السذاجة والتمني .
مجلة جسور الثقافية 3/2005
دير شبيغل ... أو دير مشاكل!
GMT 1:30:00 2009 السبت 30 مايو
الرأي العام الكويتية
--------------------------------------------------------------------------------
دير شبيغل ... أو دير مشاكل!
مبارك محمد الهاجري
30-05-2009
المجلة الألمانية العريقة «دير شبيغل» أبت إلا أن تكون سوسة مشاكل، والتفنن في إثارة الفتنة والتحريض بين اللبنانيين، بنشرها خبراً يتهم «حزب الله» بتدبير اغتيال رفيق الحريري. وأنا هنا لست بوارد الدفاع عن هذا الحزب، والذي أختلف معه في أطروحاته اختلافاً جذرياً، وفي الوقت ذاته لا أخفي إعجابي الشديد بما فعله في جيش الكيان الصهيوني في صيف 2006، وقد أثارت مزاعم هذه المجلة تساؤلات كثيرة، وعن السر في توقيتها، والتي جاءت متزامنة مع سخونة الأجواء الانتخابية اللبنانية!
لا يختلف اثنان في أن الموساد الإسرائيلي هو من نسج وحبك هذه الاتهامات، ورتب لها وبتواطؤ مكشوف من قبل المجلة الألمانية وعبر الصحافي اليهودي إيريك فولاث، كما أفاد بذلك الكاتب اللبناني الدكتور عمر نشابة، والذي فضح نشاطات هذا الصهيوني المتعصب في صحيفة «الأخبار» الصادرة في بيروت بتاريخ 25 من هذا الشهر! وفولاث، حسب الصحيفة، يعمل كاتباً للشؤون الديبلوماسية في «دير شبيغل»، كما يعد من كبار الكتاب في صحيفة «جويش جورنال» الأسبوعية اليهودية، والتي تصدر في لوس أنجلوس! وكما يعمل أيضاً في موقع «المؤسسة اللبنانية للسلام» والتابعة لـ«حكومة لبنان في المنفى - القدس»! هل رأيت عزيزي القارئ كيف تغلغل الموساد الصهيوني في المؤسسات الإعلامية العالمية، في سعيه المحموم إلى قلب الحقائق، وفبركة الأخبار والتقارير لمصلحة إسرائيل!
وانظر إلى سعيه إلى ضرب الوحدة اللبنانية، وبأدوات محلية، وإن كنت أرى أن هذه الوحدة ليست على أرض صلبة حتى الآن، وتعاني بين الفينة والأخرى من هزات وارتدادات ناجمة عن الحراك السياسي المتذبذب، وهذا ما جعلها سهلة الاختراق من قبل عملاء إسرائيل!
الاتهامات ضد «حزب الله» من دون سند أو دليل يؤيدها، كأنها لم تكن،
إلا أن الحذر واجب،
فالأعداء تأبى جفونهم النوم، وهم يرون لبنان يستعيد عافيته شيئاً فشيئاً، وهذا ما سبب لهم أرقاً قد يطول ليله!
* * *
******************************************************************
كاتب مقال "دير شبيغل" اريك فولاث: الوثائق التي اطلعت عليها أثناء إعداد التقرير أصلية
الاربعاء 27 أيار (مايو) 2009
--------------------------------------------------------------------------------
أكد الصحافي الألماني أريك فولاث الذي أعد تقريراً في مجلة "دير شبيغل" حول تورط حزب الله في عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري أن الوثائق التي اطلع عليها أثناء إعداد التقرير "كانت أصلية وليست نسخاً"، مضيفاً أنه "تحقق من كل كلمة قبل النشر".
وكشف فولاث وهو مراسل الشؤون الدبلوماسية في مجلة "دير شبيغل" في حديث إلى "الشرق الأوسط" عن أنه "زار سوريا قبل بضعة أشهر، وأجرى حواراً مع الرئيس بشار الأسد، ولم يكن لذلك علاقة بالموضوع الذي نشر الأسبوع الماضي، الخاص بتورط حزب الله في اغتيال الحريري".
ورداً على سؤال حول عدد الوثائق التي اطلع عليها، قال فولاث "إنها كانت حزماً أصلية من الوثائق"، وأضاف أنه "صحافي حر يراعي ضمير مهنته، ولا يعمل لحساب أجهزة استخبارات كما يدعي المغرضون"، مشيراً إلى أنه "شخصياً انتقد اسرائيل عشرات المرات، لتعديها على حقوق الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة".
