(08-29-2009, 01:01 PM)Al gadeer كتب: على كل حال انت تعتقد انه من الممكن تفسير تطور الانسان الى هذا الكم الهائل من التعقيد اذا ما تجاوزنا نقطة البداية، حسناً تفضل لك المنصة واشرح لنا بشكل مبسط كيف حدث ذلك
هل تعرف أن اللغة الانجليزية و الايطالية أصلهما لغة واحدة هي الـ Indo-European؟ طيب كيف يمكن لهذا ان يكون؟ يقول علماء اللغة ان اللغتين تطورتا على مدار السنين و تغيرتا. طيب كيف حصل هذا؟ هل استفاق شخص في اوروبا و قرر أن يتحدث لغة جديدة اسمها الانجليزية، و استفاق جاره في الصباح نفسه و بدأ يتحدث الايطالية؟ طبعا الذي حصل هو أن اللغة الاصلية تغيرت صوتا صوتا، حرفا تلو حرف، كلمة تلو كلمة. تحرفات و تغيرات بسيطة لا تُذكر على مدار آلاف السنين، يوما بعد يوم، سنة بعد سنة، الى ان اصبحتا لغتين منفصلتين.
كيف نصدق أن الايطالي اليوم هو حفيد الناس انفسهم الذين تحدثوا اللغة اللاتينية مثلا؟ طيب اذا كان كل شخص يعلم ابنه التحدث بنفس اللغة التي يتحدثها هو، فكيف وصل بنا الحال الى لغة جديدة بعد بضعة اجيال؟ كيف لم يلاحظ احد ما يجري؟
السبب هو أن التغير كان
بطيئا و
طفيفا.
اذا كانت هناك تغيرات جينية طفيفة بين كائن و بين طفله، و تغيرات طفيفة بين الطفل و بين اولاده، و هكذا على مر عشرات الالاف من السنين، فإن النتيجة هي حصول تراكم هائل من التغيرات بحيث لا يوجد شبه يُذكر بين البداية و النهاية.
اقتباس: فالآلية التي تم على اساسها هذا التطور لابد ان تكون معلومة لنستطيع ان نصدق بأن شكل الحياة "البسيط" يمكن ان يتحول الى "معقد" دون تدخل قوة واعية، خلافاً للفوضى فهي لا تؤسس لنظام
هذا ليس كلاما منطقيا. أنت تصّر على أننا لا بد ان نعرف الآلية التي يتحول بموجبها البسيط الى معقد، و إلا فالخيار الوحيد هو وجود قوة واعية.
أقول أن هذا الكلام غير منطقي لسببين:
1- لو فرضنا ان هناك آلية فعلا لتفسير تلك الظاهرة، و لكننا لن نعرفها على الاطلاق فمعرفتها أمر مستحيل لسبب أو لآخر. اذن اذا تمسكنا بتفسير "القوة الواعية" فنحن هنا مخطئون. يعني أنت كمن يقول لضابط شرطة، "إما أن تأتي بدليل على أن شخصا آخر هو الذي ارتكب الجريمة، أو أنني سأصر أن رباب هي التي ارتبكتها." سيقول لك الضابط، "يا عزيزي سواء عثرنا على شخص اخر ام لم نعثر، لا يمكننا أن نلوم رباب إلا اذا كان لديك دليل على انها هي التي ارتكبت الجريمة. ادانة رباب ليست متوقفة على تجريم شخص آخر او تبرئة العالم كله، و انما هي متوقفة على اثبات انها هي المجرمة."
اذن سواء أعطيتك آلية ام لم أفعل، فزعم وجود القوة الواعية يتطلب دليلا ماديا بحد ذاته لكي يصدقه اي انسان موضوعي. يا عزيزي نقطة البداية بالنسبة لك و لي هي أننا
لا نعلم كيف وُجد الكون. طبعا هناك قصة الخالق، و هناك فرضيات و نظريات علمية اخرى كثيرة. لكن لغة "لا يمكن" التي تستعملها ببساطة لا تستنتد على سند عقلي او علمي.
2- حل القوة الواعية يناقض نفسه. اذا كان النظام المادي مستحيل بدون قوة واعية، فنظام القوة الواعية نفسه مستحيل بدون قوة واعية اخرى. بل اذا كان النظام المادي محتاجا لقوة واعية اكثر تنظيما منه لكي تنظمه، فهو اكثر حاجة منها الى قوة ثانية تنظم القوة الواعية التي تتحدث عنها! و اذا كان ممكنا لهذه القوة الواعية ان توجد بدون قوة واعية ثانية فوقها، فإنه من الاكثر احتمالا ان النظام المادي لا يحتاج الى قوة واعية من الاساس.
الان من نقطة "لا نعلم"، يمكننا أن ننطلق الى الحلول الممكنة، مع العلم انه من الممكن ان الحل الصحيح ليس واحدا منها بل هو شيء ما زلنا لا نعلمه!
