انتهت قبل اسبوعين قمة العقيد الليبي معمر القذافي وليست قمة الإتحاد الأفريقي بمدينة سرت التى دعا إليها ( الغاشى والماشى ) دون أن يتحقق مراده أو فى الحقيقية مرضه على تكوين الولايات المتحدة الأفريقية على غرار الولايات المتحدة الأمريكية لكى تواجه العالم بصوتٍ واحد وقوةٍ واحدة وعصا واحدة وتراجعاً واستسلاماً واحدا ، فبدل أن يحج الجميع صوب الغرب عموماً وامريكا بصفة خاصة يكفى وزيادة بأن يصبح الأمر فرض كفاية بأن يحج عنهم العقيد أو امبراطور القرن الحادي والعشرون ليضيف لنفسه لقباً آخر من تلك الألقاب التى يتفاخر بها أمام القادة العرب كما فعل فى قمة الدوحة الماضية ، وهذه الألقاب بالطبع لا تعني شيئاً للشعوب الأفريقية ولا تضيف نقطة للقارة المبتلاة بأمثاله ولا تعنيهم فى قليل أو كثير وهي ملقاة على قارعة الطريق فى أي شارع أو زقاق فى أفريقيا لذا يطلقونها عليه إن كان ذلك يرضى غروره ويشبع نهمه لمثل هذه الألعاب البائسة .
القذافي الذى مكث أربعون عاماً فى سدة الحكم ومن ثم يعتقد أن هذا شرف كبير له ولليبيا ولأفريقيا ووسام كبير يعلقه على رقبته ورقبة الأجيال القادمة من بعده ، ولأنه أصبح عميداً ليس فى القوات المسلحة بل للرؤساء الأفارقة وهو بالطبع خلل سياسي وتنموي وفكري وجسدي ستدفع ليبيا ثمنه ولأجيال عديدة قادمة وستنفجر بعد كل سنوات الكبت والقهر التى عاشتها طوال حكم القذافي صاحب القبضة الحديدة وبالتالى ستدفع القارة الأفريقية أثماناً مضاعفة أيضاً فيما بعد لأن القذافي وأمثاله من المتشبثين بالسلطة قد فشلوا تماماً فى نقل بلادهم ناهيك عن القارة الى المنافسة الدولية بأسس مدروسة وصحية وعادلة لذا نراهم يديرون بلادهم وبالتالي القارة بطرق تاريخية أى بأساليب وأمزجة عفا عليها الزمن .
ليس هناك فرق بين القذافي وغيره من القادة أو الحكام الأفارقة إذا استثنينا القلة القليلة منهم وعلى رأسهم بالطبع نيلسون مانديلا ، أما البقية الباقية إما ناهب أو مجرم حرب أو قاتل أو ظالم أو فاسد أو سارق أو ابن ستين سارق .
ما يريده القذافي من لهاثه الطويل خلف إنشاء الحكومة الإتحادية الأفريقية ذات الصوت الواحد هو أن يصبح ليس الزعيم الليبي بل الزعيم الأفريقي والقائد الأفريقي ومن ثم الحاكم الأفريقي وهو بالطبع لقب لم يحظ به أياً كان ، وإن كانت نظرة القذافي إلى الأمور بهذه الشاكلة تكون نظرتة ليست مخيبة فقط بل خائبة أيضاً لأن إفريقيا لم ولن تحكم من قبل شخص واحد ولن يستطيع أحد أن يحكمها أو يحكم دولة فيها وينام قرير العين وهذا هو سر قوتها وسر ضعفها أيضاً هذا من جهة ومن جهةٍ أخرى فقد إتضحت نوايا العقيد بعد أن مارس ضغوطه وقراراته الفوقية واصدر زوراً قراراً باسم الإتحاد الأفريقي بعدم تعاون الإتحاد الأفريقي مع قرارت المحكمة الجنائية فيما يتعلق بالبشير وجرائم دارفور وبذلك القرار يريد القذافي أن يحمى ذيله وذيل بقية القادة من الملاحقات والمطاردات والملصقات الدولية حتى وإن تسببوا فى موت كل الشباب الأفريقي الذى يمر فى مفارقة غريبة عبر مملكة ملك ملوك أفريقيا فى البحر المتوسط غرقاً أو فى بطون أسماك القرش .