وعبر فولاث عن سعادته "بهجوم حسن نصر الله عليه"، موضحاً أنه "التقى قيادات "حزب الله"، وقال إنه "لم يفاجأ شخصياً بهجوم نصر الله عليه بل كان يتوقعه"، معتبراً أن هذا الهجوم "زاده مكانة"، وتابع "اليوم مقتنع بالقصة التي نشرتها "دير شبيغل" أكثر من ذي قبل".
*************************************************************
من هو أريك فولاث؟
218
بيروت الوكالات: نشر موقع «النشرة» الالكتروني اللبناني امس تقريرا عن كاتب تحقيق «دير شبيغل» الالمانية. وبحسب الموقع اللبناني فان أريك فولاث (60 سنة) هومراسل الشؤون الدبلوماسية في مجلة «دير شبيغل» الألمانية له عدد من المقالات المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط وبعض التحقيقات الاستقصائية المبنية على ملفات استخبارية، منها «كيف ساعدت الاستخبارات الألمانية أميركا في تبرير الحرب على العراق» (سبتمبر 2008) ومعلومات عن «تقديم الموساد الاسرائيلي ملفا خطيرا جدا عن ايران للرئيس الأميركي باراك اوباما» (يوليو 2008). وأجرى فولاث مقابلة مع النائب سعد الحريري (مارس 2006) اتهم فيها الحريري الرئيس السوري بشار الأسد بـ «مسؤوليته عن اغتيال» والده، شاكرا ألمانيا» على الدعم السياسي الذي قدمته له. يعد فولاث من الكتّاب الرئيسيين في «Jewish Journal» وهي صحيفة اسبوعية تعمل «لخدمة الجالية اليهودية في لوس أنجلس والعالم»، وفي موقع «المؤسسة اللبنانية للسلام» التابعة لـ «حكومة لبنان في المنفى القدس»، من أبرز كتبه «عين ديفيد» عن نشاطات الموساد في الشرق الأوسط.
في رسالة لكاتب التحقيق وصلت إلى "العربية"
"دير شبيغل" تتمسك بأدلتها حول تورّط حزب الله في اغتيال الحريري
أول المشتبه فيهم
نتائج جديدة ومفاجئة
العقل المدبر للعملية
الدافع وراء قتل الحريري
اكتشافات يرجح أنها ستؤذي حزب الله
رد على سؤال "شبيغل"
تحقيق "ديرشبيغل" المثير للجدل وفي الإطار كاتبه إيريك فولاث
دبي - مايا بيطار والعربية.نت
بعد تسريبات أثارت زوبعةً بشان مقتل رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري بسبب الإشارة لحزب الله كجهةٍ متورطة, أكد كاتبُ المقال المثير للجدل في مجلة "دير شبيغل" الألمانية، إيريك فولاث، لـ"العربية" إنه لم يُفاجأ بالنفي الضعيف الصادر عن المحكمة الدولية.
وكشف في رسالة عبْر البريد الإلكتروني ردّاً على استفسار لقناة "العربية"، أن المجلةَ أمهلت المحكمةَ الخاصة بلبنان 24 ساعة للإجابة عن أسئلةٍ وجّهتها إليها تتعلقُ بمعلوماتِها وبالأسماء الواردة في التقرير. وأكد في المقابل، أنه لم يفاجأ بنفي حزب الله لما نُشر عن تورّطه في اغتيال الحريري.
وكان حزب الله نفى في وقت سابق ما ورد ما تحقيق المجلة الألمانية، واعتبر في بيان صادر عن العلاقات الاعلامية أن هدف هذه الحملة هو "التأثير في الاجواء الانتخابية في لبنان والتغطية على أخبار وعمليات اعتقال الشبكات التجسسية الاسرائيلية".
وقال ان "نشر هذه الاتهامات ونسبها الى مصادر مقربة من المحكمة الدولية يمس بصدقية المحكمة وسلامة عملها ويوجب عليها التصرف بحزم ووضوح تجاه ناشري هذه التلفيقات الشريرة".
وكانت المجلة الألمانية أوردت على موقعها الالكتروني ما قالت إنه نتائج جديدة مفاجئة توصل إليها فريق التحقيق الدولي في اغتيال رفيق الحريري.
