{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 12 صوت - 3.58 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
قراءة في توبة ابن القمني عن الأفكار التنويرية .
بهجت غير متصل
الحرية قدرنا.
*****

المشاركات: 7,099
الانضمام: Mar 2002
مشاركة: #61
RE: قراءة في توبة ابن القمني عن الأفكار التنويرية .
أعلم أن سيد القمني مريض و مريض جدا ، ولن ننتظر منه الكثير ،و لكن من المهم جدا أن يظل القمني على جواده حتى اللحظات الأخيرة ، فهو الرمز الباقي بعد أن غيب المرض و الموت و الإغتيال و المطاردة باقي فرسان الحرس القديم ، إني على ثقة أن هناك فرسان آخرون يستعدون للتقدم مستلهمين بسالة فرج فوده و إبداع العشماوي و حماس سيد القمني ، و أريد عندما يصل هؤلاء الفرسان إلى الساحة أن يجدوا سيد القمني هناك و أن يتسلموا منه الراية كتقاليد فرسان الحرية دائما ، أريدهم ان يسمعوا سيد القمني يردد مناجاة نيكولاس كازانتزيكس في مخلصي الرب
" إن صلاتي ليست همهمة المتسول ولا إعتراف حب ،و ليست مساومة تاجر صغير .. أعطني و سأعطيك ، و لكن صلاتي هي تقرير جندي لجنراله الأعلى ، هذا ما فعلته اليوم ،وهكذا قاتلت ببسالة معركتي في القطاع الدفاعي ، هذه هي المصاعب التي واجهتها ،و تلك هي خطتي للقتال غدا "
................................................
هذا ما خطر ببالي و انا استمع صوت سيد القمني عندما هنأته بالجائزة منذ أيام .
قد لا تكون هذه الأيام أروع أيام مصر ،و لكنها أمجد أيام بعض المصريين و منهم سيد القمني ، اولئك الذين يقاتلون معركة الحرية في الميدان المصري ، أولئك مبعوثي الحضارة و المدنية و العلمانية ، اولئك الذين يعدون خطتهم للقتال باكر و كل يوم .
لقد قلت لسيد القمني ان الحرية تنتصر في كل الجبهات و لن نبقى استثناءا ، كنت أشعر أني لا أعبر عن نفسي فقط ، بل عن كثيرين جدا بعضهم في هذا النادي ، عن الذين يجيش بالوحي المقدس قلبهم فلا يحفلون بفداحة الأنواء .
........................
سأكرس هذا الشريط تباعا لعرض أفكار و كتب سيد القمني جهد الطاقة ،و أدعوا الزملاء القادرين إلى المشاركة ..
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 07-15-2009, 12:16 AM بواسطة بهجت.)
07-15-2009, 12:00 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
يجعله عامر غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 2,372
الانضمام: Jun 2007
مشاركة: #62
RE: قراءة في توبة ابن القمني عن الأفكار التنويرية .
حمد الغيثي كتب:في أحد أشهر عام 2006، وبعد أن أذهلتني جداً محاضرات أستاذي عن نظرية التطور وتفرعاتها المختلفة، استوقفتهُ طويلاً كي أسأله أكثر. كان الخوف والرهبة يملآني لأن معرفة جديدة أضيفت إليَّ وتسببت في اختلال الموقفِ الداخلي حينها.

كان لابد من ذلك الحديث أمام الأستاذ، كي يخبرني عن التناقضات، والمبهمات في نظرية التطور، ودون شك عن الانجازات العلمية التي أخذت طريقها لمنابر العلم في أنحاء العالم. والنظرية تشرحُ التكون الفيزيائي للكائنات الحية، ومنها الإنسان. إنها لا تتكلم عن الأرواح أو طبيعتها، ولا عن النفس، ولا عن الاقتصاد والسياسة. إنها فقط نظرية بيولوجية بحتة تبحث عن أصل الكائنات.

وها هو الإنسان المتعلمُ يدركُ اليوم الصيرورة التي أنتجت لنا زيداً وعمراً من الناس، والضأن والماعز في الماشية، وغير ذلك من خلقِ اللهِ وفقاً لتلك النظرية المثيرة. وجهُ الإثارة كمنَ في الاعتراض الكبير على هذه النظرية العلمية من قبل الدينيين الذين لم يتحدثوا وفقاً للمنطق العلمي، بل الديني. وشتان بينهما!

لن نتحدَّثَ اليوم وغداً وبعده عن الدارونية، وتفاصيلها المثيرة للجدل، والاهتمام بل سنتحدثُ عن الدراسات المعرفية والحفريات الانثربولوجية في مجال الأسطورة التي أنتجها لنا العِلمُ الحديث. لن أكتبَ شيئاً من عندي، بل سأعرضُ فقط ما أقرأه، وسبقَ قراءته. سنعيشُ عصر الجنون، ولحظة انحراف البوصلة التي طالما شاهدنا مع جاك سبارو في "قراصنة الكاريبي" دون أن نعيشها..

لا مجال للتراجع .. هيَّا نقرأُ..


..يُتبعُ..

____________
اقتباس:-٢-


في هذا الموضوع سنتناول كتاب "الأسطورة والتراث" لسيد القمني. لن يكون حديثاً عابراً، بل قراءة متفحصة كفيلة بعرض ما احتواه هذا الكتاب، ثم لنا بعد ذلك أن نقيِّم ردة فعلنا تجاه ما فيه. والكتاب لولبيُ البنية، فيبدأ الكاتب "ليؤسس" مشاهد جزئية لقراءه ثم يستخدمها لاحقاً في بناء الصورة الأكبر لاحقاً.

لهذا نبدأُ من المقدمة، مقدمة الكتاب التي أرادها الكاتب تأسيساً للقاريء، يبين فيها الكاتب رؤيته للأسطورة والدين والتراث، والعلاقة الهلامية التي ننظرُ بها لكلٍ مما سبق. وإنه يعرضُُ المنهج في مقدمته، كي يفاجأنا لاحقاً بحفريتاه المثيرة.

"وكما هو حادث ومشاهد، ينجم عن وضع الدين كإحداثيات إعجازية، تخرق نواميس الواقع ومنطق الطبيعة وقوانين التطورـ تسلسل آخر للبحث عن معجزات جديدة، كانت مستبطنة فيه، مع انتظار راكد بليد وسقيم، لخلاص سماوي وإعجاز علوي يتدخل مباشرة، ليحل لنا أزمتنا ويعيدنا إلى عصر الفتوحات، فنحمل السيوف تتقدمنا جيوش الملائكة، فقط على الجميع أن يلتزم الفروض والسنن بكافة دقائقها من الصلاة حتى المسواك، وبدءً بطاعة الله وانتهاءً بطاعة أولي الأمرِ منا.

...وينادى بإلحاق كافة العلوم بمصدر سماوي، يصدر التأكيد بعجز العلم البشري وقصوره، وينتفي دور العقل الذي أنتج تلك العلوم خارج حدودنا العصماء، وإبان ذلك يتم تسفيه ذلك العقل وتلك العلوم، كلما تصور المتعالم التلفازي ذو العلاقات المعلومة والرائحة المميزة أنه قد عثر على ثغرة في ذلك العلم في غفلة من كل علماء الدنيا، ثم لا يجد مناصاً بعد كشف الثغرات والنفخ في النعرات من إحالة شبابنا بعيداً عن كتب الكيمياء والفيزياء والاجتماع والتاريخ والسياسة إلى كتاب الله وحده الذي يشمل كل ما تم الكشف عنه، ومالم يكتشف بعد، دون أن يكلف سيادته نفسه مرة واحدة بالكشف عن نظرية علمية واحدة من كتاب الله قبل أن يكتشفها علماء الدول المتقدمة الكافرة بعقولهم القاصرة."

يقولون لا تراث لنا غير العروبة والإسلام, فيؤكد العديد من مدوني التراث أن هذا التراث ذي الأبعاد الزمانية المكانية، لم ينشأ إلاَّ في جزيرة العرب (العروبة)، وزمنَ التقاء وحي السماء بالأرض (الإسلام) ليؤسس لهذا التراث، ويُفرض لاحقاً على الشعوب والأمصار المفتوحة مع قطيعة مع الماضي..

إهمال دراسة اللامعقول في تراثنا القديم (قبل الإسلامي) بدعوى أسطوريته يفقد تراثنا جزءً مهماً، ومُؤسساً. ثم إن هذا اللامعقول هو مهم أيضًا ليقودنا لدراسة المعقول ذاته. ويستفسر القمني إن كان الإسلام المرتبط بالعروبة ضرورةً قد جاء بقطيعة معرفية مع الأسطورة، حتى يمكن القول أن هذا معقول وذاكَ لامعقول؟ ثم كيف يفسر أصحاب تلك الرؤية مواضيع إيمانية -لا شأن للعقل بها- مثل حادثة الإسراء والمعراج، أو تصنيف دابة البراق تصنيفاً علمياً أو ناقة صالح..إلخ.

ويعتقد القمني أن الأسطورة تتناول الآلهة والأبطال الاجتماعيين والأحداث المهمة وفق لغة وتصورات وتخيلات وتأملات وأحكام تناسب العصر والمكان الذي صيغت فيه، وشكل الأنظمة والمستوى المعرفي. وهي في الوقت ذاته تشكل ثقافة عصرها، بحيث تبدو ذات خصوصية تربطها ببيئتها ومجتمعها بحيث يمكن من دراستها استقراء التاريخ الأصدق لزمنها ومكانها. أما الأديان فهي منتج حضاري نشأ في الحواضر أو المدن، فنشأة الدين وتطوره ارتبط بنضوج المجتمع وظهور التقسيم الطبقي.

يُتبع..
__________

-٣-

الفصل الأول: الإله النقيض

يتناول هذا الفصل تطور فكرة الإله من الأساطير إلى بدايات تكون الأديان. ثم يتناول تطور فكرة الآلهة في هذه الأديان، وربطها بتغير الظواهر الطبيعية مثل الخصب والقحط، وتوالي فصول السنة، وتغير الليل والنهار. تطورت الآلهة في ارتباطاتها بالظواهر الطبيعية من آلهة للخصب والقحط، إلى آلهة النور والظلام أي تطورت الأديان إلى ثنائية الخير والشر. كان السبب الرئيس خلف ذلك هو ارتباط النشاط والحركة بالنهار، والسكون والخوف من الحيوانات الضارية حينما يأتي الليل. يعرض الفصل كذلك خلاصة توازي ظهور هذه الآلهة المتشابهة في أديان متعددة ارتبطت بأقوام مختلفة من أجناس مختلفين، مثل الهند وفارس، والهلال الخصيب ومصر.

رصد الفصل الأول تطور فكرة المُخلص والمنقذ الذي ظهر للمرة الأولى في الديانة الزرادشتية ببلاد فارس. حيث آمنت هذه الديانة بظهور اثني عشر مُجدِّداً من نسل زرادشت يظهرون كل ألف سنة، حتى يكون الظهور الأخير فينتصر الخير ضد الشر في العالم. رأينا تجليات هذه العقيدة عند المسلمين الشيعة (باختلاف مذاهبهم)، فهم يؤمنون بالنُطف الإلهية أو المقدسة التي تتوارث الرعاية الإلهية أو الإمامة (المذهب الإثني عشري الجعفري، والإسماعيلي الشعيَّين)، ثم يظهر في نهاية الزمن المهدي المخلص الذي يملأ الدنيا عدلاً كما ملئت جوراً. لكن هذه العقيدة في محتواها تحض على استكانة الطبقة الكادحة للظلم الاجتماعي وضرورة انتظارها لظهور المخلص آخر الزمان.

صورة الشيطان في الديانات السماوية ناتج من تطور إله للشر في الديانات البدائية إلى ملاك عاص للإله. وقد استمد الشيطان صورته المتخيلة عند الناس كقرنيْ إبليس من إله التيوس الملقب بعزازيل عند البابليين ذي القرون الكبيرة. آيات القرآن تشير أحياناً لكون الشيطان ملاكاً عاصٍ وأخرى لكونه جنياً. وهناك انقسام آخر بحسب القرآن عند الجن الذين تبع بعضهم الله الخيِّر وبعضهم إبليس. (هناك تطور تدريجي ورهيب لظهور فكرة الإله الشرير ثم الملاك العاصي عرضها سيد القمني في هذا الفصل، وقد اختصرتها في عجالة مجحفة!).

تطور الفكر الإنساني من الإيمان بتعدد الآلهة إلى الإله الواحد ألزم الإبقاء على مصدر للشر، كون الإله لا يصدر عنه إلاَّ الخير فقط. لهذا كان وجود إبليس المخلوق وليس الإله ضرورياً لتبرير شرور العالم.

تطور دلالة الحية (الأفعى) في الأساطير البابلية لتطل علينا في الديانات السماوية من خلال قصة آدم وحواء التي تخفى إبليس في الحية ليغوي حواء وآدم. اكتشف المؤرخون نقشاً سومرياً به رجل وامرأة يتناولان ثمرة من نخلة، وخلف حواء ظهرتْ حية! ص60 (وهذا النقش يسبق التوراة بآلاف السنين في قدمه!). نلاحظ كذلك أن جسد الحية تطور لاحقاً ليكون جسداً للإله الشرير (إبليس). تكون جسم إبليس من جسم حية، أو جسم قريب من التنين في بعض الآثار، مع قرني التيس البابليين.
__________________

ما طرحتُه بالأعلى حول الفصل الأول من كتاب القمني كان مقتضباً جداً، ولا يوصل الفكرة الرئيسة في ذلك الفصل حول تطور فكرة الإله، والإله النقيض (الشرير) فكان لا بد من توسع أكبر.



-٣-

الفصل الأول: الإله النقيض

يفتتح القمني الفصل الأول من كتابه هذا بذكر بعض الطرائف التي علق فيها المسلمون صدماتهم ومآسيهم واغترابهم عن الواقع على الشيطان، الذي تحول من مجرد رمز ديني إلى مارد كبير يتدخل في حياتنا فيفسد الأخلاق، ويسبب القحط، وتأخر الأمة الحضاري بإغوائه أبناءها عن الطريق القويم. وكل هذه الأدوار التي يقوم بها الشيطان تلمح "لتمكنه من العقل الشرقي" كما يقول القمني. وقد أعطى هذا الدافع للقمني كي يبحث عن المنشأ؟ كيف جاء الشيطان، وتكون وتطور في هذه العقلية؟

تبدأ هذه الرحلة المثيرة منذ البدايات، بدايات تكون الإنسان البدائي بشكله الحديث بيولوجياً، فقد ميَّز هذا الإنسان في بداياته بين ظواهر الطبيعة إلى إيجاب وسلب، عطاء ونقص، ظلام ونهار، تكاثر وغداء مقابل موت وجوع. لهذا تقرَّب الإنسان لهذه القوى المتقابلة، "للظواهر الخيرة كي يزداد خيرها، وللظواهر التي يخشى بأسها ليتحاشا شرها ونقمتها، ويقلل من ضررها". ومع توالي ملاحظات الإنسان لفصول السنة توصل إلى أن هذه القوى تتناوب، فعلله بصراع قائم بينهما، فقام يشمر عن ساعديه لمساعدة قوى الخير بالقرابين والأضاحي مع طقوس العبادات، وتودد لقوى الشر عبر السحر وغيره اتقاءً لغضبها.

ومع تطور الفكر الإنساني، جسَّدت الشعوب القديمة هذه القوى في آلهة معينة مسؤولة عن ظواهر الخير، وأخرى لظواهر الشر ثم نسجت قصص الصراع بينهما في تفسير لتعاقب ظواهر الطبيعة. لهذا عبد المصريون القدامى "أوزي يرس" إله النيل والخضرة، وكان "سِت" إله الشر والصحراء. بينما عبد الرافديون تيامة "تهامة" إلهاً للشر، وكان "مردوخ" رب النور والضياء (والضياء مرتبط بالشمس الضرورية للحياة الخضراء). وعند الكنعانيين كان "موت" إله الشر، و"بعل" إله الخير. ومن خلال الصراع بينهما ترجح كفة بعل فتكون الدنيا خصباً، وينتصر "موت" فيحل الشتاء أو الجدب في الأرض..(لاحظ أن اللغة العربية احتفظ بالمفردة السامية موت، لتدل على حالة السكون).

أما في بلاد فارس فقد كان الصراع على أشده بين إله الخير (هرمز) وإله الشر(أهرمان). ومن الطريف في الأمر أن "قدماء الفرس كانوا يحتفلون بميلاد إله الخصب والنماء في ٢٥ ديسمبر، أي عندنا تبدأ الشمس دورتها الجديدة. لذا كان إله الضياء والشمس. ويصادف هذا التاريخ احتفال المسيحية بميلاد "يسوع المسيح"، وموعد احتفالها بعيد قيامة المسيح يوم 20 إبريل هو ذاته موعد قيامة ذلك الإله الخيِّر.


تطور المُخلص والمنقذ الذي ظهر للمرة الأولى في الديانة الزرادشتية ببلاد فارس. حيث آمنت هذه الديانة بظهور اثني عشر من نسل زرادشت (الذي بعثه إله الخير هرمز إلى الأرض ليساعده في محاربة الشر) مجدداً يظهرون كل ألف سنة لدعوة الناس إلى طريق الخير، حتى يكون الظهور الأخير فينتصر الخير ضد الشر. ظهرت هذه العقيدة عند المسلمين الشيعة. في محتواها تحض على استكانة الطبقة الكادحة للظلم الاجتماعي وضرورة انتظارها لظهور المخلص آخر الزمان.

الشيطان اليهودي:

اخترع اليهود "بعد فترة التيه" في سيناء إله شريراً مساوٍ لإلههم القومي (يهوه) سموه عزازيل، ونسبوا له أسباب الشرور التي حلت باليهود. جاء بالتوراة: "ويلقي هارون على التيس قرعتين، قرعة للرب، وقرعة لعزازيل". لكن القمني يعود بعزازيل اليهود هذا إلى أصل بابلي، فيجزم أنه هو إله الهلال "سين" الذي رمز له بالتيس أو قرون التيس. وأطلق اليهود على إله الشر ألقاب عديدة منها شيطان وإبليس، والتي كانت في أصلها اليوناني Dia-Bolos. وDia من Deuce الكنعانية القريبة من تيوس العربية وهي جمع تيس، والذي هو سين إله التيوس البابلي.

ومع ارتقاء الفكر البشري إلى التوحيد عوضاً عن تعدد الأرباب، كان من المستحيل التخلص من تراث الإله الشرير في ظل وجود الشرور في العالم، مع افتراض أن الإله الأزلي الأبدي الكامل لا يصدر عنه إلاَّ الخير فقط. لهذا أدخلت المسيحية إله الشر البابلي من الباب الخلفي فجعلته ملاكاً متمرداً ليصنع الخطيئة الأولى وليكون مصدرها على مر الزمن. وقد أغوى الشيطانُ آدم ليأكل من الشجرة المحرمة عبر تنكره بصورة حية.