اقتباس:ثم ان هناك استفسارات منطقية مثل معدل الطفرات للسنين، فهل المطفرات تحدث في ملايين السنين (على فرض انها ليست تدريجية) ام انها تحتاج لسنوات قليلة، فإذا كانت تحتاج لسنوات قليلة فلابد انه من الغريب ان اسلافنا كانوا شبيهين بنا جداً من حيث تركيبة الجسم
قراءة كتاب جيد يشرح نظرية التطور كفيلة بالاجابة على الكثير من هذه الاسئلة. مثلا من المعروف ان سمك القرش لم يتغير لحقبات طويلة من الزمن. الطفرات بحد ثاتها لا تؤدي الى التطور، فالطفرات لا تستمر في جيل معين اذا كان هذا الجيل مندمج جينيا بحيث لا يعطيها الفرصة للاستمرار. هناك عوامل أخرى في نظرية داروين مثل الاتنقاء الطبيعي المبني على الانفصال الجغرافي (بحيث تقل المنافسة بين الجينات الغالبة و الطفرات الجينية)، المنفعة الطبيعية الناتجة عن الطفرة بحيث تعطي الكائن الذي حدثت فيه الطفرة اليد العليا في التنافس على الموارد و تجنب المخاطر.
لهذا السبب نجد الكثير من التركبيات الجينية الناجحة التي استمرت على مدار ملايين السنين بالرغم من أن 99% من الاجناس انقرضت بسبب تفوق اجناس اخرى عليها.
اقتباس:هل يجب ان يجلس العلماء في بروجهم العاجية ويعطونا الحقائق؟ هل يمكن للعلم ان يكون مفيداً في حل خلافات فلسفية؟
لا يوجد بروج عاجية للعلماء يتلقون فيها الحقائق من السماء. أي شخص لديه الرغبة و القدرة على العمل في المجال العلمي يمكنه أن يصبح عالما. البروج العاجية هي للحقيقة المبنية على أدلة، و هذه الأدلة متوفرة للجميع للاطلاع عليها، فالعلماء لا يملكون الادلة و يحتكرونها مثلما يفعل الكهنة و رجال الدين حين يزعمون ان الآلهة أعطتهم الحقيقة دون غيرهم.
بالنسبة لقدرة العلم على حل خلافات فلسفية فهذا فعلا ما يحدث. تاريخيا كان تركيب المادة مجالا من مجالات الفلسفة، فبعض الفلاسفة قالوا ان المادة متكونة من النار و التراب و الهواء و الماء. و آخرون قالوا انها متكونة من عناصر صغيرة، و دار الجدل بينهم لآلاف السنين دون فائدة، حتى جاء العلم و حل المعضلة. الفضاء و الكيمياء و الوعي و الكثير من الامور كانت في الساحة الفلسفية و الدينية الى ان جاء العلم و قال كلمته فيها.
هذا لا يعني انني اقلل من اهمية الفلسفة، لكن الفلسفة بطبيعتها مبنية على التفكير المنطقي و التحليل العقلي. هذا أمر غاية في الاهمية، و لكن للتفكير حدود اذا لم يكن مدعوما بأدلة. و هذه هي وظيفة العلم: توفير الأدلة للمساعدة في حل المشاكل الفلسفية.
طبعا هناك مشاكل فلسفية قد لا يتمكن العلم حلها بالادلة. في تلك الحالات، للأسف الشديد لن نستطيع ان نعلم الحل، بل ستبقى تلك الامور في ساحة الفلاسفة.
اقتباس:وهل يمكن للعلم ان يتدخل في كل شيء؟ من وجهة نظري هذه هي المشكلة الاساسية مع الملحدين الجدد، فهم لا يعترفون بغير العلم وطبعاً هذا خطأ كبير، فالعلم يبنى على فرضيات ونظريات وما يثبته لنا التاريخ ان العلم يتطور ويحدث نفسه دائماً
لا يوجد في العلم حقائق مقدسة، و كل عالم له قدره في المجال العلمي سيقول لك ذلك. كل حقيقة في العلم قابلة للتغيير و التعديل او حتى للنبذ، اذا ما توفرت أدلة جديدة تدعو الى ذلك. هذا كلام يؤكده كل الملاحدة الذين أعرفهم، و على رأسهم كبار العلماء. طبعا العلم يتطور و يتغير، و هذه هي طبيعته، و هذا ليس عيبا فيه و انما هو مصدر قوته. لا يتشبث أحد بشيء تناقضه الأدلة العلمية الجديدة.
بالنسبة للاعتراف بغير العلم، فهذا كلام خاطئ جزئيا. الملحدون يعترفون بغير العلم في مجالات مختلفة، مثل السياسة و الاخلاق و الاقتصاد و الفنون، الخ. لكن العلم أداة تساعدنا في كل تلك المجالات. على سبيل المثال، اذا اثبت العلم ان دواءا معينا يمكن ان يضر بالانسان، فهذا يساعدنا أخلاقيا ان نقرر عدم اعطاء هذا الدواء للناس، و سياسيا في وضع ضوابط ضد انتاج هذا الدواء. و هكذا.
لكن العلم يجب ان يكون ركنا اساسيا في كل شيء! اذا كان دين معين يقول ان الارض منبسطة، و اكتشفنا علميا ان الارض كروية، فهل ستقول لي، "انت لا تعترف بغير العلم، و هناك طرق اخرى مثل الدين، نعرف من خلالها ان الارض منبسطة"؟؟؟