وقالت المعلومات المشتقة من مصادر أمنية على علاقة بعمل لجنة التحقيق إن مسؤولاً عسكرياً في حزب الله، وتحديداً في الذراع العملياتية للحزب، يدعى الحاج سليم متورط في الاغتيال.
ففي الرابع عشر من فبراير، المصادف ليوم عيد الحب، وفي الساعة الثانية عشرة 56 دقيقة من منتصف ذلك اليوم، دوى انفجار مهول أمام فندق سان جورج في مدينة بيروت أثناء عبور موكب رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.
وأدى الانفجار إلى حفرة بعمق مترين في وسط الشارع ودمر فرعا للبنك البريطاني HSBC في بيروت. وتناثرت الأشلاء في كل مكان وعلت أسطح المباني القريبة. لقي نحو 32 شخصاُ حتفهم في ذلك الإنفجار واللهيب الناتج عنه، بمن فيهم الحريري وحرسه الشخصي وعدد من المارة.
سرعان ما انتشرت تبعات هذه الصدمة في أرجاء الشرق الأوسط. فما الداعي لقتل الحريري؟ من نفذ العملية ومن كان وراءها؟ وما الهدف الذي يؤمل تحقيقه سياسياً من الاغتيال؟
أصبح اغتيال الحريري منذ ذلك الحين مصدر تأويل وتكهنات. هل كان عمل لمنظمة إرهابية مثل القاعدة؟ أم أنها إسرائيل ضمن جهودها المتواصلة لإضعاف جارتها لبنان؟ أما أنها إيران التي كانت تكره الحريري؟
أول المشتبه فيهم
في وقت الهجوم، عرف أن الحريري، وهو رجل اعمال مهتم بالإعمار قام بإعادة إعمار العاصمة بيروت بعد عقود من الحرب الأهلية، كان يرغب بالعودة إلى الساحة السياسية. كما كان معلوماً أن لديه خلافا مع الرئيس السوري بشار الأسد إثر مطالبته السوريين بسحب قواتهم المحتلة من لبنان.
نتيجة لذلك، كان أول المشتبه بهم في الاغتيال هي المؤسسة العسكرية والاستخباراتية السورية القوية إلى جانب حلقائهم اللبنانيين.
وفي أواخر عام 2005، تمت الموافقة على تعيين فريق تحقيق بتخويل من الأمم المتحدة وبرئاسة المدعي العام الألماني ديتليف ميليس، وبعد سبعة أشهر من البحث، أكد أن قوات الأمن السورية ومسؤولين لبنانيين رفيعين المستوى هم في الحقيقة المسؤولين عن اغتيال الحريري. وتم اعتقال أربعة من المشتبه بهم. لكن الخيط الأخير والدليل النهائي لم يتوصل إليه أحد. وتعرض التحقيق فيما بعد للتأخير بعد تولي خليفة ميليس؛ القاضي البلجيكي سيرجي بريمريتز.
ثم شكلت الأمم المتحدة محكمة خاصة بهدف التوصل إلى الحقيقة. وبدأت المحكمة أعمالها في الأول من مارس 2009. وجاءت هذه المحكمة التي كان مقرها في هولندا وبميزانية تصل إلى 40 مليون يورو (56 مليون دولار) للسنة الأولى فقط، إذ تدفع الأمم المتحدة 51% من الميزانية ولبنان 49%.
مدة عمل المحكمة الأساسية محدودة بثلاث سنوات وأقصى حكم يمكنها إصداره هو السجن المؤبد. عين القاضي الكندي دانييل بيلمار ذي السابعة والخمسين من عمره لترؤس هذه المحكمة.
أربعة من بين الأحد عشر قاضيا المعينين هم لبنانيون تم التحفظ على سرية هوياتهم لأغراض أمنية.
وفي أول أحكامها، قامت المحكمة في أوائل إبريل بإطلاق سراح أربعة ضباط كان ميليس ألقى القبض عليهم. ولم يصدر فيما بعد أي قرار آخر عن محكمة لاهاي، وكأن التحقيق قد بدأ للتو ولا تتوفر أي معلومات لديهم.