أما في الإسلام فكان فقد ظهر الشيطان "بذات التسميات القديمة ، فهو إبليس، وهو الشيطان". وتؤكد بعض الروايات الإسلامية أن اسم الشيطان كان عزازيل قبل أن يغيره الله إلى إبليس (إحدى إسرائيليات التراث الإسلامي)! وكان رد إبليس على خالقه بعد الحوار الذي ورد في القرآن الكريم: "بعزتكَ لأغوينهم أجمعين"، فتأكد أن إبليس هو مصدر الشرور في الإسلام، ليعيد الصورة القديمة لإله الشر مقابل إله الخير.

كان تحول الآلهة إلى ملائكة (خيرين أو عاصين) جاء متفقاً مع تحول العقلية البشرية إلى التوحيد، فأثناء وبعد فترة السبي اليهودي في بابل ضم اليهود إلى تراثهم الديني أغلب آلهة الرافدين القديمة وعلى رأسهم الإله الجبار إيل، فنشأ لديهم مجموعة من الآلهة المساعدة -عرفت لاحقاً لدى اليهود بالملائكة- مثل عزرا-إيل، ميكا-إيل، جبرا-إيل..إلخ. ومما يجب ملاحظته هنا المكانة الخاصة لإله البابلي الجبار إيل (جبرا-إيل، جبريل) ليكون كبير الملائكة في اليهودية، ثم نرى تكرر الشيء ذاته في الإسلام.

شكل إبليس:

إضافة لقرني التيس التي ميزت إله الشرور إبليس من التراث البابلي، اتخذ الشيطان رمز الحية، فكيف يحلُ القمني هذا التوازي في الرمز الشيطاني؟. جاء في سفر "أشعيا" بالكتاب المقدس أن عرش الرب تحرسه ملائكة تسمى السرافيم، لكن المعنى العبري لكلمة ساراف هو الحية. وقد جاء بالتوراة أن الحية تسللت إلى الجنة لإغواء آدم وحواء. فيكون حينها إبليس هو أحد الملائكة ذوي أشكال الحيات أو الذي تخبأ في فم الحية كما جاء بالإنجيل.

"ومن هنا أصبح الشيطان ممثلاً في الحية والتنين والتيس لدى المسيحين، فبقيت اللوحات الفنية المسيحية تمثله بالحية وبالتنين في جميع أعضاءه عدا الرأس الذي حُوِّل إلى رأس إنسان ذي قرنين أو أذنين صاعدين مكان القرنين، وكلما تقدمنا زمنياً وجدنا الأعمال الفنية المسيحية تستبعد عن صورته الحية والتنين لتخلفهما ملامح إنسان خبيث، لكنه محتفظ بالقرنين أو الأذنين الطويلين والظلف المشقوق والذي الذي غالباً ما ينتهي برأس الحية".

ويختم القمني فصله المؤسس بالحديث عن نقش سومري اكتشف حديثاً ويعود تاريخه إلى الألف الثالث قبل الميلاد يصور ذكراً وأنثى يتناولان ثمرة من نخلة، وخلف حواء تدلت حية في وضع يوحي بنفس الصورة التي جاءت بعد ذلك في القصص الديني، لتؤكد مقولة العقاد: "إن التطور في الديانات محقق لا شك فيه".
__________________
-4-
الفصل الثاني: زهرة للحب، زهرة للحرب


الزهرة إنه الكوكب الجميل الذي يخرجُ مع الشمسِ صباحاً، ويظل لامعاً في الليلِ. لهذا راقبه الإنسان القديم، واهتم بأمره وحاك حوله الأساطير المثيرة. لذا اهتم البابليون بالكواكب الخمسة السيارة التي اكتشفوها حينها (عطارد، الزهرة، المريخ، المشتري، زحل)، وأضافوا لهم الشمس والقمر ليصبح الرقم سبعة رقماً مقدساً عند البابلين، وليصنعوا منه أيام الأسبوع السبعة. ويورد القمني في فصله هذا جزءً من اللوح الخامس لأسطورة الخلق البابلية: "إن النجوم هي صور الآلهة.. هي رموزها". وقد قدَّس العقل البشر تلك الرموز الإلهية في السماء بعد مرورهم بمرحلة أكثر بدائية منها، وهي اتخاذهم الآلهة في صور الحيوانات (الطوطم، الطوطمية)، فارتقوا إلى السماء من الأرض بآلهتهم.

ولأن الإنسان الرافدي مزارع لطبيعة الأرض حوله، فقد قدَّس تربة الأرض بداية لاعتقاده أنها مصدر الخصوبة، ثم فصل الخصوبة عن التربة، ونسبها لإلهة أنثى في السماء تمنح الخصوبة والعطاء والميلاد كما هي أنثى الإنسان. لهذا أصبحت هذه الإلهة أحد أقوى الآلهة ومحركاً كونياً قوياً، ثم اختار لها كوكب الزهرة ليتمثلها فتحول إليها عابداً ذاكراً "ليسجد على الأرض رافعاً يديه للسماءً". وقد تركت الرسوم الرافدية تلك الصور، ومما كان فيها النجمة الثمانية الإشعاعات التي ظهرت لاحقاً في مآذن المساجد. سمى السومريون هذه الإلهة "إينانا" ويعني سيدة السماء، ثم جاء الساميون إلى أرض الرافدين فتغير اسم هذه الإلهة إلى "عشتار"، وهي من العشرة، والمعاشرة، والولادة التي تختصُ بها الأنثى وحدها. لهذا عبد الرفديون الإلهة الأم التي كانت مصدر الخصب والنماء.

وتمنح الإلهة (عشتار أو إينانا أو الزهرة) الخصب والنماء طالما هي بالأعلى، ولكن حالما تُضحي بنفسها، وتذهب للعالم السفلي مضحية بنفسها يحل الشتاء العالم، فيجدبُ الناس. هكذا فسَّر الرفديون سر توالي الفصول.

الزهرة رب الحب والحرب

وعندما جاء الآشوريون، تلك القبائل المحاربة لبلاد الرفدين، ليؤسسوا مملكتهم تحولت عشتار من إلهة للخصب والنماء إلى أشياء أخرى. لاحظ الآشوريون أن تلك الزهرة تخرجُ مرتين في اليوم، صباحاً ومساءً. فاتخذوها إلهة للحرب صباحاً، وللحب والجنس والشهوة مساءً. إلى أن هذه الأدوار الجديدة لم تنفِ دورها السابق. لهذا ارتبط بعبادة عشتار طبقة من العاهرات العشتاريات المقدسات اللاتي كنَّ في المعابد لخدمة الآلهة. واستوج ظهور هذه الطبقة المقدسة حول عشتار لخدمة نزوات الإلهة والفعاليات المصاحبة لها. لهذا كن هؤلاء النساء من الطبقة العليا في المجتمع منذورات للخدمة في المعبد. ورغم أجواء العهر المصاحب لعبادة الزهراء إلاَّ أن الناس ظلوا يخاطبونها بالعذراء، أو الأم العذراء المقدسة، في إشارة للعذروية التي تسبق الخصب.

وبسب التداخل الحضاري، والتواصل بين الأقوام فقد انتقلت عبادة الزهرة إلى الشام عند الكنعانيين "إنات" وأبناء عمهم الفينيقين "إستار"، ونقلها الفينيقيون إلى اليونان بصورة أثينا أو أفروديت، وإلى الرومان بصورة فينوس. حتى اليهود دخلت هذه الإلهة في طقوس عبادتهم كما وردَ بنصوص متفرقة في الكتاب المقدس، إضافة "لسفر نشيد الإشاد المنسوب للنبي سليمان،لا يتسمم بأية صفة دينية، ولا يمت للمعتقدات العبري بصلة، كما لا تنسجم محتوياته أصلاً مع طبيعة الكتاب القدس، فهو أناشيد غزلية مكشوفة تماماً تنضح بالتعابير الجنسية، تدور كحوار بين عشيق وعشيقته، يصف فيها العاشق مفاتن عشيقته واقتدارها الجنسي، وهو بالمقارنة مع طقس عشتار المسمى ب(الزواج المقدس) بين الكاهنة الكبرى للبغايا المقدسات، وبين الملك الذي كان يعد كبيراً للكهنة في نفس الوقت لتحريض القوى الإخصابية على العطاء، نجد نشيد الإنشاد يكاد يكون نسخة منقولة، وخاصة أن الفتى العاشق في الأناشيد ينعت بكلمتي: ملك-راع، وهما من نعوت تموز -عشيق عشتار- في الرواية الرافدية"، نقلاً عن القمني ص 79.

وتكشف الآثار الكنعانية في مدينة أوجاريت التأثير الكنعاني في عقائد اليهود التي أبرزت خوف الكنعانيين من السبع السنين العجاف ، والتي يعقبهن -كما آمن الكنعانيون- سبع سنوات خصيبة تحي الأرض والناس. وقد تسللت هذه العقيدة إلى اليهود التي صوروها في قصة النبي يوسف الذي عقد صداقة مع فرعون الأحلام. كما أن عيد شاعبوت اليهودي هو ذاته عيد الحصاد الذي تقوم فيه الزهرة للحياة ويعود الخصب للدنيا، وهو ذاته عيد الفصح في المسيحية الذي يقوم فيه يسوع المسيح. واللغة تحفظ لنا هذه الاشتقاقات، فالفصح في الإنجليزية هو (إيستر)، وفي الألمانية (أوستيرن)، وفي التوتونية أوسترا، وهو قريب في النطق من اسم الإلهة عشتار.

وينقل القمني عن أحد الباحثين، أن الأم الكبرى أو القوة الإخصابية الكونية (مريم العذراء) في المسيحية قد حلت محل إلهة الحب العذراء عشتار. وما اسم مريم Mary إلاَّ لقب لكوكب الزهرة عند الرومان الذين أخذوه عن الفينيقين الذين أطلقوا على الزهرة اللقب البحري (ستيلا ماري) أي كوكب البحر. والملاحظ أن الزهرة حازت على رموز الأمومة لهذا أطلق عليها كثيراً "ماما"، أو "أما" في بعض الشعوب. ويجب أن نذكر أن السيدة اليهودية مريم كانت إحدى المنذورات للهيكل، التي تحملُ من الإله كما كان المعتقد ذلك الأيام، وهو ذاته اعتقاد المسيحية عن السيدة مريم التي احتفظتْ أيضًا بلقب "البتول العذراء"، وهو لقب الزهرة.

الزهرة عند العرب

الباحث يتتبع أثر الزهرة في عبادات العرب قبل الإسلام، ويذهب إلى نظرية جديدة تفيد أن الأصنام الثلاثة الشهيرة التي عبدتها العربُ في الحرم المكي (مناة، اللات، عزى) لم تكن سوى صور متعددة من الإلة الزهرة (عشتار). فالآثار بالشام أخبرتْ أن الكنعانيين عبدوا إلى جانب الإله الجبار (إيل) زوجته، فأنَّثوها لتصبح (إيلات)، وما تزال إيلات مدينة شهيرة على البحر الأحم. أما لفظة إيلات الكنعانية فهي ذاتها لفظة "اللات". "أما بشأن مناة فهي ليستْ سوى "عناة" روح الخصوبة عند الكنعانيين المشتقة أصلاً من "عشتار" اسم الزهرة في الرافدين". أما العزى فيسوق القمني طرائق عديدة تصل بينه وبين الزهرة، منها أن المجتمع الروماني لقب ألهة الزهرة ب"آزيزوس"، وهذا يبدو كانعكاس للفظ سامي (صدىً للعزى).


يذهب القمني في كتابه هذا أن زخم الآلهة البابلي تسرب لثقافة العرب، وإلى الإسلام. فقد عظمَّ القرآن الكريم "الخنَّس الكنس" في سوره عبر القسم عليهم. ويشير القمني أن الخنس الكنس هن الكواكب السيارة الخمس التي سبق ذكرهن بالأعلى. وأيضًا قدَّس المسلمون يوم الجمعة المقدس أصلاً في التقويم البابلي، والمخصص لعبادة كوكب الزهرة. وأيضًا نرى صدىً للزهرة في القرآن الكريم من خلال قصة الملكين هاروت وماروت الذين كانا يعلمان السحر ببابل. وقد جاء في تفسير الطبري أن امرأة اسمها "الزهرة" قد أضلت هذين الملكين حتى جعلا يعذبان ببابل منكوسين في بئر إلى يوم القيامة. وأيضًا يشير بعض الباحثين أن الولي الخضر المشهور في التراث الإسلامي هو عشيق الزهرة "تموز"، والذي جاء اسمه "الخضر" من الخضرة، التي هي أحد سمات الزهرة.
__________________


-5-


الفصل الثالث: أضحية للذكر، قربان للأنثى ومدخل إلى جذور الدين الاجتماعية

حينما أمعن الإنسان ملاحظة تغير الظواهر الطبيعية، عبد بعضها في صورة الأجرام السماوية ليضمن لنفسه الخصب والأمان. لهذا كان لابد له من التقرب لهذه الآلهة كي ترضى فتستمر نعمتها على الإنسان، وكان لآلهة الشر نصيبها من القرابين. وتنوعت قرابين الإنسان بتنوع البيئة والعصور، فكان هناك قربان الثمار، وقربان الماشية، وفي بعض الأحيان ضحَّى الإنسان بفلذات الأكباد للإله الغضوب حتى يرضى.

يسجلُ لنا التاريخ ذلك الدوران في القرابين، بين الدمِ والثمار وأحياناً أجزاءً من الجسد، ثم الإنسان القربان. جاءَ في التوراة أن قابيل قدَّم "أبكار فاكهته وثمارها"للإله، ونجد في الكتاب المقدس اليهودي أن اليهود "قد بنوا مرتفعات (مذابح) ليحرقوا أولادهم بالنار للبعل (الإله بعل الكنعاني)". ثم تطورت ظاهرة القرابين والأضاحي مع بدء المسيحية ليتنزل الإله بأكمله مضحياً لأجل خطايا البشر. أما أناس اليوم يطيرون الدم حينما يحتفلون بالبيت أو السيارة الجديدة. والبعض يأدي النذور!

القربان الحيواني انتشر بين الأقوام الشرقية جميعها، ضحتْ بعض الأقوام بالخروف والتيس. إن هابيل الراعي قدَّم خروفاً، فتقبل الإله منه بينما لم يتقبل ما قدَّمه قابيل المزارع. ويورد التوراة نرى سردًا لقصه إبراهيم النبي وهو يضحي بابنه إسحاق (هو إسماعيل في الإسلام) لكن الإله يتدخل فيفتدي الابن بكبش عظيم ، لنستشف أن التضحية بالأبناء كانت عادة ذلك الزمان. وكان صدى ذلك أيضًا هو تضحية عبدالمطلب بن هاشم بابنه عبدالله (والد الرسول محمد) قبل أن يفتديه بمائة ناقة. وقد كان العرب يقدمون الأضاحي أيضًا زمن الجاهلية للبيت الحرام أيام الحج، وقد حافظ الإسلام على تلك الشعيرة. لكن الإسلام استعاض عن التضحية البشرية بالختان أخذاً بسنة النبي إبراهيم.

وقد شهدت عادة القرابين البشرية انتشاراً كبيراً، ففي بعض الفترات الزمنية كانت التضحية بالأطفال هي الخيار الأفضل. سجل الكتاب المقدس حوادثاً للتضحيات بالأطفال عند اليهود، فيروي الكتاب المقدس أن نبي الله داود ضحى بأبناء سلفه شاؤول السبعة سعياً وراء الخصب، ورفع بلاء الأعداء.

القربان الإلهي: كان أعظم قربان في التاريخ، حيث حمل المسيح الإله الابن خطايا المؤمنين به في حياتهم، ليمنحهم الخلود في الحياة الآخرة. وجاء في رسالة بولس إلى رومية: "الله بين محبته لنا ونحن بعد خطاة، ومات المسيحُ لأجلنا وقد صولحنا من الله بموت ابنه". وقد جاءت نصوص العهد الجديد مبينة أن يسوع كان هو الأضحية، كان هو الكبش الأعظم الذي ذبح. ولكي تشمل بركات المسيح أتباع فلا بد من أكلهم من جسده وشربه من دمه. وليس جسده إلاَّ فطير رسم عليه الصليب وبعض النبيذ الأحمر، فتشملُ المغفرة المؤمنين.

تفسيرُ نشأة الأضحية؟

يقرر القمني أن نشأة الأضحية هي ذاتها نشأة الديانات. فالإنسان البدائي بدأ بتقديس والديه، فهما من يوفران له الطعام والأمان، والحنان والدفء وغير ذلك. لهذا استمر الإنسان بتقديس والديه بعد موتهما، وما زاد الأمر إثارة للإنسان البدائي هو ظاهرة الأحلام التي أعادت الوالدين الميتين لأنظار الابن الذي لم يعرف أين يختبأ والداه. وفي سبيل الإجابة على هذا اللغز المحير تخيل الإنسان البدائي أن والديه "حلاَّ" في الشجر أو الحيوانات (الطوطم). ومع تكون الشعوب عوضاً عن القبائل المتفرقة كان لابد من الاستعاضة بظاهرة جديدة ترضي الجميع، فتمثل الإنسان مقدساته في مظاهر كونية مثل السماء أو الأرض أو النجوم والكواكب، ليرمز لسلفه الغابر. وقد جاء في أحد التراتيل السومرية:
عندما تزوجت الإلهات الأم
وعندما توزعت الإلهات الأم
بين السماء والأرض
وعندما ولدت الإلهات الأم
عند ذلك كتب العمل
الآلهة العظام تراقب العمل
والأبناء يحملون السلال

فالأمهات تستمدُ قدسيتها من الولادة (الخصب)، ثم تتوزع بعد ذلك لتكون إلهة في حقل العمل، أو إلهة في السماء بصورة عشتار، أو إينانا (إلهة كوكب الزهرة). ولذلك بقي على الأبناء العمل تحت رعاية الآلهة. ومما يجدر ملاحظته هنا أن آلهة سومر الأولى كانت أمومية (أنثوية) لارتباطهم بالزراعة والأرض (النظريات الأنثروبولوجية تشير إلى أن الأنثى هي من اكتشف الزراعة، وهي من بدأها)، بينما كانت آلهة القبائل السامية الرعاة القادمين مما يعرف اليوم بجزيرة العرب أبوية (ذكورية) لاعتمادهم على الذكور في الصيد والرعي.

وعندما يضحي المُضحي بنفسه في سبيل الجماعة، فإن الجماعة تتذكر من شهدت موته وفدائه لها. ويقدم الأضحية عادة زعيم الجماعة أو الأب الأقوى\الذي لا تفتأ الجماعة تسترجعُ ذكراه عاماً بعد عام في الحيوان الطوطم -وغالباً ما يكون خروفاً أو تيساً- الذي ترعاه الجماعة بعناية واهتمام حتى يحين موعد "استشهاده" ليعيد ذكرى استشهاد الفقيد، وفعله لأجل الجماعة. لهذا يأكل الأبناء لحم الخروف كي يحتووا الفقيد في أجسادهم، مع غرقهم في أجواء الحزن والألم. وتكرر هذا المشهد في مواسم استشهاد الآلهة العظام حزناً على "تموز"، و"أدونيس"، و"بعل"، و"أتيس"، و"المسيح"، و"الحسين".

