بص يا عم كمبيوترجي
أول شيء، عندما تقول "إسلاموفوبيا" فهناك مقابله "إسلاموفاشيزم" ، فالترويج لمصطلح بتكراره بداع وبلا داع في كل مكان حتى يصبح تهمة معلبة وجاهزة تلقونها في وجه كل من يحاول النقد على سبيل تقليد الإسرائيليين في اتهام كل من يهاجمهم بأنه "أنتي سيميتك" لا تنفع في النادي.
تعال بقى حتى نرى هل هذا الطرح له أساس أم أنه جاء من وحي الخيال.
سنجد أن له أساس عند قراءة التاريخ وحتى عصرنا الذي نعيش فيه.
فلو لم تكن ترى أن الدين يلعب دوراً أساسياً في الكثير من الأحيان لتأخير التقدم العلمي، فهذه مشكلة كبيرة جداً في نظرتك للأمور وأنت بحاجة إلى مراجعة نفسك ملياً والتساؤل حول مدى جديتك في مناقشة الأمور بموضوعية.
فأنا لا أرى أن الدين يؤدي إلى التخلف دائماً، ولكن في نفس الوقت أرى أنه يؤدي إلى التخلف أحياناً.
وهذا يحصل معنا دائماً في الوقت الحالي.
ولكنه في جميع الأحوال لم يؤد إلى التقدم أبداً.
فالمسلم الذي تقدم علمياً واعتمد على حديث العلماء ورثة الأنبياء هو مسلم "اختار" أن يسلك طريق العلم الدنيوي وتحجج بهذا الحديث فقط لا غير.
ويقابله مسلم آخر انصرف عن العلم الحديث إلى الزهد والتصوف وتحجج بنفس الحديث عن العالم الذي تستغفر له الحيتان في الماء متهكماً على المنصرفين إلى العلم الدنيوي بأنهم ضلوا الطريق وأن العلم المقصود في الحديث هو علم الروح.
والسلفي تحجج بنفس الحديث متهكماً على المتصوفة والعلماء الدنيويين من المسلمين ومؤكداً بأن هذا العلم هو علم العقيدة والفقه.
ففي جميع الأحوال اختيار طريق العلم أو الطرق المخالفة له اختيار ينبع من داخل الإنسان بصرف النظر عن تدينه من عدمه، ولكن إن وجد الدين فقد يلعب دوراً كبيراً في تخلف الإنسان.
على سبيل المثال، في سلسلة كتاب المعرفة ، العدد 315 والمعنون "التاريخ الإجتماعي للوسائط من جوتنبرج إلى الإنترنت " وهو من تأليف : آسا بريجز ، وبيتر بورك ، وترجمة مصطفى محمد قاسم، يذكر المترجم في مقدمة الكتاب ما يلي :
اقتباس:ومما يعرضه الكتاب في هذا الصدد تلك المعارضة التي أبداها العالم الإسلامي، متمثلاً في الخلافة العثمانية آنذاك، للطباعة، تلك المعارضة التي لم يسلم منها أي من التطورات التكنولوجية المتلاحقة.
ويستكمل :
اقتباس:إن من دواعي الأسى والأسف أنه عبر رحلة التقدم التكنولوجي الطويلة التي كانت لدول ومجتمعات كثيرة فيها إسهامات تختلف في حجمها وتأثيرها لم يكن للعالمين العربي والإسلامي من دور يذكر. ففي تاريخ طويل كهذا لم يرد ذكرنا إلا من باب مقاومة التكنولوجيا الجديدة في البداية، أو باعتبارنا سوقاً من المستهلكين.
ويقول المؤلفان في متن الكتاب :
اقتباس:وفي العالم الإسلامي ظلت مقاومة الطباعة قوية على امتداد أوائل العصر الحديث، حتى أن الدول الإسلامية كانت بالفعل هي العائق أمام انتقال الطباعة من الصين إلى الغرب. ووفقاً لسفير إمبريالي في إسطنبول في منتصف القرن السادس عشر كان الأتراك يرون أن طباعة الكتاب المقدس (القرآن) شيء محرم، وقد كان الخوف من الهرطقة هو الأساس في معارضة الطباعة والتعليم الغربي.
وفي العام 1515 أصدر السلطان سليم الأول ( حكم من 1512-1520) مرسوماً يقضي بتنفيذ عقوبة الإعدام فيمن يمارس الطباعة.
وفي نهاية القرن السادس عشر سمح السلطان مراد الثالث ( حكم من 1574-1595) بتداول الكتب المطبوعة غير الدينية المكتوبة بأحرف عربية، وهذه الكتب كانت في الغالب مستوردة من إيطاليا.
وهكذا - يمضي المؤلفان في القول -
اقتباس:فأول مطبعة تركية لم تعرف طريقها إلى الوجود إلا في القرن الثامن عشر، أي بعد أكثر من 200 عام من إنشاء أول مطبعة عبرية (1494) وبعد أكثر من 150 سنة من إنشاء أول مطبعة أمريكية (1567) ، وقد جاء إنشاء هذه المطبعة بعد أن أرسل مجريّ اعتنق الإسلام (كان في السابق رجل دين بروتستانتياً) بمذكرة إلى السلطان حول أهمية الطباعة، وفي العام 1726 صرح له السلطان بطبع الكتب، ماعدا الدينية منها. ومع ذلك ظلت هناك مقاومة من جانب النساخ والقادة الدينيين
فما هو سبب التخلف 200 سنة خلف أوروبا وأمريكا هنا ؟
وعندما صدر الساتالايت لأول مرة ، أصدر بن باز منشوراً بتحريمه وتم توزيعه على كل مساجد السعودية، وعندما اشتراه بعض الناس رغم تلك الفتوى، كانت سيارات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تقتحم البيوت وتكسر الدشات وأحياناً يضربونها بالمسدسات.
وقبل الدشات والساتالايت كانت غالبية الدعاة تحرم التلفزيون.
وكان بن عثيمين يحرم التصوير تماماً ،
فضلاً عن تحريم كل أنواع الموسيقى، ولم يكن السلفيون وحدهم في ذلك.
بل كان هناك علماء آخرون ممن لا ينتمون إلى السعودية يتفقون مع هذا.
فما هو دافع كل تلك التحريمات وماهو سبب كل التخلف الذي نتج عنها؟
واليوم عندما يتم صرف ملايين الدولارات من قناة الجزيرة من أجل تحوير اكتشاف علمي خوفاً على المجتمعات الإسلامية من معرفة حقيقة ما يقوله نص الخبر الأصلي الذي كذب المراسل بكل وقاحة وعكس تماماً نص الخبر ، فما كان دافعه؟
وعندما تفتح قنوات كاملة ويصرف عليها تمويل ضخم من أجل استضافة شيخ للحديث عن النقاب، ثم استضافة امرأة للحديث عن رضاع الكبير، ثم استضافة مفكر للحديث عن حقوق البهائيين في أن يكونوا بهائيين، في الوقت الذي تفتح فيه القنوات في الغرب وتستنفد كل طاقتها من أجل مناقشة الكمبيوتر والبيولوجي والفيزياء والتاريخ، فما هو سبب التخلف ؟
تعال وقل لي : هؤلاء لا يمثلون الإسلام، وهذه هي الجملة المكررة والسخيفة والمملة بحق.