نتائج جديدة ومفاجئة
لكننا نرى الآن بعض المؤشرات على أن التحقيق أسفر عن نتائج جديدة ومفاجئة. فقد علمت شبيغل من مصادر مقربة من المحكمة وموثقة عبر مقارنتها بالوثائق الداخلية، أن قضية الحريري على وشك الدخول في اكتشاف خطير. فالتحقيقات المكثفة في لبنان تشير إلى نتائج جديدة: ليست سوريا، بل المنفذ هي قوة لبنانية خاصة تابعة لتنظيم حزب الله. فهم من خطط ونفذ هذه العملية الجهنمية. ويبدو أن رئيس المحكمة الدولية القاضي بلمار ومعاونيه يرغبون بإبقاء هذه المعلومات طي الكتمان رغم توصلهم إليها منذ نحو الشهر. فماذا يخشون؟
وفقاً للمعلومات المفصلة التي حصلت عليها شبيغل من مصدرها، فإن حقيقة حل القضية تعود إلى حنكة التحقيقات والتكنولوجيا المتقدمة التي تم استخدمها نخبة من محققي الفضاء الالكتروني. وخلال أشهر من العمل المضني، قامت وحدة عمليات سرية لبنانية خاصة برئاسة قائد خبير في الاستخبارات هو العقيد وسام عيد بمراجعة جميع أرقام الهواتف النقالة التي وجهت إلى المنطقة المحيطة بالحريري في الأيام السابقة للهجموم وفي اليوم ذاته. وأطلق فريق التحقيق على هذه الارقام اسم (دائرة الجحيم الأولى).
وفي النهاية، حدد العقيد وسام وفريقة ثمانية أرقام تم شراؤها في يوم واحد من متجر في مدينة طرابلس اللبنانية. وتم تشغيل الأرقام قبل الاغتيال بستة أسابيع، واستخدمت حصريا للتواصل فيما بين مستخدمي هذه الأرقام فقط باستثناء مرة واحدة، ولم يتم استخدام هذه الأرقام بعد الاغتيال. ويبدو أنها كانت أدوات استخدمها فريق القتل الذي نفذ عملية الاغتيال.
وكانت هناك أيضاً "دائرة جحيم ثانية" على ما يبدو، وهي شبكة تضم نحو 20 هاتف نقال حدد استخدامها على أنه قريب من مجموعة الثمانية أرقام الأولى بشكل متكرر. ووفقا لقوات الأمن اللبنانية، فان جميع الأرقام الهاتفية المعنية كانت تابعة للذراع التنفيذية في حزب الله التي لديها مليشيا مسلحة في لبنان تفوق قوتها قوة الجيش اللبناني النظامي.
تصادف تواجد مستخدمي مجموعتي الهواتف النقالة في كثير من الأحيان في مكان واحد، وحدد مكانهم مرات عدة على مقربة من مكان الهجوم. وقد أدى تواصل رومانسي لأحد الإرهابيين لكشف هوية أحد المشتبه بهم الرئيسيين على يد خبراء التحقيقات الالكترونية. إذ وقع هذا الإرهابي بخطأ فادح باتصاله بحبيبته من الهاتف "الساخن". ولم يقم بهذه الفعلة سوى مرة واحدة، لكنها كانت كافية لكشف هويته. إذ يعتقد أنه عبد المجيد عيران.
كما تم تحديد شخص آخر اسمه "غملوش" كواحد ممن قاموا بشراء الهواتف، لكنه اختفى منذ ذلك الحين، ويبدو أنه ليس على قيد الحياة.
العقل المدبر للعملية
وقد أوصل تهور غملوش المحققين إلى الشحص الذين يشكون الآن بأنه العقل المدبر للعملية وهو الحاج سليم البالغ من العمر 45 عاماً. سليم رجل من النبطية في جنوب لبنان ويعتقد أنه قائد للجناح العسكري في حزب الله ويعيش في جنوب لبنان. وتتبع وحدة العمليات الخاصة السرية التي يقودها سليم مباشرة للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله.
وكان عماد مغنية، أحد أهم المطلوبين في العالم، وهو مدير هذه الوحدة حتى 12 فبراير 2008، إذ تمت تصفيته في تفجير في دمشق يقال إن الاستخبارات الاسرائيلية كانت خلفه. ومنذ ذلك الحين، تولى سليم جميع صلاحيات ومهمات سابقه الشهير، إلى جانب صهر مغنية مصطفى بدر الدين الذي يشغل منصب نائب له.