القربان الأمومي:

ومع استقرار الرعاة في بلاد الهلال الخصيب وآلهتهم لكن الآلهة الأمومية لم تختفي بل ظلت باقية مع خفوتها عن السابق. نرى ذلك جلياً في الشعائر المسيحية التي تشرع الصوم للإلهة الأم (مريم العذراء). وهذا الصوم هو صوم عن كل ما هو حيواني فقط، ولذلك يكون الغذاء على النبات (المتبع في المجتمعات الأمومية قديماً). ثم إن طقوس تقديس الإلهة الأنثى ظل باقياً وبأشكال متعددة حتى القرون القريبة قبل الميلاد. وأبرز هذه الطقوس كان الجنس الجماعي المقام في معبد الآلهة خدمة للإلهة الأم الذي تقدم فيه النساء أنفسهن لزوار المعبد وتذهب النقودللإلهة. وكانت هناك أيضًا الزانيات المقدسات التي وهبن أنفسهن لتلك الإلهة الغير متزوجة والغير عفيفة في ذات الوقت (هكذا كانت صفة الأنثى في المجتمعات الأمومية الأولى حيث لم يخترع نظام الزواج بعد). وهذا الجنس الجارف كان رمزاً لاستجداء قوى التناسل في الطبيعة كلها.

إلاَّ أن سيادة الذكور وثقافتهم بدأت معها "محاولات للتحايل من أجل تخفيف هذا القربان، فكان أن شكلت طبقة خاصة من النساء ليقمن بهذا الطقس القربان، فأصبحن ضحية وفداء لبقية النساء، إلاّ أن ذلك لم يكن عاراً بل شرفاً عظيماً نالته هؤلاء النسوة، فلقبوهن بالعشتاريات المشتق من عشتار. وقد لقبت هؤلاء العشتاريات "قاديشو"، الذي أصبح لاحقاً في اليهودية "قديشا"-الذي كان يطلق على زانيات الهيكل السليمان- والتي ننطقها قديسة". وقد لقبت إلهة الخصب في الهلال الخصيب بالبتول، ومعناها الغير متزوجة برجل ما، وهو ذات اللقب الذي حملته الإلهة مريم في العقيدة المسيحية رغم إنجابها المسيح وإخوته. ويورد القمني كشفاً أركيولوجياً في طرالس بليديا جاء فيه: "أن الشريفة أورليا أماليا قد قدمت جسدها قرباناً للإلهة، وأنها في تدينها أصيلة ، فقد قدمت أمها وجدتها القربان ذاته، وأنه قد تم التأكد من ذلك.

القربان الذكوري:

يسترجعُ القمني قصة قابيل وهابيل في الكتاب المقدس. إنه لا يأخذها على علاتها، بل يراجعها وفقاً لدلالاتها الإنثروبولوجية. فالربُ الذي قبلَ قربان هابيل من الغنم، ورفض قربان قابيل من الفواكه والخضار لابد أن يكون إلهاً بدوياً ذكورياً لشعب عبراني رعوي وهو يؤلف الكتاب المقدس. وقد انتهت هذه القصة المؤسفة بمقتل الراعي على يدِ المزارع، "لإبراز الشر الكامن في المزارع مقابل طيبة الراعي، ومن ثم وجب الثأر المتأصل في القبلية ليحل الغضب الإلهي على المزارع ومن ثم تقدس قربان هابيل الراعي".

وما استخدام الغنم في القربان إلاّ تأكيد على طبيعة العلاقة بين الرعاة ورب الرعاة، ورأينا تجلٍ آخر لهذا في التنافس العبراني العربي في الفخر كونه المذبوح للرب (إسماعيل أو إسحاق ذبيح الله؟!). والتجلي الأوضح له هو التضحية بالسيد الأكبر يسوع في العقيدة المسيحية. ليحتفل المسيحيون في عيد قيامة المسيح بأكل الخروف.


القربان الذكري: تعريجاً على قصة قايين (قابيل في القرآن) وهابيل في الكتاب المقدس، تقبل الرب من هابيل الراعي، ولم يقبل قربان المزارع هابيل. وفي هذا إشارة إلى طبيعة الشعب العبراني وهو شعب رعوي . فكأنما أراد النص المقدس إبراز أن الإله (الرعوي) تقبل من الراعي، لكنما لتأصل الشر في طبيعة المزارع (المزارعين) فقد قتل المزارع الراعي. ولهذا كان لابد من مقتل الراعي على يد المزارع كي يفرح الرب بالأضحية وينحاز لها نهائياً.
من هنا دأبت الأديان السامية على تأكيد الأضحية ودورها في التقرب من الإله الرعوي. وقد تجلى ذلك في عدة صور، منها التنافس بين اليهود والعرب للانتساب للابن الذبيح للنبي إبراهيم. وتجلي ذلك أيضًا في التضحية بالإله يسوع في العقيدة المسيحية.
__________________

-6-


الفصل الرابع: القمر الأب أو الضلع الأكبر في الثالوث


ذكرنا بالأعلى أن المجتمعات الذكورية (التي ساد فيها الرعاة) قدَّست آبائها الغابرين الذين ارتفعوا إلى السماء ليحلَّوا في صورة الجرم السماوي الأوضح الذي يراه الرعاة ليلاً في البوادي، ولهذا أصبح القمر محل تقديس الإنسان الرعوي ليقدَّم له القرابين والأضاحي المتنوعة. "ولتشابه قرني التيس أو الخروف أو الثور وبين الهلال فقد تصور الإنسان أن هذا الحيوان إن هو إلاَّ سلفه المعبود ومن ثم قام بذبحه في احتفالات خاصة، ثم أكله ليحتويه في حشاه وبطنه بتلك الأيام الغابرة. ويرى الملاحظ الدقيق أن الطقوس القمرية تغلب على فعاليات الأضاحي التي قدمها أو يقدمها الإنسان حتى يومنا هذا. وبدلاً من ذبح الأبناء كقرابين للآلهة (كما حدث مع ابن النبي إبراهيم، أو مع عبدالله بن عبدالمطلب) فقد اتجه الإنسان لاحقاً لظاهرة الختان التي تُعد ذبحاً جزئياً. أما قرابين المجتمعات الأمومية فقد اتسمت بممارسة الجنس الجماعي أو مشتقاته لاستجداء الخصب والميلاد والحياة للأرض والناس.

وبتداخل المجتمعات الذكورية والأمومية عن طريق الهجرات المتتابعة للبدو الرعاة للمجتمعات الزراعية تداخلت الآلهة كذلك، فزوَّجها العباد، ليتزوج القمر -إله الرعاة- من الشمس إلهة المزارعين. وككل الزيجات، كان لابد من استعادة قصة الأب والأم الأولين، فلا يأتي بعد الزواج سوى الأولاد. وهكذا ظهرت الزهرة كثمرة لهذا الزواج المقدس، وبهذا اكتملت أضلاع الثالوث الإلهي. ولكن باختلاف المجتمعات تبادلت الشمس والزهرة الأدوار فتارة الابن، وتارة الزوجة. لكن القمر كان دائماً هو الذكر المطلق لسيادة الذكور المطلقة لسيادة الرعاة.

آلهة القمر في اليمن القديم:

ينتقي سيد القمني الثالوث الإلهي في الجنوب اليمني في بحثه هذا، ليركز على آلهة القمر هناك لأهميتها القصوى الذي سنتبينها لاحقاً.

يشير القمني إلى أن "سين" هو كبير آلهة حضرموت، وقد كان "سين" إله القمر كذلك في بلاد الرافدين القديمة، ووجدت آثار له في سيناء المصرية التي قيل أن اسمها مشتق من "سين". ويحلل القمني اسم "سين"، ليدلَّل أن النون في الاسم هي أداة التعريف في اللغة العربية الجنوبية، و"سي" تدل على الشياة عموماً والتي تطوراً لاحقاً إلى شاة. وبهذا يكون معنى إله القمر "سين"هو الإله التيس. ويرى بعض الباحثون أن "سين" عرف في القرآن الكريم تحت مصطلح "ياسين"، سين هو اسم إله القمر.. الياء أداة نداء.

وعبد المعينيون اليمنيون "ود" إله القمر، الذي يدل اسمه على الودود والعطوف. ولُقِّبَ هذا الإله بنعوت شتى منها صدوق (الصادق)، نهى (الحسن)، رضى (الراضي)، حكم (الحكيم)، رحمن (الرحمن)، حريمن (القدوس)، والملك، والعادل، والعزيز..إلخ. وقد نسب المعينيون أنفسهم للإله ود، فأصبحوا أبناء إله القمر ود، ليطلقوا على أنفسهم "هود"، والهاء هنا تفيد الانتساب والبنوة كما يورد القمني.

المقة:

المقة: اسم إله القمر السبأي، والسبئيون يعتبرون أنفسهم أبناء المقة. وهذا الاسم الإلهي الشهير في بلاد اليمن الذي ورد النقوش المكتشفة أكثر من ألف مرة أثار شهية الباحث في نفس سيد القمني لينقب أكثر في دلالة الاسم. وقد حدد القمني اشكاليتين في الاسم: هما (ال) في بداية الاسم الإلهي الذي لا يدل على التعريف في اللغات العربية الجنوبية والشمالية. ثم (التاة المربوطة) في نهاية المقة التي تدل تلقائياً على الأنثى في العربية الشمالية والجنوبية، إلاَّ ذلك ليس منطقياً للدلالة على إله ذكر.

يقرر القمني أن (ال) هي (إل) التي تعني باللغات الساميَّة الإله أو الله. ثم يلتفت إلى "مقة"، التي لجأ الباحثُ إلى نصوص قتبانية (تعود لحضارة يمنية) ليتجاوز إشكاليتها. فمن خلال تحليل النص: "مختن ملكن بمكي"، والتي تكون ترجمته كالتالي: "مذبح الملك بموضع مكي". يربط القمني بين "مكي" القتبانية ب"مقة" السبأئية، مع استذكاره "إل" أي إله. فيصبح معنى الكلمة "المقة" إله مقة أو إله مكة مع استدراك القمني أن شعب اليمن يقلب القاف إلى الكاف في لهجتهم، فتكون تصبح مقة=مكة. وكون "مقة" أو "مكة" هي موضع مذبح (معبد) مقدس (أي حَرَم)، فتكون ترجمة "المقة" هي إله الحَرَم المقدس بمكة.

ثالوث إل:

الزواج المقدس بين إل (إله السماء الذكر) واللات (إلهة الشمس الأنثى-التاء فيها للتأنيث) أنجب وليداً إلهياً يسمى (عثتر سمين) أي عثتر السماء، وقد أشارت له النصوص ب آزيزوس (العزيز) لتقدمه الشمس عند شروقها، ومونيموس (المنعم) لظهوره بعد الشمس عند غروبها. وقد أكمل الزهرة عند عرب الجنوب الثالوث المقدس. والعزيز أو العزين يقابله في العبرانية (عزيم) وهو الماعز، وخصوصاً التيس. هذا يعيد صفة الأب القمر كخروف أو تيس، ليؤكد حمل الابن (الزهرة) صفات الأب.

إلى مكة:

بعد انهيار سد مأرب نزحت القبائل اليمنية شمالاً. واستقرت خزاعة في المنطقة التي أصبحت تعرف اليوم ب"مكة". وكان طبيعياً أن تحمل هذه القبائل معتقداتها معها، نتج عن ذلك ارتحال "رب البيت" مع أصحابه ليتقدس له بيت جديد على الأرض في مكة!

والروايات الإسلامية تقول أن عمرو بن لحي الخزاعي (وخزاعة قبيلة يمنية) كان أول حاجب للحرم المكي، وربما هذه الرواية عكستْ الرواية الأقدم أن جرهم اليمنية كانت أول ساكني مكة بعدما ترك النبي إبراهيم ابنه إسماعيل وسارة في تلك الصحراء المجدبة. وهناك روايات تاريخية تحكي تعظيم ملوك اليمن للبيت الإلهي بالحجاز وطوافهم حوله، وتقديم الكساء اليماني للبيت. وكان اليمنيون هم أول من صنع باباً للبيت.

وبعد الاستقرار اليمني بمكة بمرور الزمن، حلت أداة التعريف في العربية العدنانية (الألف واللام) في أول الكلمة محل أداة التعريف في العربية القحطانية (ن) ليتحول (إل ن) إلى (الله). أما اللات فكانت الإلهة الزوجة الأم. إله الخصب الكنعاني الذي كان معروفاً ب"هـ بعل" فقد تغير لفظه تدريجياً في مكة بإهمال العين ليصبح "هبل" وليحل محل (عثتر سمين) الإله الابن. ويروي الإخباريون المسلمون قصة أن عمرو بن لحي الخزاعي عاد من الشام لمكة حاملاً معه هبل وإساف ونائلة، فوضع هبل في فناء الكعبة، وإساف على الصفا، ونائلة على المروة. وهناك رواية إسلامية أخرى تقول أن الحجر الأسود كان أبيضاً لكنه اسوَّد من مسِّ الحيض في الجاهلية، وهذا يشير إلى طقس جاهلي تؤديه النساء بلمس الحجر الأسود بدماء الحيض. ويكمل القمني "كان دم الحيض عند المرأة في اعتقاد الأقدمين هو سر الميلاد، فمن المرأة الدم، ومن الرجل المني، ومن الإله الروح. علماً أن الدورة الشهرية للمرأة تتوافق مع حركات القمر توافقاً بيناً، وكان "إل" هو إله القمر".

وتسجل الروايات الإسلامية حديثاً للرسول محمد متحدثاً عن مناسك الحج: "ابدأوا بما بدأ الله عزوجل به، فأتى الصفا فبدأ به، ثم طاف بين الصفا والمروة سبعاً..إلخ". وفي الإسلام احترام القمر، فتحوَّل (إل) أو الله اليماني إلى آية من آيات الله الإسلامي فوضع فوق المآذن مع رمز الزهرة النجمة، وظلت الشهور قمرية والحج قمرياً، والصيام قمرياً بدوياً كامل الجوع بعكس الصيام الزراعي (ويكون أكل الخضروات والفواكه ومشتقاتها مباحاً فيه) كما هو في المسيحية وكان الحث لصيام الأيام البيض حينما يكون القمر مكتملاً.

إل العِبري:

ويبدو أن "إل" هاجرَ كذلك مما يسمى حالياً الجزيرة العربية لنراه في بلاد الشام، ولكن بكسر أكبر لهمزة "إل" ليصبح "إيل"،وتكون معه زوجته "إيلات" التي رسخت لاحقاً باسم المدينة المعروفة على شط البحر الأحمر. وقد تقدَّس هناك كثيراً حتى شيدت له البيوت الحرام، ومما كان منها "بيت إيل" في مدينة القدس. وعرف "إيل" ألقاباً وأسماءً مختلفة عند شعوب الهلال الخصيب كان منها "أبو أبنائه"، و"أبو البشر:آدم" كما كان عند الكنعانيين.

والنصوص التوراتية التي أشارت أو تحدثت عن الإله في الكتاب المقدس قبل ظهور موسى أشارت إليه ب"إيل"، فكان الرب المتميز بين أرباب آخرين. ويستشف القمني في تلك النصوص الثالوث الإلهي الذي كان زعيمه (إيل) إله القمر. لكن الأمر يختلف حينما ظهر (يهوه) للنبي موسى، فمنذ تلك اللحظة يصبح الإله يهوه هو الأكثر تكراراً وذكراً.

وهذا الإله يهوه قد عرف قبل العبرانين، فقد وجدت نقوشه ورموزه في بعض مدن بلاد الشام كإله وثني عبدته شعوب مختلفة. ويرى الباحثون الإنثربولوجيون أن يهوه هو إله قمري تبناه اليهود من مدن مدين وثمود..وغيرها. ويدلل القمني أيضًا على اكتشافات أثرية عثرت على جماعة من اليهود أقامت في بصعيد مصر عبدت ياهو مع إلهين آخرين أحدهما أنثى اسمها "الأنثى ياهو"، أما الآخر فلم يكن -حسب الدلائل الكنعانية- سوى الإله الأعظم إيل الذي لعب دور الإله الأب العجوز. ومما يثير العجب -والكلام للقمني- أن القمر الإله "إيل" حمل لقب "كهلان" أي الإله الكهل في ديانة اليمن. أما الإله الابن "يهوه" فقد كان إله مخلصاً أو حامياً بنظر أتباعه، وهو الذي اعتمد عليه النبي موسى في الخروج من مصر عندما خاطبه في الوادي بداية، ثم هيَّأ لهم جزر البحر -والجزر مرتبط بالقمر طبيعياً- عندما طاردهم فرعون. لهذا يستنتج القمني أن الثالوث اليهودي الوثني الذي توارثه اليهود -وأخذوه عن الأقوام الأخرى- قد أعاد موسى ترتيبه ليصبح "يهوه" فيه إلها رئيسياً بعد تنحي إيل الكهل. وعرض القمني تجلٍ آخر للإله المخلص في المسيحية في اسم يسوع Jesous الذي كان صيغة يونانية للكلمة العبرانية يشوع Jehoshua. والتي حللها القمني لمقطعين هما "ياه" رديف ياهو الإله الابن، و"شوع" أي المخلص أو الناصر!

ويضيف القمني "ولو عدنا مرة أخرى إلى ديانة عرب الجنوب فسنجد بين الآلهة الثمودية ذاك الذي حمل اسم "يثع" بمعنى الناصر أو الحامي، الاسم الذي دخل في مركب مقدس ورد في القرآن الكريم باسم "اليسع"، وهو من الصيغة العبرية "اليشع"، وهو اسم يتركب من مقطعين: الأول منهما هو "إل" الذي عرفناه إلهاً للقمر و"يشع" أو يثع أي المخلص أو الناصر أو الحامي، وهو في الوقت نفسه صفة للقمر الذي "يشع"!..

..يتبع..
__________________
-7-

الفصل الخامس: نماذج من الأساطير التوراتية.. ومدخل إلى فهم دورها التاريخي

مقولات تمهيدية:
"في ذلك اليوم قطع الرب مع إبرام ميثاقاً قائلاً: لنسلكَ أعطي هذه الأرض، من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات". سفر التكوين.

"يا بني إسرائيل: اذكروا نعمتي التي أنعمتُ عليكم، وأني فضلتكم على العالمين" سورة البقرة.

في حوالي منتصف الألف الثانية قبل الميلاد، وحينما كانت مصر في أوج عظمتها الحضارية، وكانت بلاد الرافدين تحت حكم دول مركزية عظمى ، وكانت بلاد الشام تحت سيطرة الكنعانيين والفينيقين، تدافعتْ قبائل الآراميين إلى حدود بلاد الشام تشتمُ الفرص الممكنة للغزو والاستيلاء على الخصب والمدن. كان من ضمن قبائل الآراميين تلك القبيلة التي عرفت لاحقاً باسم العبرانيين التي طمحت للاستقرار في بيئة خصبة فلم تجد أفضل من مدن الكنعانين في بلاد الشام، لكنها لم تستطع الاستيلاء عليها مباشرة لكونها مدن منظمة وقوية. فجاورتهم زمناً طويلاً، وعملت في خدمتهم زمناً طويلاً، وتماهت معم في لغتهم، وأخذت من أديان وأساطير المنطقة (وخصوصاً التراث الكنعاني) خليطاً عجيباً لينتموا للجميع، فأتنتج ذلك ديناً جديداً قائماً على تراث المنطقة، مشكلين بذلك وعياً وتواصلاً بالتاريخ.