أفريقيا تحتاج الى ثورة بل ثورات أخرى لتحرير داخلي للتخلص من الإقطاعيين والطغاة والمتجبرين والمتكبرين من بنى جلدتهم الذين تنكروا لهم ولمستقبلهم ولقارتهم ، فأفريقيا التى يريد لها القذافي كما يقول القوة التى يحسب لها الغرب ألف حساب وتمسى وصوتها يضرب عنان السماء وتصبح وهي لا تتوقف عن التصفيق له ولبقية القادة لا تحتاج لأن تكون كالإتحاد الأوروبي الذى نراه ماثلاً اليوم لأن الإتحاد الأوروبي لم يبدأ بمن يحكمه أو يصبح رئيسه بل هذا آخر ما فكروا فيه ولكنهم بدأوا من الأساس لأنه الضمان الوحيد لإستمراره ككيان حقيقي فاعل .
وفى الإتحاد الأوروبي لم تفقد الدول سيادتها أو قراراتها الخاصة بها كدول حين الإنضمام للإتحاد ولم يمارس أحد سياسة الضغط والتهديد ووشوشة المال وهفهفة الرشى أمام الرؤساء الذين لا حول لهم ولا قوة ، بل كل الذى فعلوه فى الإتحاد الأوروبي هو الإتفاق على الخطوط العريضة فى مسألة القرارت وكيفية التعامل مع العالم الخارجي ككتلة واحدة بعد مباحثات ومداولات لسنوات طويلة وبموافقة برلمانات بلادهم الغير مزورة والإصغاء الجيد لصوت الشعب دون الإلتفاف على إرادته أو تزويرها بل كان الهم الأول والأخير لهذا الإتحاد الأوروبي هو الرقي والتقدم والريادة الحقة ورفاهية الشعب التى ابتدأت بالديمقراطية الحقيقية لتداول السلطة والتوزيع العادل للثروات وحق الفرد فى التنقل والحركة والعمل دون قيود أو شروط أو ( طوابير فيزا ) هذا بالإضافة لحق المسكن والعلاج والتعليم المجاني وربط الدول بوسائل النقل من سكك حديدية ورصف الطرق وصيانتها على مدار اليوم وكذلك فيما يتعلق بوسائط المواصلات العلمية الحديثة حتى أصبحت القرى النائية كالمدن الكبيرة من حيث الخدمات وتوفير كل مقومات الحياة الأساسية بها ، هذا ما تحتاجه القارة الأفريقية فى الوقت الحالي على الأقل وعند ذلك ستقتنع الشعوب وبشكل تلقائي بجدوى الولايات المتحدة الأفريقية أو دولة أفريقيا أو مملكة العقيد أو أمبراطوريتة حتى ، ولكن ليس بطريقة فرض الرأي على القادة الأفارقة ومن ثم ينسحب ذلك الفرض على الشعوب برمتها لوأد القارة للألف سنة القادمة .
أما أن يحلم القذافي بادارة دفة أفريقيا من خيمته الصحراوية تلك كما أدار ليبيا خلال الأربعين سنة الماضية عن طريق الكتاب الخضر واللجان الشعبية الفاشلة تلك ومن ثم يفكر فى نهاية عمره المتبقى له فى هذه الحياة عن كيف يضيف لقباً ثورياً آخر دون أن يقدم لشعوب القارة شيئاً ملموساً يفيدها أو يفيد الأجيال القادمة فيها فلن يكون وإن حدث واستخدم القذافي أموال ليبيا ( الهامله ) فى إقناع هؤلاء القادة الفاسدين فسينتهي المشروع بجرة قلم بمجرد موت زعيمه ( أطال الله فى عمره وعمر موغابي وعُمر البشير وأفورقي ) وستتمزق القارة ويختلف قادتها أكثر فأكثر لأن المشروع ببساطة ليس من أجل القارة بل من أجل العقيد وبذا يكون القائد الأممي المزعوم معمر القذافي سبباً آخر من أسباب الخراب والتمزق الأفريقي وليس العكس .