ويتبع هذان لرئيسهما في الحزب وللجنرال قاسم سليمان وهو حلقة صلتهما في إيران. وكانت إيران، وهي الممول الرئيس لحزب الله اللبناني قد طغت في نفوذها على النفوذ السوري.
وكلما تعمق التحقيق في لبنان بتفاصيل القضية، كلما اتضحت الصورة أكثر وفقا لمصادر شبيغل. ومن اهم الاكتشافات أن التحقيقات توصلت الى أن أحد أعضاء حزب الله هو الذي حصل على سيارة الميتسوبيشي التي استخدمت في العملية. كما تمكن التحقيق من ملاحقة مصدر المواد المتفجرة المستخدمة وهي أكثر من 1000 كيلوغرام من التي أن تي و سي 4 والهيكسوجين.
رئيس التحقيق اللبناني والبطل الحقيقي في هذه القصة لم يعش ليشهد النجاحات الأخيرة في هذه القضية. فالجنرال عيد (31عاما) تم اغتياله في عملية إرهابية تعرض لها في إحدى ضواحي بيروت (حاصميا) في 25 يناير 2008. وكانت هذه الهجمات التي أدت إلى مقتل ثلاثة آخرين تهدف على ما يبدو إلى تعطيل التحقيقات.
لكن، ومرة ثانية، كان هناك دليل على تورط وحدة كوماندو تابعة لحزب الله كام هو الحال في عشرات الهجمات الأخرى التي استهدفت عددا من الشخصيات اللبنانية في السنوات الأربعة الأخيرة.
الدافع وراء قتل الحريري
الحريري
وبهذا يبقى سؤالنا عن الدافع دون إجابة؟ إذ كثير من الأطراف لها مصلحة في مقتل الحريري. فلماذا يكون حزب الله . . . أو مؤيدوه في إيران، هم المسؤولون عن هذا الاغتيال؟
قد تكون شعبية الحريري المتصاعدة شوكة في خاصرة قائد الشيعة في لبنان حسن نصر الله. ففي عام 2005، بدأ الحريري بمنافسة نصر الله. إلى جانب ذلك، فقد كان الحريري يمثل كل ما كان يكرهه قائد حزب الله المتشدد والمتعصب: فقد كانت لديه علاقات وطيدة مع الغرب ومكانة مرموقة بين رؤساء الدول العربية المعتدلة وينتمي للطائفة الإسلامية المنافسة السنية، وبهذا فقد كان الحريري بشكل ما مزاحما لنصر الله.
هناك شك في تطور لبنان بالاتجاه الذي كان يريده نصر الله. فمباشرة بعد الهجمات الإرهابية التي نفذت في عيد الحب من عام 2005، تفشى في لبنان تعاطف كبير مع السياسي المغدور.
وأدت ثورة الأرز إلى جلب حكومة مؤيدة للحريري، وبرز ابن القائد المغدور ليصبح من أهم القيادات الحزبية والشخصيات الفاعلة في لبنان.
كان من الممكن أن يصبح سعد الحريري (39عاما) رئيس وزراء منذ مدة لو قبل المخاطرة وشعر أنه مؤهل لهذا المنصب. وبعد اغتيال الحريري، غادرت القوات السورية المحتلة لبنان استجابة لضغط دولي ولبناني محلي.
الانتخابات المنعقدة عليها الآمال والمزمع عقدها في السابع من يونيو، فستوضح إن كان لبنان سيسمح لنصر الله أن يجعله متطرفا مرة ثانية أم لا. فهو يدخل مجددا إلى حملة إنتخابات بدوره المزدوج. فهو أمين عام لجزب الله الممثل في البرلمان منذ 1992، وهو قائد مليشيا جزب الله وجزء مما يسمى بدولة داخل دولة تضع قوانينها بنفسها.
اكتشافات يرجح أنها ستؤذي حزب الله
ويحتل حزب الله حاليا 14 من مقاعد البرلمان المائة وثمانية وعشرين وهو رقم من المتوقع ارتفاعه. ويعتقد البعض أن حزب الله قد يحقق مكتسبات كبيرة، على الرغم من أن إدخال تغييرات كبيرة في النظام البرلماني اللبناني غير مرجحة. إذ أن نظام التمثيل الديني المتكافئ، بوجود قوائم توافق معدة مسبقاً تنص على أن ثلثي المقاعد يجب أن تحدد قبل الانتخابات. وفي دولة الأرز، يجب أن يكون رئيس الوزراء سني، في حين يكون رئيس البرلمان شيعي ويوكل منصب الرئيس إلى مسيحي.