يعلقُ القمني: "وبالدين كانت بداية تاريخهم، الذي لم يكن تاريخهم أصلاً، وبالدين كانت بداية وجودهم كشعب يحمل تراثًا عريقاً، وبالدين كانت بداية لغتهم بعد أن تحولوا عن آراميتهم الأصلية إلى اللغة الكنعانية، إمعاناً في المصداقية مع الوعي بتمثل التراث والتلاحم التاريخي. وبالدين وتفهمهم لدوره، وإمكانياته التي لا تنفد، كانت بيدايتهم كأصل للتدين، فاحتكروا النبوات جميعاً في نسلهم وأصلابهم، وليس هناك شهادة لهم بالتفوق الأكيد سوى التسليم لهم بهذا الاحتكار، برغم أنهم بدأوا من ديانات المنطقة.

وبعد أن أسسوا أنفسهم، قاموا بنسبة ميثولوجيا المنطقة ورموزها وأبطالها إلى اليهود وأسلافهم وسلالاتهم، فهوَّدوا تراث المنطقة، عبر الازدياد التدريجي والمتواصل للتوراة أو الكتاب المقدس حسبما شاءت الظروف. وقد ساعدهم في ذلك ارتحالهم في مناسبات مختلفة إلى الرافدين ومصر. ويعلَّق أحد الباحثين على التوراة: "إن تابوت العهد يعود بنا إلى مساكن آلهة النيل المتنقلة، وآثار السحر ترجع بنا إلى مصر، كما تذكرنا قصة الطوفان والأرقام الغامضة ببابل، ويصير الإله البابلي جلجامش نمرود، وتصبح ثيران آشور المجنحة كروبيم العبريين، كما أن أسطورة الجنة وشخصية الشيطان أهريمان وعالم الملائكة ورؤساء الملائكة تعيد إلى أذهاننا بلاد الفرس، ونتعرف على البعل إله الفينيقيين والكنعانيين في أسماء إشبعل ومربعل. لقد كان الفلسطينيون الذين يحتمل أنهم وفدوا أصلاً من كريت ينظرون إلى اليمامة أصلاً كإله، أما السمكة التي عبدت في عسقلان فتظهر في قصة يونان".

يرسم القمني بناء على المعطيات الإنثروبولوجية تاريخ العبرانيين، فيحدد نقطة بدايته بقدومهم من الصحراء لبلاد الشام محتكين بالكنعانيين ليعيشوا كمواطنين من الدرجة الثانية، وليكونوا أداة في أيدي ملوك الكنعانيين. وقد جاءت تلك الإشارة في التوراة أن النبي إبراهيم حل ضيفاً على مملكة شاليم الكنعانية. ولما حلَّت سنوات القحط توجه العبرانيون إلى مصر تحت قيادة النبي يعقوب بن إسحاق وأسباطه (كما يروي الكتاب المقدس). لكن الحفريات الأنثربولوجية لا تدعم الرواية التي يحملها الكتاب المقدس عن العلاقة الخاصة التي جمعت مفسر الأحلام (النبي يوسف) مع الفرعون الحالم، والتي بوَّأت العبرانيين الديار المصرية. حينما تغير الفرعون المصري تغيرتْ أحوال العبرانيين معه، ليصبحوا أداة سخرة بيد المصريين، وقد سجلت نصوص التوراة مذلة العبرانيين في أرض مصر. وصادف أن حدثت فتن داخلية بمصر أتاحت للعبرانيين الهروب من مصر إلى كنعان مرة أخرى، ليبين العبرانين عن طبيعتهم المتوحشة التي سجلتها نصوص الكتاب المقدس وقد تحوَّل الربُ فيه إلى محارب يتلذذُ بالدماء. وكناية عن العداوة التاريخية لأهل فلسطين الكنعانيين فقد أمر الرب العبرانيين بقتل كل نسمة كنعانية: (وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيكَ الرب إلهك نصيباً، فلا تستبق منها نسمة ما-سفر التثنية).

وتستمر عجلة التاريخ ليقيم العبرانيون دولة صغيرة أيام سليمان بن داود حاجزة بين مصر الفرعونية، وبابل، ولكنها انقسمت بعد ذلك إلى السامرة ويهوذا وكانت الحرب الأهلية سجال بينهما. وقضى أهل العراق على الدولتين ليأخذوا العبرانيين سبايا إلى أرض العراق. فينهل اليهود من تراث المنطقة الغني هناك، وينعكسُ ذلك على نصوص الكتاب المقدس. ويتعاون اليهود مع قورش الفارسي لتسقط بابل، فيعودوا مرة أخرى لأرض لفلسطين. ثم يطردهم منها نهائياً القائد الروماني طيطس، ليبدأ عصر الشتات اليهودي، فينتشروا في الأرض ومنها الجزيرة العربية حيث يخرج الإسلام ليبدؤوا بتهويد العقول.

أسطورة الخلق والتكوين:

حتى عهد قريب -يقول القمني- كان الاعتقاد السائد أن قصة الخلق كانت ملحمة توراتية خالصة، وفريدة. لكن كل شيء تغير إثر الكشوفات الأثرية في الهلال الخصيب إضافة لمصر خلال القرن المنصرم. وُجدت ملاحم مشابهة في الآثار المصرية، والكنعانية، وبلاد الرافدين كلٍ منها تسردُ قصة خلق العالم، وخلق أول إنسان (آدم) وزوجته بقليل من التفاصيل المختلفة. كان أبرزهن ما جاء في الملاحم السومرية من إصابة الابن الإلهي (آنكي) بمرض في ضلعه، بعدما أكل من ثمار حرمتها عليه الآلهة، فخلقت الآلهة إلهة أنثى اسمها (نن تي) لتطبيبه. وبترجمة اسم هذه الإلهة إلى العربية يصبح "سيدة الضلع". ويبدو أن كتاب التوراة أخذوا الضلع المُصاب، أو الأعوج ليخرجوا منه حواء، أي مانحة الحياة، ويذكر القمني أن الباحثين وجدوا في أوغاريت الكنعانية مدونات أثرية سجل عليها ملحمة بداية الخلق. وقد وجدَ في تلك المدونات الأثرية ذكر اسم "آدم " لأول مرة.

ويتكرر الأمر مع حادثة ابني آدم قابيل وهابيل التي أخذها العبرانيون بشكل ملحوظ من رواية مصرية مع عكس الأحداث بها لتكون لمصلحة الراعي هابيل ضد المزارع المصري قابيل. سجلَّ العبرانيون في قصتهم تلكَ أن الإله انحاز للراعي العبراني ضد المزارع المصري أو الكنعاني أو الرافدي دونما سبب واضح سوى أن الرب كان يتوق دائماً إلى رائحة اللحم المحروق، وهو ما قدمه له الراعي لتهدأ نفسه وتستريح. وفي هذا إشارة للمزارع أن ما عليه إلاَّ أن يترك الأرض وتاريخه فيها للراعي الطيب، والأقدار لله.

قصة الطوفان بالتوراة:

"إن طوفاناً سيهلك مراكز العبادة
وتهلك ذرية البشر..
إن هذا هو القرار الذي أصدره الآلهة
في مجمعهم
قم فابن فلكاً
هذا ما همس به الإله لعبده الصالح زيوسودرا"
من ملحمة جلجامش..


لم تكن أصيلة في التوراة، بل هي مستوحاة من أرض الرافدين. أثبت ذلك حل رموز اللوح الحادي عشر من ملحمة جلجامش البابلية، إضافة لألواح أخرى من ذات المنطقة. ولربما عظم أهل الرافدين أحاديث الطوفان بسبب تعرضهم لفيضانات دجلة والفرات المستمرة، ولجوئهم للقوى الإلهية في تفسيرهم لتلك الأحداث. ويذكر القمني أن بعض ألواح سومر كتب عليها أن الآلهة اختارت الملك الورع زيوسودرا لتخبره أن الطوفان آت، ونصحته ببناء الفلك العظيم ليسع كل كائنات الأرض من كل زوجين اثنين، لتكافئه الآلهة بالخلود بعدها (وترجم ذلك بالعمر المديد على قيد الحياة). لذا اعتقد السومريرون أن ملوكهم العظام عاشوا أعماراً خيالية. أما العبرانيين الذي استغلوا هذه الأسطورة فقد جعلوا الإله عبرانياً، ونسبواً أنفسهم لنوح النبي الذي حمل أولاه الثلاثة معه على السفينة، فجعل أبناء حام ويافث (في بعض الروايات) عبيداً لأبناء سام وهو جد العبرانيين. وتورد الروايات التواراتية أن أبناء حام قد استوطنوا حول نهر النيل أي مصر أما أبناء سام فهم من الرعاة. وهذا يعيد لنا الصراع الرعوي الزراعي، وغلبته على الفكر العبراني، ومصوراً طموحاته في استعباد أبناء المزارعين في الرافدين، والشام، وأرض مصر.

أسطورة الأرض الموعودة..

في جبل إيل، جبل الله، سكناي
في الأماكن الهانئة سكناي
من ملحمة البعل الكنعانية

يسجل العبرانيون في كتابهم المقدس طموحاتهم في أرض فلسطين. وقد رمز للعبرانيين بإبراهيم النبي وساراي (سارة)، ولوط حينما ظهر لهم الإله إيل ووعدهم الأرض. "فأخذ إبرام ساراي امرأته، ولوطاً ابن أخيه، وكل مقتنياتهما التي اقتنيا والنفوس التي امتلكا في حاران، وخرجوا ليذهبوا إلى أرض كنعان، واجتاز إبرام في الأرض إلى مكان شكيم إلى بلوطة مورة، وكان الكنعانيون حينئذ في الأرض، وظهر الرب لإبرام، وقال: لنسلك أعطي هذه الأرض، فبنى هناك مذبحاً للرب الذي ظهر له" سفر التكوين. وتعبر التوراة عن أن الكنعانيين هم أصحاب الأرض بإلتواء "وكان الكنعانيين حينئذ في الأرض"، فيمنح الرب الأرض لإبراهيم و"نسله" من بعده، وهي أرض لا يملكها الرب كي يمنحها لغرباء عنها!

وتبدى للقمني أن العبرانيين اختاروا الإله إيل أكبر آلهة الكنعانيين ليكون إلهاً لهم، ثم أعلنوا أنه اختارهم ليمنحهم تلك الأرض المقدسة.


أسطورة المسيح الملك:

لم أستطع وضع ملاحظات بما جاء في هذا الفصل بسبب بعض الظروف الصحية..


يُتبع
__________________


-8-


الحديث عن الملوك الأربعة:

روى مجاهد عن ابن عباس قال: مَلكَ الأرض كلها أربعة: مؤمنان وكافران: فأما المؤمنان: فسليمان وذو القرنين
وأما الكافران: فالنمروذ بن كنعان، وبخت نصر.


المؤمن الأول: سليمان بن داود

يروي البخاري عن أبي هريرة أن النبي محمد تمكن من أحد الجن بعدما قطع عليه صلاته، فأراد ربطه في ناصية المسجد إلاَّ أنه تذكر دعوة النبي سليمان بألاَّ يمنح لمن يأتي بعده مثل ملكه، فتركه النبي محمد. وكما جاء في كتب التفاسير الإسلامية فإن ملك سليمان بن داوود كان أسطورياً، فتحت رايته كان شياطين الإنس والجان، والعفاريت، وله الريح، والسحاب، ويدركُ لغة الطير والنمل وله القصور الباذخة، والجيوش الجرارة... إلى ما هُناك.

إلاَّ أن سيد القمني يسترجع نصوص الكتاب المقدس -التي شكلت لاحقاً مرجعاً للنصوص القرآنية- ويوردُ ملاحظات تاريخية، وجغرافية عليها مبيناً مغالطة اليهود فيما ذكر بكتابهم المقدس عن المملكة السليمانية. فهذه المملكة الأسطورية -التي كانت لا تعدو دويلة صغيرة تتمركز حول مدن صغيرة - كانت تدفع الإتاوة لملك صور الفينيفي وفقاً لسفر الملوك الأول في الكتاب المقدس. أما حكمة سليمان التي جاءتْ في الكتاب المقدس أنه تكلم بثلاثة آلاف مثل "عن" الطير والحيوان والنمل" فيرجح القمني أنها كتاب شبيه بكتاب بيدبا "كليلة ودمنة". لكن القمني يعزز شكوكه تلك باستذكاره أن اللغة التي كتب بها الكتاب المقدس كانت بدائية ساكنة حروفها غير مصوتة ومحرَّكة مما يمكن أن تؤدي إلى سوء فهم وخلط في الحروف فتصير "عن" الأشجار والحيوان والنمل "إلى" أو "مع" الأشجار والحيوان والنمل".

أسباب سقوط المملكة:

١. العبرانيون الوافدون إلى بلاد الشام مثَّلوا حركة استعمار استيطاني، وقد بدأوا بموجات إبادة لأصحاب الأرض الأصليين مما خلق الحقد الدفين بين المكون الإثني لرعايا مملكة داود وسليمان.

٢. الارستقراطية السياسية، والاستقراطية الكهنونية في المملكة. ونجاح الطبقة السياسية بالدولة في احتواء كهنة اليهود -الذين كانوا تقليدياً من سبط لاوي (لافي)- ضمن سلك وحماية الدولة الرسمي. ثم تربص هؤلاء الكهنة بالدولة ليعودا لاستقلالهم السابق.

٣. انقسام يهودي-يهودي، قائم على تأثر قسم من القبائل العبرية بعبادات وأنظمة المصريين وعاداتهم، وآخر ظل محافظاً على بداوته عند حدود سيناء. أدى هذا الصراع بشكل مباشر لاحقاً إلى انقسام مملكة سليمان إلى مملكتي يهوذا، والسامرة.

٤. ظهور طبقة من رجال الدين الشعبيين تقود حركة التدين الشعبي بعيدة عن النظام الكهنوتي الرسمي، وقد مثلهم الأنبياء الشعبيون مثل عاموس، ميخا (في فلسطين)، أشعيا، دانيال، إرميا (في بابل أيام السبي). وقد دخل هؤلاء في صراع مع الكهنة الرسميين، وإيجاد صيغتين مختلفتين للدين وغاياته.

وقد انهارت الدولتين اليهوديتين تحت ضربات المصريين، والبابلين والآشوريين ليُسبهى العبرانيون إلى بابل فترة من الوقت.

بعد تلك الرحلة في الكتاب المقدس، يطوف القمني كذلك في كتب التفاسير الإسلامية التي تحدثت عن سليمان عليه السلام، وعن مملكة العجائب التي أقامها، مبيننا الخوارق التي اتصفتْ بها، أو اتصف بها ملكها سليمان نفسه ومنها قدرته الجنسية الهائلة. وينهي الباحثُ الحديث حول سليمان المؤمن بحديث جاء في تفسير ابن كثير: "عن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم رسول الله من غزوة تبوك أو خيبر، وفي سهوتها ستر، فهبت الريح فكشفت ناحية من الستر عن بنات لعائشة تلعب (أي إماء صغيرات)، فقال: ما هذا يا عائشة. فقالت: بناتي، ورأى بينهن فرساً له جناحان من رقاع (أي وضعوا له أجنحة مصنوعة ليلعبوا به). فقال: ما هذا الذي أرى في وسطهن؟ قالت: فرس. قال: وما الذي عليه هذا؟ قالت: جناحان. قال: فرس له جناحان؟!! قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلاً لها أجنحة؟

وهنا نصلُ -والكلام للقمني- إلى فصل الخطاب فيما روته عائشة عن رد النبي صلى الله عليه وسلم، ذلك الرد الذي لم يأتِ كلاماً، قدرَ ما جاء رد فعل عفوي... قالت عائشة: فضحكَ حتى رأيتُ نواجذه!!

المؤمن الثاني: ذو القرنين

ذو القرنين: كان أكثر القضايا الخلافية في التراث الإسلامي. فهذه القضية قد بدأت بسؤال مثقفي قريش (النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط الذين سيقتلان صبراً بعد معركة بدر) الرسول الكريم محمد عن قصة ذي القرنين، فما كان من الرسول إلاّ أن استمهلهم حتى ينزل الوحي، لتنزل بعدها آيات سورة الكهف. وللعلم فإن قصة ذي القرنين لم ترد في الكتاب المقدس بتاتاً.

اختلف الإخباريون المسلمون حول ذي القرنين، في اسمه، وأصله، ومن أي البلاد هو، وأين وصل بفتوحاته، وحمل ذلك الاختلاف تناقضاً كبيراً بين الروايات التي زادها غموضاً غموض الآيات القرآنية حول ذي القرنين نفسه.

يرصد القمني وجود القرنين المعلقين على جدار الكعبة أيام الجاهلية، ويراهما كذلك في الرسومات الرافدية القديمة، وفي اسم آشور بانيبال - أي آشور باني بعل، أي آشور خالق بعل- وبعل هذا هو إله القمر الذي ترمز له الشعوب السامية بالقرنين. وكان لذلك صدىً عند المصريين في نحتهم تماثيلاً للإله آمون(إله الدولة) في هيئة كبش ذي القرنين. وطالما آمن المصريون أن الفرعون الحاكم هو سليل الإله آمون الخروف عبر ابنه الإله حور.

وعلى أرض الواقع التاريخي، فقد احتَّل الفرس بلاد الشام ومصر احتلالاً قاسياً فلم يعاملوا ديانة المصريين بالاحترام الذي انبغى له. وعندما وضع الاسكندر الأكبر المقدوني خطته لغزو الشرق وطرد الفارسيين منه، أتى مصراً فطرد الفرس منها وأعلن لأهل البلاد "ولائه لأهل البلاد وخضوعه لها، وأشاع بين الناس أنه أتى لينقذ آلهة مصر من الامتهان الفارسي. ومن خلال الاتفاق مع الكهنة، اعترف الكهنة بالإسكندر ابناً شرعياً للإله المصري آمون، فلبس تاج الملك ذي القرنين. وقد فعل الإسكندر الشيء ذاته عند فتحه لبلاد الرافدين ومعترفاً بآلهتها ومنتسباً لها، ثم واضعاً على رأسه تاج المُلك ذي القرنين.


الكافران: النمرود بن كنعان، وبخت نصر

الكافر الأول: النمرود بن كنعان

النمرود حسب الروايات الإسلامية هو أول من ادعي الإلوهية على الأرض التي ملكها من أقصاها لأقصاها. وقد حاجه إبراهيم في ذلك في قصره، محاجة متأنية متصبرة على هذا الفتى المجادل الذي يقتحم قصر ملك الأرض مجادلاً في ملكه. فما كان جزاءه -أي الملك - إلاَّ الهلاك لأنه نفض قوانين الديكتاتورية المطلقة في الحكم والدين! ولذا سلط الله عليه البعوض أو الذباب -باختلاف الروايات الإسلامية- لتنهش فيه أربعين أو أربعمائة سنة -باختلاف هذه الروايات أيضًا-!