إذا كان العقيد الليبي الذى يتحكم فى ستة ملايين ليبي بقبضة حديدية خلف اللجان الشعبية ولم يستطع أن يجعل من ليبيا طوال أربعين عاماً دولة تذكر على الخارطة الإقليمية أو الدولية لا من حيث الديمقراطية وحقوق الإنسان ولا من ناحية التأثير الإقتصادي أو الصناعي أو التكنلوجي بالرغم من وجود النفط والغاز وكل الذى فعله فى مسيرته الأربعينية لا يرقى لذلك المفكر العظيم الذى يريد أن يكونه العقيد فقد بعثر الأموال الليبية خلف الألقاب والأضواء وضد كل من لا يدور فى فلكه من الرؤساء والقادة وكذلك فعل فى أكذوبة النهر الصناعي العظيم ، والمؤسف حقاً أن الأموال الليبية المبعثرة هنا وهناك لا تظهر أرقامها فى ميزانية اللجان الشعبية أو فى أي بند حتى وإن كان ذلك البند هو صندوق القذافي لتمرير الأجندة الثورية والشئ الذى يمنع ظهور مثل هذه الجرائم فى إهدار مقومات الدولة وبعثرة الأموال هو الفساد فى التعريف بأرقامها الحقيقية وكيفية إدارتها وأماكن صرفها وأسباب ذلك وكثرتها أيضاً قياساً مع عدد السكان القليل جداً فى ليبيا مما يساعد على ستر العورات ومداراة الخلل الذى يمارسه العقيد ونظامه عكس الدول الأفريقية الفقيرة الأخرى إذ تظهر مواضع الفساد وتفوح روائح الفاسدين الكبار قبل الصغار بسبب ضيق ذات يد الرؤساء وخيانة الأمانة القليلة التى بين أيديهم فتقوم الإحتجاجات ويظهر التمرد وتتوالى الإنقلابات وتكثر الهجرات ويزيد اللجوء وتتفاقم الأمراض وتجري الدماء وعندها ينهار كل شئ ، فاذا فشل زعيم ليبيا فى جعل دولته ذات قيمة أو موقع مؤثر فى العالم من حولها برغم كل ما لديها فمن المستحيل أن يجعل من أفريقيا قارة ذات صوت أو ذات إستقلال أو إرادة طالما ترك أولويات الشعوب وإبتدأ بأولويات الرؤساء والحكام وجرى خلف الألقاب هذا إذا استبعدنا عامل السن الذى بدأ زحفه المقدس نحو الزعيم .
القذافي الذى دعا لقمته السرتية كل من رأى فيه أداة للتصفيق والموافقة والدعم المعنوي ليشهد معه ميلاد الإتحاد الإفريقي على يديه بكل ثقة وكبرياء مما جعله يحول القمة الى مناقشات هامشية لدعم أفكاره اللامعقولة بطرق أقل ما يقال عنها أنها صبيانية وعقيمة بدل أن تناقش القمة الأمن الغذائي وكيفية محاربة الجوع والفقر والمرض الذى تعانى منه القارة بالرغم من إمتلاكها كل المقومات الطبيعية منها والبشرية لتصدير الغذاء للخارج وليس مجرد الإكتفاء الذاتي الذى يرددونه فى كل محفل بسبب عجزهم المفضوح .
القذافي لا يستطيع أن يؤسس لوحدة أو إتحاد بالمعنى الحرفي للكلمة لأنه ببساطة شديدة لا يؤمن بحرية الرأي من ناحية ولا يحتمل سقف الوحدة من ناحية ٍ أخرى وبالرغم من إدعاءه الثورية إلا أنه لم يستطع أن يطبق شعاراً واحداً من جملة الشعارات الوحدوية التى رفعها طوال فترة حكمه والسبب أن الإتحاد هو عمل حقيقي متكامل على الأرض مع الغير قبل أن يكون شعارات وهتافات وأضواء واجتماعات وخطابات حماسية تنتهى بانتهاء المناسبة .
لقد فشلت الوحدة التى أقامها القذافي مع مصر والسودان وكذلك فشل الإتحاد المغاربي و( س ص ) فى الطريق أيضاً والسبب الذى أدى لذلك الفشل هو العقيد نفسه لأنه يريد ان يقيم الوحدة ويرعاها ويسبها ثم يعود ليوجهها فى اليوم التالى كيفما يريد وفى الوقت الذى يحدده هو دون أن يعترض معترض وما أن يتجرأ عليه أحد بسؤال أويناقشه مناقش أو ينتقده منتقد فى أمرٍ من الأمور إلا وتثور ثائرته وبعدها يكون ذلك الإتحاد أو تلك الوحدة فى خبر كان ولا تقوم لها قائمة بعد ذلك أبداً وما الفشل الذريع الذى تعاني منه الجامعة العربية أيضاً إلا وكان القذافي أحد أكبر أسبابه أو مسبباته ، وهاهو بعد أن أصبح شيخاً يقارب السبعين من العمر يريد أن يكون السبب الرئيس فى تمزيق ما تبقى من مستقبل القارة الإفريقية بعد أن كان هو ومن معه من القادة سبب تعاستها فى الماضى والحاضر .