إن المعلومات الأخيرة عن مصممي اغتيال الحريري المزعومين ستؤذي على الأرجح حزب الله. إذ أن هناك نسبة كبيرة من اللبنانيين يخشون اندلاع اقتتال أهلي ويتوقون للمصالحة الوطنية. لكن قائد الحركة التي على الرغم من اعترافها الرسمي يقوانين اللعبة، إلا أنها لا تزال على قائمة الولايات المتحدة للمنظمات الإرهابية مما ينذر باندلاع اشكالات جديدة في المحكمة الجنائية الأممية.
وفي خطاب له في بيروت، استبق نصر الله المعلومات الجديدة حيث تحدث عن "النوايا التآمرية" للمحكمة الدولية.
ومن المرجح أن لا يرحب بهذه المعلومات الجديدة في طهران كذلك، فهي ترى نفسها مواجهة مرة ثانية بتهمة تصدير الإرهاب.
أما موقف دمشق من المسألة فقد يكون مختلطاً. فعلى الرغم من عدم إعلان أن الحكومة السورية بعيدة عن الشبهات بعد، لكن الرئيس السوري على الأقل أصبح بعيدا عن مرمى النيران. فلم يعد هناك أي شيء تقريباً يشير إلى أنه كان على دراية بخطة الاغتيال أو أنه هو من أمر بالقتل.
من الممكن أن يتكهن المرء الأسباب التي قد تدعو المحكمة إلى حجب هذه المعلومات الجديدة عن الاغتيال. فربما يخشى المحققون في هولندا من أن هذه المعلومات قد تزعزع الاستقرار في لبنان.
رد على سؤال "شبيغل"
وفي مساء الجمعة، رد المكتب الاعلامي للمحكمة على سؤال مكتوب من شبيغل بعدم تمكنه من التعليق على ما سماه تفاصيل عملية.
أما ديتليف ميليس (60عاما) القاضي الألماني العام وكبير المحققين الأسبق لدى الأمم المتحدة فلديه مخاوفه الخاصة. فقد أدى تحقيقاته على أتم وجه وحسب المستطاع، واستجوب أكثر من 500 شاهد، والآن عليه أن يتحمل الاتهام الموجه إليه بصب انتباهه فقط على سوريا.
وأمرت المحكمة الدولية بإطلاق سراح الجنرالات الأربعة الذين اعتقلوا بناء على طلب ميليس، ما يشكل ضربة قاضية لهذا القاضي الألماني.
أحد الجنرالات الأربعة هو جميل السيد، رئيس سابق للامن العام اللبناني، رفع قضية ضد ميليس في المحاكم الفرنسية بتهمة التلاعب بالتحقيق.
وفي لقاء إعلامي أخذ السيد ادعاءاته خطوة أبعد باتهام مفوض الشرطة الألمانية جيرهارد ليمان والذي كان مساعد ميليس في تحقيقات بيروت بالابتزاز.
ويدعي السيد أن ليمان، وهو عضو في مكتب الشرطة الجنائية الألمانية الفيدرالي BKA عرض عليه صفقة مع الرئيس السوري. وبموجب هذه الترتيبات المزعومة، سيقوم الرئيس السوري بتحديد الشخص المسؤول عن قتل الحريري ويقنعه بالانتحار وبالتالي يتم إغلاق القضية.
ووفقاُ للسيد، عرضت السلطات اللبنانية عليه "عرضا غير أخلاقي" وهددته، ويدعي كذلك أنه يحتفظ بتسجيلات صوتية بهذا الحوار المدين.
لكن ميليس ينفي جميع الاتهامات. أما ليمان فلم نتوصل إليه من أجل التعليق. بينما جميل السيد المحب للأضواء فقد يحصل قريباً على عمل جديد. إذ يقال أنه من الأشخاص المرشحين لمنصب وزير العدل اللبناني القادم.
http://www.alarabiya.net/articles/2009/05/23/73637.html
*************************************************************+
http://www.al-akhbar.com/ar/node/137623