ويرى القمني إصراراً في التراث الإسلامي لجعل الملك الذي حاج إبراهيم -الواردة في القرآن- هو نفسه الملك النمروذ المذكور في التوراة باقتضاب. إذ لا مجال للربط بين النمروذ والملك الذي حاج إبراهيم لبعد الفترة الزمنية بينهما. لذلك يسأل الباحث "لماذا احتسب رواة المسلمين أن صاحب برج بابل هو "ابن كنعان بن حام بن نوح" بالتحديد، رغم عدم النص عليه قرآنياً، ورغم أن مصدرهم الإسرائيلي بدوره لم يقل ذلك!"

للإجابة على السؤال يعود بنا القمني إلى أبي النمروذ وهو كنعان بن حام. كنعان الذي دعا عليه نوح عليه السلام بالعبودية لأبناء سام كما هي نصوص التوراة. وكنعان هو أبو الكنعانيين سكان فلسطين القدامى -كما يقول الكتاب المقدس-، ومن نسله أيضًا أهل مصر الأقباط والسودان سكان إفريقيا -وفقاً للكتاب المقدس أيضًا-. وبذلك فكأنما تضيف التراثيات الإسلامية مثلبة جديدة لكنعان وهي مثلبة الكفر وادعاء الإلوهية التي ظهرت في عقبه، إضافة للمثلبة العظيمة التي سردتها التوارة واستحق بموجبها اللعن من جده نوح عليه السلام. يشم القمني في ذلك الهوى القديم لدى العبرانيين بالأرض الفلسطينية، وموافقة المسلمين لهم لتفضيل سام على حام أي البدو على المزارعين..!
بعد هذا التحليل يأكد القمني أن اسم الملك النمروذ بن كنعان لم يرد في المسلات أو الحفريات الأثرية التي جرت في أرض الرافدين، أو بلاد الشام رغم اكتشاف جداول الملوك الذين حكموا المنطقة في المدونات المسمارية.

الكافر الثاني.. بخت نصر أو نبوخذ نصر..

وتختلف المرويات الإسلامية مرة أخرى حول هذا الملك الكافر، لكنها تتفق في نسبته إلى السوء دوماً كما يعتقد هؤلاء المؤرخين. نسب بعضهم والد بخت نصر إلى المصريين، ليحوي سوأته وسوأة المصريين الفراعنة. وأما الأصمعي فقال أنه لقيط وجد عند صنم، فكان هذا الملك ابناً غير شرعياً، وعابداً للأصنام.

أما علمياً فهذا الملك هو نبوخذ نصر الملك الكلداني القوي الذي جرد حملتين على العبرانيين في فلسطين، فدمَّر مملكتهم يهوذا في الأولى، وسباهم إلى بابل في الثانية. وظلوا في بابل مستعبدين حتى فتحوا أبوابها لقورش الفارسي الذي أعادهم لفلسطين حتى حين.

ومن خلال الملكين الكافرين نرى التراث الإسلامي يستلهم أعداء العبرانيين التاريخيين ليجعلهم أعداءه أيضًا، وليوافقهم في مخططاتهم التاريخية كذلك!

يُتبع
__________________
-9-


الفصل الأخير: النسخ في الوحي، محاولة فهم.


حديث الغرانيق، وسجود الكفار خلف الرسول محمد عند الكعبة في سورة النجم. تلى الرسول سورة النجم وهو بجانب الكعبة وأصحابه خلفه للصلاة، فقال: "أفرأيتم اللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى..تلك الغرانيق العلا، إن شفاعتهن لترتجى". حتى سجدت قريش خلف الرسول في الحرم باستثناء الوليد بن المغيرة الذي رفع كف تراب إلى رأسه.

إلاّ أن الله سرعان ما أنزل على رسوله الكريم: "لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً"، "وإن كادوا ليفتنوك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره، وإذن لاتخذوك خليلا، ولولا أن ثبتناك لقد كدتَ تركن إليهم شيئاً قليلاً ٧٣-٧٤ سورة الإسراء.
ويبرر القرآن ما حدث أن الشيطان ألقى تلك الآيات المفتراة إلى الرسول محمد، لكن الله عزوجل تدخل بالآيات الصادقة لينسخها، ويؤكد حدوث ذلك الشيء مع الأنبياء السابقين. "وما أرسلنا قبلك من رسول ولا نبي، إلاَّ إذا تمنى، فألقى الشيطان في أمنيته، فينسخ الله ما يلقي الشيطان، ثم يحكم الله آياته" ٥٢ الحج.

وتأتي المراجع الإسلامية لتنفي حادثة الغرانيق بأغلبها، لكن القمني له رأي آخر في ذلك. يرى القمني أن شفعاء قريش لدى الله كانوا رموزاً قبلية أيضًا، وهو ما يدعي أن تلتف القبيلة حوله بصفته ربها وشفيعها. وبتعدد الشفعاء والأرباب القبليون تزداد الفرقة القبلية. وقد فهمت قريش دعوة الرسول لإسقاط الشفعاء أنها دعوة لإذابة الأطر القبلية، التي تحمي المصالح التجارية، أو لنقل الأرستقراطية التجارية في قريش. ولهذا سجدتْ قريش مع الرسول محمد بعدما غيَّر رأيه بمسألة الشفعاء كما جاء في حديث الغرانيق.

وكما أشرنا بالأعلى فقد جاء الوحيُ سريعاً لينسخ تلك الآيات، ولينفي أمنية الشيطان إلى الأبد بإزالتها من نص القرآن الكريم، ولينشأ مبحث الناسخ والمنسوخ في علوم القرآن الكريم.


تعرض القمني لتناول د.حامد أبو زيد لظاهرة النسخ، وتجاوزه للتقسيم الثلاثي التقليدي لظاهرة النسخ.
- ما نسخت تلاوته وبقي حكمه: آية الرجم التي رفعت من القرآن وبقي حكمها معمولاً به في الشرع الإسلامي. وقد أراد عمر في خلافته أن يضيفها للقرآن... وهناك آية في القرآن: "واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم، فاستشهدوا عليهن أربعة منكم، فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت، حتى يتوفاهن الموت، أو يجعل الله لهن سبيلاً" ١٥- النساء، ذهب العلماء اتفاقاً إلى أن هذه الآية منسوخة -رغم بقاء تدوينها في القرآن- بآية الرجم الغير موجودة في النص القرآني. وقد أثبتت أحكام الرجم بأحاديث نبوية أيضًا.

يشير ابن حجر أن آية الرجم رُفعت من القرآن- أي أنها لم تنسخ-، مع وجود قرآئن عديدة تدلل لرفض الرسول محمد لتدوين هذه الآية عندما نزلت بعدما سأله عمر بن الخطاب لذلك، ثم أصر زيد بن ثابت الذي جمع القرآن على عدم تضمينها للمصحف الشريف.

-ما نسخ حكمه، وبقيت تلاوته: يسوق القمني العديد من الأمثلة هنا عن هذا النوع من النسخ، لكنه يشير إلى أيضًا قضية مهمة، وهي ظهور ما اصطلح تسميته بالمنسأ في قضايا الناسخ والمنسوخ. فالمنسوخ يحرم الرجوع إليه بعد نسخه في الحياة اليومية، لكن العلماء استحدثوا "المنسأ" كي يستطيعون الرجوع للأحكام المكية حينما تحقق المصلحة للمسلمين عوضاً عن الآيات الناسخة. من أمثلة ذلك آيات التسامح مع الأديان الأخرى، وخصوصاً أهل الكتاب. ولكن هذه الآيات -آيات التسامح وحرية الأديان- نسخت تالياً بالآيات التي تقرر أن الإسلام هو دين الله، وأن للآخرين السيف، مثال: "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله" ٢٩-التوبة،"اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم" التوبة. لهذا "المنسأ "هو الأمر بالقتال إلى أن يقوى المسلمون، وفي حال الضعف يكون الحكم وجوب الصبر على الأذى. بمعنى أن كل أمر ورد يجب امتثاله في وقت ما لعلة تقتضي ذلك الحكم"هكذا نقل القمني عن السيوطي في الصفحة ٣٦٢. لهذا تظهر النفعية في نظرية المنسأ حنى يأني أمر الله كما نقرأ في هذه الآية: "فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره".

- ما نسخ تلاوته وحكمه: هناك روايات عديدة تشير إلى اختفاء أجزاء من القرآن الكريم دون أسباب واضحة. لعل أبرزها ما جاء -من طرق متعددة- عن غياب سورة الأحزاب ذات الآيات المئتين، والتي بقت بضع وسبعين آية. ويعلل د.طه حسين كما أورد القمني ذلك إلى مصحف عثمان، وجبر الدولة الإسلامية لنشره وتعليمه في البلاد الإسلامية وإحراق ما سواه من صحف قرآنية.

يعقب القمني في نهاية فصله أنه ما أراد من مناقشة قضية النسخ إلاَّ إبراز أن الواقع هو المقياس لفهم حركة النص المرتبط به، فينفعل به، ويفعل فيه، من أجل مصالح ومنافع وغايات أعم في فضلها.

تمَّ.
__________________

القراءة لـ حمد الغيثي من سلطنة عمان
.
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 07-16-2009, 03:08 PM بواسطة يجعله عامر.)
07-16-2009, 03:01 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
فرعون مصر غير متصل
عضو فعّال
***

المشاركات: 54
الانضمام: Dec 2004
مشاركة: #63
RE: قراءة في توبة ابن القمني عن الأفكار التنويرية .
الى كل المدافعين عن حرية الفكر والضمير،ضد طيور الجهل والخرافة، هى دعوة الا نترك
القمنى وحده يحارب من اجلنا، ومن أجل ما أمنا بة من أفكار،ليست معركة القمنى انها معركة
بلدنا معركة كل حر ذو عقل وضمير من أجل التحرر من قيود الجهل والتخلف،يجب أن نكون
أكثر ايجابية من الكتابة والحوار فى المنتديات فى الدفاع عما نؤمن به.مع د. سيد القمني ود. حسن حنفي في مواجهة التكفير والتكفيريين
07-18-2009, 08:35 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
بهجت غير متصل
الحرية قدرنا.
*****

المشاركات: 7,099
الانضمام: Mar 2002
مشاركة: #64
RE: قراءة في توبة ابن القمني عن الأفكار التنويرية .
يجعله عامر .2141521
شكرا على المجهود و سيكون لي عودة للتعليق .
...............................
فرعون مصر .2141521
هناك ما يمكن عمله بالفعل وهو كثير .
يوجد موقع على الفيس بوك مخصص لدعم سيد القمني و حسن الحنفي ،و يشارك فيه العديد من المفكرين .
هناك أيضا الإتصال مباشرة برقم هاتفه المخصص للرد على قراءه من الساعة الخامسة إلى السابعة ، وهو منشور في الحوار المتمدين .
لا يجب أن نقلل من قيمة تلك الجهود الفردية البسيطة ، فتقدير القراء هو الوقود الذي يحرك آلة الإبداع ، إن الفكر لا يكون ثروة في مصر ، خاصة للكاتب التنويري مثل سيد القمني ، لهذا يصبح الجانب المعنوي شديد الأهمية ، هناك حديث مع سيد القمني منشور في صحيفة القاهرة في عددها اليوم ( أسبوعية قاهرية تصدر عن وزارة الثقافة ) ، وقد لمست فيه مدى تعويل القمني على دعم قراءه من المصريين و العرب ، و اتمنى مع صديقي فرعون مصر الا نخذل القمني كما فعلنا مع فرج فوده .
07-22-2009, 04:31 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
بهجت غير متصل
الحرية قدرنا.
*****

المشاركات: 7,099
الانضمام: Mar 2002
مشاركة: #65
RE: قراءة في توبة ابن القمني عن الأفكار التنويرية .
مصر تمنح جائزة الدولة التقديرية لسيد القمني.
طارق حجي

tarek@tarek-heggy.com

الحوار المتمدن - العدد: 2692 - 2009 / 6 / 29

المثقف الكبير والمفكر الحداثي اللامع والتنويري الرائد الدكتور/سيد القمني … ان قرار منحكم جائزة الدولة التقديرية (التى كان طه حسين هو اول الحاصلين عليها منذ نصف قرن) هو تكريم رائع ومستحق بجدارة ، تكريم ثلاثي الابعاد : تكريم للباحث والمفكر الذى اصدر عشرات المؤلفات التى يستحق كل منها اعلي وارقي الجوائز وهى المؤلفات الرائدة فى ثلاثة مجالات: اولا دراسات الاديان المقارنة. و ثانيا دراسات التاريخ الاسلامي وتاريخ الفكر الاسلامي و ثالثا دراسات المعاصرة والحداثة. وهى مجالات تألق فيها كلها الدكتور القمني الذى لا اشك ان كتابين بالتحديد من كتبه سيظلا طويلا هما الافضل بين كل ما أؤلف قديما وحديثا فى مجاليهما واعني (حروب دولة الرسول) و (موسي واخر ايام تل العمارنة - فى اربعة مجلدات).

كذلك فان فى تكريم الدكتور سيد القمني تكريم لانصار الحرية والعلم والحداثة والتقدم والتنوير. ولعل روح فرج فودة اليوم تكون فى سرور وحبور معنا ومع الدكتور سيد القمني. واخيرا فان تكريم الدكتور سيد القمني يعطي الامل لكل من هو خائف على مصر ومصيرها. منذ ساعات اتصل بي العلامة النابغة الدكتور سيد القمني ليخبرني ان حفل تكريمه من طرف المثقفين المصريين سيكون يوم اول يوليو ويطلب مني (متكرما) ان اكون المتحدث الرئيس فى حفل التكريم هذا والذى هو عزيز عندي بما لا تقدر الكلمات على وصفه . وقد اعتذرت بالأمر الوحيد الذى يمكن ان يحول بيني وبين هذا الشرف وهذه السعادة تلا وهو تواجدي على بعد الاف الآميال من القاهرة التى ستكون يومها زاهرة وباهرة وساحرة وهى تحتفي باحد انبه وانبغ فلذات كبدها . فى اكتوبر 2008 افتتحت (بشكل رسمي وعملي) منحة باسمي فى اكبر جامعات كندا (جامعة تورونتو) للدكتوراة فى الدراسات اليهودية/الاسلامية المقارنة (والتى ستركز على الحقبة العربية فى اسبانيا التى استمرت لعدة قرون حتى انتهت فى 1492) . وأذكر انني قلت فى كلمتي فى حفل افتتاح هذه المنحة ان هناك مصريين آخرين يفوقنني فى تعمقهم فى دراسات الأديان المقارنة وضربت مثلا بالدكتور سيد القمني الذى يعرف عن التاريخ العبراني ودراسات الكتاب المقدس ما اشك ان له نظير.

واذا كان هذا الموقع الفريد فى ثرائه وتعدد وجهات النظر التى تقدم من خلاله هو احد اهم المنابر التى يطل منها العلامة الجهبذ الدكتور سيد القمني على قرائه ، فانني انشر كلمة التهنئة هذه للدكتور القمني بالحوار المتمدن قبل نشرها باي موقع اخر او باية جريدة اخري . واختم كلمتي المقتضبة هذه ببيت قاله صالح جودت لعباس العقاد عندما منح جائزة الدولة التقديرية سنة 1960 : ولست اهنئك بالجائزة ، ولكن اهنيء بك الجائزة
07-22-2009, 06:51 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
بهجت غير متصل
الحرية قدرنا.
*****

المشاركات: 7,099
الانضمام: Mar 2002
مشاركة: #66
RE: قراءة في توبة ابن القمني عن الأفكار التنويرية .


أوباما تحليل الخطاب وردود الفعل 1من2
سيد القمنى
الحوار المتمدن - العدد: 2679 - 2009 / 6 / 16


آثرت الانتظار حتى تهدأ توابع الهزة التى أحدثها خطاب أوباما وتزول الدهشة وردود الفعل الأولى وازدحام وجهات النظر أخذا وردا موافقة وتنديداَ . وقبل اى تحليل او تفكيك لعناصر الخطاب الأوبامى ، يجب الا ننسى ان دور الرئيس الأمريكى فى المنظومة الإدارية الأمريكية هو أحد الأدواروليس كلها وربما ليس أهمها ، وأنه لا يستطيع ان يخرج على قواعد التكتيك والاستراتيجية التى تساهم فيها مؤسسات وهيئات هذه المنظومة ، ولا يكفى تأثيره بمفرده لتغيير قاعدة واحدة من قواعد اللعبة السياسية والإدارية ، او حتى مجرد التفكير فى ذلك .
وأيضا لابد من الاعتراف بأن أوباما خطيب من نوع نادر ، لاختياره الدقيق للغة هذا الخطاب التصالحية مع الظهور بتواضع جم ، بما يلمس أوتارنا العاطفية ويدغدغ لنا وجداننا ، باستخدام آيات قرآنية بما يعنى ان الرجل يفهمنا ويعرفنا حتى المعرفة ويعرف طريقتنا فى التفكير ويعلم سلفا أننا أقوال دون أفعال ، وعواطف يختفى معها العقل المنطقى وتضيع المصالح ، رجل عرف لغانا وكيف يلغو لنا بكلام يوافق هوانا .
وكثيرا ما تمنى صاحب هذا القلم سد الفجوة فى الفهم بين المسلمين والعرب من جانب وبين الغرب من جانب أخر ، خاصة بعد لقائى بعد سبتمبر 2001 بأكثر من مسؤول غربى رفيع المستوى ، وهى اللقاءات التى أشعرتنى بمدى خطورة هذه الفجوة فلا هم يفهموننا ولا نحن نفهمهم ، كما لو كنا نوعين مختلفين من البشر سلاليا وعرقيا وعقليا . تمنيت ان يستطيع الغرب وخاصة الأمريكى ان يفهم ان لنا لغة خاصة فى فهم الدنيا ، وردود فعل من نوع خاص ، وان دلالة اللفظ عندنا لا تحتوى نفس دلالة اللفظ عندهم ، وان ما يحمله التعبير اللفظى من تاريخ ومحتوى معانى تعود بتحميل دلالالتها الى مدى يزيد عن أربعة عشر قرنا للوراء ، وأن ذلك حيا لازال فى فهمنا ولغتنا ومنطقنا البدوى البدائى العاطفى ، ويختلف بالمرة عن تاريخيه نفس اللفظ ودلالته عندهم ، وشرحت هذا باستفاضة فى عام 2006 بمعهد هدسون بواشنطن دى سى ، وهو واجهة لوزارة الخارجية الأمريكية لتقصى آراء المفكرين والعلماء والرؤساء والمتخصصين والخبراء وغيرهم فى مختلف القضايا التى تشغل الرأى العام العالمى .
وتمنيت ان يحدث ذلك أيضا من جانبنا ، لذلك كانت سلسلة كتاباتى المتتالية لمحاولة شرح وتوضيح كيف نفكر وكيف ينبغى ان نفكر اذا أردنا لهذا الغرب ان يفهمنا ويتفاعل مع قضايانا بثقة . لنستطيع ان نخاطبه بلغة متنفق على دلالتها سلفا حتى يكون الحوار مفهوما . وتكون دلالة اللفظ عندى تحمل ذات المعانى عنده ، وان مبادىء المنطق التى يحتكم اليها هى ذات مبادىء المنطق التى أحتكم اليها ، لأن مسألة الفهم هذة وتلك تعانى خللا حاداَ بين عالم العرب والمسلمين وبين الحضارة الغربية ، وهو خلل تاريخى تحدث به الركبان حتى قيل مع اليأس من التفاهم " الغرب غرب والشرق شرق كحركة الشمس ليلا ونهارا لا يلتقيان" .
لذلك أقول ان باراك يفهمنا جيدا لذلك لبس لنا ثوب الواعظ الشيخ باراك بن حسين آل أوباما حفظه الله ورعاه هو ومن يلوذ به ، ليعلن كيف يعرف لغانا وكيف يلغو لغونا بما حمله لخطابة من دلالات نعرفها ولا نعرف غيرها ، وجاءت أمنيتى بفهم الغرب لنا ، بعكس الهدف المرتجى منها ، فها قد جاء من يعرفنا ويفهمنا عاش وسطنا وجيناته من جيناتنا ، ويعرف كيف نفكر وما هى ردود أفعالنا ، ولكن ليس من أجل خلاص شعوبنا مما هى فيه من تخلف وجهل ومرض وفساد اجتماعى معمم وحكومى علنى واستبداد وقمع واستعباد ، كلا الرجل ليس مشغولا بهذا بالمرة ، انه لم يآت ليخلصنا ، لكنه جاء مخلصا لأمريكا من عثرتها فى بلادنا ولتحييد شرنا عنها ، بتكاليف أقل من تكاليف طريقة الحزب الجمهورى الأمريكى بما لا يقارن ، وفى وقت تستفحل فية الأزمة الاقتصادية العالمية .
****
لطفاء القوم من مشايخ الفضائيات التى تمطرنا مشايخا ، تفاءل بعضهم بأصول أوباما الاسلامية وأنه ربما يقود شعبة الأمريكى إلى الإسلام لنعود هم ونحن بنعمة الله اخوانا، وتحل المشكلة بسيادة الاسلام للعالمين كشيخ القبيلة تتبعه قبيلته ، أو بما يشبة عزة الإسلام بأحد العمرين .
هذا بينما كنت فى تفاؤلى ارتجى ان يشارك ذلك الغرب المتقدم الحر العلمانيين العرب البحث ووضع الخطط العلمية المدروسه على المستوى العلمى والثقافى والاعلامى والتعليمى وحده ، لإحداث هذا التقارب مع ضغوط تقوم بها مؤسسات الحريات والمجتمع المدنى الدولية على الحكومات المحلية كلما وقعت مخالفات فى بلادنا للحقوق الإنسانية ، وللنهوض التنموى بالمنطقة ، للانتقال الهادىء والسلمى ببلادنا إلى مجتمع كامل المدنية ، فإذا بأوباما يستخدم معرفته بنا لتكريس الأوضاع القائمة ، واعطائها شرعية استمرارها كما هى ، بموافقتنا ورضانا بعدد مرات التصفيق بالقاعة . هذا اذا تذكرنا أنه لم يخاطب المسلمين من دولة مسلمة خالصة الإسلام كالسعودية ولا من دولة مسلمة ديمقراطية مثل موطنه الثانى اندونيسيا او جارتها ماليزيا ، لكنة اختار القاهرة التى يحكمها نظام شبه مدنى جذورة وتوجهاتة دينية دوما وقومية أحيانا .
لوحظ أيضا ولع الشباب العربى والمسلم بأوباما وبخطابه ، وقد فطن أوباما لذلك وأعلن الشباب هماَ أول له ، مع زيارته الشبابية المرحة المتواضعة للأهرامات ، مما أدى للولع بالنموذج الأمريكى ، وهذا فى حد ذاته أمر محمود ان يكون رجل ناجح مثل أوباما مثلا أعلى لشبابنا . وهو ما سيؤدى لمحاولة التعرف على النموذج الغربى ، ومن جانبه تمكن حسين أوباما من تألف قلب الشارع المسلم مع بعض المثقفين دون بعضهم ، فقد اختلفوا حول هذا الخطاب وظروفه اختلافا بائنا ، ومن ثم فإن أهم مكسب حققته هذه الزيارة لنا وللأمريكان هو إعادة النظر فى كون أمريكاهى الطاغوت الأعظم الأمبريالى ، واعادة النظر فى فرض كاد يكون إسلاميا ووطنيا ، وهو كراهية أمريكا كفرض واجب دونه الخيانه والكفران .
ونموذجا لاختلاف المثقفين رأى الدكتور (مصطفى الفقى) ان اختيار أمريكا القاهرة للخطاب ، هو اقرار بمكانة وحجم مصر فى المنطقة للدور الحضارى والتاريخى ومكانة الأزهر بين غالبية المسلمين فى العالم ، وكذلك السياسة المعتدلة التى تنتهجها القاهرة ، وجعلت القاهرة تحظى بشرف هذه الزيارة وهو الرأى الذى رده كل من التيار الإسلامى والتيار القومى ، (فهى هويدى) نموذجا للتيار الإسلامى رأى ان خطاب أوباما ما هو إلا محاولة من النظام الأمريكى الجديد لمساندة حلفائه من دول الاعتدال فى المنطقة ودعم أنظمتها ، وأنه يريد الحصول على ماكياج من القاهرة للسياسة الأمريكية التى لا تتغير ثوابتها ، بينما ترغب مصر فى الحصول على دعم معنوى من أكبر قوة فى العالم لكى تستطيع استعادة دورها وضمن ذلك الوريث القادم . ولك أن تعجب من مدى التوافق عندما نجد التيار القومى الناصرى يردد نفس المعانى ، فيقول(عبد الله السناوى) ان رأيا مثل رأى الدكتور الفقى يخلط الأوراق بين مصر التاريخية ومصر الرسمية ، و أوباما اختار مصر التاريخية ليتحدث من منصتها، دون ان يخطر بباله ان الثانية سوف تحاول دبلوماسيتها وإعلامها تسويق الزيارة باعتبارها فتحا لا مثيل له فى التاريخ المصرى ، يؤكد شرعية النظام وسلامة اختياراته الداخلية ، وأنه ليس هناك دولة تحترم نفسها تعتبر زيارة رئيس دولة أخرى مما يضفى شرعية على نظام الحكم فيها ، او يؤكد أدوارها فى محيطها ، فالشرعية مصدرها القبول العام والأدوار التى تصنعها السياسات وليس الادعاءات .
لاحظت ان المشترك الواضح فى كل ردود الفعل قيامها على خلفية من المثل الشعبى المصرى " أسمع كلامك أصدقك .. أشوف عمايلك استعجب !! " مع حضور هذا المثل وتكرارة فى معظم ردود الفعل ، فالمشترك توافق على سؤال لا جواب عليه على الأقل هذه الأيام وربما تجيب عليه الأيام القادمة ، السؤال: هل يتحول هذا الكلام الى فعل على أرض الواقع ؟ وهو ما عبر عنه قول (مجدى الجلاد) بالمصرى اليوم بعد لقائة أوباما : " الرجل لو صدق ، فسوف يتغير وجه العالم من جامعة القاهرة " .
الرجل يعرفنا جيدا ويعرف كيف نفكر ، لذلك تابع رحلته من القاهرة الى القارة الأوروبية ليعلى من رصيد الاهتمام بالدولة الفلسطينية المستقلة ووقف بناءا المستوطنات ، ليؤكد للمسلمين انه صحب القول فورا ببدء الحشد من أجل الفعل بضغوط دولية على إسرائيل .
****
رد الفعل العربى كله كان قد ركز على ممكنات أوباما الضغط على إسرائيل ، ووسط كل هذه الهموم القومية والدينية لم يصادفنى من تذكر وجوب الضغط على ماكينات فرز الإرهاب فى قنواتناالفضائية الإسلامية ومعاهدنا الدينية ، لم يتكلم أحد عن الضغط لوقف العمل بأحكام إسلامية بحاجة لإعادة اجتهاد ونظر . كما فى ميراث المرأة أو ولايتها على نفسها فى أضعف الإيمان التى لا تملكها ولا على نفسها حسبما يدرس أزهرنا شبابنا فى معاهدة ، ومن يزوجها هو وليها ولو كانت طفلة رضيعة ، فإن زوجت نفسها بعد عقل ورشاد فهى زانية . لم أقرأ لأحد يتكلم عن ضغوط من أجل إيقاف العمل بعقيدة الولاء والبراء التى تترتب عليها أحكام هى الكراهية المطلقة للمختلف عنا وتصل الى حد التخلص منه بقتله ، وهى مشترك أصيل بين كل ما يدرسه أبناؤنا فى معاهد الأزهر سواء فى مواد الحديث او الفقه او التفسير ، او عقيدة الجهاد والتى تعتبر غير المسلم مستباح الدم والعرض والمال ، ولا ألمح أحدهم استجابة لليد الأمريكية الممدودة وعلى سبيل اثبات الجدية وحسن النوايا الى وجوب رفع المواد الدينية بالدستور ، والتى تميز بين رعية هذا الدستور حسب معتقداتهم ، ولا وجوب الضغط من أجل حقوق الانسان التى يهددها أول ما يهددها الدستور نفسه فى مادته الثانية مع قانون طوارىء أبدى .
لهذا كله وفى ظل المناخ الذى كان لا يزال ساخنا بعد خطاب أوباما مباشرة ، لم تفتنى تصريحات (عصام دربالة ) قيادى مجلس شورى الجماعة الإسلامية، ومطالبته حركة طالبان والقاعدة بالتعامل مع هذا الخطاب بشكل عملى حتى تغادر أمريكا المنطقة ؟؟ (عايزين يستفردوا بينا ؟؟). وأن خطوة البداية السليمة حتى يمكن هذا التعامل هى الإعلان الفورى بالتوقف عن استهداف أمريكا عسكريا ... إن درباله يعرف ما يقول ، وهو ما أرى وراءة رؤية ثاقبة تنطوى على قراءة المستقبل المتوقع من هذا الخطاب التاريخى ، فأمريكا ستتعامل مع الأنظمة القائمة أو مع أى بدائل حتى لو نقيضه تحل محلها ، طالما الصداقة الأمريكية الإسلامية قائمة بما يحمى المصالح الأمريكية ، وهكذا تكون ريمة – أقصد أمريكة – فد رجعت لعادتها القديمة .

أما نحن شعوب هذه المنطقة فلسنا فى الموضوع أصلا ، نحن الفريسة ليس أكثر . حتى الصوت العلمانى ممثلا فى صديقى لورد العلمانيين العرب (طارق حجى) جاء يردد طلب الجميع بتفعيل الكلام ، " وان سمة خطاب أوباما كان التوازن فى تناول كل موضوع : الإسلام ، الصراع العربى الإسرائيلى ، علاقة الولايات المتحدة بالعرب المسلمين ، التعليم ، المرأة ، حقوق الانسان ، التنمية ، ايران ، القدس "... نعم وصدقا كانت سمة الخطاب هى التوازن ، لكنه توازن الرعب والفزع من الآتى على مستوى الشعوب ، وليس على مستوى قضايا الأمة العزيزة قوميا ودينيا ، فإنى مطمئن أن السعى لتهدئة المشاعر وتصفية الخواطر على قضايانا العاطفية سيكون حثيثا فعلا ، وهو ما سيرضى الشعوب الإسلامية والحكومات الإسلامية ويبقى الجميع فى سمن على عسل . بدا لى صديقى طارق متفائلا بهذا الخطاب وتمنيت أن يكون تفاؤله محل نظر من القدر وألا يكون المخبوء فى رحم الأيام موجبا للتشاؤم ، لأنى شخصيا مصاب بالأسف على حلمنا بدولة مدنية حديثة ، وأتوجس خيفة وأظن ان التوجه الأمريكى الجديد جاء قبل مجيىء أوباما للرئاسة بعد تجارب الصومال والأفغان والعراق بالذات ..وهو الانعتاق من منطقتنا بأقل قدر من الخسائر مع ضمان المصالح الأمريكية ، وجاء أوباما ليكرس الموقف الجديد وينفذه ، وهو ما يعنى أننا سنعانى أكثر من أجل الوصول الى الحلم الليبرالى الذى يتسرب من بين أيدينا برئاسة أوباما واحتمال استمرار ذات الخط من بعدة ، بعد رد فعلنا واستقبالنا لاسقاط طاغية العراق واحقاق الحريات والحقوق فى العراق وفى افغانستان ، بمذابح نذبح فيها بعضها البعض ، وهو ما تكرر فى الديمقراطية الفلسطينية والديمقراطية السودانية ، والديمقراطية الأفغانية ، إلخ ...

المصيبة ليس فى الانسحاب العسكرى فهو مطلوب لتهدئة التوتر ، المصيبة فى الانسحاب الكامل ونفض العالم الحر يدية منا يأسا من إمكانية قدرة شرقنا على قبول الحداثة ، وهو ما يبدو لى أنه يحدث الآن ، لتركنا فى فوضانا الخلاقة حتى تصفى النار بعضها بعضا دون تدخل ، فتكون بلادنا حلقة مصارعة حرة كبيرة يقتل فيها السنى الشيعى ، ويقتل الشيعى المسيحى ، ويقتل المسيحى الأرثوزكسى المسيحى الإنجيلى ، وتقتل الحكومات الجميع وقتما تشاء . حتى تصفو النار عن رماد خامد غير ضار ، او ان يخرج البعض من هذه المحرقة إنقاذا للبقية الباقية بعقد اجتماعى مدنى حديد يسمح لنا باللحاق يركب الحداثة الإنسانية الذى غادرنا فعلا منذ عقود .
****
ووسط هذه التحولات المتسارعة ، لا ننسى ان الإرهاب وإن كان اسلاميا ، وإن كان فرزا لموادنا الدينية ومشايخ الفضائيات ، فإنه فى بدئه القريب كان هندسة أمريكية وتمويلا وتنفيذا عربيا وإسلاميا بتعاون معلوم ومنشور الوثائق ، تصديا للشيوعية والمد السوفيتى . وهو ما أكده بريجنسكى بقوله لصحيفة لونوفيل اوبزرفاتور 1998 : إن الأمريكان خططوا لاستدراج السوفيت للخيار العسكرى فى أفغانستان , وأنهم من أسس للصحوة الإسلامية ، وأنهم هم من صنع القاعدة ، وانه ليس نادما على دعمه للتطرف الإسلامى الذى استقل عن سادتة وأربابة وبدأ يعتدى على مصالح أمريكية هنا وهناك ، لأن الأكثر أهمية وقتها كان هو إسقاط الإمبراطورية السوفيتية وإنهاء الحرب الباردة وتحرير أوروبا الشرقية ، وليست طالبان والهائجين الإسلاميين إلا مجرد أعراض جانبية يمكن التخلص منها .....إلى أن ضربت الأعراض الجانبية وهؤلاء الهمج الهائجون مانهاتن والبنتاجون فى مشهد جعل كل ما شاهدناه من خيال هوليود لونا من الصناعة الخفيفة المتواضعة بل جعلها سقيمة الخيال ، إزاء خيال بن لادن الإبداعى ومهندس القاعدة الرهيب .
هذا ناهيك عن فشل مشاريع السلام فى الشرق الأوسط وهى القضية
الأعز على المسلمين ، إضافة الى دعم أمريكا العلنى الدائم لإسرائيل ، مما أعطى المتطرفين المسلمين أسباب تطرفهم وشرعيتهم فى الوجود فى نظر الشارع المسلم ، كرد بديل عن الحكومات الإسلامية مكسورة الجناح ، المسكينة بنت السبيل ، وأنهم يؤدون بذلك فرضا إسلاميا معلوما من فروض الكفاية هو الجهاد .
ومن ثم بدت تلك الحركات المسلحة أنها الأمل الوحيد الباقى للدفاع عن الحقوق العربية والانتقام للمسلمين واستعادة الأرض المحتلة وإقامة دولة إسلامية منيعة ، ولا سبيل لهذا الحلم سوى الاسلام كحل خلاصى وحيد بإقامة الدولة الإسلامية فى أى مكان على الأرض ومنها تبدأ الفتوح ، ومن يقوم بذلك إنما يجاهد فى سبيل الله وكرامة المسلمين ودينهم . هذا مع تغافل رؤية المسلمين لدولة الفتوح الإسلامية الطالبانية وما جلبتة من كوارث محلية وعالمية .
يتبع
..
الأخوة الزملاء .
آسف على انشغال خلال الأسبوع الفائت دفعني لتحجيم مشاركتي في هذا الشريط و قصره على اقتبسات ، و لكني أضع تعليق سيد القمني على خطاب الرئيس اوباما هنا لسببين أولا لأنه آخر ما كتب القمني ، ثانيا لأنه يتفق كثيرا مع رأيي في خطاب الرئس اوباما ، وهذا ما سأوضحه عقب نشر الجزء الثاني من تعليق سيد القمني ، أما لماذا لم أنشر رأيي بشكل مستقل في موضوع خاص فالسبب واضح و غني عن البيان ، إنه مبدأ حرية التجاوز الذي أصبح يمارس كأحد حقوق الحوار .
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 07-24-2009, 03:50 AM بواسطة بهجت.)
07-24-2009, 03:10 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
بهجت غير متصل
الحرية قدرنا.
*****

المشاركات: 7,099
الانضمام: Mar 2002
مشاركة: #67
RE: قراءة في توبة ابن القمني عن الأفكار التنويرية .
أوباما تحليل الخطاب وردود الفعل 2 من 2
سيد القمنى
الحوار المتمدن - العدد: 2680 - 2009 / 6 / 17


إن الاستخدام الانتهازى للإسلام لتحقيق مصالح ومنافع مادية دنيوية بحت شأن عرفناه فى مشايخ الصحوة الذين أساءوا للمشيخة الرصينة الراسخة وللإسلام نفسة ، قياساً على احترام هذه المشيخة وتبجيلها قبل ظهور مشايخ الصحوة فى نظر كل الناس . ويبدو أن الرئيس الأمريكى بعد أن ولد فى ثقافتنا وعاش بيننا وعرف طرائقنا وفهم أقصى أمانينا ومنطقنا فهو ابن منطقتنا التى هى جذوره ونسبه ، من هنا لبس مولانا بارك بن حسين آل أوباما ثياب الواعظين رعاه الله وحفظه ، آمين ، ولجأ لطرائقنا ومناهجنا فى التفكير للمصالحة وتجميل الوجه الأمريكى للمسلمين ، ومن ثم بدأ بالسحر الإسلامى الذى ينتشى له المسلمون ليشعرهم أن إسلامهم قد غزا البيت الأبيض فى فتح ميمون ، وعليه فلا داعى لإعادة الفتوح والغزوات المباركة على أمريكا مرة أخرى . لقد طمأن المسلمين رغم إعلانه مسيحيته فى بداية الخطاب أنه يفهمهم بل إنه منهم . الرجل يعلم جيداً مفاهيم شعبنا مسلوب الوعى الذى يتصور أن المسيحيين يعلمون جيداً أن الدين هو الإسلام كأصح الأديان لكنهم لا يعلنون ذلك كيداً وغيظاً ويعضون علينا الأنامل حسداً وكمدا ، مع الهمس اليقينى بين المسلمين أن (معظمهم مسلم بس فى السر ) !!! فلماذا لا يكون أوباما هكذا وأنه إنما يمارس قاعدة إسلامية وعقيدة راسخة هى التقية ؟ وهى المبدأ الذى لخصة وشرحة المثل الشعبى المصرى ( إن نزلت بلد بتعبد العجل حش برسيم وإرميلة / يعنى ضعة أمامة ) وهو ما يعنى أنة ربما يمارس التقية معنا وليس معهم ، بيحش البرسيم لنا وليس لأمريكا.

ولأن الرئيس الأمريكى قد اختار لخطابه هذا المستوى ، فقد فتح بذلك القول لأهل الدين فيه ، وفيه أكثر من طرفة وفيه أيضاً أكثر من كارثة . على سبيل المثال : لم ير الأيرانى الدكتور محمد على مهتدى (قناة الجزيرة ) فى أوباما أكثر من مسلم مرتد ، وهو ما يعنى أنه لو كان إسلامنا كمصريين صحيحاً لانتهزنا الفرصة للقبض على أوباما فى القاهرة مع استتابته ثلاثة أيام فى سجن الواحات أو القناطر مثلاً أو ربما فى لاظوغلى ليتعرف على سلومة الأقرع ، أو يفىء إلى اللة ويعود عن غيه المفتون إلى رشده ويتوب ، أو نطيح برأسه على ملأ من عامة المسلمين وخيار علماء الأزهر ودار الإفتاء ، وليكن فى ميدان التحرير مثلاً ، لأن ذلك حق الله والأمة الشرعى ، وكونه على أرضنا فهو ما يعنى خضوعه لقوانيننا وهى قاعدة دولية متعارف عليها ، إضافة إلى مكسب تفعيل المادة الثانية بالدستور مما يؤكد تمسكنا بالقيم الدستورية وبالإسلام فى آن معا ، أم نحن فقط قادرين وفاجرين وأسود ضوارى مع بنى مصر وأهلها من أقباط وشيعة وبهائيين وقديانيين وحقوقيين وليبراليين ولادينيين ..إلى أخر الأقليات المصرية المتناثرة .
إيرانى أخر يعيش فى المهجر هو أمير طاهرى عرف لغز أوباما بعد بحث دقيق فى التراث الشيعى ، فعثر فى كتاب بحار الأنوار لمحمد باقر المجلسى الصفوى على حديث للإمام على عن علامات ظهور المهدى المنتظر ، ومن تلك العلامات أن رجلاً أسوداً سيملك فى جهة الغرب ، وسيقود أقوى جيش فى الأرض قبل ظهور المهدى مباشرة ، والإسم باراك هو بارك، فهو بارك حسين أوباما ، وتعنى فى العربية والفارسية والعبرية ( مبارك الحسين ) ، أما (أوباما ) بالفارسية فتعنى ( إنه معنا ) ، وإعمالاً لذلك فلاشك أن الرئيس أوباما هو أحد الأوتاد التى تظهر قبل المهدى نبوءة بقرب ظهوره ، وأنه قريباً سيكون معنا ، فرج اللة كربة وعجل ظهورة !! .
لأهل السنة رأى آخر ، فقد روى عن الصحابى تميم الدارى وهو من بيت لحم بالخليل ، أنه طلب من النبى إن فتح الله فلسطين للمسلمين أن يعطيه مسقط رأسه بيت لحم ومقام إبراهيم ، وفى خلافة عمر نفذ له عمر وعد النبى ، وعاش آل تميم فى الخليل حتى اليوم ( التمايمة ) . وقد حدث هذا الصحابى أن جفاف بحيرة طبرية وجفاف نخل بيسان يؤذنان بقرب ظهور المسيخ الدجال ، ومن صفاته فى الحديث النبوى أنه أجعد الشعر ويقيم فى جزيرة بعرض البحر ، وباراك أوباما مولود فى جزيرة وهو أجعد الشعر ويستطيع الزعم أنه مسلم ومسيحى ويهودى ، فأبوه مسلم ، وباراك تنصر ، ثم لبس القبعة اليهودية فى زيارته للقدس . كذلك جاء فى قدرات المسيخ الدجال أن بإمكانة أن يطأ الأرض جميعاً ،وهى قدرة أى رئيس أمريكى بجيوشه ، وعليه فإن بارك حسين أوباما هو المسيخ الدجال عدو المهدى المنتظر الذى سيخرج من بلاد المسلمين ليقتل المسيخ الدجال ويكسر الصليب ويذبح الخنزير. ، و كسر الصليب يحدث الآن كل يوم فى العراق ومصر وباكستان وغيرها بحمد من اللة ونعمة ، وإن ذبح خنازير مصر قبل وصول أوباما مباشرة ، يشير إلى قرب تحقق هذا كله ، وبعدها تقوم القيامة .
ولو بحثنا عن رد مشيخى بعبد عن فانتازيا الخيال الدينى يقرأ الموقف برصانة ، فلدينا من وقف مع الآية التى دلل بها أوباما على سماحة الإسلام " من قتل نفساً بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً " ، وقال هؤلاء إن أعمدة كتب التفسير تتفق على أن أول الفساد هو الكفر بدين الإسلام ، ومن ثم فإن الآية التى استشهد بها اوباما ليدلك غرائز المسلمين ، توجب أول ما توجب قتل أوباما وكل من لم يدخل الإسلام ، خاصة بعد أن أعلن الإسلام عن نفسه وبلغ الناس كافة بحجة بليغة عليهم بأحداث 11 سبتمبر 2001 ، ولا حجة لأحد بعد أن وصله البلاغ مصحوباً بالدمار والخراب والدم والبينات الحارقات ، فهذه رسلنا قد أبلغتهم بديننا الحنيف ، وبعدها لا حجة ولا عذر لكافر بالإسلام على كفره ، وهو ما أكد عليه علم مشايخ الخليج الشيخ المنيع الذى رأى فى سبتمبر 2001 بلاغاً مبيناً وواضحا للعالم كله بوجوب الخضوع للإسلام ، ولفتة إلهية من علاماته البواهر .
هذا مع ملاحظة ظللت أؤكد عليها سواء فى كتاباتى أو محاضراتى وهى أنه رغم كل ما فعلت القاعدة وابن لادن ، فإنه لا يوجد مجمعاً أو هيئة أو مؤسسة أو رابطة أو فردا من المؤسسة الدينية أعلن تكفير بن لادن أو الزرقاوى وخروجه على الإسلام مهدور الدم كما يفعلون مع غلابا الوطن أمثالنا ، لأنهم جميعاً فى طواياهم لا يرون فيه سوى نموذج البطل الملحمى الإسلامى القديم بن الوليد وبن العاص وبن القاسم والقعقاع وغيرهم ، وأنه يجاهد فى سبيل الله وقام بتفعيل فرض الكفاية الجهادى نيابة عن الأمة كلها وله بذلك السابقة والفضل المبين . ومع عقيدة التقية فإنهم يستهجنون مع كل مجزرة بنلادنية أو زرقاوية أو قاعدية يمنية أو صومالية أو جهادية ... قتل الأبرياء والمدنيين ، ويستتبعونها دوماً بأن أمريكا وإسرائيل والحكومات الإسلامية كلها تفعل نفس الشئ ، كمبرر لما تفعل القاعدة والجهاد وحماس.... يستهجنون من طرف اللسان لكنهم
لا يكفرون الذين يقتلون الأبرياء المدنيين بيد القاعدة سواء كان الضحايا مسلمين فى بلاد مسلمين أو غير مسلمين ، لسبب بسيط وهو أنهم الأساتذة الذين علموهم ذلك فى معاهدنا الدينية فى مواد تدرس ولازالت بعد التجديد والتحديث تحدثنا عن عقيدة الولاء والبراء وفريضة الجهاد وملك اليمين ، وأصول التعامل النبيل مع العبد والفرس والبغل والمرأة والحمار بحنان ورفق إسلامى لا شبيه لة ولا نظير .
يتبع !


****
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 07-24-2009, 04:44 AM بواسطة بهجت.)
07-24-2009, 04:42 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
بهجت غير متصل
الحرية قدرنا.
*****

المشاركات: 7,099
الانضمام: Mar 2002
مشاركة: #68
RE: قراءة في توبة ابن القمني عن الأفكار التنويرية .
بقية ..
صحيقة المصرى اليوم حضرت مؤتمراً صحفياً مع أوباما إثر خطابه مباشرة ، وعقبت بتعبير شديد الأهمية وشديد الدلالة : " فالرجل لو صدق ، فسوف يتغير العالم من جامعة القاهرة " !!
أما العبد الفقير إلى الله فيرى أن هناك أشياء ستتغير بالطبع ، وسيتم حل المشكلة العزيزة على نفوس المسلمين فلسطين الغالية مسرى الرسول وأولى القبلتين بالسرعة الممكنة ، بالتزامن مع الخروج العسكرى من العراق ، وهو المتوقع خلال عامبن ، فهذه هى هموم المواطن حتى الجائع الحافى العارى المريض لا يجد قوت يومه ويخرج فى المظاهرات من أجل فلسطين والبوسنة والشيشان وبلاد تركب الأفيال ، ولا يخرج ليطالب بحقه فى الكرامة الإنسانية من حقوق وحريات . لذلك فإن من سيعانى هو تيار الحريات الحقوقى مع مزيد من العسر والتأخر فى قدوم التغيير المرتقب إصلاحاً وتهذيباً وتحديثاً ، فى ظل التحالف الذى يبدو أنه قد قام علناً وجهاراً نهاراً بين أمريكا والمسلمين ، فالخطاب كان للمسلمين بالتحديد ، وأن النتيجة هى شرعية وبقاء الأنظمة والشعوب والأوضاع على ما هى عليه ، فهى حليفة ، وإن جاء نظام مختلف عن الحالى فهى حليفة ، ولو جاء جمال مبارك أو على مبارك أو حتى زكى جمعة فهى حليفة ، ولو جاء الأخوان المسلمون فهى حليفة ، وتبقى الشعوب خارج الموضوع لأنها الفريسة لأى مفترس حليف ، ويبقى الباب بذلك مفتوحاً لمختلف الاحتمالات .


وستقوم الحكومات فى بلادنا : إسلامية صريحة ، أو إسلامية بزى مدنى كالحادث عندنا ، بدور الحارس الأمين للمصالح الأمريكية ، مقابل الصمت الأمريكى عن حقوق الشعوب فى هذه البلاد ، وتقوم أمريكا بدعم النظم الحاكمة القائمة بمنحها الشرعية والاعتراف ، وعلى هذه النظم أن تساعد أوباما لأنهاء ملفات أمريكا العالقة فى المنطقة وخروج عسكرها بكرامة وبخسائر بأقل قدر ممكن ، مع الحفاظ على مصالحها أينما كانت .

بالأمس القريب ( وما أسرع متغيرات خطى التاريخ فى زماننا ) كان إعلان أمريكا بغزوها للعراق ، أنها خطوة البداية لإصلاح المنطقة وجرها جراً إلى الحداثة للقضاء على الثقافة المفرزة للإرهاب بالديمقراطية وإسقاط النظم الاستبدادية التى أفرزت الإرهاب الدينى . بلسان بوش الإبن ورايس وباول ورامسفيلد وكل الفرقة الراحلة ، وحينذاك التقيت ببعض الدبلوماسيين الغربيين بناء على طلبهم وبمعرفة الأمن المصرى ، ضمن لقاءاتهم الأخرى لاستيضاح وجهات النظر ، وقد حذرت حينها من أخذ خطوة عسكرية تجاه العراق ، لأن الحرب على الإرهاب يجب أن تبدأ على المستوى الثقافى وليس العسكرى .
لا أنسى وزيراً مفوضاً لدولة كبرى راهننى - أدبياً ومعنوياً فقط - على أن مجرد إسقاط طاغية بغداد وإطلاق الحريات فى العراق ، فأنه كفيل بتحويله إلى واحة للديمقراطية وقاطرة ستقطر وراءها المنطقة كلها ، بالضبط كالمسيحى المؤمن الذى يتصور أنه بمجرد أن يعرض آيات الإنجيل على إنسان ، فإن ذلك كفيل وحده بإقناعه بالمسيحية ليعتنقها ، بالضبط كالمسلم الذى يتصور أنه لو قرأ القرآن على إنسان لرأيته خاشعاً كالجبل الذى يتصدع من خشية الله ، أيامها وخلال الشهور الأول لغزو العراق بدت رؤية السيد الوزير هى الواقعة وكسب الرهان الأدبى بصدق توقعاته وسافر لبلاده ، وبعدها بشهور حدثت تحولات كان يجب معها أن يكون كاسب الرهان هو أنا وليس هو ، لأن الحريات إن ام تتأسس أولاً على ثقافة حريات وعقد اجتماعى ينافح عنه أهله ، فإن الحرية تتحول إلى فوضى طائفية وعنصرية وهو ما حدث فى العراق الجميل ، وهو الدرس الذى خرجت به أمريكا من المنطقة ، فتراها كيف استفادت منه ؟
هنا علينا أن نرهف السمع جيداً لأوباما وهو يقول بقولين لا يلتقيان ، القول الأول هو :
" ينبغى ألا تستخدم الدول العربية الصراع بين العرب وإسرائيل لإلهاء الشعوب عن مشاكلها الأولى " يعنى خدوا بالكم يا حكام العرب أننا فاهمين لعبتكم من زمان بإلهاء الشعوب عن حقوقها بالقضايا القومية والدينية ، هو قول موجه للحكومات ، يفصح عن كون العملاق الأمريكى ليس أهطلاً ، بل انه يعرف أساليب حكوماتنا كذلك يعرف شعوبنا معرفة دقيقة وكيف يمكن صرفها عن مصالحها وحقها فى حياة كريمة ، بسلبها عقلها ووعيها اعتماداً على غرائز دينية وقومية يتم شحنها طوال الوقت . لصرف النظر عن قضايا الداخل إلى الإسلام الذين يهان فى الدانيمارك أو فى البوسنة أو الشيشان أو غزة أو أى بلادستان ، المهم صرف النظر إلى منور أى جيران قريبين أو بعيدين ، لبحث عيوبهم والمآخذ عليهم والهتاف والتظاهر ضدهم والانشغاال بهم عما يحدث فى الداخل .
وقول كقول أوباما هنا يفترض أن يؤدى إلى اطمئنان التيار العلمانى ، لأنه لو تم حل المشاكل الأساسية العاطفية الدينية القومية مثل فلسطين والعراق وأفغانستان وغيرها ، سيعطى الشعوب الفرصة للانتباه للداخل لبحث عن حلول لمشاكلها مع حكوماتها .
****
هنا يأتى القول الثانى الذى لا يلتقى مع قوله الأول ، وقد جاء إجابة على سؤال أوباما فى المؤتمر الصحفى " س: إذن كيف ترون مسألة نشر وترويج الديمقراطية وحقوق الإنسان فى المنطقة والشرق الأوسط ؟ ج : أنا أؤمن بالديمقراطية وحقوق الإنسان والخطاب الاجتماعى العالمى ، لكن يجب أن نعلم أن هناك شعوباً مختلفة ، وأشخاصها مختلفين ، وأفكاراً مختلفة ، وعادات مختلفة ، وتقاليد مختلفة بشأن هذه المسألة . وبالتالى على أن أؤكد من أعماق قلبى وروحى ضرورة احترام الآخر والتعايش مع بعضنا البعض ، وأننى لا يمكننى فرض معتقداتي على الآخر ، ولا يمكننى أن استغل أغلبيتى للعمل ضدك ، ولا استطيع أن أفرض معتقداتى الدينية وأقول لأحد عليك أن تتبع معتقداتى نفسها . وقضية حقوق الإنسان والديمقراطية مهمة جداً للإسلام ، لأنه يمكنه أن يعالجها ، فأنا أعلم أنه ليس كل المجتمعات الدينية متشابهة فى تنفيذها السياسى ، فالشريعة مثلاً يمكنها أن تحمل تفسيراً متشدداً أو حديثاً تجاه قانون وضعى . أنا لا اتخذ ولا أفرض قراراً يتعلق بهذا الأمر على أى دولة أو مجموعة من الناس ، ولكننى لا أوافق على أن مبدأ يلزم الأخرين باعتقاد ما ، فنحن فى الولايات المتحدة نرى أن فى ذلك مناهضة للحقوق ، ويتنافر مع روح الديمقراطية ويجلب الصراع فى النهاية ، مما يجعل خلق هذا الحوار مهماً داخل الإسلام " .
فى ظنى أن هذه الفقرة بالمؤتمر الصحفى هى الأهم في كل ما قال أوباما بالقاهرة ، فهى تلقى بالكرة فى ملعبنا تنتظر ردنا ، فيها لغز علاقة المسلمين بالغرب وحداثته ، وفيها حل اللغز . فقد ننساق وراء تدليكه غرائزنا ونحتسب خطابه بالقاهرة تشجيعاً لحكوماتنا ولشعوبنا معها على الاستمرار كما هى دون بحث أى أخطاء من جانبنا لنصلحها ، مع عدم الاعتراف بأى خطأ حاضراً أو ماضياً ، بل ربما تقديس الخطأ والاستمرار فيه على عادتنا التاريخية المتواترة وتظل الأوضاع على ماهى علية ، لكن ذات الفقرة على استعداد للتعامل مع نظام ديمقراطى حقوقى أيضاً لكن دون أى تدخل أمريكى لفرض هذا النظام بعكس ما قال بوش الإبن من قبل ، وهنا المعادلة الصعبة التى تترك الليبراليين العرب عرايا أمام ترسانة مدججة بشارع مسلوب الوعى وبماض تليد وحكومات قامعة ومأثور عنيد هو الأعز على قلوب الشعوب ، التى تدعو من مساجدها أهم دعاء لها : " اللهم لا تجعل مصيدتنا فى ديننا " ، وما عدا ذلك من مصائب فليس من المشاكل الملحة ، وتصبح المشاكل التى تشغل العلمانيين ليست من نوع المشاكل التى تشغل بال رجل الشارع المسلم .وأنه على العلمانيين العرب أن يعيدوا تقييم المواقف ، من أجل توحد وتضافر بعضهم على خريطة المنطقة بحيث لا يتم تجاهلهم بحسبانهم نخباً تمثل جزراً منعزلة عن بعضها ، وكلهم والحمد للة أو معظمهم أسماء كبيرة تتسم بالطهارة ونظافة الذمة فيمن أعرفهم على الأقل ، ويمكنهم أن يكونوا ذوى أثر فاعل فى الساحة بحيث لا تبقى فارغة إلا من خيارين أحلاهما مر : الاستبداد السياسى المستمر أو الاستبداد الدينى المرتقب ، بخيار ثالث هو المواطنة أولاً ، والإصرار على رفع المواد الدينية من الدستور ، وخانة الديانة من البطاقة الشخصية ، والتعايش السلمى بين المواطنين وفق عقد اجتماعى تحدوه المصلحة العامة وليس مصلحة أتباع دين من الأديان أو مذهب من المذاهب ، وألا يخرج الدين من الكنيسة أو المسجد الى المجال العام صونا له من العبث البشرى ، ولتفعيل دوره فى تربية ضمير المواطن وتعليمة كيف يدخل الجنة .. وليس أبعد من هذا ولا مليمتر واحد ، من أجل وطن أفضل للأجيال المقبلة ، مع التواجد الليبرالى الواضح دون أى تراجعات ، التواجد المستمر والفاعل على الساحة عبر كل السبل السلامية الممكنة ، لإثبات هذا الحضور .
قال أوباما إن الإسلام دين تسامح ومساواة ، وأنه يدافع عن حقوق الإسلام الحقيقية وليس الصورة النمطية المسيئة للإسلام ، وركز على مشتركات بين الأديان هى مبادئ العدل والتقدم والتسامح وكرامة كل بنى البشر ، وأنه فى كل دين مبدأ : عامل الآخرين كما تحب أن يعاملك الآخرون ، وأن الأيمان بالآخرين هو ما دفعه للمجيء للقاهرة لمخاطبة المسلمين .
الفقرة السالفة لها أهميتها لتجميل خطابه هو أمام أهل الغرب بدورهم ، الذين قرعوه على هذه الزيارة وذلك الخطاب فى وسط استبدادى ، أما بقية الخطاب فهو تجميل لأمريكا فى نظر المسلمين بالتسلل عبر ما هو عزيز علينا ومخاطبتنا على قدر عقولنا ، بدأ بالسلام عليكم ( تصفيق حاد بالقاعة ) وشرح أنه رغم مسيحيته فهو من أب مسلم وأنه تعرف على الإسلام فى المواطن الثلاث التى عاش فيها ، وقال انه سيتبع فى كلامه نصح القرآن الكريم : اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً ( تصفيق حاد بالقاعة ) ، وأنه أمر بإغلاق سجن جوانتنامو ( تصفيق حاد / عقبال عندنا قادر ياكريم ) ، وأكد أن حربه موجهة ضد القاعدة فقط ، وهى عنده كما هى بالضبط فى خطابنا الدينى والرسمى المخاتل ، هى مجموعة من شواذ المسلمين من قلة منحرفة فهم حسب قوله : " مجرد حفنة شاذة من المسلمين وتصرفاتهم لا تتماشى مع حقوق البشر وتعاليم الإسلام بدليل آية من قتل نفساً بغير نفس ( تصفيق حاد ) ، وأن أمريكا لن تكون فى حرب مع الإسلام ( تصفيق حاد ) ، وأن المحاكم الأمريكية أعطت المرأة المسلمة حق الحجاب وعاقبت من ينكره عليها ( تصفيق حاد ) وحتى يبدو مثلنا يردد ببغائياتنا التاريخية التى هى محفوظاتنا الأثيرة ، وشعاراتنا الغالية ، قام يردد مقولاتنا الخوالد مثل أن الأزهر قد حمل مشعل التنوير والحضارة للعالم ( ؟؟ !!! ) ، وأن المسلمين هم من اخترع البوصلة وعلم الجبر والملاحة ( ؟؟ !! ) والطباعة ( لا أدرى من أعطاه هذه المعلومة الخاطئة لأن الطباعة جاءتنا مع نابليون وكفرها مشايخ الأزهر كبدعة شيطانية ) ، إضافة إلى شعرنا فى الفخر والهجاء والشحاته والتسول بألاطة ( ولا زلنا ) ، وخطنا العربى اللهلوبة بين كل كتابات وخطوط الدنيا .
لاشك أن رد الفعل بالتصفيق الحاد مع بعض أقوالة ، أو بالوجوم التام مع أقوال أخرى ، هو معيار لقياس رد الفعل ، فحديثه عن الهولوكوست والعنف الفلسطينى الذى سيؤدى لطريق مسدود ، ووجوب اعتراف حماس بحق إسرائيل فى الوجود ، كلها مما قوبل بالصمت والوجوم التام وهو ردنا الأول على بعض خطابه فيما لا نحب ولا نشتهى .
أما قوله أن الوضع الفلسطينى لا يحتمل وأن أمريكا لن تدير ظهرها للفلسطينيين ، فقد قوبل بالتصفيق الحاد بذات الشدة الاستحسانية لتصفيقهم للآيات القرآنية العشر التى تلاها.
****
إذن ردنا الأول بالقاعة هو أننا نحن كما نحن على قواعدنا ثابتون دون تغيير ، وأننا لن نناقش ولن نحاول حتى مجرد إعادة النظر فى قضايا مهمة ومحسومة لدينا لأننا الحق التام وغيرنا الباطل التام .
أما الرد العملى فقد جاء سريعاً من الأزهر رائد الحضارة وحامل مشعل الحريات والتنوير( ؟ !!! ) ، بإعلانه ثانى يوم للخطاب الأوبامى الموقف من المصريين البهائيين ، وبالتالى هو موقف من الخطاب الأوبامى ، بالعودة لبيان شيخ الأزهرالأسبق جاد الحق وإعادة توزيعه للإعلان عن موقف الأزهراليوم من البهائيين ، ومضمونه نصاَ " إن البهائية ليس لها صلة بالأديان السماوية ، بل هى دين مخترع جديبد ظهر أواخر القرن التاسع عشر الميلادى ، وحظى برعاية ومباركة الاحتلال الإنجليزى ، ويهدف إلى تفتيت وحدة المسلمين ، وإنكار فرائض الإسلام " ، وقبله بأيام جاءت مطالبة أعضاء مجلس الشعب (حزب الحكومة الوطنى والإسلاميين ) بإصدار قانون يجرم الفكر البهائى ويحاكم المروجين له ، مع وصف البهائيين بالخطر الداهم على الأمن القومى المصرى ، لافتين إلى ميل البهائيين إلى الصهيونية لاعتقادهم بضرورة إلغاء فريضة الجهاد فى الإسلام ، ومن جهته حذر الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس اللجنة الدينية بمجلس الشعب من شيوع الرذيلة فى ضوء انتشار الفكر البهائى بين الشباب المصرى / صحيفة اليوم السابع !!
وهو كلة ما جاء بعد مطالبة البهائيين بحقهم كمواطنين بتسجيل ديانتهم بالبطاقة الشخصية وانتهى الموضوع إلى شرطة بدل الديانة ، ثم هياج قرية الشارونية وحرقها منازل البهائيين وطردهم منها ، مع ظهور صحفى مثقف ( أو يفترض أنة
هكذا ) فى التلفاز يطالب بقتلهم علناً ، ولا تفهم كيف استمر صحفيا بعدها ، لماذا لم يثنى على قولة بالفعل ، ويروح يقتلة كام بهائى فيضمن الجنة والنكاح الأبدى ، أم أنة غير واثق من النتائج ؟ أم أن دورة يقتصر على إصدار الأحكام لطلب من ينفد ؟ وكلة تحريض على ارتكاب أشنع الجرائم ، ولا يجد من يعاقبة .
إذن هذا هو ردنا بمجلس الشعب بالحزب الوطنى بالأخوان .. يالصحافة بالتلفزيون ( دون تعميم ) والأزهر( مع التعميم ) بعد ذلك ظهيراً ، ردنا هواستمرار الجهاد وقتل الذين يدعون إلى إيقافة وحرقهم إن أمكن كما حدث مع البهائيين، والجهاد يعنى استمرار المسلمين فى حالة حرب مع العالم كله حتى يسلم أو يدفع الجزية عن يد وهو صاغر !!!، فالدعوة للسلام كفر حتى لو كانت للسلام الوطنى داخل الوطن يبن مواطنيه عناصراً وأدياناً ، وأننا لن نتعامل مع الآخرين كما نحب أن يعاملونا كما قال أوباما ، فهذا هو الكفر عينه لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه ، وأن أوباما يهرف بما لا يعرف ، فلا عندنا تسامح ولا كرامة لكل بنى البشر ، إذا كانت كرامة مواطنين مصريين مهدوره بلا كرامة وبلا تسامح لأنهم يخالفون المسلمين العقيدة . فلدينا تصنيف فى توزيع الكرامة حسب الدين والمذهب والطبقة القبلية والجنس ، لذلك فقول أوباما أنه يفهم صورة الإسلام الحقيقية هو افتئات على الإسلام الحقيقى ، فكيف يكون ما قاله هو الإسلام الحقيقى مقابل ما قال مجلس شعبنا الموقر وأزهرنا وتلفازنا الملتحى ، وشارعنا الإسلامى الذى يحرق ويسلخ وهو مطمئن لسلامة دينه وصدق إيمانه .

بهذا الشكل سيقف دعاة العلمنة والمدنية الدستورية والحقوق الليبرالية عرايا من أى غطاء ، أمريكا ستتعامل مع أوضاعنا كما هى ، أو إن تغيرت للأسوأ أو للأفضل ، أوباما يعرفنا لذلك أعلن ترك لنا الحبل على الغارب دون تدخل لترك الفوضى الخلاقة تحرق بذريعة عدم فرض الديمقراطية الحقوقية لأن هذا الفرض ضد قيمها ومبادئها ، وهو ما يعنى أيضاً أننا سنستغيث بلا مغيث ، فى ظرف حرج ومنعطف تاريخى سنخرج معه خارج دائرة البشرية كلها ، والغوث المعنى هنا هو الغوث المعنوى وضغوط المجتمع المدنى الدولى وكل قوى الضغط الداعم والمؤرق الذى لا يهدأ ولا يتواطأ ، وهو ما يبدو أنه ابتعد بعد أن بدا لنا قريباً مع ضرب منهاتن ، ابتعد مرة أخرى بحسابات المصالح الأمريكية الجديدة بغض النظر عن مصير شعوبنا ، وأنه على العلمانيين العرب أن يعيدوا تقييم المواقف ، من أجل توحد وتضافر بعضهم على خريطة المنطقة بحيث لا يتم تجاهلهم بحسبانهم نخباً تمثل جزراً منعزلة عن بعضها ، وكلهم والحمد للة أو معظمهم أسماء كبيرة تتسم بالطهارة ونظافة الذمة فيمن أعرفهم على الأقل ، ويمكنهم أن يكونوا ذوى أثر فاعل فى الساحة بحيث لا تبقى فارغة إلا من خيارين أحلاهما مر : الاستبداد السياسى المستمر أو الاستبداد الدينى المرتقب ، بخيار ثالث هو المواطنة أولاً ، والإصرار على رفع المواد الدينية من الدستور ، وخانة الديانة من البطاقة الشخصية ، والتعايش السلمى بين المواطنين وفق عقد اجتماعى تحدوه المصلحة العامة وليس مصلحة أتباع دين من الأديان أو مذهب من المذاهب ، وألا يخرج الدين من الكنيسة أو المسجد الى المجال العام صونا له من العبث البشرى ، ولتفعيل دوره فى تربية ضمير المواطن وتعليمة كيف يدخل الجنة .. وليس أبعد من هذا ولا مليمتر واحد ، من أجل وطن أفضل للأجيال المقبلة ، مع التواجد الليبرالى الواضح دون أى تراجعات ، التواجد المستمر والفاعل على الساحة عبر كل السبل السلامية الممكنة ، لإثبات هذا الحضور .

وبعد أتمنى أن يخيب هذا التحليل برمتة ، وأن يكون أحد هناتى وسقطاتى النشاؤمية ، وأن تكون القوادم خيرا من السوالف ، على ألا نكتفى بالقعود حتى يأتينا الفرج مع مخلص منتظر أو ديكتاتور مسنير ، وسواء كان هذا المنتظر هو أوباما أو المهدى أو المسيخ أو المسيح أو جودو ، لأن (جودو) هو مسرح العبث ، هو مجرد وهم وأمانى غير متحققة ، لذلك لن يأتى مهما طال الانتظار .
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 07-24-2009, 03:09 PM بواسطة بهجت.)
07-24-2009, 02:19 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
بهجت غير متصل
الحرية قدرنا.
*****

المشاركات: 7,099
الانضمام: Mar 2002
مشاركة: #69
RE: قراءة في توبة ابن القمني عن الأفكار التنويرية .

أفكار حول خطاب أوباما و سيد القمني .

ترددت أكثر من مرة في التعليق على خطاب اوباما في القاهرة ، و غالبا بدافع اليأس من إعادة تفعيل روح الحوار الجاد ، و لهذا سأحصر تعليقي على ذكر بعض النقاط الرئيسية دون التفاصيل .
1. واجب أي موظف عام في الدولة القومية الحديثة بما في ذلك رئيس أمريكا هو واجب محصور في خدمة المواطن دافع الضرائب ،و ليس في نشر الديمقراطية أو خدمة إله ما سواء كان بوذا أو المسيح ،وهو لن يفعل ذلك إلا كستار يخفي به أهدافه الوطنية البحتة ، هذه قناعتي التي حاولت شرحها لتبرير رفضي لغزو العراق فقوبلت كالعادة بحملة سباب من عشاق الديمقراطية المسقطة جوا Air-Dropped Democracy .
2. لأسباب براجماتية كلاسيكية لم يحدث أن هاجم أحد من قادة الغرب الرئيسيين الإسلام بما في ذلك جورج بوش ، بل ربما كان رئيس الوزراء الإنجليزي توني بلير هو أكثر قادة العالم ثناءا على الإسلام !، وبالتالي فلا جديد في حديث باراك اوباما عن الإسلام ، سوى أنه وجه حديثه بشكل مسرحي على خشبة جامعة القاهرة ووسط جمهور مسلم مباشرة .
3. موقف أوباما هو نفسه موقف بوش و غيرهما من قادة الغرب في اعتماد تصنيف واحد للشعوب ذات الأغلبية المسلمة قائم حصريا على أساس الهوية الدينية ، وهي رؤية خطيرة تستبعد كافة الهويات التعددية الأخرى رغم حضور تلك الهويات المؤثر في الحياة اليومية ، وهذه الفكرة محورية في كل ما أطرحه ،و سبق أن طرحتها في شريط خاص و أعدت توضيحها في هذا الشريط في ردي على نيوترال ، ما يفعله اوباما بنعومته الراقية هو تماما ما حاوله جورج بوش بخشونته الفجة ، و يتمحور في مقاومة الإرهاب ( الإسلامي ) خلال إعادة تعريف الإسلام ، و ذلك خلال جذب المؤسسات الدينية الإسلامية إلى مواقف متوافقة مع الأمن و السلام العالميين ، وهذه محاولة محكومة بالفشل ، و علينا أن نتذكر أن محاولة تجنيد رجال الدين لدعم قضايا سياسية كانت دائما سياسة خاطئة خاصة فيما يتعلق بالإسلام السني السائد .
4. خطأ هذه السياسة يعود لسببين واضحين يمكن تبينهما منذ البداية ، فالإسلام السني يتميز بعدم المركزية و خلوة من سلطة دينية عليا تتخذ القرارات الدينية الرئيسية الملزمة لعموم المؤمنين ، فالفرد و ليس المؤسسة الدينية هو وحدة بناء الإسلام السني ، و ليس خافيا مقدار الحرية التي يتيحها مثل هذا الإسلام لأتباعه ، و لكن في المقابل سيكون من المستحيل تقريبا توفير إجماع ملزم دينيا لمقاومة الإرهاب أو لأي قضية أخرى ، ثانيا خطورة تكثيف السلطة بيد رجال الدين من أجل القيام بدورهم المأمول ، فهذه السلطة يتم توظيفها لاحقا و ببساطة لدعم الأحزاب و الجماعات و المؤسسات الدينية ، و تمرير أخطر الأفكار الأصولية كصحيح الدين منكره كافر ،و هذا بالضبط ما حدث في مصر و الأردن و باكستان و غيرها من المجتمعات ذات الأغلبية السنية .
5. هناك تهميش كامل من أوباما كغيره من قادة الغرب للقوى التنويرية و العلمانية و الليبرالية العربية ، هذه القراءة التي تستثني تلك القوى من خريطة المنطقة السياسية تعكس حقيقيتين ، أولهما هشاشة و هامشية و عدم تجانس حركة التنوير العربية ، ثانيهما وجود تناقضات حادة بين الإسلام و الحداثة لا يمكن القفز عليها الآن ، و بالتالي لا يرى السياسي الغربي في المنطقة سوى الطيف الإسلامي ،و بالتالي لن يكون صادما ان يختار التيار – الذي يعتقده - الأكثر معاصرة و مسالمة ، لا أشك بالقطع أن المفكر و السياسي الغربي سيكون سعيدا عندما يتعامل مع قوى تنويرية فعالة في الشعوب التي تدين بالإسلام ، و لكن تلك القوى غير موجودة و بالتالي فالعلمانية و التنوير ليسا من الخيارات المطروحة واقعيا الان على الأقل ، و يحضرني هنا مواقف لا يصدقها عاقل عندما يدعم الماركسي العربي المشروع الشيعي الإيراني بحماس لا يفوقه سوى توله الملحد في حركة حماس الإسلامية و رفيقها حزب الله !،و لكن هكذا يفكر المصريون و العرب و يتصرفون .
6. ما ينادي به سيد القمني الان هو ما أنادي به دائما ، وحدة كل القوى التنويرية مهما كانت خياراتها السياسية ضد القوى الأصولية و مشروعاتها في المنطقة ،و أن نمد الخطوط على استقامتها و نتوقف عن التناقضات الذاتية .
07-24-2009, 05:06 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
العلماني غير متصل
خدني على الأرض اللي ربّتني ...
*****

المشاركات: 4,079
الانضمام: Nov 2001
مشاركة: #70
RE: قراءة في توبة ابن القمني عن الأفكار التنويرية .
إلى أعلى، مع الشكر للعزيز "بهجت" على هذا الموضوع الثري.

واسلموا لي
العلماني
07-29-2009, 01:51 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  دراسة ( السم بالدسم ) - قراءة فى فكر اللعين جون لافين - الكاتب / طارق فايز العجاوى طارق فايز العجاوى 0 602 05-02-2012, 04:18 PM
آخر رد: طارق فايز العجاوى
  (( السم بالدسم ))- قراءة فى فكر اللعين لافين - بقلم الكاتب / طارق فايز العجاوى طارق فايز العجاوى 0 690 05-02-2012, 07:43 AM
آخر رد: طارق فايز العجاوى
  انكماش الرأي حسب تغير الدافع.."قراءة في جدلية الإخوان والولايات المتحدة" فارس اللواء 4 1,326 03-11-2012, 03:04 PM
آخر رد: فارس اللواء
  الثورات تُسقِط أنظمة الأفكار أيضاً! الحوت الأبيض 0 908 06-20-2011, 08:38 PM
آخر رد: الحوت الأبيض
  قراءة بخطاب بشار الأسد: فتنة ـ مؤامرة و إصلاحات مصطفى علي الخوري 1 1,996 04-16-2011, 07:42 AM
آخر رد: أبو إبراهيم

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS