{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
موسوعة قذارات أمريكا
Zeyad A غير متصل
فريق التواصل الالكتروني
***

المشاركات: 97
الانضمام: Jan 2008
مشاركة: #11
RE: موسوعة قذارات أمريكا
السيد مجدي نصر المحترم
تحية طيبة

أنا اتفهم الاحباط وخيبة ألامل التي يمر بها البعض نتيجة لفشل المذهب السياسي والاقتصادي والعلمي الذي آمنوا به ونشأوا عليه ويؤسفني كثيرا ما يمرون به من معاناة وصراع داخلي ونفسي.
ولكن علي أن أوضح لك بأن ما وضعته هنا لا يسمى موسوعة وليس بدليل أو توثيق لاي حقيقة. ما وضعته لا يعدو كونه مقتطفات مما جاد به الفكر البالي للاحزاب الشيوعية التي ظلت تنازع سكرات الموت لفترة طويلة حتى انتهت بلا حراك. ولانني قرأت بعض مشاركاتك السابقة وأطلعت على نوعية الجدل الذي تطرحه والاسئلة التي ترافقه فأنني أتوقع أنك سترد مطالبا اياي بأن ابرهن أن الشيوعية قد فشلت منذ وقت طويل. وأنا بدوري سوف أجيبك من الان حتى أختصر عليك الطريق وأقول أنظر الى التقويم الذي في غرفتك، والى جهاز الكومبيوتر، أستمع الى نشرات الاخبار، وأنظر الى كل ما حولك وقم بمراجعة سريعة للتاريخ لتعلم أن الشيوعية فعلا قد فشلت. وسأذكرك أيضا أن الشيوعية انهارت في ليلة واحدة ودون أن تطلق رصاصة واحدة في أوربا الشرقية.

تقبل تحياتي وتمنياتي بالخير
زياد
فريق التواصل الالكتروني
وزارة الخارجية الامريكية
12-09-2009, 09:47 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
مجدي نصر غير متصل
بأرض العدم
*****

المشاركات: 795
الانضمام: May 2009
مشاركة: #12
RE: موسوعة قذارات أمريكا
(12-09-2009, 09:47 PM)Zeyad A كتب:  السيد مجدي نصر المحترم
تحية طيبة

أنا اتفهم الاحباط وخيبة ألامل التي يمر بها البعض نتيجة لفشل المذهب السياسي والاقتصادي والعلمي الذي آمنوا به ونشأوا عليه ويؤسفني كثيرا ما يمرون به من معاناة وصراع داخلي ونفسي.

تحية طيبة أستاذ زياد
كالعادة تصنف أمريكا ومن يظنون بها الخير، أعدائها في في عدة قوالب جاهزة، فهذا ناصري، وذاك شيوعي، وتلك أصولية.
ترتكب أميركا جرائمها بدماء باردة، وتمشي في جنازة القتيل، وعندما ينكشف أمرها، تتساءل ببراءة الأطفال : لماذا يكرهوننا؟؟!!!
وهى براءة مفتعلة كاذبة، يمكنها بعدها بسهولة شيطنة خصمها، ووضعه في قالب جاهز يتكفل الإعلام الأمريكي - المُوجه حقيقةً - بقتله معنوياً.
أقول هذا عزيزي لأنك صنفتني هكذا مرة واحدة ونهائية شيوعياً، وهو ما كان صحيحاً لزمن إنتهى،- كما أنه لم يحدث أبداً بالمعني التكنيكي للكلمة، فلم أنتم يوماً لأي تنظيمات شيوعية، ولم أفكر حتى، لقناعتي الكاملة بالحاجة لنماذج جديدة، تعلي من شأن المشاركة الشعبية -، وإن ظللت اشتراكياً لازال يبحث في الممكن.
وربما وجدت باطلاعك على ما كتبت سعةً في الأفق هى أبعد ما تكون عن التطرف والأهم من ذلك التعصب الأعمى الغبي.
النقطة الأهم هى اتهامك لي بكوني أعاني من إحباطات فشل ما أؤمن به وما نشأت عليه !!!
وأحب أن أوضح لك أني لم أعاصر التجربة الروسية أساساً، ولم أعيها حياتياً، كما أني نشأت في وسط أبعد ما يكون اليسار، بل هو أقرب للأصولية، أو حتى التدين بالمعنى الشعبي العام لو شئنا الدقة، فأنا مجرد شاب في أواسط العشرينات، تفتح وعية على العالم الأمريكي أحادي القطبية؛ ولهذا فليس لدي ذلك الارتباط العاطفي بتجربة من اليمين او اليسار، اللهم إلا الاتجاه السلبي تجاه أمريكا وسياساتها، ولكن المسألة هى قناعات عقلانية باردة، تأتت من ملاحظات حياتية وقراءات واستنتاجات واجتهادات فردية.
لكل هذا فأنا لم أعاصر نجاح التجربة أساساً، لترتفع أسقف توقعاتي ثم تنهار على رأسي بسقوط التجربة، ما قد يسبب لي إحباطاً.
لهذا يا عزيزي فكراهيتي لأمريكا ليست قائمة أساساً على أسس إيديولوجية كما تتصور، وإن كان لهذه الأخيرة دور، فكراهيتي لأمريكا سابقة لأي وعي إيديولوجي مُنظم، وأمريكا هى المسئولة طبعاً بسياساتها التي يعرفها الجميع، ويمكنك النزول للشارع، واسأل عشرة عرب من أماكن مختلفة، وعندها يمكنك أن تعرف رأي الشعب العربي في أميركا التي تدافع عنها.


(12-09-2009, 09:47 PM)Zeyad A كتب:  
ولكن علي أن أوضح لك بأن ما وضعته هنا لا يسمى موسوعة وليس بدليل أو توثيق لاي حقيقة. ما وضعته لا يعدو كونه مقتطفات مما جاد به الفكر البالي للاحزاب الشيوعية التي ظلت تنازع سكرات الموت لفترة طويلة حتى انتهت بلا حراك. ولانني قرأت بعض مشاركاتك السابقة وأطلعت على نوعية الجدل الذي تطرحه والاسئلة التي ترافقه فأنني أتوقع أنك سترد مطالبا اياي بأن ابرهن أن الشيوعية قد فشلت منذ وقت طويل. وأنا بدوري سوف أجيبك من الان حتى أختصر عليك الطريق وأقول أنظر الى التقويم الذي في غرفتك، والى جهاز الكومبيوتر، أستمع الى نشرات الاخبار، وأنظر الى كل ما حولك وقم بمراجعة سريعة للتاريخ لتعلم أن الشيوعية فعلا قد فشلت. وسأذكرك أيضا أن الشيوعية انهارت في ليلة واحدة ودون أن تطلق رصاصة واحدة في أوربا الشرقية.

تقبل تحياتي وتمنياتي بالخير
زياد
فريق التواصل الالكتروني
وزارة الخارجية الامريكية

طبعاً لا يمكن تسمية هذه بالموسوعة بالمعني التقني للكلمة، وإن كنت وضعت هذه التسمية لأشير لاستمرار الموضوع وتجدده، فلدي قناعة بأننا نحن العرب بحاجة لمثل هذا الملف الذي يجمع الجرائم الأمريكية، وأكبر قدر ممكن من المعلومات والتحليلات لأميركا، وذلك من باب إعرف عدوك.
أما عن كونها ليست مُوثقة ولا تعني أي شئ، فأنا لم آت بالأخبار من عندياتي، بل معظمها إن لم يكن كلها من مصادر معروفة ولها سمعتها الإعلامية في الغالب، كما ان الكثير من الموضوع هنا هو أساساً تاريخ لا يستطيع أياً كان التشكيك به، وليس للتحليل او الرؤى والجوانب الذاتية من أثر فيه.
ومعظمها يتناول وسيتناول جوانب من التاريخ المظلم لأميركا - وليس في الأمر الكثير من التحليلات النظرية المُؤدلجة - وسياساتها تجاه الدول الأخرى ابتداءً من سياسات الهيمنة، وليس انتهاءً بسياسات الإمبراطورية الهادفة لمنع نهوض قوى أخرى.
أما بخصوص الاشتراكية والشيوعية، فليس هنا محل طرح رأيي بشأنها، وكما أوضحت لك فرفضي لأمريكا سابق لأي ارتباطات إيديولوجية، ولو أن الإيديولوجيا هى الأساس فلما أحترم العديد من الدول الرأسمالية ولا أكن لها كل هذا العداء؟؟ وكما أوضحت لك لست متعصباً أو ضيق الأفق، وأبسط ما ما أقوله لك هو أني سبق وحججت البيت الحرام، فحتى لست كافراً ولا مُلحداً، كما يُفترض من يساري ضيق الأفق
نقطة أخيرة، أنا أفصل بدرجة كافية ما بين الشعب الأمريكي والمؤسسات الحاكمة - ليس فقط الحكومة - في أمريكا، كما أقدر الدور الأمريكي في العلم والتقنية

تحيــــاتي
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 12-10-2009, 01:40 AM بواسطة مجدي نصر.)
12-10-2009, 12:40 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
مجدي نصر غير متصل
بأرض العدم
*****

المشاركات: 795
الانضمام: May 2009
مشاركة: #13
RE: موسوعة قذارات أمريكا
قراءات
كريستان دو بري
الإبادات والجرائم وغيرها من "المجازر الجماعية" (مُقتطف)

-----------
في الأميركيتين، حرب بيولوجية من الطراز الأوّل: جدري وحصبة وتيفوئيد

وحتّى ما يسمى بأسلحة الدمار الشامل، الأسلحة الكيميائية والجرثومية فيما عدا الأسلحة الذريّة، فهي ليست من خصوصيّات القرن العشرين. فتسميم الآبار وإمدادات المياه كانت دائماً أكثر الممارسات شيوعاً؛ وكان الغزاة يعلمون أنّهم يستطيعون الاعتماد على تفشّي الأوبئة لإبادة السكّان الذين يضعفهم الجوع جرّاء الحصار الطويل للمدن. أمّا بالنسبة لتدمير هنود أمريكا في إبادةٍ جماعية لم يسبق لها مثيلٌ في التاريخ، فمن المعروف أنّها لم تنجم عن مذابح وحشيّة ونظام الاستغلال الاستعماري بقدر ما جاءت من "الصدمة الجرثومية" التي تسبّب بها الغزاة الأوروبيون.

ففي غضون قرنٍ ونصف من 1492 إلى 1650، اختفى 90 في المئة من سكان العالم الجديد لينخفض عددهم من خمسين/ستين مليون إلى خمسة/ستة ملايين؛ وقد قضوا جرّاء الأمراض المعدية القاتلة المستوردة: الجدري والحصبة والأنفلونزا والسلّ، والدفتيريا والتيفوئيد والحمّى الصفراء والملاريا... هكذا تدنّى عدد السكان في المكسيك من 15/20 مليون نسمة إلى مليونٍ واحد، أما في البيرو فتدنّى العدد من 6/9 ملايين إلى 600 ألف؛ وفي منطقة البحر الكاريبي: من ثلاثة ملايين إلى... صفر.

هنود أمريكا الشمالية الذين تم تجنيبهم هذا المصير في البداية، تلقّوا في وقت لاحق الكوارث نفسها لينخفِض عددهم من 4 ملايين إلى 400 ألف في أواخر القرن التاسع عشر، كما روى بودا اعتماد في "جرائم وتعويضات، الغرب في مواجهة ماضيه الاستعماري". قد يقال أن هذه الحرب الجرثوميّة لم تكن متعمّدة ولم يرد لها الاستمرار؛ ولكنّ المستعمرون سرعان ما أدركوا أن الدمار الذي يتسبّبون به يسهّل إلى حدٍّ كبير فتوحاتهم، ولم يترددوا، عندما سنحت لهم الفرصة، في استخدامه. في أيّ حال، لم يغيّر ذلك من مصير الضحايا. فقط أنّ الهنود الذين "اكتشفوا" كولومبوس وخلفائه لم يتقصّدوا الكارثة التي سوف تدمّرهم.


http://www.mondiploar.com/article.php3?id_article=2393&PHPSESSID=64b28f14f3d1afc3aa947dab55d6b0e9
أرنو ج. مايّر
الرؤساء يتغيّرون، لكن الامبراطورية الاميريكية تدوم

لما هو أبعد من انتخابات تشرين الثاني الرئاسية
----------------------------------------------
عرّف المرشّح الديموقراطي باراك أوباما، وهو يتوجّه إلى مئات آلاف الألمان، حلف شمال الأطلسي بأنّه "أكبر تحالفٍ تشكّل حتّى اليوم دفاعاً عن أمننا المشترك". ويتمنّى المرشّح الجهوري جون ماك كاين من جهته أن ينخرط هذا الحلف أكثر في النزاع المتفاقم في جيورجيا. هكذا بالرغم من اختلافاتهما، يتوحّد الحزبان الرئيسيان حول مفهومٍ واحدٍ لمكانة الولايات المتحدة في العالم.

قطعًا، لم يعُد الطعن بالرئيس جورج بوش، وهو قد أضحى " بطةً عرجاء"، شيئاً مستحبّاً. بل ترتكز الرياضة الجديدة الرائجة على المراهنة على الطريقة التي سيُعيد السيد جون ماك كاين أو السيد باراك أوباما بها رسم السياسة الخارجية الأمريكية. لكن هذا التمرين ليس أكثر إنتاجيّةً.

كان كاليغولا، ثالث أمبرطورٍ في روما، طاغيةً فظّاً. مع ذلك، يُحكى بأن فكرةً كانت راودته، تدلّ على قلّة احترامه لما تمثّله شخصيته العامة: تعيين حصانه المفضل، أنسيتاتوس، أولاً في مجلس الشيوخ، ومن ثم حاكماً. ربّما كان كاليغولا يعني بهذا بأنّ آليّة الأمبراطورية الرومانية كانت تعمل من تلقاء نفسها، فما أن انطلقت تستطيع الإستغناء حتّى عن قياصرتها. اليوم، حيث تجِد الولايات المتحدة نفسها في مأزقٍ في العراق والقنابل الموقوتة كامِنة في الشرق الأوسط الكبير وفي القوقاز، ليست المشكلة في رداءة بوش الكارثية أو في حماسة الرئيس المقبِل، بل في المشيئة الخاصة لإمبراطورية ولِدت من الحرب ضد إسبانيا (1898) ونظّمت "السلم الأمريكي" بعيد الحرب العالمية الثانية.

تخطّت الولايات المتحدة المغامرة الفيتنامية، وتستطيع عمليّاً الخروج سليمةً من الإخفاق العراقي. فرُغم تشوّشها المؤقت، ستُكمل الأمبراطورية طريقها وسط الثنائية الحزبية، وضغوط أوساط الأعمال والتبريكات الإنجيلية. إن هذا الإستعداد لتعريض النفس لأخطاءٍ مكلِفة - ليس للنخب بل للفئات الشعبية - يميّز الدول الإمبرطورية التي بلغت مرحلة النضج. بالتأكيد ستؤول الإمبراطورية الأميركية يوماً إلى الإنهيار، لكن التنبؤ بانحدارها الوشيك مبالغٌ فيه. فمن دون وجود منافسٍ عسكريّ على مستواها، ستبقى الولايات المتحدة، لبعض الوقت أيضاً، هي القوة العظمى الوحيدة في العالم.

لكن، من فرط مصارعتها للتآكل، تقوِّض الامبراطوريات التوسعيّة المزهوّة قدراتها وهيبتها. إذ تتنامى عصبيّتها، وكذلك شراستها. نراها عندئذٍ تضرب الأرض برجليها تذكيراً للعالم بأنّها ليست نمراً من ورق. هكذا، نظراً لوضعها في العراق وتداعيات هذه الأزمة على المنطقة، هل ستختار الولايات المتحدة التصعيد في إيران، أو سوريا، أو لبنان، أو أفغانستان، أو باكستان، أو السودان، أو الصومال، أو جورجيا، أو فنزويلا؟ تختلف وجهات نظر السيدين ماك كاين وأوباما حول مكان التدخّل وحول التكتيكات الواجب اعتمادها. لكن لا هذا ولا ذاك يشكّك في إلحاحيّة وشرعيّة هكذا عمل. يضع الأول خطّ الجبهة "للحرب على الإرهاب" في العراق، والثاني في أفغانستان وباكستان.

تمتلك الولايات المتحدة أكثر الجيوش قوّةً في العالم. وهي تتجاوز من بعيد كل جيوش الإمبراطوريات القديمة. متواجدة بكثافة في البحار، وفي الأجواء، وفي الفضاء والفضاء الافتراضي، تستطيع واشنطن نشر قوّاتها بسرعةٍ قياسية على مسافاتٍ كبيرة. هكذا، مثل شرطيٍّ نصّب نفسه، يُسرِع من أوّل الكرة الأرضية إلى آخرها، للتحكّم او لاستثمار أزماتٍ حقيقيّة أو مزعومة. فقد أكد السيد دونالد رمسفيلد، وزير الدفاع السابق [1] قائلاً: "ما من زاويةٍ في العالم أبعد، ولا جبلٍ أعلى، ولا مغارةٍ ولا تحصينات تحت الأرض أعمق، من أن تجعل أعداءنا خارج متناولنا...". وتخصّص امريكا أكثر من 20 في المئة من ميزانيّتها السنوية لجيشها، ممّا يعادل كامل الإنفاق العسكري لبقيّة العالم. لا يهمّ إن كان هذا يضرّ بالمجتمع. ألا تُجري مصانع التسلح مبيعات مربحة إلى الخارج؟ ففي الشرق الأوسط الكبير، تشتري منها دول الخليج - وعلى رأسها العربية السعودية - وسائل دفاع متطوّرة [2] بمليارات الدولارات. وبدلاً من إنشاء مستعمرات تقليديّة على الأرض، تؤمّن الولايات المتحدة هيمنتها عبر إقامة قواعدٍ عسكرية، بحريّة وجوّية. يوجد منها في أكثر من مئة بلدٍ، الأحدث هي في بلغاريا، وجمهورية تشيكيا، وبولونيا،ورومانيا، وتركمانستان، وقرغيزستان، وطاجيكستان، وإثيوبيا وكينيا. 16 وكالة استخبارات، تنتشر مكاتبها حول العالم، تُشكّلُ سمع وبصر قوات هذه الإمبرطورية بلا حدود.

تمتلك واشنطن 12 حاملة طائرات؛ ثلاثٌ منها فقط غير نووية. تنقُل هذه السفن الكبيرة ما يصِل إلى ثمانين طائرةٍ أو مروحية، كما العديد من الجنود ومن البحّارة ومن الطيّارين. تدور حول هذه السفن الهائلة طرّادات، ومدمّرات، وغوّاصات أغلبها موجّهة ذاتياً ومجهّزة بالصواريخ. وتسهر البحرية الأمريكية في قواعدٍ منتشرة على سطح الكرة الأرضية، وتسيّر الدوريات في الطرق البحرية الرئيسية. إنّها العامود الفقري وشريان الدم لإمبراطوريةٍ من نوعٍ جديد. تنقل السفن الطائرات التي هي المموّن الرئيسي للجنود، بالعتاد وبالذخيرة. وفي واشنطن، في البنتاغون، تقدّمت أهمية الأسطول مؤخّراً على أهميّة القوّات البرّيّة والجويّة [3].

ديمقراطية، حقوق... ورأسمالية
يشهد الحضور الأمريكي، بين 2006 و2008، في شرق المتوسط، والبحر الأحمر، والخليج والمحيط الهندي، على رغبة واشنطن في إظهار قوّتها في كل مكانٍ من العالم [4]. وتسلّم عند الحاجة المساعدات الإنسانية على أفواه البندقيّات، بانتظار مغانمٍ سياسية. وهناك حالياً حاملتيّ طائرات على الأقل متوقّفتان بين البحرين، وقطر ودجيبوتي، تحملان آلاف الجنود والبحّارة وفرق العمليات الخاصة، ومجهّزتان بالكامل بالمعدّات البرّية والعربات البرمائية. إن عملاقتي البحر هاتبن موجودتان هناك لتذكّران، كما أعلنه في كانون الثاني/يناير 2007 وزير الدفاع روبرت غيتس، بأنّ الولايات المتحدة "ستُبقي طويلاً على وجودها في الخليج [5]".

وبعد أسبوعٍ من ذلك، قدّر وكيل وزارة الخارجية المكلّّف الشؤون السياسية السيد نيكولاس برنز، بأنّه "لن تكون لإيران الهيمنة على الشرق الأوسط، ولن تكون لها السيطرة على مياه الخليج. لذلك أوقفت الولايات المتحدة وحدتين مقاتاتين في المنطقة [6]". وكان يمكن لأقوال السيدين برنز وغيتس أن تصدران عن أيٍّ من وزراء الدفاع، أو من وزراء الخارجية الأميريكيين، أو من مدراء وكالة الاستخبارات المركزيّة ((CIA، أو من رؤساء الجمهورية في الستين سنة الأخيرة. ففي الخطاب الذي ألقاه في كانون الثاني/يناير سنة 1980، بعد حوالي عامٍ على اتفاقية كامب ديفيد، وبعد بضعة أسابيعٍ فقط على أزمة الرهائن في طهران والغزو السوفييتي لأفغانستان، كان الرئيس جيمي كارتر واضِحاً للغاية: "إن أيّ محاولة من قوّةٍ خارجيّة للسيطرة على الخليج الفارسي سيُنظر إليها على أنّها هجومٌ ضد الولايات المتحدة. وسيتمّ استخدام كل الوسائل المناسبة، بما فيها استعمال القوة، لردّ هذا الهجوم [7]". وأضاف بأنّ وجود الجيش الروسي في أفغانستان "يشكّل تهديداً" لمنطقةٍ "تحتوي على ثلثيّ الموارد النفطية القابِلة للتصدير في العالم" وتقع "على بعد ثلاثمئة ميلٍ من المحيط الهندي ومن مضيق هرمز، وهي الطريق البحريّة التي يمر عبرها الأساسيّ من الموارد النفطية في العالم".

بعد ذلك بربع قرن، يُعيد السيد هنري كيسنجر، وزير الخارجية السابق، إلى الضوء مقولة كارتر ناقلاً التهديد من موسكو إلى طهران: "إذا كانت إيران مصرّة على مزاوجة التوجّه الإمبرطوري الفارسي التقليدي وحمّية الإسلام المعاصر(...)، فلن يُسمَح لها، بكلّ بساطة، بتحقيق حلمها الإمبريالي في منطقةٍ بمثل هذه الأهميّة بالنسبة لبقية العالم [8]".

بالتأكيد، فإنّ الجنود المجهّزين بأسلحةٍ تقليدية شديدة التعقيد هم غير مهيّئين لهذه الحروب غير المتناسقة التي لم تعُد تجري بين دول، بل ضدّ كيانات تلجأ إلى أسلحة وتكتيكات غير تقليدية. لكنّ حاملات الطائرات، والطائرات المقاتلة، والدروع الصاروخية، والأقمار الصناعية العسكرية، والرجال الآليين للمراقبة، والعربات والسفن المسيّرة ذاتياً، كلّها ما يزال أمامها أياماً مديدة.

شكّل التدخّل في الشؤون الداخلية لدولٍ أخرى، منذ 1945، حجر الزاوية للسياسة الخارجية الأمريكية، سواء كان هذا التدخل مباشراً أو غير مباشر، علنيّ أو سريّ، عسكريّ أو مدنيّ. إذ لم تتردّد واشنطن في التدخّل، غالباً بطريقةٍ آحادية الجانب، في أفغانستان، وباكستان، والعراق، ولبنان، وفلسطين، وإيران، وسوريا، والصومال، والسودان، وأوكرانيا، وجيورجيا، وقازخستان، ةنيكارغوا، وبنما...، مدافعةً دون كلل عن المصالح الأمريكية، مرّوجةً في الوقت عينه لما تستنسبه من الديمقراطية، والرأسمالية، وحقوق الإنسان.

ابتكر المتحمّسون للحرب "العالمية الجديدة على الإرهاب" آليات معادِلة لنماذجٍ أُطلِقَت خلال حقبة الحرب الباردة كالوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (Usaid)، وبرنامج منح فولبريت [9] والمؤتمر من أجل حريّة الثقافة [10]: حسابات تحدّي الألفية Millenium Challenge Account، ومبادرة الشراكة مع الشرق الاوسط MEPI، وكلاهما صادرٌ مباشرة عن وزارة الخارجية. متذكراً الأيام المجيدة للـRand Corporation، ولمعهد التحليل الاستراتيجي ومنابر الدراسات السوفييتية، قام وزير الدفاع بتجنيد جامعيين في برنامج Minerva لكي يساهموا في المعارك الجديدة المعادية للتمرّدات.

اقتصاد أمريكا الفائق القوّة، وثقافتها التوفيقية وعلمها، كلّها على صورة قوّتها العسكرية: إنّها لا تضاهى. فإذا وضِع جانباً عجز موازنتها وتجارتها الهائل، الذي يُصيب أحياناً نظامها المالي ويهزّ اقتصاديات الكرة الأرضية، فإن الإقتصاد الامريكي يبقى قويّاً ويغلب عليه إيقاع "التدمير الخلاّق [11]"، دون الأخذ بالاعتبار كلفته الإجتماعية، في الولايات المتحدة كما في الخارج.

ويشكّل الإنكماش في قطاعها الصناعي والمهني الحلقة الضعيفة. مع ذلك، لاتزال الولايات المتحدة في أعلى السلّم في مجالات البحوث والتطوير، وفي براءات اختراع علم التحكم، والبيولوجية الذريّة وأبحاث الأعصاب. وتتعزّز هيمنتها العالمية من خلال القروض الحكوميّة، والهبات الخاصة ورعاية المشاريع التي تستفيد منها جامعاتها ومراكز أبحاثها التي تقيم فروعاً لها في الخارج، وتجتذِب في نفس الوقت أدمغة العالم بأكمله. من جهةّ أخرى، فإن الشغف بالمتاحِف الإجمالية، والهندسة المعمارية لمقرّات المؤسّسات الكبيرة وشمولية إستراتيجيات التسويق السياسي أو التجاري تجبِر الذين ما زالوا يشكّكون، على التسليم بأن النموذج الأمريكي مستمرٌّ في واقع الحال.

التجنيد بأسعار مخفّضة
إذاً، ليس من العجب ان تحصد البلاد عدداً متصاعداً غير متناسب من جوائز نوبل للإقتصاد، لكن أيضاً للعلوم الطبيعية. كذلك، فإن اللغة الإنكليزية الأميريكية تفرِض نفسها في العالم بأكمله كلغةٍ عالمية، خاصّةً لدى الأجيال الشابّة ومستخدمي الأنترنت. وتفسّر هذه الظاهرة وتغذّي التأثير الواسع للشركات المتعدّدة الجنسيات، وللمؤسّسات المالية الأمريكية العامّة والخاصة. وتدخل الثقافة الشعبيّة وطرق الإستهلاك الأمريكية أكثر الأماكن تأخّراً في العالم، للسرّاء والضّراء. وتقوم وال-مارت، وماكدونادز، وهوليوود والمسلسلات التلفزيونية، بإشباع الشعوب خبزاً وألعاباً. كما تقوم واشنطن، ووال ستريت وك. ستريت (شارعٌفي واشنطن تتمركز فيه العديد من مجموعات الضغط) بتقديم الدعم إلى الأنظمة والنُخَب المستعدّة للتعاون المتواجدة على الحدود غير المستقرة للأمبراطورية. ليست هذه المقدرة مجرّد نتاجٍ جيلٍ عفويّ، في سعيه الدائم إلى مواردٍ طبيعية، وأسواقٍ جديدة ومواقعٍ إستراتيجيّة؛ فهي تكشف عن تشابهٍ مُقلِق مع أمبراطوريات الماضي. إذ ترى غالبيّة الأمريكيين بأنّ الحفاظ على موقعها المهيمِن يعود عليها بالنفع. بالتأكيد، هناك فئاتٌ إجتماعية تستفيد أكثر من غيرها. لكنّه، في المجمل، الأمبراطورية مربحة لهم، ليس فقط على المستوى الإقتصادي، بل أيضاً على المستوى الثقافي والنفسيّ. وهذا ثمينٌ أيضاً للمثقفين، وللدعاة الليبراليين والصحافة.

تحتفظ الولايات المتحدة بمخزونٍ هائلٍ، عسكريّ وغير عسكريّ، مما يسمح لها بمتابعة تدخّلاتها العالمية. فبإمكانها تحريك الموارد والإرادة اللازمة للخروج من المأزق العراقي. بالتأكيد، يفتقِر الجيش إلى الوحدات المقاتِلة لبعض التحرّكات البريّة الواسعة المدى، وبالإمكان ملاحظة بعض التفكّك الإستراتيجي في العمليّات ضد مجموعات الثوار، والعصابات المسلّحة والقوى الإرهابية. لكن النقص في الجنود لن يدوم؛ إذ تُجنّد مؤسسات خاصّة، بأسعارٍ متدنيّة، مرتزَقة مسلحّين أو مدنيين يُرسَلون إلى مسارح العمليات، ومن المفضّل أن يكونوا من "دولٍ تابعةٍ من العالم الثالث".

حين تبدأ واشنطن بإنشاد لازمة الدفاع النزيه عن حقوق الإنسان، والبرامج الإجتماعية، وتحرّر المرأة، ودولة القانون والديمقراطية للجميع، فالأمر يعني، بجزءٍ منه، مجرّد حيلة. إذ كان لكلّ الإدارات الأمريكية الأولويّة نفسها: ضرب شبح الشيوعية، قبل تفكّك الإتحاد السوفياتي؛ ثمّ خنق أفعى الإسلام المتطرّف منذ 11 أيلول/سبتمبر.

لم يهتمّ تقرير البعثة الثنائيّة بايكر-هاميلتون حول العراق، الذي نُشِرَ في 6 كانون الأول/ديسمبر 2006، بالفوضى على ضفاف دجلة، إلاّ بقدر انعكاساتها المحتملة على الولايات المتحدة نفسها: "يلعب العراق، الضروريّ للإستقرار الإقليمي وحتّى العالمي، دوراً بالغ الأهمية للمصالح الأمريكية. إذ يقع هذا البلد على الخطّ الفاصل بين الإسلام الشيعي والسنيّ، وبين الشعوب الكردية والعربية. ويحتفظ بثاني إحتياطي نفط في العالم. وهو يُستخدَم اليوم كمنطلقٍ لعمليات الإرهاب العالمي والقاعدة. ويؤثّر العراق، وهو جزءٌ أساسيّ من السياسة الخارجية الأمريكية، على نظرة المنطقة والعالم برمّته إلى الولايات المتحدة [12]". في المحصّلة، تتأتّى أهميّة هذا البلد المحتلّ من كون إغراقه في الفوضى يكدّر صورة أمريكا في العالم ...

وبالإتفاق مع عددٍ كبيرٍ من خبراء السياسة الخارجيّة المُخلصين للتوجّه الرسمي، أكّد السيدين جيمس أ. بايكر (جمهوريّ) ولاي هـ. هاميلتون (ديموقراطي)، على ضرورة إستمرار واشنطن في إحلال سلطتها في الشرق الأوسط الكبير: "فحتّى بعد رحيل فرق التدخّل الأمريكية من العراق، سنحافظ على حضورٍ عسكريّ هامّ في المنطقة، من خلال قوّاتنا العسكريّة التي ستبقى على الأرض في العراق، وانتشار قوّاتنا البريّة، البحريّة والجوية إنطلاقاً من الكويت، والبحرين وقطر، وحضورنا المتنامي في أفغانستان. ليس من المفاجيء أن يكون السيدين بايكر وهاميلتون قد طلبا النُصح من ألمع مؤسّسات الأبحاث الإستراتجية "المستقلّة" أو " الثنائية الإنتماء"، وغيرها من "مراكز التفكير" التي ظهرت منذ نهاية حرب فيتنام، إلى درجة أنّها تحوّلت إلى سلطةٍ خامسة. ففي العديد من هذه المؤسّسات، لا يخفي المدراء، والمستشارون والمثقّفون، مشاركتهم هذه. حتّى أنّ بعضهم قد قدّم محصّلات ونصوصاً جاهزة للإستعمال من أجل هذا التقرير عن العراق. وقد شكّل مركز الدراسات الإستراتجية والدولية (CSIS)، المموَّل جزئياً من مؤسسة بيل وميلندا غايتس، أحد ركائز بعثة بايكر-هاميلتون. فهو يجمع وزراءاً وخبراءاً آتين من الخدمة العامة كما من القطاع الخاص. وقد أعلن هدفه: "تحسين الأمن، والسهر على الإزدهار في عصرٍ من التحوّلات السياسية، وذلك بتقديم تحليلاتٍ إستراتيجية وحلولٍ عملية إلى الحكّام، تمكّنهم من تقدير المستقبل واستباق التغيّرات". ويُذكَر من بين أعضائه الرؤساء الحاليين والسابقين لمجالس إدارة تايم انك. ، وكوكا كولا، ومريل لينش، وليهمان برازرس، وأكسون موبيل، ومورغان ستانلاي؛ كذلك المنظّر الأخير "للقوّة الليّنة soft power" الأستاذ جوزيف س. ناي من مدرسة كندي للإدارة في جامعة هارفرد. أما لائحة المستشارين، فتضمّ مجموعةٌ من قدامى مسؤولي الإدارة الديموقراطيين والجمهوريين: هارولد براون، زبغنيو بريجينسكي، فرانك كارلوتشي، هنري كيسنجر، جيمس سليزنجر، برانت سكواكروفت والسيدة كارلا هيلز.

وتستغلّ هيئات نصف خاصّة هذا "الكنز" بذاته. إذ يريد المعهد الجمهوري العالمي، المستقلّ رسمياً، والمهتمّ كثيراً بالعراق (يترأسه السناتور جون ماك كاين) "دفع قضية الحريّة والديمقراطية في العالم من خلال المساعدة على تنمية الأحزاب السياسية، والمؤسّسات العامة، والإنتخابات النزيهة، والحكم الصالح ودولة القانون". وضمن التوجّه نفسه، هناك مؤسّسة أخرى "لا تهدِف إلى الربح"، وهي المعهد الديموقراطي الوطني للقضايا الدولية، الذي ترأسه الوزيرة السابقة مادلين أولبرايت، ويعمل "من أجل تقوية وتنمية القيَم، والممارسات والمؤسّسات الديمقراطية ... في كل انحاء العالم". مع جدول أعمال أكثر تحديداً، تنوي مؤسّسة السياسة الشرق أوسطية، التي أعلنت نسها متعدّدة الإنتماءات، لكنها تجنح بوضوحٍ نحو اليمين، "العمل من أجل إدراك، واقعي ومتوازِن، للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط ( ... ) وتنفيذ إلتزامٍ أمريكيّ في المنطقة يرتكِز على تقوية التحالفات، والصداقة التي تأتي بالأمن، والسلام، الإزدهار والديمقراطية إلى الشعوب".

إلتمست بعثة بايكر-هاميلتون أيضاً وجهات نظر أخرى: مجلس العلاقات الخارجية Council of Foreign Relations، ومؤسّسة بروكنغز، وشركة راند، ومعهد البرنامج الأمريكي American Enterprise Institute. ومهما كانت نزعاتهم السياسية، أحياناً إلى اليمين، وأحياناً في الوسط، لا يتساءل خبراء، أو شركاء أو مانحو هذه "المكاتب"، قط، حول ما تعود به الأمبراطورية من مغانمٍ وأثمان، سياسية واقتصادية واجتماعية، على الولايات المتحدة وعلى بقيّة العالم. وتتناول الخلافات والنقاشات دوماً الطريقة الأمثل لتوفير الأمن، ولاستثمار وحماية السيطرة الأمريكية، أكثر مما تتناول القيَم، والأهداف والمُثل المفروض أنّها تكفلها. فحيث يبشّر المحافظون الجدُد من دون عقد بوجوب إكمال مهامّها بنشر الحضارة، يقول المعتدلون "التعدّديّون" الشيء نفسه لكن بصوتٍ خفيض. مذكّرةً بأن دور الولايات المتحدة "متميّز وأوحد"، في عالمٍ حيث "القليل من المشاكل يمكن معالجتها من دوننا"، أعلنت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس ببراءة :" نحن الأمريكيون ننخرِط في السياسة الخارجية لأنّه يتوجّب علينا ذلك، لا لأنّنا نريده. إنّه موقفٌ سليم، موقف الجمهورية وليس الأمبراطورية [13]".

مع ذلك، تتجنّب حتى انتقادات المعتدلين لسياسة إدارة بوش الخارجية مساءلة واشنطن حول دعمها غير المشروط لإسرائيل. ومثل المحافظون الجدد، يرفض المعتدلون ربط الكارثة العراقية بالمأزق الاسرائيلي- الفلسطيني. ويعبّر التيّاران عن تحفّظاتٍ حول إحدى خلاصات تقرير بايكر-هاميلتون، تلك التي تطرح بأنّ الولايات المتحدة " لن تتمكّن من تحقيق أهدافها في الشرق الأدنى، ما لم تعالج مباشرةً الصراع الاسرائيلي-العربي وانعدام الإستقرار الإقليمي الناتج عنه". ويمكّن للديموقراطيين والجمهوريين، فيما يتعلّق بالمسألة الإيرانيّة، التكلّم بصوتٍ واحدٍ، لفرط ما يتّفقان عليه حول التخطيط لتدخّلات سرية في هذا البلد، ملوّحين ومهدّدين بحصارٍ إقتصاديّ مشدّد أو بعملٍ عسكريّ.

لا ترتبِط -ولم ترتبِط يوماً- الأمبراطورية الأمريكية بشخص السيد بوش. وغداً، لن تتماهى أكثر مع شخص السيد ماك كاين أو السيد أوباما. فقد تمكن المرشح الديموقراطي من التحدّث باسم الحزبين معاً، حين أعلن في آذار 2008: "أريد لسياستي الخارجيّة أن تعود إلى سياسة الثنائية التقليدية والواقعية لجورج بوش الأب، ولجون ف. كندي، وفي بعض المظاهر، لرونالد ريغن [14]". ولم يعرُض أحدٌ من المرشّحين للرئاسة بديلاً عن المهمّة الإمبرطورية للولايات المتحدة، ما عدا إخفاء الخطاب العادي المسيحيّ مانح الدروس في الصلات النزاعيّة مع إيران، والصين، والهند، دون نسيان روسيا المنتعِشة. حيث تحاول هذه البلدان الأربعة وضع أشكالٍ من الرأسمالية الوطنية. فخلال حملةٍ إنتخابية تخطّى رهانها الحدود الأمريكية، حوّل المرشحان العواصم الخارجية إلى منابرٍ أعادوا من عليها التأكيد على تصميمهم. لكن عندما حان موعد خطاب الترشيح، فضّل السيد أوباما ترك مركز "بيبسي" في مدينة دانفر، مكان اجتماع الحزب الديموقراطي لاختيار المرشّح الرئاسي، لصالح مدرّج دانفر برونكوس. وهي حلبة تتسع لـ75 ألفٍ من الحضور، بزيادة 25 ألف عن الكوليزيوم الروماني...





* أستاذ شرف في التاريخ في جامعة برنستون





[1] خطابٌ لرونالد رامسفلد، "Transforming the Military" كانون الثاني/يناير 2002، نشر في Foreign Affairs, نيويورك، آيار/مايو- حزيران/يونيو 2002.

[2] إقرأ موريس لوموان، "هيا إلى المعركة"، لوموند ديبلوماتيك النشرة العربية، ايلول/سبتمبر 2007.

[3] الأميرال مايك مولان هو رئيس أركان الجيوش؛ الأميرال اريك ت. اولسون هو على رأس قيادة العمليات الخاصّة التي تخطّط وتنسَق العمليّات السرّية ضد الإرهاب في العالم؛ الاميرال وليم ج. فالون يدير القيادة الوسطى، التي تحمي المصالح الامريكية في منطقة تحتوي على اكثر من ثلاثين بلداً، من رأس هورن إلى آسيا الجنوبية، ومن الخليج وشبه الجزيرة العربية إلى آسيا الوسطى.

[4] في 24 نيسان/إبريل 2008، أعلن الاميرال غاري روغهيد إعادة الاسطول الرابع (كان قد ألغيّ سنة 1950) إلى العمل؛ وسيكون مسرح عملياتهأامريكا الجنوبية، وأمريكا الوسطى والحيّز الكاريبي.

[5] إعلان تمَ في بروكسل، 15 كانون الثاني/يناير 2007.

[6] خطابٌ في دبيّ، 23 كانون الثاني/يناير 2007.

[7] خطابٌ حول حالة الإتحاد، 23 كانون الثاني/يناير 1980.

[8] International Herald Tribune، نيويورك، 2 آب/أغسطس 2006.

[9] نظام من المنح تموّله وزارة الخارجيّة.

[10] جمعيات تضمّ مثقّفين، هدفها مكافحة الشيوعية. العديد منها مُموّلٌ من الـ CIA.

[11] تعبيرٌ وضعه الحائز على جائزة نوبل للإقتصاد جوزيف شوميبتر من أجل وصف الرأسمالية.

[12] جيمس أ. بايكر ولاي هـ. هاميلتون (رؤوساء البعثة)، تقريرٌ إلى الكونغرس، "مجموعة العراق للدراسات"، واشنطن، 6 كانون الاول/يناير 2006.http: //www.usip.org/isg/iraq_study...

[13] كوندوليزا رايس: "Rethinking the National Interest. American Realism for a New World"، Foreign Affairs، نيويورك، المجلد 87، رقم 4، تموز/يوليو-آب/أغسطس 2008.

[14] خطاب في غرينسبورغ، بنسيلفانيا، 28 آذار/مارس 2008.


http://www.mondiploar.com/article.php3?id_article=2249&PHPSESSID=64b28f14f3d1afc3aa947dab55d6b0e9
قراءات
موريس لوموان
قانون الصمت داخل وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA

استخبارات أم أنشطة شبه عسكريّة؟
---------------------------------------
على الجدار الأيسر في بهو مدخل المركز الرئيسي لوكالة الاستخبارات المركزية "CIA" في لانغلي (فرجينيا)، تمّ حفر عبارة ضخمة من آيةٍ في إنجيل يوحنا: "تعرفون الحقيقة والحقيقة تحرّركم".

الأمر ليس مؤكداً... ففي 18 أيلول/سبتمبر، توسّل سبعة مدراء سابقين لوكالة الـ "سي أي آي" - مايكل هايدن، بورتر غوس، جورج تينيت، جون دويتش، جايمس وولسي، وليم وبستر وجيمس شليسينغر - الرئيس باراك أوباما إقفال التحقيق الأوليّ بحقّ موظّفين في وكالة الاستخبارات بتهمة "تجاوزات" ارتكبوها خلال عمليات استجوابٍ في مسائلٍ تتعلّق بالإرهاب في عهد الرئيس جورج والكر بوش. إذ أنّ تحقيقاً من هذا النوع، في نظرهم، سيعرّض بجديّة أمن الولايات المتحدة للخطر.

منذ تأسيسها من قبل الرئيس هاري ترومان في العام 1947، وحوليات الوكالة تزخر بالأفعال الشنيعة. هكذا يذكّر الصحافي في "نيويورك تايمز"، تيم واينر، أنّه منذ تصميم هذه الوكالة رَسَمَ البريغادير جون ماغرودر خطّ عملها: "تتطلّب عمليات الاستخبارات السريّة باستمرار إلى تجاوز جميع القواعد (...) فلا وزارة الدفاع ولا وزارة الخارجية قادرتان على تغطية مهمّات كهذه، والمطلوب هو تكليف جهاز عملٍ سرّي جديد بالقيام بها" [1]. وقام آلان دالس، أحد صقور الحرب الباردة والذي رأس الوكالة من 1953 إلى 1961، بتفصيل هذه العقيدة عندما يقول: "الاغتيال السياسي جزءٌ من أساليبنا(...) إذا ما وافق عليه الرئيس. وفي هذه الحالة، علينا عمل الممكن لتأمين "الإنكار القابل للتصديق"؛ فإذا انكشف تورّط الوكالة في عملية اغتيال خارج الحدود، عليها حماية الرئيس بأن تسمح له الادّعاء بأنّه يجهل كل شيء حول العملية" [2].

هكذا طالت العمليات السرية - اغتيال قادة أجانب، زعزعة أنظمة، انقلابات، تهريب أسلحة ومخدرات - بلداناً عدّة؛ علماً بأنّها قلّما ساهمت في السعي إلى الديموقراطية التي تدافع عنها واشنطن؛ إلى درجة أنّ "الوكالة" تتسبب دائماً بالفضائح؛ وقد انكشف قسمٌ كبيرٌ من أعمالها الشائنة بفضل الصحافة ولجنتي التحقيق البرلمانيّتين "تشورش وروكفيلر" في السبعينات. كما امتدّت إليها أصابع الاتهام من جديد مع الكشف عن فضيحة "إيران غيت" المتعلّقة ببيع أسلحة إلى ايران بصورةٍ سريّة بغية تمويل الثورة المضادة (الكونترا) في نيكاراغوا عام 1986. وما زاد الطين بلّة، هو صدور "جواهر العائلة" في صيف العام 2007، وهي حزمةٌ من الوثائق الأكثر إرباكاً من بين محفوظاتها. لكنّ الأمر في كل مرّة يتعلّق بفضائح تعود إلى "زمنٍ مضى".

ولكنّ جون برادوس، وعلى غرار سائر الكتّاب المذكورين في هذا المقال، وبعد مراجعته دفقاً يتواصل من الوثائق السريّة التي أفرج عنها حديثاً، يلاحظ: "قبل 30 عاماً، كانت مشكلة الـ"سي آي أيه" تبدو مرتبطة بوضعها كـ"فيلٍ مستوحِد"، متفِّلت من أيّة رقابة، يجول في كافّة أرجاء العالم مدفوعاً بتهويماته الخاصة. لكنّه يتّضِح اليوم أنّ الوكالة وكتائبها كانت تستجيب في الواقع للأوامر الرئاسية (...). هكذا تبدو المشكلة مرتبطة أكثر بـ"رئاسة مستوحِدة" أكثر منها بوكالة استخبارات متحرّرة من أيّة رقابة" [3]. وفي المحصلة، فإن السيد جورج والكر بوش هو الذي وقّع في شباط/فبراير 2002، مذكّرةً تحدّد أن "أيّاً من تدابير معاهدات جنيف لا تنطبِق على نزاعنا مع تنظيم القاعدة".

يلحظ ويانر أن الأميركيين يطرحون على أنفسم منذ ذلك الحين، أسئلةً وجودية.. "هل يمكن قيام جهازٍ سرّي للاستخبارات في مجتمعٍ ديموقراطيّ حقيقيّ؟ وهل يمكننا القيام بعملياتٍ سرية مع احترام القانون؟ نريد "الأمن والحرية سويّةً"، لكن "كلّما أعطينا سلطةً لحكومةٍ سرية، كلما ضاق هامش حريّتنا".

إنّه لوضعٍ مربك، خصوصاً أنّ الـ"سي آي أيه"، و"هذا أكبر أسرار هذا الجهاز السري"، لم تكُن مرّةً على مستوى تحقيق مهمّتها الرئيسيّة: أي إعلام الرئيس الأميركي بما يحدث في العالم. فهي لم تستبِق مجيء الثورة الخمينية في إيران ولا تفكّك الاتحاد السوفياتي ولا اعتداءات 11 ايلول/سبتمبر، كي نكتفي بتلك القضايا فقط... ويذكِّر غوردون توماس، فيما يخصّ الاتحاد السوفييتي: "أن الوكالة لم تنجَح أبداً في تجنيد جاسوسٍ عالي المقام داخل الهرمية السوفييتية، فاضطرّت للاكتفاء بفرضياتٍ حول أوضاع البلاد وسياساتها للتسلّح. وفي عهد رونالد ريغان، لم يأبه (مدير الوكالة) وليم كيسي بذلك، بل راح يغالي على الدوام في التقديرات المقدّمة إلى البيت الأبيض".

فلماذا عجز 11 رئيساً للولايات المتحدة وثلاثة أجيالٍ من عملاء الـ"سي آي أيه" عن فهم العالم؟ هذا ما يتساءل عنه واينر. "لماذا كان كل مديرٍ للوكالة يتركها في حالٍ أسوأ مما وجدها فيه؟". ربّما لأنّه وكما فعل السيد بوش، أفرطت الإدارة في استخدامها لأغراضٍ شبه عسكرية بدلاً من جمع المعلومات.

سؤالٌ لا يُطرح على السيد غوس أحد مدرائها السابقين. فبعد صرفه من منصبه مباشرةً، في 5 آيار/مايو 2006، ألقى خطاباً في جامعة تيفن (أوهايو) قال فيه متوجّهاً إلى الطلاب: "لو كنتم قد تخرّجتم ككوادر في وكالة الاستخبارات المركزية، لكانت نصيحتي لكم مقتضَبة ودقيقة: لا تعترفوا بشيء، أنكروا وأطلقوا اتهامات مضادة" [4].





* رئيس تحرير لوموند ديبلوماتيك





[1] Tim Weiner, Des cendres en héritage. L’histoire de la CIA, Editions de Fallois, Paris, 2009, 543 pages, 23 euros.

[2] Gordon Thomas, Le livre noir de la CIA, Nouveau Monde, Paris, 2007, 389 pages, 22 euros.

[3] John Prados, Les guerres secrètes de la CIA, Les éditions du Toucan, Paris, 2008, 842 pages, 29 euros.

[4] Tim Weiner, op. cit.


http://www.mondiploar.com/article.php3?id_article=2774&var_recherche=%26%231575%3B%26%231604%3B%26%231608%3B%26%231604%3B%26%231575%3B%26%231610%3B%26%231575%3B%26%231578%3B+%26%231575%3B%26%231604%3B%26%231605%3B%26%231578%3B%26%231581%3B%26%231583%3B%26%231577%3B&PHPSESSID=64b28f14f3d1afc3aa947dab55d6b0e9
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 12-10-2009, 01:52 AM بواسطة مجدي نصر.)
12-10-2009, 01:42 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
مجدي نصر غير متصل
بأرض العدم
*****

المشاركات: 795
الانضمام: May 2009
مشاركة: #14
RE: موسوعة قذارات أمريكا
معلومات عن أمريكا وولاية فلوريدا
----------
الأزمة من منظور... الولايات المتحدة الأميركية
أوليفيه سيران
فلوريدا بالأرقام


العاصمة السياسية: تالاهاسي (159012 نسمة)؛ العاصمة الاقتصاديّة: ميامي.

عدد السكان: 18.33 مليون نسمة (الولاية الرابعة الأكثر اكتظاظاً، مع معدّل نمو ديمغرافي مرتفع جداً: إذ كان العدد خمسة ملايين نسمة في العام 1960).

معدّل البطالة الرسميّ: 10.2 في المئة، في أيار/مايو عام 2009، وهو الرقم الأعلى منذ العام 1975.

الناتج المحلّي الإجمالي: 744 مليار دولار في العام 2008 (المرتبة الرابعة بين الولايات الأميركية)

عدد حالات الحجز على المنازل المرهونة في العام 2008: 549414 (منها 56477 في ميامي). عدد حالات الحجز على المنازل المرهونة في أيّار/مايو عام 2009: 58931، بزيادة بنسبة 50 في المئة عن العام السابق. وفقط خلال شهر أيار/مايو، تمّ حجز منزلٍ واحد من أصل كل 158 منزلاً (ثالث أكثر المعدّلات ارتفاعاً في الولايات المتحدة بعد نيفادا وكاليفورنيا).

عدد الأشخاص الذين تلقّوا مساعدة غذائيّة في إطار برنامج المساعدة الفدراليّة Supplemental Nutrition Assistance Program (SNAP): 1.8 مليون نسمة في شهر شباط/فبراير عام 2009، أي بنسبة واحد على عشرة من السكان، وبزيادة بنسبة 54 في المئة عن شهر نيسان/إبريل عام 2007.

نسبة النساء الموظّفات بدوامٍ كامل في ميامي واللواتي يتمتّعن بتأمينٍ صحّي يؤّمنها مشغّلوهم: 51 في المئة. نسبة الأمّهات الموظّفات اللواتي يتولّين بمفردهن تربية أولادهنّ في ميامي وبمعاشٍ سنوي أدنى من 18500 دولار: 50 في المئة.


الولايات المتّحدة

عدد السكّان: 304 مليون نسمة.

الناتج المحلّي الإجمالي: 14196.6 مليار دولار (في العام 2008).

معدّل النموّ الاقتصادي السنوي: -2.6 في المئة للفصل الأوّل من العام 2009؛ 1.1 في المئة للعام 2008؛ 2 في المئة للعام 2007؛ 2.8 في المئة للعام 2006.

عدد الوظائف الملغاة: 467 ألفاً في شهر حزيران/يونيو 2009 فقط، 6.5 مليون وظيفة من كانون الأوّل/ديسمبر عام 2007 إلى حزيران/يونيو عام 2009.

معدّل البطالة: 9.5 في المئة في حزيران/يونيو، مقابل 4.6 في المئة في العام 2007.

عدد حالات الحجز على المنازل المرهونة في العام 2008 في الولايات المتحدة: 2.3 مليون حالة.




* صحافيّ


http://www.mondiploar.com/article.php3?id_article=2683&var_recherche=%26%231575%3B%26%231604%3B%26%231608%3B%26%231604%3B%26%231575%3B%26%231610%3B%26%231575%3B%26%231578%3B+%26%231575%3B%26%231604%3B%26%231605%3B%26%231578%3B%26%231581%3B%26%231583%3B%26%231577%3B&PHPSESSID=64b28f14f3d1afc3aa947dab55d6b0e9
12-10-2009, 01:56 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
مجدي نصر غير متصل
بأرض العدم
*****

المشاركات: 795
الانضمام: May 2009
مشاركة: #15
RE: موسوعة قذارات أمريكا
هيرناندو كالفو أوسبينا
الفريق الصدامي في وكالة المخابرات المركزية الأميركية

أكثر من خمسين عاماً من "الضربات الملتوية"
------------------------------------------------
إذا كان الحضور القويّ للكوبيين المغترِبين في محاولة غزو خليج الخنازير في 1961 معروفاً للجميع، فإنّ قليلاً ما يعرف دورهم في العمليات التي تلت لوكالة المخابرات الأميركية CIA. فمن التشيلي إلى نيكاراجوا، مروراً بفيتنام، وعبر الانقلابات واغتيال الزعماء ونقل الأسلحة والمخدرات، كانوا أحد الأدوات الأكثر سريّةً والأكثر إجراماً في السياسة الخارجية الأميركية.

"جنحتنا الوحيدة هي أنّنا وضعنا لأنفسنا قوانيننا الخاصّة؛ وجريمتنا أنّنا قد طبّقناها على شركة United Fruit". قام جاكوبو أربانز، عندما انتخب رئيساً لغواتيمالا عام 1951، بإصدار قانونٍ للاصلاح الزراعي، من بين اجراءات تقدّمية أخرى نفّذها. ففي 4 آذار/مارس عام 1953 استملك 84 ألف هكتاراً من أصل 234 ألفاً، كانت تستأثر بها شركة الموز الأميركية "يونايتد فروت كومباني" (UFCO). وفي يومي 17 و18 حزيران/يونيو عام 1954، دخل جيشٌ من المرتزقة آتياً من نيكاراغوا ومن هندوراس إلى غواتيمالا، وأسقط حكم أربانز في 27 حزيران/يونيو. وكان حينها وزير الخارجية الأميركي جون فوستر دالاس وأخوه ألن مدير المخابرات المركزية كلاهما مساهمين في شركة يونايتد فروت!. وقد نفّذت العملية، التي حملت اسماً رمزياً "PB/Success" بمساعدة فعّالة من "فرقة صدام" تابعة للـ"سي.آي.إي."، سيدوم أثرها على مدى عقود.

جاءت عمليّة PB/Success هذه بعد الإطاحة بالزعيم الوطني الإيراني محمد مصدّق في 19 آب/أغسطس عام 1953، ومنحت وكالة المخابرات المركزية سمعة أنّها لا تُقهر، وأصبحت نموذجاً للعمليات السرّية التي ستنفّذ في العالم أجمع. وفي آذار/مارس عام 1960 أعطى الرئيس دوايت آيزنهاور الضوء الأخضر لعمليّة جديدة خصّصت هذه المرة لزعزعة كوبا، حيث كانت الثورة قد انتصرت في الأوّل من كانون الثاني/يناير عام 1959. وقد تولّى معظم العملاء الذين شاركوا في الإطاحة بأربانز مسؤوليّات في "مشروع كوبا". وهم على التوالي، وتحت قيادة ريتشارد بيسيل، الرجل الثاني في السي.آي.إي.: ترايسي بارنز، الذي اضطلع بمسؤولية تشكيل مجموعة "فريق العمل الكوبي" Cuban Task Force، ودايفد آتلي فيليبس، المسؤول عن الحرب النفسيّة، وهاورد هانت، المكلّف تشكيل "حكومة كوبية مؤقتة". وقد انضمّ إلى المجموعة شابان آنذاك هما: السيد بورتر غوس، ضابط التجسّس المضاد في الجيش، والسيد جورج هيربرت دبليو بوش [1]. وقد ساعد هذا الأخير في "تجنيد بعض المنفيين الكوبيين في جيش الاجتياح التابع للـ"سي.آي.إيه." [2].

وفي 17 نيسان/أبريل عام 1961 قام هذا الجيش، المؤلّف من حوالى ألف وخمسمائة رجل، عُرِفوا بالفرقة 2506، بعمليّة إنزال في خليج الخنازير. وبعد انهزامهم في أقلّ من سبعين ساعة، اضطرّ الرجلان الأوّلان في الـ"سي.آي.إيه."، دالالس وبيسيل، إلى الاستقالة.

وإذ شعر الرئيس جون كينيدي بالخزي من هذه الهزيمة، فهو سيمنح الوكالة سلطةً مطلقة؛ وهو قرارٌ سوف يؤثّر ولفترةٍ طويلة في قضايا العالم أجمع [3]. وعندها راح روبرت كينيدي، وهو وزير العدل وشقيق الرئيس، يشرِف على عمليّة هجومية جديدة ضدّ كوبا. وأصبحت ميامي مركزاً لأكبر عمليّةٍ شبه عسكرية، سميت JM/WAVE، لم يسبق أن تمّ إعداد مثيلها على الأراضي الأميركية. وقد تولّى قيادتها كلّ من تيودور شاكلي "تيد" وتوماس كلاينز "توم". وقد حظت المجموعة على الأخصّ بمساعدة الجنرال إدوار لانسديل العائد من الهند الصينية حيث عمل مع المخابرات السريّة الفرنسية الغارقة في الحرب الاستعمارية؛ وأيضا بإسهام السيد دايفد سانشيز موراليس، ضابط التجسّس المضادّ في الجيش.

تشكيلات مؤّهلة لمقاومة التمرّدات المسلّحة
وعندما انفجرت "أزمة الصواريخ" في 14 تشرين الأوّل/أكتوبر عام 1962، طالبت واشنطن بأن يسحب الاتّحاد السوفيتي الصواريخ البالستية التي نصبها في كوبا. فوافقت موسكو على ذلك، بشرط أن تتعهّد الولايات المتّحدة بعدم اجتياح الجزيرة (وبأن تتخلّى هي أيضاً عن صواريخها في تركيا). ووافق كينيدي على ذلك، وأمر بتفكيك مجموعة JM/WAVE.

لكن الثورة الكوبية قد دفعت واشنطن إلى تعديل استراتيجيتها للأمن القومي بشكلٍ جذريّ. حينها بدأت عملية إعادة بناء الجيوش الأميركية اللاتينية وأُنشئ مركزٌ للتدريب والتوجيه، سمّي "مدرسة الأميركيّتين"، في المنطقة الأميركية من قناة باناما. وعندما اغتيل كينيدي، في 22 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1963، في دالاس (بولاية تكساس)، كانت سياسته للأمن القومي جاهزة قيد التنفيذ. وجاءت الإطاحة بالرئيس البرازيلي "جواو غولار" في 31 آذار/مارس عام 1964، بمثابة إشارةٍ لانطلاق لسلسلة من الانقلابات، وشكّلت بداية عمليّات اختفاء وتعذيب المعارضين السياسيين بصورة كثيفة ومعقّدة.

ولم يكن لهذه الاستراتيجية الجديدة أن تهمل خبرة العملاء الكوبيين في مجموعة JM/WAVE، ولا خبرة جزءٍ من الألف ومائة وتسعة وثمانين رجلاً الذين وقعوا أسرى في عمليّة اجتياح خليج الخنازير، والذين عادوا إلى الولايات المتّحدة في كانون الأوّل/ديسمبر عام 1962 [4]. وقد تلقّى حوالى ثلاثمائة منهم، وهم في معظمهم من الكوبيين (ثم من الكوبيين الأميركيين في معظم الحالات بعد حصولهم على جنسية البلد المضيف)، تدريب ضباطٍ في أكاديميات العمليات الخاصّة في Fort Benning (جورجيا) وFort Mayers (فلوريدا) وFort Peary (فرجينيا)، إلخ. وأرسل آخرون منهم إلى Fort Gullick (مدرسة الأميركيتين)، وذلك لكي يتلقّوا تدريبات في حرب العصابات لمواجهة حركات التمرّد المسلّحة. ومن أسمائهم "خوسيه بازولتو" و"خورخيه ماس كانوزا" [5] و"فرانسيسكو (بيبي) هرنانديز" [6]، و"لويس بوسادا كاريلليس" و"فيليكس رودريغيز منديغوتيا" إلخ. وإذ كان يفترض بهم البقاء دائماً متخفّين وراء الأسماء المستعارة، فسرعان ما ستشغل أسماؤهم مسارح الأحداث. "وستصبح أميركا الجنوبية هي "الغرب البعيد" Far West حيث يلعبون دور الروّاد" [7]، بل سوف "يبرعون" بأعمالهم السرّية، حتّى في أماكنٍ أبعد من ذلك.

هم مثلاً نزلوا في الكونغو، المستعمرة البلجيكية سابقاً، في نهاية عام 1962 وذلك لكي يقدّموا، من بين ما قدّموه، دعماً جوّياً لقوات الدكتاتور العتيد المستقبليّ جوزف-ديزيريه موبوتو. وكانت الطائرات من أسطول شركة Air Amercia الجوّية، وهي شركة كانت قد أنشئت حديثاً تملكها الـ"سي.آي.أيه". وعلى الأرض، شكّل الرجال "الفرقة 58" المكلّفة باقتفاء آثار إرنستو تشي غيفارا، وملاحقته مع مجموعةٍ صغيرةٍ من الثوريين الكوبيين؛ إنّما من دون نجاح. وبطلبٍ من لوران-ديزيريه كابيلا، كان غيفارا قد وصل حقيقةً في أواخر نيسان/أبريل لكي يقدّم الإرشاد التقني للمتمرّدين المسلّحين الذين كانوا يقاتلون موبوتو [8].

وقد تعزّزت فرقة الصدام هذه بشكلٍ نهائيّ في فييتنام. إذ استعادت وطوّرت أساليب القوّات الفرنسية الخاصّة المنهزِمة، وذلك عبر تمويل عمليات قذِرة من أموال تهريب الأفيون من لاوس وبورما (وهناك أيضاً باستخدام طائرات "إير أميركا"). وتعود وجوه عناصر JM/WAVEأنفسهم للظهور: شاكلي وكلاينز وسانشيز وموراليس وسيكورد و"إد" ديربورن، ورودريغيز منديغوتيا، برفقة دونالد غريغ مفتّش عملاء الـ"سي.آي.أيه، والسيد جون ديمتري نيغروبونتي "المستشار السياسي" لمجمل العملية، والجنرال "جون سينغلوب"، الرئيس السابق للـ"سي.آي.أيه." في كوريا، ولاندسيل، المكلّف بالعمليات من قبل البنتاغون، والسيد "أوليفر نورث" من دائرة الاستخبارات في البحرية الأميركية. وفي العام 1968 تمّ إرسال وليم (بيل) كولبي إلى المكان لكي يدير عملية "الحملة المسرّعة لإحلال السلام" Accelerated Pacification Campaign (واسمها الرمزي كان "فونيكس"). والهدف منها كان ترهيب السكان المدنيين بغية تعطيل فعالية المقاومة الفييتنامية. هكذا سوف يقتل حوالى 40 ألف مشتبه بهم، في غضون أربع سنوات.

لكن هذا الفريق سيحقّق نجاح الباهر في قارّةٍ أخرى. ففي آذار/مارس عام 1967، برز اسم رودريغيز منديغوتيا من بين عشرين رجلاً تقريباً من الوحدات الخاصّة الأميركية نزلوا في بوليفيا لملاحقة إرنستو تشي غيفارا. وعندما أسر الـ"تشي"، وهو جريح، في 8 تشرين الأوّل/أكتوبر عام 1967، كان هو الذي نقل الأمر بإعدامه.

لكن بعدها بثلاث سنوات، لم تتمكّن الـ"سي.آي.أيه." من منع انتخاب الاشتراكي سلفادور أليندي رئيساً على التشيلي. فأصدر الرئيس ريتشارد نيكسون أمراً إلى الوكالة بمنعه من استلام مهامه. وقد فشل الفريق الذي أُرسل إلى المكان في مهمّته، لكنه نجح في اغتيال قائد القوّات المسلحة، الجنرال رينيه شنايدر الوفيّ لأليندي. وسوف يخلفه أوغوستو بينوشيه. ومجدّداً سيبرز اسما فيليبس وسانشيز موراليس بين المسؤولين عن العمليات على الأرض. وإذ أضحى شاكلي، بفضل أعماله في كوبا وفي فييتنام، رئيس إدارة الـ"سي.آي.أيه" للنصف الغربي من الكرة الأرضية، فقد كلّف بالعمل على إسقاط الحكومة التشيليّة. فعيّن كلاينز لكي يتفرّغ لـ"قضيّة أليندي" [9]. وقد أشرف كولبي على مجمل الأمور من موقعه مديراً مساعداً للعمليات الخاصّة. كما أوكلت مهمّة تنظيم الحملة الدولية لتشويه صورة حكومة أليندي إلى السفير الأميركي في منظمة الأمم المتحدة: السيد بوش.

تمّ القضاء على أليندي في أيلول/سبتمبر 1973، واستلم بينوشيه الحكم، وكانت الأمور تسير على ما يرام... لو لم تطال الـ"سي.آي.أيه" فضيحة قصّت جوانحها، بعد أن تمّ كشف قسمٍ كبيرٍ من جرائمها في الصحافة وعبر لجنتي التحقيق البرلمانية "تشورش" [10] و"روكفيلر" [11]. لكن هذا لا يهمّ؛ فقد "نقلت" الوكالة قسماً كبيراً من نشاطاتها إلى الأجهزة التي تعاونت معها في "عملية كوندور" [12] وإلى عملائها الكوبيين في "كومندوس المنظّمات الثورية الموحّدة" (CORU). وكانت هذه المجموعة قد تأسّست في جمهورية الدومينيكان، في أيار/مايو عام 1976، بناءً على تعليماتٍ من الـ"سي.آي.أيه" التي أدارها من 30 كانون الثاني/يناير عام 1976 إلى 20 كانون الثاني/يناير عام 1977... السيّد بوش.

وكان على رأس هؤلاء الكوماندوس، التي تم تأمين تمويلهم من تجارة المخدّرات [13]، السيدان "أورلاندو بوش Orlando Bosch " و"بوسادا كاريليس Posada Carriles". وقد نظّما من كاراكاس (فنزويلا) الاعتداء الذي وقع في 6 تشرين الأول/أكتوبر عام 1976، والذي أدّى إلى انفجار طائرةٍ تابعة لشركة كوبا للطيران Cubana de Avaiacion أثناء طيرانها (وسقط فيها 73 قتيلاً). لكن ما حرّك المشاعر أكثر من غيره، وربما لأنّ العملية قد نفّذت في قلب واشنطن، هي الجريمة المشتركة لـ"كوندور" و"كورو CORU"، في اغتيال وزير الخارجية السابق في حكومة أليندي، أورلاندو لوتولييه، في 21 أيلول/سبتمبر.

فمن بين الرجال الخمسة الذين تمّ توقيفهم لاحقاً، برز ثلاثةٌ من قدامى العاملين في "مشروع كوبا". وقد بذلت الـ"سي.آي.أيه". قصارى جهدها لكي تعرقل التحقيق وتخفي الأدلّة. وعندما سيصبح رئيساً، سيصدر بوش نفسه عفواً عن المسؤولين الذين لم يمضوا في السجن سوى سنواتٍ قليلة. وفي 17 تشرين الثاني/نوفمبر عام 2000، تمّ توقيف أحدهم، السيد غييرمو نوفو سامبول في باناما برفقة بوسادا كاريليس، فيما كانا يحضّران لعمليةٍ تفجيرية ضدّ السيد فيديل كاسترو الذي كان يقوم بزيارةٍ لهذا البلد. وبعد أن حكم عليهما، في 20 نيسان/أبريل عام 2004، بالسجن ثماني سنوات، حصلوا على عفوٍ خاص في 25 آب/أغسطس التالي من رئيسة باناما ميريا موسكوزو، الصديقة الكبيرة للولايات المتحدة.

مخدّرات مقابل أسلحة
في هذه الأثناء، كانت الحرب على نارٍ خفيفة بين واشنطن ونيكاراغوا قد جمعت معظم هؤلاء العملاء. وقد أشرف نائب الرئيس بوش على هذه العمليات فيما أدار السيدان غريغ ونورث، المسؤول السابق في فييتنام، المؤامرة. وكان سفير الولايات المتحدة في هندوراس، السيد نيغروبونتي، حيث سمِّي "الوالي"، قد حوّل هذا البلد إلى قاعدة عسكرية خلفية للعدوان؛ فيما قامت كتائب الموت في الجيش الهندوراسي، الكتيبة 3-16، بقمع المعارضة. وإذ انتقل السيد رودريغيز منديغوتيا من بوليفيا إلى حقول الأرز الآسيوية ثم إلى السلفادور، فقد راح يموّن مناهضي الثوريين النيكاراغويين (الكونترا contra)، بمساعدة السيد بوسادا كاريليس (والسيد باسولتو في الأراضي النيكاراغوية). ولتمكينه من القيام بهذه المهمة، نظّمت ال"سي.آي.إيه." والأوساط المعادية لكاسترو في ميامي (في آب/أغسطس عام 1985) عملية فرار السيّد بوسادا كاريليس من السجن الفنزويلي حيث كان قد اعتقل بعد الاعتداء على طائرة شركة "كوبانا دي أفياسوين".

وبما أنّ الكونغرس الأميركي قد حظّر أيّ دعمٍ مالي لميليشيات "الكونترا"، فقد راح نائب الرئيس بوش يجمع الأموال من حيثما كان وبكلّ الوسائل. وقد أفضت عملية بيع السلاح غير المشروعة إلى إيران، بواسطة إسرائيل، إلى ما عرف بفضيحة "إيران-كونترا غيت" Iran Contragate. وعندما أصبح السيد بوش رئيساً للجمهورية، برهنت لجنة مجلس الشيوخ برئاسة السيد جون كيري عن وجود تحالفٍ بين الـ"سي.آي.أيه" والمافيا الكولومبية [14]. وفي كوستاريكا، في تموز/يوليو عام 1989، سوف يوجّه الاتهام رسميّاً إلى السيدين نورث وسيكورد، مع آخرين من دوائر الحكم الأميركي، لكونهم مسؤولين عن شبكةٍ تعمل بمبدأ "المخدّرات مقابل السلاح"، تمّ تنظيمها في هذا البلد أثناء الحرب ضد الساندينيين.

شهدت وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي.آي.إيه.) عملية تطهيرٍ في عهد الرئيس جيمي كارتر في منتصف شهر آب/أغسطس عام 1978، وتعرّضت بانتظام للاتهامات من جانب لجان التحقيق الرسمية أو عبر الكشف عن ملفّاتها بعد انتهاء الحظر (خصوصاً في ظلّ إدارة السيد بيل كلينتون)؛ وبهذا عرفت الوكالة منذ إنشائها في تموز/يوليو من العام 1947 حالات ازدهارٍ وسقوط. إلاّ أن كلّ الذين شاركوا في العمليات السريّة في مجموعة الصدام التي تمّ تشكيلها عام 1954، والتي توسّعت على مرّ السنين، قد استفادوا من ميّزة ثابتة مشتركة: وهي الإفلات من العقاب. نكتفي هنا بذكر البعض منهم... فالسيدان بوسادا كاريليس وبوش (Bosch) يعيشان بكلّ حرّيةٍ في ميامي. والسيد رودريغيز منديغوتيا، الذي أمر بإعدام الـ"تشي"، يقيم في المدينة نفسها حيث يدير شركة استشارات أمنية. والسيد نيغروبونتي، وبعد أن عيّن أوّل سفيرٍ للولايات المتحدة في "العراق المحرّر"، ثم رئيساً أعلى لمدّة عشرين شهراً لدوائر الاستخبارات الأميركية، قد أصبح الرجل الثاني في وزارة الخارجية الأميركية منذ كانون الثاني/يناير عام 2007. أما فيما يخصّ السيد بورتر غوس، الذي شارك في مشروع كوبا منذ 1960، فقد تولّى إدارة الـ"سي.آي.أيه" من أيلول/سبتمبر عام 2004 إلى أيار/مايو عام 2006.





* *صحافيّ، مؤلّف كتاب Sur un air de Cuba, Le Temps des Cerises, Pantin, 2005. من بين كتبه "فريق الصدام في وكالة المخابرات المركزيّة"، L’Equipe de Choc de la CIA سيصدر في نيسان/إبريل 2009، Le Temps des Cersises, Pantin.





[1] لن يؤتى في هذا المقال سوى على ذكر جورج بوش الأب.

[2] Common Cause, Washington DC, 4/3/1990.

[3] William Colby, 30 ans de CIA, Presses de la Renaissance, Paris, 1978.

[4] تمت مقايضتهم من قبل كوبا مقابل 54 مليون دولار من الأغذية والأدوية.

[5] الرئيس اللاحق للمؤسسة الوطنية الكوبية-الأميركية، المنظمة الرئيسية المناهضة لكاسترو ومركزها ميامي، والتي سيديرها حتّى وفاته في تشرين الثاني/نوفمبر 1997. وقد تورّطت في سلسلة اعتداءات طالت العاصمة الكوبية هافانا عام 1997.

[6] الرئيس الحالي للمؤسسة الوطنية الكوبية-الأميركية.

[7] Jean-Pierre Gillet, Les bérets verts. Les commandos de la CIA, Albin Michel, Paris, 1981.

[8] وسينسحب غيفارا ورجاله في تشرين الثاني/نوفمبر 1965.

[9] David Corn, Blond Ghost, Ted Shackley and the CIA’s Crusades, Simon & Schuster, New York, 1994.

[10] US Congress, Senate, Select Committee to Study Governmental Operations with Respect to Intelligence Activities, Final Report, 94 th Cong., 2d sess., 1976.

[11] يتّهم تقرير روكفيلر الذي صدر في 10/6/1975 في عهد جيرالد فورد (1974-1977) السي اي آيه بنشاطات غير مشروعة "منذ عشرين عام". ويوجّه أيضاً التهم إلى الرئيسين السابقين جونسون (1963-1969) ونيكسون (1969ـ1974).

[12] تعاونية الاستخبارات السريّة لديكتاتوريات جنوب القارّة الأمريكيّة من أجل قمع واغتيال المعارضين السياسيين.

[13] Scott, Peter Dale et Marshall Jonathan, Cocaine politics. Drugs, armies, and the CIA in Central America, University of California Press, Los Angeles, 1991.

[14] Scott, Peter Dale et Marshall Jonathan, op. cit


http://www.mondiploar.com/article.php3?id_article=2408&var_recherche=%26%231575%3B%26%231604%3B%26%231608%3B%26%231604%3B%26%231575%3B%26%231610%3B%26%231575%3B%26%231578%3B+%26%231575%3B%26%231604%3B%26%231605%3B%26%231578%3B%26%231581%3B%26%231583%3B%26%231577%3B&PHPSESSID=64b28f14f3d1afc3aa947dab55d6b0e9
12-10-2009, 02:10 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
مجدي نصر غير متصل
بأرض العدم
*****

المشاركات: 795
الانضمام: May 2009
مشاركة: #16
RE: موسوعة قذارات أمريكا
فيدل كاسترو: "الامبراطورية الامريكية استأنفت هجومها"
-------------------------------------------------------
قال الرئيس الكوبي السابق فيدل كاسترو - في اشارة جديدة الى تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة وكوبا - إن "ابتسامة الرئيس الامريكي باراك اوباما الودودة ووجهه الافريقي" يخفيان النوايا الشريرة التي تبيتها واشنطن تجاه امريكا اللاتينية.

وقال كاسترو في رسالة وجهها الى الرئيس الفنزويلي هوجو تشافيز تلاها الاخير في الجلسة الختامية لقمة البديل البوليفاري لامريكا اللاتينية التي انهت اعمالها في هافانا: "إن الامبراطورية الامريكية قد استأنفت هجومها على المنطقة."

وانحى كاسترو باللائمة على الولايات المتحدة في الانقلاب الذي اطاح برئيس هندوراس اليساري المنتخب مانويل سيلايا، وانتقد الاتفاق الذي ابرمته واشنطن مع كولومبيا والذي يخول الجيش الامريكي استخدام القواعد الكولومبية.

وقال في رسالته لتشافيز: "إن الامبراطورية تحشد طاقاتها خلف القوى اليمينية في امريكا اللاتينية لضرب فنزويلا ومن خلالها الدول الاخرى."

وقال كاسترو: "هذه هي النوايا الحقيقية للامبراطورية التي يحاولون اخفاءها خلف ابتسامة اوباما البريئة ووجهه الافريقي الاسود."

وكان كاسترو البالغ من العمر 83 عاما قد امتدح اوباما عندما تسلم الاخير مقاليد الحكم في واشنطن، ووصفه بأنه ذكي وصادق وهادئ وشجاع وشريف وذو نوايا طيبة، كما اثنى على اختيار الرئيس الامريكي للفوز بجائزة نوبل للسلام.

ولكن يبدو ان كاسترو قد انقلب على اوباما، حيث قال في مقال نشره الاعلام الكوبي الاسبوع الماضي إن قبول اوباما جائزة نوبل بعد ان قرر ارسال 30 الف جندي اضافي الى افغانستان يعتبر "تصرفا منافقا."

وكان تشافيز قد وصف الجائزة التي فاز بها اوباما بأنها "جائزة نوبل للحرب."

يذكر ان فيدل كاسترو تنحى عن السلطة في كوبا في العام الماضي لصالح شقيقه راؤول، وذلك بعد اصابته بعارض معوي اضطره للخضوع لعملية جراحية تبعتها فترة نقاهة طويلة.

http://www.bbc.co.uk/arabic/worldnews/20..._tc2.shtml
12-15-2009, 07:42 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
مجدي نصر غير متصل
بأرض العدم
*****

المشاركات: 795
الانضمام: May 2009
مشاركة: #17
RE: موسوعة قذارات أمريكا
أمريكا: اعتقال أستاذ هارفارد الأسود يبرز التوتر العرقي في البلاد
---------------------------------------------------------------


هناك تاريخ طويل في هذه البلاد من توقيف الأمريكيين الأفارقة وذوي الأصول اللاتينية عبر تطبيق القانون، ولكن بشكل متفاوت وغير متكافئ."
بهذه الكلمات علَّق الرئيس الأمريكي باراك أوباما على حادثة اعتقال البروفيسور هنري لويس جيتس، أستاذ التاريخ البارز في جامعة هارفارد العريقة، على يد الرقيب في شرطة كامبردج بولاية ماساتشوسيتس الأمريكية، جيمس كراولي، ليضع بذلك تلك الحادثة في سياق تاريخي أثار انتقاد وحفيظة البعض.

تصرف "غبي"
فقد أثار تصريح أوباما هذا، وخصوصا وصفه لتصرف الرقيب كراولي بـ "الغبي"، انتقادات الدوائر المحافظة في البلاد، مما أرغم الرئيس الأمريكي على الظهور بشكل مفاجئ في المؤتمر الصحفي اليومي للبيت الأبيض، وذلك في محاولة منه لتهدئة الوضع.

وقال أوباما للصحفيين إنه ما كان لينبغي له الانزلاق والخوض في الموضوع عندما طُرح عليه أثناء مؤتمر صحفي على الهواء يوم الأربعاء الماضي، حيث وصف خلاله اعتقال الشرطة للبروفيسور جيتس بأنه فعل "غبي".

فبالنسبة للعديد في الولايات المتحدة، فإن استحضار أوباما لتاريخ البلاد من القمع العنصري سيترك صدى كبيرا.

وكانت الشرطة قد ألقت القبض على البروفيسور جيتس في أعقاب محاولته دخول منزله عبر الباب الذي تعرض للتخريب، وذلك في أعقاب عودته من السفر حيث كان قد نسي المفتاح في الداخل.

تصرف "غير لائق"
وقد أوضح البروفيسور جيتس للرقيب كراولي عندما جاء لاعتقاله بأنه هو بالفعل صاحب المنزل، لكنه طفق يتهمه بالعنصرية، الأمر الذي حدا بالشرطة بزجه بالسجن بتهمة مخالفة القانون والتصرف غير اللائق.

وقد كان رد فعل جيتس، أستاذ التاريخ في معهد دبليو إي بي دو بويس للبحوث الأفريقية والأفرو-أمريكية، أن استشاط غضبا وأخذ يصرخ في وجه من جاؤوا لاعتقاله قائلا: "هذا ما يحدث للرجال السود في أمريكا."

وقد تشير الإحصائيات إلى أن البروفيسور جيتس لربما كان على حق في ما ذهب إليه، فقد حدَّدت الأمم المتحدة موضوع تصنيف الأشخاص على أساس عرقي وإشاعة صورة نمطية عنهم بناء على لونهم على انه يشمل:

"ممارسات ضباط الشرطة وغيرهم من المسؤولين عن تطبيق القانون، وذلك عندما يعتمدون في تصرفاتهم تلك، بأي درجة كانت، على العرق، أو اللون، أو الأصل، أو الجنسية، أو الأثنية، ويعتبرون ذلك أساسا لإخضاع الأشخاص للتحقيق، أو لمعرفة ما إذا كان الفرد منخرطا بنشاط إجرامي أو جنائي."

دراسة التصنيف العرقي
وقام الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية (أكلو) بإعداد ملف حول حالات تصنيف الناس على أساس عرقي وإشاعة صورة نمطية عنهم بحسب ألوانهم، وغطَّت الدراسة كافة أرجاء الولايات المتحدة.

ففي ولاية لوس أنجلوس، حيث ما زال الناس يتذكرون حادثة قيام عناصر الشرطة بضرب رجل أمريكي من أصل أفريقي، وهو رودني كينج، تشير الدراسة الحديثة، والتي أعدها البروفيسور إيان آيريس من جامعة ييل لصالح الاتحاد المذكور، إلى أن نسبة حالات توقيف الأمريكيين الأفارقة من قبل شرطة الولاية تبلغ ثلاثة أضعاف مثيلاتها عند البيض.

يقول آيريس في تقرير: "لا يمكن تبرير هذه التباينات من خلال نسب الجريمة في المناطق المختلفة التي يعيش فيها أناس من لون معيَّن. كما لا تنشأ حالات التفاوت هذه بسبب تخصيص أعداد أكبر من عناصر الشرطة للمناطق التي يقطنها السود أو ذوو الأصول اللاتينية."

سود وبيض
أمََّا في ولاية ألينوي، فقد أظهرت دراسة أشرفت عليها وموَّلتها الحكومة أن سائقي السيارات السود والهيسبانيك (من ذوي الأصول اللاتينية) يخضعون لتفتيش الشرطة أكثر من نظرائهم البيض بمرتين، وذلك رغم أن احتمال العثور على كميات مضاعفة من الأسلحة المهربة والممنوعات الأخرى لدى السائقين البيض يكون ضعف ما هو عند السود.

وللرئيس أوباما صلة شخصية وثيقة بالإحصائيات المتعلقة بولاية ألينوي. فهو الذي كان قد دعم ورعى التشريع الذي أدى إلى تعزيز سلطات الولاية في مجال جمع المعلومات المتعلقة بحالات إيقاف الأشخاص، وهو التشريع الذي عُرف لاحقا بـ "قانون إحصائيات التوقيفات المرورية في ألينوي".

ويشكِّل هذا الأمر بوضوح قضية تنتاب أوباما حيالها بلا شك مشاعر قوية، إذ تعهد خلال حملته لانتخابات الرئاسة الأمريكية بـ "منع ومكافحة الانتهاكات العرقية وتصنيف الناس على أساس اللون. كما أشار وزير العدل في حكومته، إيريك هولدر، إلى إنهاء العمل بمبدأ "الأفضلية" في الإدارة.

تجربة أوباما
ويعتقد كاتب المدونات الأمريكي من أصل أفريقي، تا-هيسي جيتس، والذي يكتب لمجلة "أتلانتيك" والمتخصص بالكتابة عن قضايا العنصرية والعرق في الولايات المتحدة، بأن التجارب الشخصية لأوباما قد تكون لعبت دورها في بلورة معارضته لقضايا التصنيف والانتهاكات العرقية، وكان رد فعله الأولي حيال اعتقال البروفيسور جيتس خير دليل على ذلك.

يقول تا-هيسي جيتس: "أستطيع القول إن هذه الأشياء هي التي تُغضب الأشخاص السود من أفراد الطبقة فوق المتوسطة، ولربما كان ذلك بدرجة أكبر ممَّا تُغضب أي شخص آخر، وذلك باعتبارهم يميلون إلى كونهم، بحكم نظرة المجتمع لهم وحكمه عليهم، أشخاصا ذوي إنجازات هامة ويتقنون عملهم."

ويضيف بقوله: "لقد أمضى أوباما جزءا كبيرا من عمره كشخص بالغ كأحد أفراد تلك الطبقة، ومن هنا فإن رد فعله لم يكن صادما."

تطبيق القانون
وممَّا يمكن فهمه أيضا أن المسؤولين عن تطبيق القانون في الولايات المتحدة غير مستعدين لقبول أمر انخراط ضباط وعناصر الشرطة في تصنيف الناس على أساس عرقي، والمساهمة برسم وإشاعة الصور النمطية عن الأشخاص.

ففي رد فعلها على تقرير البروفيسور آيريس، أقرَّت شرطة لوس أنجلوس بأن الإحصائيات تُظهر بالفعل احتمال تعرض الأمريكيين الأفارقة وذوي الأصول اللاتينية للتوقيف أكثر من السود، لكنها رفضت الاعتراف بأن يكون الانحياز العرقي هو الذي يسبب مثل تلك الفروق والتباينات.

وفي كامبردج بولاية ماساتشوسيتس، يصرُّ آمر الشرطة، روبرت هاس، على أن اعتقال البروفيسور جيتس لم يكن بدوافع عنصرية، كما أن الرقيب كراولي "فعل بشكل أساسي أفضل الممكن في مثل تلك الحالة التي طُرحت عليه."

تصنيف عرقي
إلاَّ أن الأمريكيين من أصول أفريقية يعتقدون بجلاء أن التصنيف العرقي للبشر وإشاعة صورة نمطية عنهم على أساس لونهم تُعدَُّ مشكلة عويصة في الولايات المتحدة.

أمَّا الجمعية الوطنية لتقدم الملونين (ناكب)، فهي تقوم بحملة لتمرير "قانون إنهاء التنميط العرقي"، والذي من شأنه أن يجرِّم مثل هذه التصرفات في حال أصبح قانونا ناجزا.

وبتوفر الدعم الرئاسي لمثل هذا المشروع، وما قضية اعتقال البروفيسور جيتس واستحواذها على اهتمام الرأي العام سوى مثال واضح على ذلك، فقد لا يمر وقت طويل قبل أن يبادر الكونجرس ويجعل مثل هذا الأمر جزءا من الماضي.


http://www.bbc.co.uk/arabic/worldnews/20..._tc2.shtml
12-15-2009, 07:57 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
مجدي نصر غير متصل
بأرض العدم
*****

المشاركات: 795
الانضمام: May 2009
مشاركة: #18
RE: موسوعة قذارات أمريكا
التلجراف: بوش يقر عمليات سوداء ضد إيران
--------------------------------------------

صحيفة الصنداي تليجراف نشرت تقريرا يحتوي معلومات قالت إنها حصلت عليها من مصادر أمنية أمريكية حول موافقة بوش على قيام المخابرات المركزية الامريكية بعمليات "سوداء" في إيران تهدف "لاسقاط النظام الحاكم فيها".

وقالت الصحيفة إن الرئيس الامريكي أقر وثيقة تسمح لـ سي آي إيه بتنفيذ حملة دعائية وتشويهية بهدف زعزعة وإسقاط نظام الملالي الحاكم في طهران.

وبحسب خطة سي آي إيه، ستتم ممارسة ضغوط هائلة على الاقتصاد الايراني من خلال التلاعب بالعملة الايرانية والصفقات الدولية المالية، بحسب التليجراف.

كما تضمنت الخطة عمليات تخريبية للبرنامج النووي الايراني حيث كشف مسؤولون أمنيون في واشنطن عن بيع أجزاء معدات معيبة لطهران بهدف تعطيل وتخريب عمليات تخصيب اليورانيوم، تضيف التليجراف.

وتسمح الوثيقة للمخابرات الامريكية بجمع معلومات استخباراتية على الاراضي الامريكية، وهو المجال الذي يفترض أنه حكر لمكتب التحقيقات الفيدرالي، من خلال الاعداد الكبيرة للايرانيين والمهاجرين في الولايات المتحدة.

تغير في سياسة واشنطن تجاه طهران
صحيفة الاوبزرفر تناولت في افتتاحيتها الاجتماع المرتقب بين سفيري الولايات المتحدة وإيران في بغداد غدا واعتبرته فرصة جيدة في ظل التوتر المتزايد بين البلدين على خلفية البرنامج النووي الايراني.

واعتبرت الصحيفة أن هناك نهجا جديدا في العلاقات الثنائية وأن الاجتماع يشير إلى تغير ينم عن وعي من جانب إدارة بوش.

ورأت الاوبزرفر أن سياسة البيت الابيض أكثر تعقيدا من الموقف المتعنت الظاهر على السطح تجاه إيران حيث أن هناك صراع على السلطة منذ وقت حول من تكون له الغلبة في الوصول إلى أذن بوش بين نائب الرئيس ديك تشيني ووزيرة خارجيته كوندوليزا رايس.

فالاول يعارض أي تعامل مع الجمهورية الاسلامية، بينما تدافع الاخرى عن تعامل حذر معها، وفقا للصحيفة التي أضافت أنه ربما كان معسكر تشيني أعلى ضجة لكن معسكر رايس هو الاقرب من أذن بوش.

واعتبرت الاوبزرفر اجتماع الغد أول علامة على تشكل سياسة أمريكية أكثر براجماتية.

مفاوضات مع المسلحين السنة بالعراق
في صفحة الاخبار الدولية نشرت الصنداي تليجراف تقريرا حول محادثات بين قيادة القوات البريطانية في العراق والمقاتلين السنة.

وأوضحت الصحيفة أن قائد القوات البريطانية في العراق جريمي لامب يقود المفاوضات في المنطقة الخضراء ببغداد بهدف تعميق الشقاق بين المقاتلين السنة وعناصر القاعدة المتشددين.

وتدور المفاوضات، التي يمثل فيها لامب الحكومة العراقية وقوات التحالف، حول إلقاء المسلحين السنة أسلحتهم مقابل العفو عنهم ومنحهم وظائف بارزة في أجهزة الامن الوطنية، بحسب الصحيفة.

ويفهم من التقرير أن المحادثات ستشمل أيضا العناصر المعتدلة من المسلحين الشيعة الذين كانت الهجمات الطائفية لتنظيم القاعدة أحد أسباب تشكل فرق الموت المرتبطة بهم.

"أمريكا تغلق الباب أمام العراقيين الذين ساعدوها"
تحت هذا العنوان تناولت الصنداي تليجراف مأساة اللاجئين العراقيين وخاصة الذين ساعدوا الولايات المتحدة في حربها بينما ترفض واشنطن منحهم اللجوء إليها.

وروت الصحيفة قصة مواطنة عراقية مسيحية تدعى ديانا قالت إنها عملت مع المسؤولين الامريكيين في بغداد لاحباط الهجمات الارهابية ضد القوات الامريكية.

وبعد أن دفعتها التهديدات بالقتل لترك وطنها باتت تخشى من رفض السلطات الامريكية منحها حق اللجوء إليها لانها قدمت "دعما ماديا" للارهابيين في شكل فدية دفعتها عندما اختطف ابنها، وفقا للصحيفة.

وأضافت الصحيفة إن ديانا دفعت ثمنا باهظا بسبب مساعدتها للقوات الامريكية والبريطانية من خلال الاسهام في تقديم المعلومات الاستخباراتية عن المسلحين، حيث تقيم حاليا في الاردن في الوقت الذي تشتت فيه شمل عائلتها في أنحاء الشرق الاوسط

"فتح الاسلام تستعد لمعركة تستمر عامين"
نشرت الصنداي تليجراف تقريرا من مراسلها في مخيم نهر البارد في لبنان قال فيه إن مقاتلي تنظيم "فتح الاسلام" يزعمون أنهم قضوا شهورا في حفر ثكنات وأنفاق تحت الارض استعدادا لمعركة تستمر عامين أو أكثر.

ونقل مراسل الصحيفة عن مقابلة أجرتها صحيفة الحياة الصادرة في لندن مع مساعد زعيم فتح الاسلام شهاب القدور الذي صرح بأن مقاتليه شيدوا شبكة تحصينات كبيرة تحت الارض.

ونسب للقدور قوله للحياة: "نحن جاهزون لتفجير بيروت وكل الاماكن الاخرى في لبنان".

ورأت الصحيفة أن هذه الثكنات يمكن أن تشكل تحديا آخر للقدرات المحدودة للجيش اللبناني.

"القوات البريطانية هي من قتل داد الله"
صحيفة الصنداي تايمز تناولت بالرسومات التوضيحية تفاصيل عملية قتل المسؤول العسكري الابرز في حركة طالبان الافغانية الملا داد الله.

وقالت الصحيفة إن القوات البريطانية الخاصة وليس القوات الامريكية والافغانية كما هو معلن حتى الان، هي من قتلت داد الله بعد عملية مراقبة ناجحة لشقيقه.

ونسبت الصحيفة لمصادر في وزارة الدفاع البريطانية قولها إن القوات الامريكية ساهمت فقط من خلال المعلومات الاستخباراتية في إنجاح العملية التي تمت بفضل مراقبة شقيق داد الله الذي كان قد افرج عنه في عملية لتبادل الاسرى مع طالبان التي كانت تحتجز صحفيا إيطاليا.


http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/press/ne...695831.stm
12-15-2009, 08:52 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
مجدي نصر غير متصل
بأرض العدم
*****

المشاركات: 795
الانضمام: May 2009
مشاركة: #19
RE: موسوعة قذارات أمريكا
[align=center]أمريكا التي رأيت لسيد قطب

- 1 -

أمريكا التى رأيت

سيد قطب

تقديم: أ / محمد عبد المنعم

إعداد : جمال ماضي


المقدمة

منذ أن تعيثت البشرية ـ رغم مرور خمسة عشر قرناً على بعثة الهادى البشير صلوات ربنا وسلامه عليه ـ الطريق نحو الهدى ودين الحق ، والسبيل نحو الخير والعدل والحق والصلاح .

منذ أوغلت أوربا وبعدها أمريكا فى تيه الضلال والمادة والشهوات وضلت مواقع أقدامها , بدايتها الدنيا ونهايتها الآخرة ، وحسبت أن الحياة الدنيا ما هى إلا كأس تراق ، ودولار يقتنى ، وامرأة مشتهاة ، وراحت تنشر فى الأرض ـ عن طريق جيوشها تارة وعن طريق عملائها وتابعيها من العسكر وغيرهم ـ القهر والظلم والعدوان والفساد …

وراح المفتونون بهذا الواقع المتردى يقتاتون الفُتات على موائد أمريكا ـ ظِل الشيطان وسيفه ـ ويتعبدون فى محاريبها الدنسة تشبهاً وافتنانًا واقتداءً .

منذ أن كان الحال هكذا …

راحت أمريكا ـ بنظام أسمته نظامًا عالميًا جديدًاـ تتحكم فى مصائر الشعوب ومقدراتها .. وعينها بالطبع على الدول والشعوب ( الإسلامية ) , تغتال دينها .. وهيهات ، وما حديث المؤامرة على الأقصى وفلسطين .. وحرب الخليج .. ومن قبلها الحرب الدامية بين العراق وإيران .. ثم البوسنة والهرسك .. والصومال وكشمير وبورما والفلبين , ومحاربة الطغاة فى بلاد المسلمين لدعاة وجنود الإسلام فيها .. وما هى منا ببعيد .

ومنذ أكثر من أربعين من الأعوام تفتحت بصيرة الداعية الفذ وشهيد الإسلام سيد قطب , على مواطن الخراب وإن ظنه الناس عمادًا شامخ البنيان .. وأبصر السراب وإن حسبه الناس ريًّا للوارد الظمآن .

وحذر الرجل , و ( من المؤمنين رجال ) من مغبة الإفتنان ، ومن عواقب التردى فى حمأة التيه والضلال , فى اقتفاء أثر كيان يسمى دولة .. والسوس ينخر فى جسده والنار تسرى فى هشيمه .. حتى يقصمه الله القوى القهار .. فكانت رؤيته تلك التي بدت فى مقالات بمجلة ( الرسالة ) صائبة ، وكان تحليله لذلك الواقع المهترى المريض سديدًا ..

ولقد أحسنت دار المدائن ـ وهى دائما تحسن إن شاء الله ـ صنعاً ـ أن أخرجت للنور والضياء ذلك القبس المبدد لظلمات المادة والجهالة , مما خطت يمناه شهيد الإسلام سيد قطب رضى الله عنه وأرضاه .

والله نسأل أن يكون النفع به عميماً ، كما كان سيظل ـ إن شاء الله ـ كل ما خطه الشهيد الكريم بيمناه .

وعلى الله قصد السبيل

محمد عبد المنعم

سيد قطب

وأمريكا التي رأى

الحمد لله , والصلاة والسلام , على رسول الله , ( صلى الله عليه وسلم ) وبعد ،,,,,

استقبل الوجود سيد قطب طفلاً فى قرية موشا من محافظة أسيوط فى مصر سنة 1906 م , وهو سليل أسرة كريمة ، وما أن أتم العاشرة من عمره إلا وقد أكمل حفظ القرآن الكريم , وتدرج فى مراحل التعليم حتى تخرج من دار العلوم دار الحكمة والأدب .

وقد توفرت فى سيد قطب خصائص منذ إقباله على البحث , يقول أستاذه محمد مهدى علام أستاذ التربية بدار العلوم سنة 1932 م :

( إن فى دار العلوم اليوم نهضة علمية أدبية يحمل لواءها نفر من أبنائها … أعد سيد قطب فى طليعتهم ) . ويقول أيضًا :

( يعجبنى جرأته الحازمة التى لم تسفه لتصبح تهورًا , ولم تذل فتغدو جبناً , وإن هذه الجرأة الرشيدة التى دعته إلى الاستقلال , لهى التى تجعله أحب إلى قلوبنا ) .

ثم التحق بالعمل بوزارة المعارف آنذاك , بنفس جرأته في كلية دار العلوم , حيث استمر يعمل فى الوزارة عشرين عامًا , إلى أن استقال سنة 1953 م ليتفرغ للدعوة الإسلامية .. وقد وجه إليه إنذاران بسبب نشاطه السياسي والإسلامى , الأول فى عام 1939م ، والثانى فى سنة 1944 م ، كما أن مجموع القصائد المنشورة 129 قصيدة ، وتتضمن كتب سيد قطب أكثر من 300 مقال ، وقد نشرت قصائده ومقالاته فى 19 صحيفة ومجلة فى مقدمتها : مجلة الرسالة , ثم الأسبوع , والثقافة , ودار العلوم , والدعوة , والأديب , والإخوان المسلمون .

التحول الإسلامى :

منذ أواخر الثلاثنيات اتجه كبار الأدباء فى مصر إلى الكتابات الإسلامية فكان طبيعيًا أن يتجه الشهيد سيد قطب إلى هذا المضار ، والذى ساعده على المضى فى هذا الطريق صديقه محمد حلمى المنياوى , وكان من جماعة الإخوان المسلمين ويملك دار نشر , وقد أصدرا معًا مجلة الفكر الجديد سنة 1946م , التى أوقفتها الحكومة آنذاك , وقبل أن يسافر سيد قطب إلى أمريكا أصدر كتابه : ( العدالة الاجتماعية فى الإسلام ) .

سيد قطب فى أمريكا :

اختلف الأستاذ محمد قطب مع الأستاذ عباس خضر صديق الشهيد , حول سبب إيفاد سيد قطب إلى أمريكا للدراسة العليا ، فبينما يرى عباس خضر أن إسماعيل القبانى وزير المعارف وقتها كان يحمل تقديرًا خاصًا لسيد , ولذلك خصه بالابتعاث , يقرر الأستاذ محمد قطب أن سيدًا قد سافر إلى أمريكا مُبعدًا من مصر ، إذ أن السراى الملكية أصدرت أمرًا باعتقاله ولم يكن هناك مبرر قانونى لذلك الاعتقال ، فعمدت الحكومة إلى إبعاده عن البلاد , كى يكف عن الكتابة ضد الملك والحاشية , ( من مقابلة مع مجلة الغرباء اللندنية سبتمر1975 م ) .

وأيما كان السبب فالواضح أن سيدًا كان يعتمل بثورة عنيفة ضد الأوضاع فى مصر , وأن ثورته لم تهدأ بذهابه إلى أمريكا , فها هو يكتب لصديقه عباس خضر : ( إننا نملك طاقات من الذكاء الخارق ـ حين نقارن شعبنا إلى شعب كالأمريكان ـ ولكننا نهمل هذه الكنوز بالجهل والأمية والفقر المدقع القاتل لكل موهبة ، وذلك لتستمتع حفنة من الباشوات والكروش بترف لا تعرفه القرون الوسطى . هذا هو عيبنا , أما طبيعة بلادنا وطبيعة شعبنا فهما فوق مستوى الشبهات , قولوا : أيها الكتّاب للشعب حين تكتبون أن المتحكمين فيكم يقبرون نبوغكم , ويدفنون مواردكم , وأنتم تملكون ما لا يملكه شعب آخر فى الوجود ) .

( الرسالة 31 / 7 / 1950 ) .

أمريكا التى رأى :

ومع هذا التميز الفكرى الواضح ، إلا أن سيدًا لم يحمل على الحضارة الأمريكية حملة جائحة ، ولم يتهمها بالانحطاط جملة ، كما فعلت طائفة من الإسلاميين زارت الغرب , فأتت تبشرنا بانهياره القريب !! .

لم يكن سيد سطحيًا كذلك ، فتحليلاته تدل على أنه نفذ إلى قلب المجتمع ، وأعمل منهجه التحليلى الراقى ، وبيانه التصويرى العذب ، ليخرج لنا هذه الصورة من أعماق الحياة الأمريكية .

وأما الأحكام فقد خرجت معتدلة , إذ لم تحل هيبة أمريكا وسطوتها الدعائية الهائلة , من أن يعطى أحكامًا صارمة فى تذوق الأمريكان الفنى وإحساسهم الشعورى وبدائيتهم فى علاقات الجنسين .. كما لم تحل الكراهية السياسية أو العداء الفكرى , من أن ينصف أمريكا فيصفها بأنها ورشة العالم وأن لها دورها الرئيسى فى مجالات البحوث والتطبيق .

وبعد ….

فقد ذاع كلام كثير حول هذه النصوص ، فمن قائل أن سيدًا كتبها كرؤوس أقلام ثم صرف النظر عنها ، ومن قائل أنه كتبها ولم ينشرها ، وهى منشورة فى حلقات ثلاث فى مجلة ( الرسالة ) التى كانت يصدرها : أحمد حسن الزيات , فى أخريات عام 1951 م , أى بعد حوالى عام من عودة سيد من أمريكا … وأغلب ظننا أنها تحتوى على كل ما أراد تسجيله فى هذا الشأن . إذ أنها تبدأ بداية طبيعية بمقدمة ، وتنتهى بخاتمة تحمل خلاصة تلك التحليلات .

ويسرنا أن نقدم حقيقة أمريكا بعين سيد قطب ، لكل مسلم للوقوف الموضوعى للمجتمع الأمريكى ومقومات تقدمه المادى ، خاصة ونحن نمتلك الذخيرة الروحية والاتصال الوثيق بالله تعالى ، وذلك فى طريق إيقاذ الروح الإسلامية فى عصر الصحوة ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

سيد قطب

والطريق إلى أمريكا

غادر سيد قطب الإسكندرية على متن باخرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية فى أواخر عام 1948 م , يقول في الظلال ( 1 : 152 ) :

( وأشهد أنى ما أحسست ما فى هذه اللفتة من عمق ، قدر ما أحسست ونقطة صغيرة فى خضم المحيط ، تحملنا وتجرى بنا , والموج المتلاطم والزرقة المطلقة من حولنا ، والفلك سابحة متناثرة هنا وهناك ، ولا شيء إلا قدرة الله ، وإلا رعاية الله ، وإلا قانون الكون الذى جعله الله ، يحمل تلك النقطة الصغيرة على ثبج الأمواج وخضمها الرهيب ) .

ثم يخاطب نفسه في ( مجلة الشهاب العدد التاسع ) : ( أأذهب إلى أمريكا وأسير فيها سير المبتعثين العادين , الذين يكتفون بالأكل والنوم ، أم لا بد من التميز بسمات معينة ؟ وهل غير الإسلام والتمسك بآدابه والالتزام بمناهجه فى الحياة , وسط المعمعان المترف , المزود بكل وسائل الشهوة , واللذة والحرام ؟ وأردت أن أكون الرجل الثانى ) .

ثم يعطى واقعة تحقيقاً لذلك ( الظلال 3: 1786 ) :

( ولن أذكر نماذج مما وقع لغيرى ، ولكنى أذكر حادثًاًً وقع لى وكان عليه معى شهود ستة … كنا ستة نفر من المنتسبين إلى الإسلام على ظهر سفينة مصرية , تمخر بنا عباب المحيط الأطلسى إلى نيو يورك ، من بين عشرين ومائه راكب وراكبة , ليس فيهم مسلم … وخطر لنا أن نقيم صلاة الجمعة فى المحيط على ظهر السفينة ! .. والله يعلم ، أنه ألم بنا أن نقيم الصلاة ذاتها أكثر مما كان بنا حماسة دينية , إزاء مبشر كان يزاول عمله على ظهر السفينة ، وحاول أن يزوال تبشيره معنا !! .

وقد يسر لنا قائد السفينة ـ وكان إنجليزيًا ـ أن نقيم صلاتنا ، وسمح لبحارة السفينة وطُهاتها وخدمها وكلهم نوبيون مسلمون ـ أن يصلى منهم معنا من لا يكون فى الخدمة وقت الصلاة ! , وقد فرحوا بهذا فرحًا شديدًا ، إذ كانت المرة الأولى التى تُقام فيها صلاة الجمعة على ظهر السفينة ، وقمت بخطبة الجمعة وإمامة الصلاة , والركاب الأجانب معظمهم متحلقون يرقبون صلاتنا ! وبعد الصلاة جاءوا يهنئوننا على نجاح القداس ؟! فقد كان هذا أقصى ما يفقهونه من صلاتنا ! .

ويحدثنا سيد قطب عن ابتلائه وهو بالباخرة :

( حتى كان الباب يقرع ، وفتحت ، فإذا أنا بفتاة هيفاء جميلة فارعة الطول , شبه عارية , يبدو من مفاتن جسمها كل ما يغرى , وبدأتنى بالإنجليزية : هل يسمح لى سيدى بأن أكون ضيفة عليه هذه الليلة ؟ فاعتذرت بأن الغرفة معدة لسرير واحد ، وكذا السرير لشخص واحد ! فقالت : كثيرًا ما يتسع السرير الواحد لاثنين ! واضطررت أمام وقاحتها ، ومحاولة الدخول عنوة لأن أدفع الباب فى وجهها , لتصبح خارج الغرفة , وسمعت ارتطامها بالأرض الخشبية فى الممر ، فقد كانت مخمورة …. ) .

وظل سيد قطب ثابتًا على إسلامه وإيمانه فى السنوات التى قضاها فى أمريكا , يقول فى كتابه ( معالم فى الطريق ) ص 215 :

( بعض هؤلاء كانوا يواجهوننا ـ نحن القلائل المنتسبين إلى الإسلام ـ أمريكا ـ فى السنوات التى قضيتها هناك ـ وكان بعضنا يتخذ موقف الدفاع والتبرير … وكنت على العكس أتخذ موقف المهاجم للجاهلية الغربية … سواء فى معتقداتها الدينية المهلهلة ، أو فى أوضاعها الإجتماعية والاقتصادية والأخلاقية ) ..

ثم يقول : كانت هذه حقائق نواجهها فى واقع الحياة البشرية .. وهى حقائق تخجل أصحابها حين تعرض فى ضوء الإسلام …. ولكن ناسًا ـ يدّعون الإسلام ـ ينهزمون أمام ذلك النتن , الذى تعيش فيه الجاهلية , حتى ليلتمسون للإسلام مشابهات فى هذا الركام المضطرب والبائس فى الغرب ، وفى تلك الشناعة المادية البشعة فى ا لشرق أيضًا .

وأخيراً :

هذه كانت كانت بمثابة مقدمة , بعضها بقلم أصدقائه , وبعضها تحليلاً من المواقف , وبعضها بقلم سيد قطب نفسه , كتبها عبر مقالاته وكتبه , لتكون بوابة الدخول , في كتابه الذي بين أيدينا , ( أمريكا التي رآها سيد قطب ) .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

جمال ماضي

---------------

[color]أمريكا التي رأيت[/color]

- 1 -

أمريكا الدنيا الجديدة

أمريكا …

الدنيا الجديدة … ذلك العالم المترامى الأطراف , الذى يشغل من أذهان الناس وتصوراتهم ، أكثر مما تشغل من الأرض رقعته الفسيحة ، وترف عليه أخيلتهم وأحلامهم , بالأوهام والأعاجيب ، وتهوى إليه الأفئدة , من كل فج ، شتى الأجناس والألوان ، شتى المسالك والغايات ، شتى المذاهب والأهواء .

أمريكا …

تلك المساحات الشاسعة من الأرض بين الأطلنطى والباسيفيكى .

تلك الموارد التى لا تنضب من المواد والخامات ، ومن القوى والرجال .

تلك المصانع الضخمة التى لم تعرف لها الحضارة نظيرًا .

ذلك النتاج الهائل الذى يعيا به العد والإحصاء .

تلك المعاهد والمعامل والمتاحف المبثوثة فى كل مكان .

عبقرية الإدارة والتنظيم التى تثير العجب والإعجاب .

وذلك الرخاء السابغ كأحلام الجنة الموعودة .

ذلك الجمال الساحر فى الطبيعة والوجود والأجسام .

تلك اللذائذ الحرة الطلقة من كل قيد أو عرف .

تلك الأحلام المجسمة فى حيز من الزمان والمكان ….

أمريكا هذه كلها ..

ما الذى تساوية فى ميزان القيم الإنسانية ؟

وما الذى أضافته إلى رصيد البشرية من هذه القيم ، أو يبدو أنها ستضيفه إليه فى نهاية المطاف ؟ .

أخشى ألا يكون هناك تناسب بين عظمة الحضارة المادية في أمريكا ، وعظمة ( الإنسان ) الذي ينشئ هذه الحضارة , وأخشى أن تمضى عجلة الحياة ، ويطوى سجل الزمن ، وأمريكا لم تضف شيئًا ـ أو لم تضف إلا اليسير الزهيد ـ إلى رصيد الإنسانية من تلك القيم ، التى تميز بين الإنسان والشيء ، ثم بين الإنسان والحيوان .

إن كل حضارة من الحضارات التى مرت بها البشرية ، لم تكن كل قيمتها , فيما ابتدعه الإنسان من آلات ، ولا فيما سخره من قوى ، ولا فيما أخرجت يداه من نتاج .

إنما كان معظم قيمتها , فيما اهتدى إليه الإنسان من حقائق عن الكون ، ومن صور وقيم للحياة ، وما تركه هذا الاهتداء فى شعوره من ارتقاء , وفى ضميره من تهذيب ، وفى تصوره لقيم الحياة من عمق ، والحياة الإنسانية بوجه خاص ، مما يزيد المسافة بعداً فى حسابه وحساب الواقع ، بينه وبين مدراج الحيوانية الأولى ، فى الشعور والسلوك ، فى تقويم الحياة وتقويم الأشياء ( 1 ) .

فأما ابتداع الآلات ، أو تسخير القوى ، أو صنع الأشياء ، فليس له فى ذاته وزن فى ميزان القيم الإنسانية ، إنما هو مجرد رمز لقيمة أساسية أخرى : هى مدى ارتقاء العنصر الإنسانى فى الإنسان ، ومدى ما أضاف إلى رصيده الإنسانى من ثراء فى فكرته عن الحياة ، وفى شعوره بهذه الحياة .

هذه القيمة الأساسية هى موضع المفاضلة والموازنة بين حضارة وحضارة ، وبين فلسفة وفلسفة ، كما أنها هى الرصيد الباقى وراء كل حضارة ، المؤثر فى الحضارات التالية ، حين تتحطم الآلات وتفنى الأشياء ، أو حين تنسخها آلات أجدّ وأشياء أجود ، مما يقع بين لحظة وأخرى ، فى مشارق الأرض ومغاربها .

وإنه ليبدو أن العبقرية الأمريكية كلها قد تجمعت وتبلورت , فى حقل العمل والإنتاج ، بحيث لم يبق فيها بقية تنتج شيئًا , فى حقل القيم الإنسانية الأخرى .

ولقد بلغت فى ذلك الحقل ما لم تبلغه أمة ، وجاءت فيه بالمعجزات التى أحالت الحياة الواقعية إلى مستوى فوق التصور ووراء التصديق , لمن لم يشهدها عياناً .

ولكن ( الإنسان ) لم يحفظ توازنه أمام الآلة ، حتى ليكاد هو ذاته يستحيل آلة ، ولم يستطع أن يحمل عبء العمل , وعبء ( الإنسان ) ! .

وإن الباحث فى حياة الشعب الأمريكى , ليقف فى أول الأمر حائرًا أمام ظاهرة عجيبة ، قد لا يراها فى شعب من شعوب الأرض جميعًا :

شعب يبلغ فى عالم العلم والعمل ، قمة النمو والارتقاء ، بينما هو فى عالم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1 ) فى الظلال ( 2: 1091 ) : تعرض سيد قطب لتفسير قوله تعالى : { فلما نسوا ما ذُكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء ، حتى إذا فرحوا بما أتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون } الأنعام : 44 ، يقول : لقد كنت فى أثنائ وجودى فى الولايات المتحدة الأمريكية أرى رأى العين مصداق قول الله تعالى { فلما نسوا ما ذُكروا به فتحنا عليهم أبوا ب كل شيء } فإن المشهد الذى ترسمه هذه الآية مشهد تدفق كل شيء من الخيرات والأرزاق بلا حساب , وكنت أرى غرور القوم بهذا الرخاء وفى صلف , على أهل الأرض كلهم .. كنت أرى هذا كله فأذكر هذه الآية , وأتوقع سنة الله … وأكاد أرى خطواتها وهى تدب إلى الغافلين .

----

الشعور والسلوك بدائى , لم يفارق مدراج البشرية الأولى ، بل أقل من بدائي ( 1 ) فى بعض نواحى الشعور والسلوك ! .

ولكن هذه الحيرة تزول , بعد النظرة الفاحصة , فى ماضى هذا الشعب وحاضره ، وفى الأسباب التى جمعت فيه , بين قمة الحضارة وسفح البدائية :

فى العالم القديم آمن الإنسان بقوى الطبيعة المجهولة ، وصاغ حولها الخرافات والأساطير ، وآمن بالدين ، وغمرت روحه أضواؤه ورؤاه ، وآمن بالفن وتجسمت أشواقه ألواناً وألحاناً وأوزاناً ..

ثم آمن بالعلم أخيرًا ، بعد ما انقسمت نفسه لأنماط من الإيمان ، وألوان من المشاعر ، وأشكال من صور الحياة , وتهاويل الخيال ، بعد ما تهذبت روحه بالدين ، وتهذب حسه بالفن ، وتهذب سلوكه بالاجتماع ، بعد ما صيغت مثله ومبادئه من واقعية التاريخ ، ومن أشواقه الطليقة .

وسواء تحققت هذه المباديء أم لم تتحقق فى الحياة اليومية ، فقد بقيت على الأقل هواتف فى الضمير ، وحقائق فى الشعور ، مرجوة التحقق فى يوم من الأيام ، قرب أم بعد ، لأن وجودها حتى فى عالم المثال وحده ، خطوة واسعة من خطوات البشرية فى مدارج الإنسانية ، وشعاع مضيء من الرجاء فى تحقيقها يومًا من الأيام .

أما فى أمريكا فقد وُلد الإنسان على مولد العلم ، فآمن به وحده ، بل آمن بنوع منه خاص ، هو العلم التطبيقى ، لأنه وهو يواجه الحياة الجديدة فى القارة الجديدة ، وهو يتسلم الطبيعة هنالك بكراً جامحة عتيدة ، وهو يهم أن ينشيء ذلك الوطن الجديد الذى أنشأه بيده ، ولم يكن له من قبل وجود ، وهو يصارع ويناضل لبناء هذا الوطن الضخم .. كان العلم التطبيقى هو خير عون له فى ذلك الجهد العنيف , لأنه يسعفه بالأداة العملية الفعالة , فى مجال البناء والخلق والتنظيم والإنتاج .

ولم يفرغ الأمريكى بعد من مرحلة البناء ، فما تزال هناك مساحات شاسعة لا تكاد تحد من الأراضى البكر التى لم تمسسها يد ، ومن الغابات البكر التى لم تطأها قدم ، ومن المناجم البكر التى لم تُفتح ولم تُستغل ، وما يزال ماضياً فى عملية البناء الأولى ، على الرغم من وصوله إلى القمة فى التنظيم والإنتاج .

ويحسن ألا ننسى الحالة النفسية التى وفدها بها الأمريكى إلى هذه الأرض

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1 ) ولزيادة الإيضاح يقول سيد قطب فى مجلة الكاتب بتاريخ 10 / 12/ 1949 ، والحب ! الحب الذى يطلق الطاقات الإنسانية جميعًا .. إنه هنا فى أمريكا جسد يشتهى جسدًا ، وحيوان يشتهى حيووانًا . ولا وقت للأشواق الروحية .
----


فوجاً بعد فوج ، وجيلاً بعد جيل ، فهى مزيج من السخط على الحياة فى العالم القديم ، والرغبة فى التحرر من قيوده وتقاليده .

ومن هذه القيود والتقاليد الثقيل الفاسد ، والضرورى السليم ، ومن الرغبة الملحة فى الثراء بأى جهد وبأى وسيلة ، والحصول على أكبر قسط من المتاع تعويضاً عما يبذله من الجهد فى الثراء .

ويحسن ألا ننسى كذلك الحياة الاجتماعية والفكرية لغالبية هذه الأفواج الأولى , التى تألفت منها نواة هذا الشعب الجديد .

فهذه الأفواج هى مجموعات من المغامرين ، ومجموعات من المجرمين ، فالمغامرون جاءوا طلاب ثراء ومتاع ومغامرات ، والمجرمون جيء بهم من بلاد الإمبراطورية الإنجليزية لتشغيلهم فى البناء والإنتاج .

ذلك المزيج من الملابسات ، هذا المزيج من الأفواج من شأنه أن يستنهض وينمى الصفات البدائية فى ذلك الشعب الجديد ، ويقيم أو يقاوم الصفات الراقية فى نفسه أفراداً وجماعات ، فتنشط الدوافع الحيوية الأولية ، كأنما يستعيد الإنسان خطواته الأولى ، بفارق واحد أنه هنا مسلح بالعلم ، الذى وُلد على مولده ، وخطا على خطواته .

والعلم فى ذاته ـ وبخاصة العلم التطبيقى ـ لا عمل له فى حقل القيم الإنسانية ، وفى عالم النفس والشعور .

وبذلك ضاقت آفاقه ، وضمرت نفسه ، وتحددت مشاعره ، وضؤل مكانه على المائدة العالمية الزاخرة , بالأنماط والألوان ( 1 ) .

وقد يدهش الإنسان وهو يقرأ قصص الجماعات الأولى التى هاجرت إلى أمريكا فى أيامها الأولى ، ويتصور كفاحها الطويل العجيب ، مع الطبيعة الجامحة فى تلك الأصقاع المترامية ، ومن قبل مع أنواء المحيط الرعيبة ، وأمواجه الجبارة ، فى تلك القوارب الصغار الخفاف ؛ حتى إذا رست على الصخور محطمة أو ناجية لقيت النازحين ، مجاهل الغابات ، ومتاهات الجبال ، وحقول الجليد ، وزعازع الأعاصير ، ووحوش الغابات وأفاعيها وهوامها .. لقد الإنسان كيف لم يترك هذا كله ظلاله على الروح الأمريكية إيمانا بعظمة الطبيعة وما وراء الطبيعة ، ليفتح لها منافذ أوسع من المادة وعالم المادة .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1 ) يقول سيد قطب فى مقاله ( الضمير الأمريكانى وقضية فلسطين ) : ( فها هى ذى أمريكا تتكشف للجميع ، إنهم جميعا يصدرون عن مصدر واحد ، هو تلك الحضارة المادية التى لا قلب لها ولا ضمير ، تلك الحضارة التى لا تسمع إلا صوت الآلات ، وتتحدث إلا بلسان التجارة ، ولا ينظر إلا بعين المرابى ، والتى تقيس الإنسانية كلها بهذه المقاييس ) الرسالة عدد 694 .
----

ولكن هذه الدهشة تزول حين يتذكر ذلك المزيج من الملابسات ، وذلك المزيج من الأفواج .

لقد قابلوا الطبيعة بسلاح العلم وقوة العضل ، فلم تثر فيهم إلاقوة الذهن الجاف ، وقوة الحس العارم ، ولم تفتح لهم منافذ الروح والقلب والشعور ، كما فتحتها فى روح البشرية الأولى ، التى احتفظت بالكثير منها فى عصر العلم ، وأضافت به إلى رصيدها من القيم الإنسانية الباقية على الزمان .

وحين تغلق البشرية على نفسها منافذ الإيمان بالدين ، والإيمان بالفن ، والإيمان بالقيم الروحية جميعًا , لا يبقى هنالك متصرف لنشاطها إلا فى العلم التطبيقى والعمل ، وإلا فى لذة الحس والمتاع .

وهذا هو الذى انتهت إليه أمريكا بعد أربعمائة عام .

=====


- 2 -

الأمريكى البدائى

يبدو الأمريكى على الرغم من : العلم المتقدم , والعمل المتقن ـ بدائيًا ـ فى نظريته إلى الحياة ، ومقوماتها الإنسانية الأخرى , بشكل يدعو إلى الدهشة :

ولعل لهذا التناقض الواضح أثره فى ظهور الأمريكان بمظهر الشعب الغريب الأطوار فى نظر الأجانب ، الذين يراقبون حياة الشعب من بعيد ، ويعجزهم التوفيق بين هذه الحضارة الصناعية الفائقة ، وذلك النظام الدقيق فى إدارة الأعمال ، وإدارة الحياة …

وبين هذه البدائية فى الشعور والسلوك ( 1 ) ، تلك البدائية التى تذكر بعهود الغابات والكهوف !.

ويبدو الأمريكى بدائيًا فى الإعجاب بالقوى العضلية ، والقوى المادية بوجه عام :

بقدر ما يستهين بالمثل والمباديء والأخلاق ، فى حياته الفردية ، وفى حياته العائلية ، وفى حياته الاجتماعية , فيما عدا دائرة العمل بأنواعه ، وعلاقات الاقتصاد والمال .

ومنظر الجماهير وهى تتبع مباريات كرة القدم ، على الطريقة الأمريكية الخشنة التى ليس لها من اسمها ( كرة القدم ) أى نصيب ، إذ أن ( القدم ) لا تشترك فى اللعب ، إنما يحاول كل لاعب أن يخطف الكرة بين يديه ، ويجرى بها ليقذف بها إلى الهدف ، بينما يحاول لاعبو الفريق الآخر أن يعوقوه بكل وسيلة ، بكل عنف وكل شراسة ..

منظر الجماهير وهى تتبع هذه اللعبة ، أو تشاهد حفلات الملاكمة والمصارعة الوحشية الدامية .. منظرها فى هياجها الحيوانى ، المنبعث من إعجابها بالعنف القاسى ، وعدم التفاتها إلى قواعد اللعب وأصوله ، بقدر ما هى مأخوذة بالدم السائل والأوصال المهشمة ، وضراخها هاتفة :

كل يشجع فريقه : ( حطم رأسه ) ( دق عنقه ) (هشم أضلاعه ) ( أعجنه عجينا ) .. هذا المنظر لا يدع مجالا للشك فى بدائية الشعور , التى تفتن بالقوة العضلية وتهواها .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1 ) كتب سيد قطب فى رسالة إلى توفيق الحكيم ( نشرت بالرسالة عدد 827 ) ، يقول : ( إن شيئا واحدًا ينقص هؤلاء الأمريكيين ـ على حين تذخر أمريكا بكل شيء ـ شيء واحد لا قيمة له عندهم .. الروح ! ) إلى أن يقول : ما أحوجنى هنا لمن أبادله حديثا بحديث ، فى غير موضوع الدولارات , ونجوم السينما , وماركات السيارات .. حديثا فى شؤون الإنسان والفكر والروح .

----

وبمثل هذه الروح يتابع الجمهور الأمريكى صراع الجماعات والطوائف ، وصراع الأمم والشعوب , ولست أدرى كيف راجت فى العالم ـ وبخاصة

فى الشرق ـ تلك الخرافة العجبية ؟ خرافة أن الشعب الأمريكى شعب محب للسلام ( 1 ) .

إن الأمريكى بفطرته محارب محب للصراع :

وفكرة الحرب والصراع قوية فى دمه ، بارزة فى سلوكه ؛ وهذا هو الذى يتفق مع تاريخه كذلك , فقد خرجت الأفواج الأولى من أوطانها , قاصدة إلى أمريكا بفكرة الاستعمار والمنافسة والصراع .

وهناك قاتل بعضهم بعضاً وهم جماعات وأفواج , ثم قاتلوا جميعاً سكان البلاد الأصليين ( الهنود الحمر ) , وما يزالون يحاربونهم حرب إفناء حتى اللحظة الحاضرة .

ثم قاتل العنصر الأنجلو سكسونى العنصر اللاتينى هناك ، وطرده إلى الجنوب فى أمريكا الوسطى والجنوبية ، ثم حارب المتأمركون أمهم الأولى إنجلترا فى حرب التحرير بقيادة ( جورج واشنطن ) , حتى نالوا استقلالهم عن التاج البريطانى .

ثم حارب الشمال الجنوب بقيادة ( إبراهام لنكولن ) تلك الحرب التى اتسمت بسمة ( تحرير العبيد ) , وإن كانت دوافعها الحقيقية هى المنافسة الاقتصادية .

ذلك أن العبيد المستجلبين من أواسط أفريقية ليعملوا فى الأرض رقيقاً ، لم يستطيعوا مقاومة الطقس البارد فى الشمال ، فنزحوا إلى الجنوب , وكان معنى هذا أن يجد المستعمرون فى الولايات الجنوبية الأيدى العاملة الرخيصة ، على حين لا يجدها الشماليون ، فيتم لهم التفوق الاقتصادى ؛ لذلك أعلن الشماليون الحرب لتحرير العبيد .

وانقضت فترة العزلة ، وانتهت سياستها ، عندما دخلت أمريكا الحرب العالمية الأولى ، ثم اضطلعت بالحرب العالمية الثانية .

ثم ها هى ذى تنهض بالحرب فى كوريا , والحرب العالمية الثالثة ليست

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1 ) يقول سيد قطب فى كتاب ( معركة الإسلام والرأسمالية ) ص 32 ـ 33 : ( فأما أمريكا فالذين لم يعيشوا فيها ولم يروها ، قد لا يذكرون لها إلا خيانتها لنا فى قضيتنا بمجلس الأمن ، وفى حرب فلسطين ، ولكن الذين عاشوا فيها ، ورأوا كيف ولغت صحافتها ومحطات إذاعتها وشركات أفلامها فى كرامتنا وفى سمعتنا ، وكيف نشرت ذلك بعداء واضح واحتقار مقصود ، أو أحسوا ذلك العداء العنيف لكل ما هو إسلامى ) ..
----

بالبعيدة ! , ولست أدرى إذن كيف راجت تلك الخرافة العجيبة عن شعب

هذا تاريخه فى الحرب ؟ ( 1 ) .

إن الحيوية المادية عند الأمريكى مقدسة ، والضعف ـ أيا كانت أسبابه ـ جريمة , جريمة لا يغتفرها شيء :

ولا تستحق عطفا ولا عونا , وحكاية المباديء والحقوق خرافة فى ضمير الأمريكى لا يتذوق لها طعما ( 2 ) .

كن قوياً ولك كل شيء , أو كن ضعيفاً فلا يسعفك مبدأ ، ولا يكون لك مكان فى مجال الحياة الفسيح , أما الذى يموت فيرتكب بالطبع جريمة الموت ! .

كنت فى مستشفى ( جورج واشنطن ) فى واشنطن العاصمة ، وكان الوقت مساء حينما غمرت جوه موجة من الاضطراب غير معهود ، وبدت فيه حركة غير عادية تستلفت النظر .

وأخذ المرضى القادرون على الحركة يغادرون أسرتهم وحجراتهم إلى المماشى والأبهاء يستطيعون ؛ ثم جعلوا يتحلقون متسائلين عن سر تلك الظاهرة فى حياة المستشفى الهادئة .

وعرفت بعد فترة أن أحد موظفى المستشفى , قد أصيب فى حادث مصعد وأنه فى حالة خطيرة , بل فى دور الاحتضار .

وذهب أحد المرضى الأمريكان ليرى بنفسه ، ثم عاد يقص على المتحلقين فى المبنى ما رأى ..

وحين يخيم شبح الموت على مكان ، لا تكون رهبة ، ولا يكون للموت خشوعه , كما يكون ذلك مستشفى ولكن هذا الأمريكانى أخذ يضحك ويقهقه

، وهو يمثل هيئة المصاب المحتضر ، وقد دق المصعد عنقه وهشم رأسه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1 ) كتب سيد قطب فى ( دراسات إسلامية ) ص 181 ـ 185 : ( إننا ننسى أن العالم الأوربى والعالم الأمريكى يقفان صفًا واحدًا بإزاء العالم الإسلامى ، والروح الصليبية القديمة هى هى ما تزال .. إننا ننسى هذا ، لأن فينا مغفلين كثيرين ومغرضين كثيرين يضللوننا ، وينشرون دعاية مغرضة عن رغبة أمريكا فى إنصاف الشعوب المستعبدة ومساعدة الشعوب المتأخرة ، مع أننا ذقنا الويل من أمريكا فى فلسطين ، إن جراحات العالم الإسلامى تنبض بالدم فى كل مكان ، وأمريكا واقفة تتفرج ، ومع هذا توجد صحف ويوجد ناس : يتحدثون عن تمثال الحرية فى ميناء نيويورك … ) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 2 ) والدليل على ذلك ما ساقه سيد قطب فى الرسالة عدد : 1009 : ( من الذى لا يحتقر أمريكا ويحتقر معها آدمية الأمريكان وهو يجد المعدات الأمريكية والدولارات الأمريكية تشدّ أزر الاستعمار الأوربى فى كل مكان .. لقاء مساومات اقتصادية أو استراتيجية أو عسكرية ) .
----


وتدلى لسانه من فمه على جانب وجهه ! .

وانتظرت أن أسمع أو أرى علامة الامتعاض والاستنكار من المستمعين , ولكن كثرتهم الغالبة جعلت تضحك متفكهة ، بهذا التمثيل البغيض !.

لذلك لم أعجب , وبعض أصدقائى يقص علىِّ ما رأى وما سمع , حول الموت ووقعه , فى نفوس الأمريكان .

قال لى زميل : إنه كان حاضر مأتم ، حيثما عرضت جثة رب البيت محنطة فى صندوق زجاجى ـ على العادة الأمريكية ـ كيما يمر أصدقاء الفقيد بجثمانه ، وليودعوه الوداع الأخير ، ويلقون عليه النظرة النهائية ، واحداً بعد الآخر فى صف طويل .

حتى إذا انتهى المطاف وتجمعوا فى حجرة الاستقبال ، ما راعه إلا أن يأخذ القوم فى دعابات وفكاهات ، حول الفقيد العزيز وحول سواه ، تشترك فيه زوجه وأهله ، وتعقبها الضحكات المجلجلة فى سكون الموت البارد ، وحول الجسد المسجى فى الأكفان ! .

وكان الأستاذ مدير البعثات المصرية بواشنطن مدعو هو والسيدة حرمه إلى إحدى الحفلات ـ وقبيل الموعد مرضت السيدة حرمه - فأمسك بالتليفون ليعتذر عن الحفلة بسبب هذا الطاريء .

ولكن الداعين أجابوه بأنه لا ضرورة للاعتذار ، فإنه يملك أن يحضر منفرداً ، وستكون هذه فرصة طيبة ، ذلك أن إحدى المدعوات قد توفى زوجها فجأة قبيل الحفلة ، وستكون وحيدة فيها ، فمن حسن الحظ أن يكون لها رفيق !.

ودخلت مرة بيت سيدة أمريكية كانت تساعدنى فى اللغة الإنجليزية , فى الفترة الأولى من وجودى فى أمريكا ؛ فوجدت عندها صديقتها ، وكانتا تتحدثان في موضوع لحقت أواخره ، وهذه الصديقة تقول :

( لقد كنت حسنة الحظ , فقد كنت مؤمنة على حياته , حتى علاجه لم يكلفنى إلا القليل , لأننى كنت مؤمنة عليه , فى هيئة الصليب الأزرق ) وابتسمت ضاحكة !.

ثم استأذنت وخرجت ، وبقيت مع ربة البيت , وأنا أحسب أن صديقتها كانت تحدثها عن كلبها ـ وإن كنت قد دهشت لأنها لا تبدى أى تأثر لموته ! ـ ولكن ما راعنى إلا أن تقول لى ـ ولم أسأل ! ـ ( كانت تحدثنى عن زوجها , لقد مات منذ ثلاثة أيام ! ) .

ولما أبديت دهشتى أن تتحدث صديقتها عن زوجها المتوفى منذ ثلاثة أيام بمثل هذه البساطة ، كان عذرها الذى لا يخالجها الشك فى أنه مقنع ووجيه : ( إنه كان مريضاً ! لقد مرض أكثر من ثلاثة أشهر قبل الوفاة ! ) .

عادت بى الذاكرة , إلى مشهد عميق الأثر , فى شعورى ، وقد أثار فى خاطرى , فى حينه منذ سنوات … خاطرة لم تكتب , بعنوان : ( مأتم الطيور ) .

ذلك مشهد جماعة من الفراخ كنا نربيها فى دارنا ، وقد وقفت متحلقة صامتة مبهورة مأخوذة ، حول فرخ منها ذبيح ، لقد كانت مفاجأة شعورية لكل من فى البيت ، مفاجأة غير منتظرة من طير غير متقدم فى سلم الرقى كالدجاج ، بل كانت صدمته لم تجرؤ بعدها منذ ذلك الحين , على ذبح فرخ واحد على مرأى من جماعة الطيور ! .

ومنظر الغربان حين تموت لها مائت ،منظر مألوف شاهده الكثيرون , وهو منظر يصعب تفسيره بغير شعور ( الحزن ) أو ( عاطفة ) القرابة ! .

فهذه الجموع من الغربان ، المحلقة الصافة ، الناعقة بشتى الأصوات والأنغام ، الطائرة هنا وهناك ، حتى تحتمل جثمان الميت وتطير .. هذا كله يشي برجفة الموت فى عالم الطيور .. ! .

وقداسية الموت تكاد تكون شعوراً فطرياً , فليست البدائية الشعورية هى التى تطمسها فى النفس الأمريكية ؛ لكنه جفاف الحياة من التعاطف الوجدانى ( 1 ) ، وقيامها على معادلات حسابية مادية ، وعلى علاقات الجسد ودوافعه ، واستخفافها عمدا بكل ما يشتهر أنه من مقدسات الناس فى العالم القديم ، والرغبة الملحة فى مخالفة ما تواضع عليه الناس ، وإلا فما مزية الدنيا الجديدة على ذلك العالم القديم ؟ ( 2 ) .

وما يقال عن الشعور بالموت يقال عن الشعور بالدين :

ليس أكثر من الأمريكان تشييداً للكنائس ،حتى لقد أحصيت فى بلدة واحدة لا يزيد سكانها على عشرة آلاف أكثر من عشرين كنيسة ! وليس أكثر منهم ذهاباً إلى الكنائس فى ليلات الأحد وأيامه ، وفى الأعياد العامة وأعياد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1 ) فى مجلة الكاتب الجزء العاشر يقول سيد قطب عن النفس الأمريكية : فى كل مكان ضحكات ، وفى كل محلّة مرح ، وفى كل زاوية أحضان وقبلات ، ولكنك لا تلمح فى وجه واحد معنى الرضا ، ولا تحس فى قلب واحد روح الأطمئنان .

( 2 ) ويفسر سيد قطب فى الظلال 1 : 211 هذه الظاهرة : ( والجيل الجديد ينحرف فيدمن على المسكرات والمخدرات ليعوض خواء الروح من الإيمان ، وطمأنينة القلب بالعقيدة ، والأمراض النفسية والعصبية والذوذ بأنواعه تفترس عشرات الآلاف من النفوس والأرواح والأعصاب .. ثم الانتحار ) .
----


القديسين المحليين وهم أكثر من ( الأولياء ) عند عوام المسلمين ! …

وبعد ذلك كله ليس هناك من هو أبعد من الأمريكى عن الشعور بروحية الدين واحترامه وقداسته ، وليس أبعد من الدين عن تفكير الأمريكى وشعوره وسلوكه ! .

وإذا كانت الكنيسة مكاناً للعبادة فى العالم المسيحى كله ، فإنها فى أمريكا مكان لكل شيء إلا العبادة .

وإنه ليصعب عليك أن تفرق بينها وبين أى مكان آخر , معد للّهو والتسلية أو ما يسمونه بلغتهم ال Fun , ومعظم قصادها إنما يعدونها تقليداً اجتماعياً ضرورياً ، ومكاناً للقاء والأنس ، ولتمضية وقت طيب ، وليس هذه شعور الجمهور وحده , ولكنه كذلك شعور سدنة الكنيسة ورعاتها …

ولمعظم الكنائس ناد يتألف من الجنسين ، ويجتهد راعى كل كنيسة أن يلتحق بالكنيسة أكبر عدد ممكن ، وبخاصة أن هناك تنافساً كبيراً بين الكنائس المختلفة المذاهب ، ولهذا تتسابق جميعاً فى الإعلان عن نفسها بالنشرات المكتوبة , وبالأنوار الملونة على الأبواب والجدران , للفت الأنظار ، وبتقديم البرامج اللذيذة , المشوقة لجلب الجماهير ، بنفس الطريقة التى تتبعها المتاجر ودور العرض والتمثيل ، وليس هناك من بأس فى استخدام أجمل فتيات المدينة وأرشقهن ، وأبرعهن فى الغناء والرقص والترويح .

وهذه مثلا محتويات إعلان عن حفلة كنيسة ، وكانت ملصقة فى قاعة اجتماع الطلبة فى إحدى الكليات :

( يوم الأحد أول أكتوبر ـ فى الساعة السادسة مساء ـ عشاء خفيف . ألعاب سحرية . ألغاز . مسابقات . تسلية .. ) .

كنت ليلة فى إحدى الكنائس , ببلدة جريلى بولاية كولورادوـ فقد كنت عضواً فى ناديها , كما كنت عضواً فى عدة نواد كنسية , فى كل جهة عشت فيها , إذ كانت هذه ناحية هامة , من نواحى المجتمع , تستحق الدراسة عن كثب ومن الداخل ـ وبعد أن انتهت الخدمة الدينية فى الكنيسة ، واشترك فى التراتيل فتية وفتيات من الأعضاء ، وأدى الآخرون الصلاة ، دلفنا من باب جانبى ساحة الرقص ، الملاصقة لقاعة الصلاة ، يصل بينهما الباب ؛ وصعد ( الأب ) إلى مكتبه ، وأخذ كل فتى بيد فتاة ، وبينهم وبينهن أولئك الذين واللواتى ، كانوا وكن ، يقومون بالترتيل ويقمن ! .

وكانت ساحة الرقص مضاءة بالأنوار الحمراء والصفراء والزرقاء ، وبقليل من المصابيح البيض .. وحمى الرقص على أنغام ( الجراموفون ) وسالت الساحة بالأقدام والسيقان الفاتنة ، والتقت الأذرع بالخصور ، والتقت الشفاه والصدور … وكان الجو كله غراماً حينما هبط ( الأب ) من مكتبه ، وألقى نظرة فاحصة على المكان ومن المكان , وشجع الجالسين والجالسات ممن لم يشتركوا فى الحلبة على أن ينهضوا فيشاركوا .

وكأنما لحظ أن المصابيح البيض تفسد ذلك الجو ( الرومانتيكى ) الحالم ، فراح فى رشاقة الأمريكانى وخفته يطفئها واحداً واحداً ، وهو يتحاشى أن يعطل حركة الرقص ، أو يصدم زوجاً من الراقصين فى الساحة .

وبدا المكان بالفعل , أكثر ( رومانتيكية ) وغراماً ، ثم تقدم إلى ( الجراموفون ) ليختار أغنية تناسب ذلك الجو , وتشجع القاعدين والقاعدات على المشاركة فيه .

واختار … اختار أغنية أمريكية مشهورة اسمها : ( But baby it is cold out side ) ( ولكنها يا صغيرتى باردة فى الخارج ) وهى تتضمن حواراً بين فتى وفتاة عائدين من سهرتهما ، وقد احتجزها الفتى فى داره ، وهى تدعوه أن يطلق سراحها , لتعود إلى دارها , فقد أمسى الوقت ، وأمها تنتظر .. ولكما تذرعت إليه بحجة , أجابها بتلك اللازمة : ( ولكنها يا صغيرتى باردة فى الخارج ) !

وانتظر الأب حتى رأى خطوات بناته وبنيه ، على موسيقى تلك الأغنية المثيرة ؛ وبدا راضياً مغتبطاً ، وغادر ساحة الرقص إلى داره ، تاركا لهم ولهن إتمام هذه السهرة اللذيذة … البريئة ! ( 1 ) .

وأب آخر يتحدث إلى صاحب لى عراقى ، قد توثقت بينه وبينه عرى الصداقة ، فيسأله عن ( مارى ) زميلته فى الجامعة ( لم تحضر الآن إلى الكنيسة ؟ ويبدى أنه لا يعنيه أن تغيب الفتيات جميعاً وتحضر مارى ! وحين يسأله الشاب عن سر هذه اللهفة يجيب : إنها جذابة ، وإن معظم الشبان يحضرون وراءها ! ) .

ويحدثنى شاب من شياطين الشبان العرب الذين يدرسون فى أمريكا ، وكنا نطلق عليه اسم ( أبو العتاهية ) ـ وما أدرى إن كان ذلك يغضب الشاعر القديم أو يرضيه ! ـ فيقول لى عن فتاته ـ ولكل فتى فتاة فى أمريكا ـ إنها كانت تنتزع نفسها من بين أحضانه .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1 ) اللذيذة .. البرئية ! , من سخريات سيد قطب حيث أنه يقول فى الظلال 2: 637 : ( انتشرت موجه الإجرام بين المراهقين والمراهقات من شباب أمريكا … وقد قدرت لجنة الأربعة عشر الأمريكية التى تعنى بمراقبة حالة البلاد الخلقية أن 90 % من الشعب الأمريكى مصابون بالأمراض الجنسية السرية الفتاكة ) ثم يواصلون سهراتهم البرئية .
----


أحيانا لأنها ذاهبة للترتيل فى الكنيسة ! وكانت إذا تأخرت لم تنج من إشارات ( الأب ) وتلميحاته إلى جريرة ( أبى العتاهية ) فى تأخيرها عن حضور الصلاة ! هذا إذا حضرت وحدها من دونه ، فأما إذا استطاعت أن تجره وراءها ، فلا لوم عليها ولا تثريب ! .

ويقول لك هؤلاء الآباء : إننا لا نستطيع أن نجتذب هذا الشباب إلا بهذه الوسائل ! .

ولكن أحداً منهم لا يسأل نفسه وما قيمة اجتذابهم إلى الكنيسة , وهم يخوضون إليها مثل هذا الطريق ، ويقضون ساعاتهم فيه ؟ أهو الذهاب إلى الكنيسة هدف فى ذاته ، أم آثاره التهذيبية فى الشعور والسلوك ؟ .

من وجهة نظر ( الآباء ) التى وضحتها فيما سلف ، مجرد الذهاب هو الهدف , وهو وضع لمن يعيش فى أمريكا مفهوم ! .

ولكنى أعود إلى مصر ، فأجد من يتحدث أو يكتب ، عن الكنيسة فى أمريكا ـ وهو لم ير أمريكا لحظة ـ وعن دورها فى الإصلاح الإجتماعى ، ونشاطها فى تطهير القلب ، وتهذيب الروح ( 1 ) …

ولله فى خلقه شئون ! .

والأمريكى بدائى فى حياته الجنسية :

وفى علاقات الزواج والأسرة . ولقد مررت فى أثناء دراساتى للكتاب المقدس بتلك الآية الواردة فى ( العهد القديم ) , حكاية عن خلق الله للبشر أول مرة وهى تقول : ( ذكر وأنثى خلقهم ) .. مررت بهذه الآية كثيراً ، فلم يتمثل لى معناها عارياً واضحاً جاهراً ، كما تمثل لى فى أثناء حياتى بأمريكا .

إن كل ماتعبت الحياة البشرية الطويلة فى خلقه وصيانته من آداب الجنس ، وكل ما صاغته حول هذه العلاقات من عواطف ومشاعر ، وكل ما جاهدت من غلاظة الحس ، وجهامة الغريزة ، لتطلق إشعاعات مرفرفة ، وهالات مجنحة ، وأشواق طليقة ، وكل الروابط الوثيقة حول تلك العلاقات فى

شعور الفرد ، وفى حياة الأسرة ، وفى محيط الجماعة …

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1 ) فى كتابه معركة الإسلام والرأسمالية ص 56 ، 57 يذكر سيد قطب : ( وكثيرًا ما ذهبت إلى هذه الكنائس ، وكثيرا ما استمعت إلى الآباء فى محطات الإذاعة ، دائما يحاول الآباء أن يعقدوا الصلة بين قلب الفرد وبين الله ، ولكن واحدًا متهم لهم أسمعه يقول : كيف يمكن أن تكون مسيحيا فى واقع الحياة اليومية ، ذلك أن المسيحية إنما هى مجرد دعوة للتطهر الروحى ، ولم تتضمن تشريعا للحياة الواقعية بل تركت ذلك لقيصر .. ) .
----

إن هذا كله قد تجردت منه الحياة فى أمريكا مرة واحدة ، وتجلت عارية

عاطلة من كل تجمل , ( ذكر وأنثى ) , كما خلقهم أول مرة , جسداً لجسد ، وأنثى لذكر ( 1 ) .

على أساس مطالب الجسد ودوافعه ، تقوم العلاقات وتتحدد الصلات ، ومنها تستمد قواعد السلوك ، وآداب المجتمع ، وروابط الأسر والأفراد .

بفتنة الجسد وحدها ، عارية من كل ستار ، مجردة من كل حياء ، تلقى الفتاة الفتى ، ومن قوة الجسد وضلاعته يستمد الفتى إعجاب الفتاة ( 2 ) .

ويستمد الزوج - حقوقه ـ هذه الحقوق التى تسقط جمعيا فى عرف الجميع ، يوم يعجز الرجل عن الوفاء بها لسبب من الأسباب .

وما من شك أن لهذه الظاهرة دلالتها على حيوية هذا الشعب وقوة حسه , ولو هذبت هذه الطاقة وتسامت لاستحالت فناً يجمل جهامة الحياة ، وأشواقاً تجعل لها فى الحس الإنسانى نكهة ، وتربط بين الجنسين بروابط أعلى وأجمل من روابط الجسد الظاميء والحس الهائج ، والجنس الصارخ فى العيون ، الهاتف فى الجوارح ، المتنزى فى الحركات واللفتات ، ولكن طبيعة الحياة فى أمريكا ، والملابسات التى سلفت فى نشأة هذا الشعب ، لا تساعد على شيء من هذا ، بل تقاومه وتقصيه .

وهكذا أصبحت كلمة حىّ أو خجول Bashful ) ) من كلمات العيب والتحقير ؛ وانطلقت العلاقات الجنسية من كل قيد على طريقة الغابة ، وأصبح بعضهم يفلسفها فيقول : كما قالت لى إحدى فتيات الجامعة مرة :

( إن المسألة الجنسية ليست مسألة أخلاقية بحال , إنها مجرد مسألة بيولوجية : وحين ننظر إليها من هذه الزواية نتبين أن استخدام كلمات الرذيلة والفضيلة , والخير والشر ، إقحام لها فى غير مواضعها ، وهو يبدو لنا نحن الأمريكان غريباً بل مضحكاً … ) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1 ) يقول سيد قطب فى مجلة الكاتب جـ 1 : ( وتطلع عليك الفتاة كأنها الجنية المسحورة أو الحوراء الهاربة ، ولكن ما إن تقرب إليك حتى تحس فيها الغريزة الصارخة وحدها , مجردة من كل إشعاع ، ثم تنتهى إلى لحم ، مجرد لحم ، لحم شهى حقًا ، ولكنه لحم على كل حال … ) .

( 2 ) يذكر سيد قطب , ( فى الظلال 2: 637 ) , عما شاهده , من شيوع هذه الظاهرة : ( نعم شاهدت فى البلاد التى ليس فيها قيد واحد على الكشف الجسدى والاختلاط الجنسى بكل صوره وأشكاله ، إن هذا كله لم ينته بتهذيب الدوافع الجنسية وترويضها ، إنما انتهى إلى سعار مجنون لا يرتوى ولا يهدأ إلا ريثما يعود إلى الظمأ والاندفاع ! وشاهدت الأمراض النفسية ، شاهدت بوفرة ومعها الشذوذ الجنسى بكل أنواعه .. ثمرة مباشرة للاختلاط , وللصداقات بين الجنسين ) .
----

وبعضهم يبررها ويعتذر عنها كما قال لى طالب يشتغل للدكتوراه :

( إننا هنا مشغولون بالعمل ، ولا نريد أن يعوقنا عنه معوق ، ليس لدينا وقت ننفقه فى العواطف ! ثم إن الكبت يتعب أعصابنا ، فنحن نريد أن ننتهى من هذه ( الشغلة ! ) لنفرغ إلى العمل بأعصاب مستريحة ) .

ولم أرد أن أعلق على هذا الحديث فى وقته ( 1 ) , فقد كان همى أن أعرف كيف يفكرون فى هذه المسألة ، وإلا فكل شيء فى أمريكا لا يدل على أعصاب مستريحة ، بالرغم من كل وسائل الحياة المريحة ، وكل ضماناتها المطمئنة ، وكل يسر وسهولة فى إنفاق الطاقات الفائضة .

إن التجربة الواقعية التى بلغت فى أمريكا غايتها ، كفيلة بأن تسخر من هذا المنطق الظاهرى البراق ! فلم يؤد الاختلاط إلى تصريف نظيف , إنما أدى إلى بهيمية كاملة تطيع النزوات الجسدية وتلبيها بلا حد ولا قيد ، ولم تؤد التجربة الكاملة والاختلاط المطلق إلى التماسك فى البيوت ، ولا إلى الاستقرار والثبات ، إنما أدى إلى تفكك دائم ، وطلاق متزايد ، وجوع مستمر , وسعار !!

وبعضهم يسمى هذا تحرراً من الرياء ومواجهة للحقائق , ولكن هناك فارقاً أساسياً بين التحرر من الرياء ، والتحرر من المقومات الإنسانية , التى تفرق بين الإنسان والحيوان .

والإنسانية فى تاريخها الطويل لم تكن تجهل أن الميول الجنسية ميول طبيعية وحقيقية ، ولكنها ـ عن وعى أو غير وعى ـ كانت تجاهد لتتحكم فيها ، فراراً من العبودية لها ، وبعداً عن مدارجها الأولى : إنها ضرورة نعم ؛ ولكن لماذا تخجل الإنسانية من إبداء ضروراتها ؟ .

لأنها تحس بالفطرة أن التحكم فى هذه الضرورات , هو شهادة الخلاص من الرق ، وأولى مدراج الإنسانية فى الطريق ، وأن العودة إلى حرية الغابة عبودية مقنعة ، ونكسة إلى مدراج البدائية الأولى .



***


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1 ) وجدنا تعليقا طريفًا فى كتابه ( السلام العالمى والإسلام ص 74 ـ 76 ) , يقول سيد قطب : لقد آن أن تراجع البشرية تلك النظريات الخالية الخاوية التى تقول : إن الإختلاط تصريف جزئى ملطف نظيف ، وإن التجربة تقود إلى الاختيار ، وإن الاختيار طريق الاستقرار .
=====


- 3 -

فى ميزان القيم الإسلامية

الأمريكى بدائى , فى ذوقه الفنى ، سواء فى ذلك , تذوقه للفن ، أو أعماله الفنية .

موسيقى ( الجاز ) هى موسيقاه المختارة :

وهى تلك الموسيقى التى ابتدعها الزنوح لإرضاء ميولهم البدائية ، ورغبتهم فى الضجيج من ناحية ، ولاستثارة النوازع الحيوية من ناحية أخرى . ولا تتم نشوة الأمريكى تمامها بموسيقى ( الجاز ) , حتى يصاحبها غناء مثلها صارخ غليظ .

وكلما علا ضجيج الآلات والأصوات ، وطن فى الآذان إلى درجة لا تطاق .. زاد هياج الجمهور ، وعلت أصوات الاستحسان ، وارتفعت الأكف بالتصفيق الحاد المتواصل ، الذى يكاد يصم الآذان .

ولكن الجمهور الأمريكى مع هذا , يقبل على الأوبرا ، ويصغى إلى السيمفونيات ، ويتزاحم على ( الباليه ) , ويشاهد الروايات التمثيلية ( الكلاسيك ) حتى لا تكاد تجد مقعدك خالياً ، ويقع فى بعض الأحيان ألا تجد مكاناً , إذا أنت لم تحجز مقعدك قبلها بأيام ، على غلاء الأسعار فى هذه الحفلات .

ولقد خدعتنى هذه الظاهرة فى أول الأمر ، بل لقد فرحت بها فى داخل نفسى ، فقد كنت دائم الشعور ( باستخسار ) هذا الشعب الذى يصنع المعجزات فى عالم الصناعة والعلم والبحث ، ألا يكون له رصيد من القيم الإنسانية الأخرى ، وأنا شديد الإشفاق على الإنسانية أن تؤول قيادتها إلى هذا الشعب ، وهو فقير من تلك القيم جميعاً .

وقد دفعنى الاهتمام بهذه الظاهرة إلى أن أتقصى كل شيء عنها فى أوساط مختلفة ، وفى مدن متعددة ، ولكن تتبعى لسمات الوجوه ، ومحادثتى مع الكثيرين والكثيرات من رواد هذه الأماكن ـ من أعرف ومن لا أعرف ـ قد كشف لى ـ مع الأسف ـ عن أن الشقة ما تزال بعيدة بين روح هذا الفن الإنسانى وروح الأمريكان .

إن مشاعرهم عنها محجبة إلا فى النادر ( 1 ) , وإنهم إنما ينظرون إلى المسألة من زواية اجتماعية بحته , فالأمريكى المثقف لابد أن يكون شهد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1 ) وفى مجلة الكاتب جـ 10 , يقول سيد قطب , مؤكدًا على هذا الكلام : ( لى ستة أشهر لم أشهد مرة واحدة فردًا أو أسرة جالسة تستمتع بذلك الجمال البارع الحالم ، المهم هو تنقية الحديقة وتنظيمها ، بنفس الطريقة التى ينظم بها صاحب المتجر متجره , وصاحب المصنع مصنعه ، لا شيء وراء ذلك من تذوق الجمال ، والاستمتاع بالجمال ) .
----

هذه الألوان وذهب إلى تلك الأماكن ، حتى إذا دار الحديث عنها فى مجتمع شارك فى الحديث .

فالعيب الأكبر فى أمريكا ألا يشارك الإنسان فى الحديث وبخاصة بالنسبة إلى الفتيات ، إذ المطلوب منهن أن يجدن دائماً موضوعات للحديث ، فإذا ارتدن هذه الأماكن فإنهن يضفن موضوعات جديدة إلى الموضوعات الأمريكية الخالدة وهى : مسابقات الكرة , وأسماء الأفلام , والممثلين والممثلات , وحوادث الطلاق والزواج , وماركات وأسعار السيارات .

وبهذه الروح ذاتها تفد الجموع على المتاحف الفنية , عابرة عبوراً خاطفاً بالقاعات والمعروضات ، بطريقة لا تدل على تذوق أو ألفة الأعمال .

كما يذهبون أفراداً وجماعات لمشاهدة مناظر الطبيعة خطفاً ، والمرور بأقصى سرعة السيارات بالأماكن والمناظر لجمع مادة للحديث ، ولتلبية الميل الأمريكى الطبيعى إلى الجمع والإحصاء .

ولقد كنت أسمع فى مبدأ وجودى بأمريكا أن أحدهم زار كذا وكذا من المدن والبلاد والمناظر والمشاهد ، وقطع كذا ميلاً فى رحلاته السياحية ، وهو يعرف كذا عدداً من الأصدقاء ، فأعجب بهذه القدرة على صنع هذا كله ، وأود لو أستطيع منه شيئا ! , ثم عرفت فيما بعد كيف تتم هذه المعجزات … يركب أحدهم سيارته وحده أو مع أسرته أو أصحابه فى رحلة ، فيعدو بها عدواً على آخر سرعتها ، مخترقا بها المدن والمسافات ، عابراً بالمناظر والمشاهد ، وهو يقيد فى مذكرته الأسماء والأميال .. ثم يعود فإذا هو شهد هذا كله وأصبح له الحق فى الحديث عنه ! .

أما الأصدقاء فيكفى أن يدعى إلى حفلات التعارف ، وهناك يلتقى بالوجوه أول مرة ، والقائم بالدعوة يعرفه بالحاضرين واحداً واحداً وواحدة واحدة ، وهو يستكتب من شاء منهم اسمه وعنوانه وكذلك هم يفعلون معه .

وعلى الزمن تتضخم مذكراته بالأسماء والعنوانات , فإذا هو صاحب أكبر رقم من الأصدقاء والصديقات , وقد يفوز فى مسابقة تقام لهذا الغرض , وما أكثر وما أغرب المسابقات هناك !.

وهكذا يقاس علمك وثقافتك , أحياناً بقدر ما قرأت وما شهدت ووما سمعت , كما تحسب ثروتك المادية , بعدد ومقدار ما تملك من مال وعقار سواء بسواء ! .

وليست هذه عقلية الجماهير وحدها ، ولكنها كثيراً ما تكون عقلية المفكرين والباحثين , فلقد خطر لمفكرين فى أمريكا أنه لا يصح أن تكون دولتهم أغنى دول العالم ، وشعبهم أكثر شعوب الأرض حضارة صناعية ، وحضارة علمية ، ثم لا يكون لهم من الثروة الفنية ما لبعض الشعوب الفقيرة كالطليان والألمان .

ولديهم المال ـ والمال يصنع المعجزات ـ وإن هى إلا سنوات حتى كان لهم من متاحف الرسم والنحت أفخمها وأضخمها , وجمعت لها القطع الفنية من كل فج ، وعمرت بالنادر والثمين من هذه القطع ، التى لم يبخلوا على شرائها بالمال , وكلها قطع أجنبية إلا القليل ؛ لأن القطع الأمريكية بدائية وساذجة إلى حد مضحك بجوار تلك الذخائر العالمية الرائدة .

وكذلك كان لهم من الفرق الموسيقية العازفة وفرق ( الباليه ) الراقصة ، أكثرها مهارة وإتقاناً ، ومن مديرى هذه الفرق أعظمهم عبقرية وإبداعاً.. وكلهم من الأجانب إلا القليل .

ثم خرجت الإحصاءات الدقيقة تعلن عما تملك أمريكا من الثروات الفنية الضخمة ، المشتراه بالمال ، ولكن بقى أمر واحد بسيط : أن يكون للنفس الأمريكية نصيب فى هذه الثروات ؟ بل أن يكون لها مجرد التذوق الفنى لهذا التراث الإنسانى الثمين ! .

وخطر لى أن أمتحن هذه الأرقام فى متاحف الفن ، كما أمتحنها فى دور الأوبرا وما إليها .

ذهبت للمرة العاشرة إلى متحف الفن فى سان فرانسيسكو , وجعلت مادة امتحانى إحدى قاعات الصور من الفن الفرنسى ، ووزعت اهتمامى على ما فيها من الصور ، ولكننى ركزته على صورة واحدة بارعة اسمها :

( ثعلب فى بيت الدجاج ) , ولا تملك الألفاظ أن تنقل إلى القاريء روعة هذه الصور العبقرية , التى صور فيها الرسام جملة مشاعر عميقة مركبة فى لوحة ليس فيها وجه إنسان يسهل على الرسام أن يصور هذه المشاعر فيه .

ثعلب فى بيت الدجاج ، والجو داكن خانق وقد هجم الثعلب أول ما هجم على دجاجة أم فرخة ، بدت مكروبة مجهدة ، فى مخالب الوحش المكشر ، وقد فزع صغارها ، وتناثر البيض الباقى تحتها ؛ على حين تناثرت زميلاتها فى فراغ اللوحة ، وقف الديك ـ رجل البيت ـ وقفة المغلوب على أمره ، الحائر الذى لا يجد مخلصاً لزوجه المكروبة وهو حاميها ! .

أما الأخريات فواحده جازعة مأخوذة ، وأخرى قانطة مشمئزة أن يكون فى الحياة كل هذه الشناعة ، وثالثة حائرة متسائلة : كيف وقع هذا ؟ والجو كله والألوان فى اللوحة العبقرية تصور ما لا تدركه الألفاظ .

واسترحت إلى مقعد من المقاعد التى جهزت بها القاعات تجهيزاً جميلاً بديعاً ، ليستريح عليها الزائرون عن التعب من المشاهدة والطواف ، ورحت أستعرض الملامح والسمات ، وأنصت إلى الملاحظات والتعليقات .

وانقضت على في جلستى أربع ساعات كاملة ، مرَّ بى فى خلالها مائة وتسعة ، فرادى وأزواجاً وجماعات ، معظمهم من الفتيات والفتيان الذين يتواعدون على قضاء بعض الوقت فى حديقة المتحف ، ثم فى المتحف ذاته ، لأنه ينبغى للفتاة الاجتماعية أن تشارك فى الحديث ، وأن تجد موضوعات للحديث .

كم من هؤلاء التسعة والمائة بدا عليه أن يحس شيئاً مما يرى ؟ واحد فقط تلبث أمام الصورة المنتقاه نحو دقيقتين ، وتلبث فى قاعة كلها نحو خمس دقائق … ثم طار .

وكررت التجربة فى قاعات المتحف الأخرى ، ثم كررته فى متاحف أخرى فى عدة مدن ، ثم انتهيت إلى أن قلة نادرة من هذه الكثرة الكثيرة التى تتضمنها إحصاءات الزائرين تدرك شيئا من هذه الثورة الهائلة ، التى جمعها الدولار من كل بقاع الأرض ، وبقى أن يخلق الحاسة الفنية ، التى يبدو أنها لا تستجيب لسحر الدولار ! .

الفن الوحيد الذى يتقنه الأمريكان ـ وإن يكن سواهم لا يزال يفوقهم فى الناحية الفنية فيه ـ هو فن السينما :

وهذا طبيعى ومنطقى مع تلك الظاهرة التى ينفرد بها الأمريكى : ذروة الإتقان الصناعى ، وبدائية الشعور الفنى , وفى السينما تبدو هذه الظاهرة واضحة إلى حد كبير .

لا يرتفع السينمائى بطبيعته إلى آفاق الفنون العليا : الموسيقى والرسم والنحت والشعر ، ولا إلى فن المسرح كذلك ، وإن كانت إمكانيات الصناعة الفنية وإمكانيات الإخراج فى السينما أوسع بكثير .

وأقصى ما يصل إليه فن الإخراج فى السينمامن إبداع , هو أقصى ما يبلغه فن التصوير الشمسى , ثم تظل المسافة بينه وبين المسرح مثلا ، كالمسافة بين التصوير الفوتوغرافى والتصوير بالريشة , هذا تتجلى فيه عبقرية الشعور ، وذلك تتجلى فيه مهارة الصناعة .

والسينما فن الجماهير الشعبى ، فهو فن المهارة والإتقان والتجسيم والتقريب ، وهو بطبيعة اعتماده على المهارة أكثر من اعتماده على الروح الفنية .. يمكن أن تبدع فيه العبقرية الأمريكية .. ومع هذا فما يزال الفيلم الإنجليزى والفرنسى والروسى والإيطالى , أرقى من الفيلم الأمريكى ، وإن كان أقل صناعة ومهارة .

والكثرة الغالبة من الأفلام الأمريكية تتجلى فيها بدائية الموضوع ، وبدائية الانفعالات ، وهى فى الغالب أفلام الجريمة البوليسية ، أفلام رعاة البقر . أما الأفلام العالية البارعة من أمثال : ( ذهب مع الريح ) و ( مرتفعات وذرنج ) و ( ترتيل برنادوت ) وما إليها فهى قليلة , بالقياس إلى النتاج الأمريكى .

وما يرد من الفيلم الأمريكى إلى مصر أو البلاد العربية لا يمثل هذه النسبة ، لأن الكثير منه من أرقى الأفلام الأمريكية النادرة , والذين يزورون دور العرض فى أمريكا هم الذين يدركون تلك النسبة الضئيلة من الأفلام القيمة .

هنالك فن آخر برع فيه الأمريكان ، لأن ما فيه من المهارة فى الصناعة والإنتاج ، أكثر مما فيه من الفن العالى الأصيل .. ذلك هو فن تمثيل المناظر الطبيعية بالألوان ، كأنها فوتوغرافية صادقة دقيقة .

ويبدو هذا فى متاحف الأحياء المائية والبرية ، إذ تعرض هذه الأحياء أو أجسادها المحنطة , فى مثل مواطنها الطبيعية كأنها حقيقة ، وتبرع ريشة الرسام ، فى تصوير هذه المواطن ، مشتركة مع التصميم الفنى للمنظر ، وتبلغ حد الإبداع .

ثم ندع تلك الآفاق العليا فى الفن والشعور ، لنهبط إلى ألوان الملابس وإلى مذاق الأطعمة :

إن بدائية الذوق لا تتجلى فى شيء كما تتجلى فى تلك الألوان الصارخة الزاهية ، وفى تلك التقاسيم المبرقشة الكبيرة وبخاصة ملابس الرجال … ذلك السبع أو النمر الواثب على صدر الصدرية .. وذلك الفيل أو الثور الوحشى الجاثم على ظهرها , تلك الفتاة العارية الممددة على رباط العنق من أعلى إلى أسفل ، أو تلك النخلة الصاعدة فيه من أسفل إلى أعلى …

لطالما تحدث المتحدثون عندنا عن ( فستان العيد ) فى الريف ، أو عن ثوب العروس فى القرية ، بألوانه الزاعقة البدائية ، التى لا تربط بينها رابطة ، إلا أنها كلها فاقعة الألوان .. ليت هؤلاء يرون معى أقمصة الشبان فى أمريكا لا ملابس الفتيات ! .

ولطالما تحدث المتحدثون عن ( الوشم ) عند الغجر ، أو فى أواسط إفريقية ، ليتهم يرون أذرع الشبان الأمريكان وصدورهم وظهورهم ، موشمة بالوشم الأخضر : ثعابين وحيات ، وفتيات عاريات ، وأشجار وغابات ! فى أمريكا المتحضرة , فى الدنيا الجديدة فى العالم العجيب ! .

أما الطعوم فشأنها هو الآخر عجيب :

إنك تلفت النظر ، وتثير الدهشة ، حين تطلب قطعة أخرى من السكر , لكوب الشاى أو القهوة تشربه فى أمريكا , ذلك أن السكر محتفظ به للمخلل ( السلاطة ) ! كما أن الملح يا سيدى محتفظ به للتفاح والبطيخ ! .

وفى صحيفة طعامك تجتمع قطعة اللحم المملحة ، إلى كمية من الذرة المسلوقة ، وكمية من البازلاء المسكرة وبعض المربى الحلوة … وفوق ذلك كله الGrafy المؤلف أحيانا من السمن والخل والدقيق ومرقة العجل والتفاح ، والملح والفلفل والسكر .. والماء ! .

كنا على المائدة فى مطعم ملحق بالجامعة حينما رأيت بعض الأمريكان يضعون الملح على البطيخ ، وكنت قد اعتدت رؤية هذه ( التقاليع ) واعتدت كذلك أن أتفكه عليهم فى بعض الأحيان .

وقلت متجاهلا : أراكم ترشون الملح على البطيخ ! قال أحدهم : أجل ! ألا تصنعون ذلك فى مصر ؟ قلت : كلا ! إنما نحن نرش الفلفل ! قالت واحدة فى دهشة واستفسار : أو يكون مستساغا ؟ قلت : يمكنك أن تجربى ! وجربت ، وذاقت , وقالت في استحسان : كم هو لذيذ ! وكذلك فعل الآخرون .

وباختصار فكل ما يحتاج إلى قسط من الذوق , فالأمريكانى ليس له فيه حتى الحلاقة ! وما من مرة حلقت شعرى هناك إلا وعدت إلى البيت لأسوى بيدى ما شعث الحلاق ، وأصلح ما أفسده بذوقه الغليظ .

إن لأمريكا دورها الرئيسى فى العالم ، فى مجال العلم التطبيقى ، وفى مجال البحوث العلمية ، وفى مجال التنظيم والتحسين ، والإنتاج والإدارة .. كل ما يحتاج إلى ذهن وعضل فهنا تبرز العبقرية الأمريكية , وكل ما يحتاج إلى روح وشعور فهنا تبدو البدائية الساذجة .

وإن البشرية لتملك أن تنتفع بالعبقرية الأمريكية فى مجالها , فتضيف قوة ضخمة إلى قواها , ولكن هذه البشرية تخطيء أشنع الخطأ ، وتعرض رصيدها من القيم الإنسانية للضياع ، إذا هى جعلت المثل الأمريكية مثلها فى الشعور والسلوك …

إن ذلك لا يعنى أن الأمريكان شعب بلا فضائل ، وإلا لما أمكنه أن يعيش ، ولكنه يعنى أن فضائله هى فضائل الإنتاج والنظام ، لا فضائل القيادة الإنسانية والاجتماعية ؛ فضائل الذهن واليد ، لا فضائل الذوق والشعور .

----

وختاماً

العودة إلى مصر

نشر عباس خضر - صديق سيد قطب - خبر عودته إلى مصر فى مجلة الرسالة العدد 894 قائلاً :

( يصل بالطائرة يوم 20 أغسطس الحالي 1950 م ) الأستاذ سيد قطب عائدًا من أمريكا ، حيث كان مبعوثًا من وزارة المعارف , لدراسة النظم التعليمية هناك ) .

وبعد عامين كاملين فى أمريكا من أغسطس 1948 م , حتى أغسطس 1950 م ، عاد سيد قطب إلى مصر ، فظن الكثير أنه حصل على درجة الدكتوراه وأطلقت جريدة المصرى عليه لقب ( الدكتور سيد قطب ) ، يحكى ذلك صديقه عباس خضر , فى مجلة الثقافة العدد 47 قائلاً :

( كان سيد جادًا مترفعًا ، أذكر عقب عودته من أمريكا , أن كتبت عنه جريدة المصرى شيئًا , قالت فيه : ( الدكتور سيد قطب ) , فكتب فى العدد التالى أنه ليس دكتورًا … وكان يمكن أن يترك ذلك اللقب يجرى على الأقلام والألسنة , ويشيع مسندًا إليه … كما يفعل بعض المواطنين ) .

وقبل عودته مباشرة , هاج الشوق فى نفسه إلى مصر ، فنظم قصيدة وهو فى مدينة سان فرنسيسكو , نشرتها مجلة الكاتب ( جزء 6 ) , تحت عنوان : ( دعاء الغريب ) .

يا نائيات الضفـاف هنا فتــــاك الحبيــب

علية طال المطاف متى يعــــود الغريـب

متـى تمس خطـــاه ذاك الأديـــــم المغبـر

متــى تشــم شـــذاه كالأقحـــوان المعطـر

متــى تـرى عينــاه تلك الربوع المواثــل

أحلامــــه ومنــــاه تدعوه خلف الحوائل

حنينــــــه رفّــــاف إلى الديـــار البعيــدة

متى متى يا ضفاف تأوى خطاه الشريـدة

يا أرض ردّى إليـك هذا الوحيـد الغريــب

هــواه وقف عليـــك ردّى فتــاك الحبيـب

وتحت عنوان ( هتاف الروح ) , نشرت مجلة الرسالة قصيدته الثانية , فى ( العدد 877 ) :

فى الجو يا مصر دفء يدنـــى إلى خيـالك

وتستجـتيش جنينــــــى إلــى الليـالى هناك

للأمسيــات السكـــارى نشوى ترفّ خيالك

ونسمــة فيـــك تســــرى ريانـــة من جمــالك

نجــواك مــلء فــــؤادى تُرى خطرت ببــالك

فى النفس يا مصر شوق لخطــــرة فى ربــاك

لضمـــــة مـــن ثــــراك لنفحــــة مــن جـواك

لومضــــة مــن سمـــاك لهــاتــف مــن رؤاك

لليــــلـــة فيــــك أخـرى مــع الرفــــاق هنـاك

ظمــــآن تهتف روحــى متــى تــرانى أراك ؟

عاد سيد قطب إلى عمله فى وزارة المعارف ، بعد أن توقعت أمريكا وعملاؤها فى مصر من سيد , أن ينقل المناهج والأساليب الأمريكية إلى مصر … ولكن سرعان ما تبددت أحلامهم , وفجعوا بالرجل المؤمن ، صاحب رسالة ودعوة وغاية ، يسعى إلى إرضاء ربه ، وتحقيق رسالته ، يقول فى الرسالة ( عدد 995 ) :

( ألم أحاول عشرين مرة ـ بعد عودتى من البعثة إلى أمريكا ـ أن أنشىء لوزارة المعارف إدارة فنية ، تقيم نظم التعليم ومناهجه على أساس سليم ، ففشلت فى هذه المرات فشلاً ذريعًا ، لأن المراد فى هذه المرة كان إصلاحًا فى الصميم ) .

وبدأ سيد يعلن حقائق الوجه الكالح الأمريكى , فى المنطقة فيقول فى مقاله : ( عدونا الأول الرجل الأبيض ) فى مجلة الرسالة ( العدد 1009 ) :

( إن الرجل الأبيض هو عدونا الأول سواء كان فى أوربا أو كان فى أمريكا .. ولكن الذى نفعله هو عكس هذا على خط مستقيم .. عندنا فى وزارة المعارف عبيد للرجل الأبيض ، وعندنا في معاهد التربية التى تخرج المدرسين ، فتؤثر بذلك فى عقلية أجيال بعد أجيال ) ثم يقول :

( إن الاستعمار لا يغلبنا اليوم بالحديد والنار ، ولكنه يغلبنا قبل كل شيء بالرجال الذين استعمرت أرواحهم وأفكارهم ، يغلبنا بهذه الأقلام التى تغمس فى مداد الذل والهوان الروحى , لتكتب عن أمجاد فرنسا ، وأمجاد بريضانيا ، وأمجاد أمريكا ….. ) .


تمت
المصـــدر :

1 - http://gmady.maktoobblog.com/1617677/لأو...-قطب-الحل/

2 - http://gmady.maktoobblog.com/1617713/لأو...طب-الحل-2/

3 - http://gmady.maktoobblog.com/1617744/لأو...طب-الحل-3/
بخلاف موضوعنا الرئيسي عن أميركا، فإن لهذه الدراسة فائدة مُضافة، وهى كشف كارثية الوعي المقلوب على المجتمع الإنساني، فسيد قطب، ومعه طبعاً اللاهوتيون عموماً حالة نموذجية لهذا الوعي المقلوب، فبدلاً من الحديث عن الرأسمالية التي شيئت كل شئ وصنعت اغتراباً إنسانياً غير محدود، يتحدث عن فضائل مفصولة عن بعضها البعض، فالأمريكان جيدون في الإنتاج والتنظيم، سيئون في شئون الحس والذوق،مالكون للمادة (هكذا!!)، فاقدون للروح!!!

وبهذا أصبح مفكراً!َ!!

فعجبي
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 12-18-2009, 08:35 PM بواسطة مجدي نصر.)
12-18-2009, 08:28 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
مجدي نصر غير متصل
بأرض العدم
*****

المشاركات: 795
الانضمام: May 2009
مشاركة: #20
RE: موسوعة قذارات أمريكا
أزمة الإمبريالية الأمريكية
*

جويل جاير
29 مارس 2007
تحرير:
وائل جمال
الاصدار: الاشتراكي
الناشر:
مركز الدراسات الاشتراكية
-----------

قبل ستة أعوام، بدت الإمبريالية الأمريكية وكأنها تجاوزت نهائيا هزيمتها في فيتنام. فعندما انهارت روسيا الستالينية بسبب تناقضاتها الداخلية، تقدمت القوة الأمريكية إلى مستوى لم تكن لتحققه عبر قوتها الذاتية. وأثبت التخمين الأول القائل بأنه ربما كانت اليابان أو ألمانيا هما الفائزان الحقيقيان من الحرب الباردة، بقدرتهما على تنظيم أوربا وآسيا ليخلقا عالما متعدد الأقطاب، أثبت أنه كان مبالغا فيه. ظهرت أمريكا بصفتها القوى الكبرى الوحيدة في العالم. ولم يعد باستطاعة أي منافس مضاهاة قيادتها المنيعة في التكنولوجيا العسكرية والتسليح والجيش.

وبدت السيطرة الاقتصادية الأمريكية بدورها مؤمنة نسبيا. فقد أنتجت عقود الحرب الطبقية من جانب واحد والقضاء على النقابات وتغير التوازن الطبقي، أنتجت تحويلا تاريخيا للثروة من العمل لرأس المال. وكذلك عملية إعادة هيكلة ممتدة ومؤلمة للصناعة، ومددت يوم العمل وقللت من الأجور وزادت من فائض القيمة. وصارت الرأسمالية الأمريكية الأكثر ربحية في العالم مرة أخرى. وعلى مدى عقد ونصف، نمت بمعدلات أعلى من جميع منافسيها المتقدمين. بينما أعيدت هيكلة نظامها المصرفي، من حالته المعوقة في الثمانينيات، بنجاح شديد لدرجة أن أسواقها المالية هيمنت عالميا.

كانت الولايات المتحدة قادرة على فرض سياسات "إجماع واشنطن" الليبرالية الجديدة لإدماج الجميع في النظام التجاري العالمي وأسواقه المالية. صارت عقيدة حرية السوق الجامدة مسيطرة في معظم العالم. وقبلت أغلب الطبقات الحاكمة، على مضض، الهيمنة الأمريكية على أساس أن ذلك هو الخيار العملي الوحيد. أما غالبية اليسار العالمي –الاشتراكيون الديمقراطيون، والستالينيون، وحتى كثير من الثوريين- فقد استنتجوا أن فشل الستالينية أثبت أن السوق الحر هو النموذج الاقتصادي الكفء الوحيد وأنه لا يمكن الوقوف في وجه الإمبريالية الأمريكية، بل إنه حتى يمكن دعمها في تدخلاتها "ذات الطابع الإنساني".

بدت الإمبريالية الأمريكية مستقرة، آمنة، ولا يمكن قهرها. وتدعمت هذه المشاعر بفعل الاستجابة الأولية للحادي عشر من سبتمبر باجتياح موجة من الوطنية الاجتماعية للولايات المتحدة. وعلى أساس تأييد دولي جارف، شنت أمريكا حربها على أفغانستان. وتراجعت الحركة الثورية لأدنى نقاطها في نصف قرن. لكن بعد سنوات قليلة، تواجه الإمبريالية الأمريكية ليس فقط هزيمة كبيرة، وإنما أيضا أزمة ترقى للتي تعرضت لها وقت فيتنام.


نافذة الفرص.. من المقاومة للمستنقع

رأت إدارة بوش، مدعومة برأي عام صلب داخل الطبقة الحاكمة، في الحادي عشر من سبتمبر فرصة تاريخية نادرة. وقررت انتهازها ليس فقط فيما يخص نظام طالبان وإنما فيما يتسع لما أسمته محور الشر. وبعد ما تسببت به حرب فيتنام من آثار مدمرة على تدخلها العسكري الخارجي، اعتبرت الإدارة أن هذه فرصة لكي توسع القوة الإمبريالية الأمريكية لتصل إلى مناطق جديدة. الهدف الأول كان إعادة تأكيد السيطرة على الشرق الأوسط عبر غزو العراق واستخدامه كنقطة ارتكاز لتوسيع نفوذها في المنطقة. ومع وجود ثلثي احتياطيات النفط العالمي في المنطقة اكتسب العراق أهمية إضافية جديدة خاصة في ظل استمرار محورية دور النفط للرأسمالية العالمية ومع التوقعات بفورة نفطية جديدة فيما يتعلق بالأسعار. المبدأ كان: من يتحكم بإنتاج النفط.. يتحكم في السياسة العالمية.

إنما الفشل الأمريكي في العراق كان بنيويا في الموقف منذ البداية. فقد تحولت هزيمة الحرس الجمهوري والجيش العراقي السريعة إلى العكس عندما تحول الموقف من حرب إلى احتلال رفض العراقيون قبوله. وتحولت الحرب المكسوبة بالتفوق العسكري في الجو إلى حرب استنزاف للعصابات لم يكن الأمريكيون مستعدين لها. وبذلك انهارت إستراتيجية وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد – تفوق جوي وجيش صغير. وجعلت المقاومة فكرة الاستمرار في التوسع الإقليمي مستحيلة –خاصة فيما يتعلق بتغيير الأنظمة في إيران وسوريا وعزل حزب الله وحماس. إضافة لذلك، تحول تكتيك استخدام الانقسام الطائفي من قبل الأمريكيين إلى خطر يهدد العملية برمتها بعد أن تجاوز الحدود الأمريكية بنهاية الأمر.

وكانت نقطة التحول الرئيسية في الحرب في صيف وخريف العام الماضي. فلتحقيق نصر لم تستطع أمريكا تحقيقه في أفغانستان والعراق، جندت الولايات المتحدة إسرائيل لشن حرب بالوكالة على حزب الله في لبنان بهدف تثبيت حكومة السنيورة التابعة لها، وتوجيه ضربة للإيرانيين والسوريين. واستخدم الإسرائيليون نفس خطة الحرب التي استخدمها حلفاؤهم في العراق. لكن حزب الله - بقوة فصيل إسرائيلي واحد- نجح في تعبئة لبنان كله وتوجيه هزيمة موجعة للإسرائيليين مضيفا عنصرا جديدا لأزمة الإمبريالية في المنطقة: الإسرائيليون أيضا يمكن هزيمتهم. وتغيرت بذلك معادلات السياسة الإقليمية للأبد بعد أن أنتجت الحرب الأمريكية ثلاثة حروب فاشلة في أربع سنوات فقط. وتبع ذلك مباشرة فشل العملية الأمنية الجديدة في بغداد والتي اضطر الأمريكيون للاعتراف بأنها قد تستغرق طويلا.

كل ذلك ترك أثرا مدمرا بالغا في الداخل. ولم تعد مواجهة عمق الكارثة العراقية ممكنة بالطرق القديمة. فتح الانقسام في قمة السياسة الأمريكية الباب للقاعدة الشعبية للجدل حول الحرب. وتعمق الموقف مع توالي فضائح الفساد في إدارة بوش ومساسها بعدد من رجاله المقربين. على ذلك فقدت الإدارة التأييد الشعبي للحرب التي تنوي استكمالها إلى النهاية. ولم تعد تمتلك المصداقية لا في الخارج ولا في الداخل، مما يصعب من قبول أي مقترحات مستقبلية للتعامل مع أوضاع السياسة العالمية. بمعنى آخر أصبحت الكلمة الأمريكية أقل تأثيرا. وينبغي الإشارة هنا إلى أن الانقسام في الطبقة الحاكمة الأمريكية، وفي ممثليها السياسيين، ومراكز تفكيرها البحثي وإعلامها ليس حول المبادئ وإنما حول أفضل طريقة لحماية المصالح الإمبريالية، حول توجيه الموقف نحو النصر، أو على الأقل إنقاذ ما يمكن إنقاذه في وضع هزيمة.

لكن الجني خرج بالفعل من القنينة. وبما أنه لم يعد هناك توافق داخل الطبقة الحاكمة الأمريكية، فسوف تركز السياسة الأمريكية الداخلية أكثر فأكثر على الحرب. لهذا اضطر الديمقراطيون الذين حاولوا طويلا تفادي الموضوع لإعادته على جدول الأعمال مرة أخرى. وبتواصل الحرب فإن كل السياسة سينظر إليها من خلال عدستها، وستنمو فجوة المصداقية بالنسبة للحكومة، وسيكون من الأصعب للإمبريالية الأمريكية الحصول على الدعم المطلوب للتعامل مع المشكلات الدولية الأخرى.


إمبريالية منزوعة الفعالية

كانت النتيجة المباشرة لكل ذلك تقوية المواقع النسبية لكل منافسي وأعداء الولايات المتحدة، وعلى رأسهم إيران وحماس وحزب الله في الشرق الأوسط. لكن هذه الظاهرة امتدت خارج الشرق الأوسط أيضا. ففي أمريكا اللاتينية، أدت الظروف الاقتصادية، غير المتعلقة بالطبع بحرب العراق، إلى تمرد شعبي واسع في القارة ضد الليبرالية الجديدة التي تدافع عنها الولايات المتحدة باستماتة. فقد أفادت الليبرالية الجديدة أغنياء القارة بينما تدهورت مستويات معيشة الطبقة العاملة، خاصة مع تكرر الأزمات الطاحنة –كما حدث في الأرجنتين والمكسيك. وفتح المستنقع العراقي مساحة لكي يستمر هذا التمرد الاقتصادي خارج السيطرة الأمريكية ويقوي مواقعه. وسمح ارتفاع أسعار البترول (جزئيا بسبب الفشل الأمريكي في إعادة العراق لسوق الإنتاج العالمي) لهوجو شافيز في فنزويلا بتدعيم شعبيته في فنزويلا وخارجها. وخلق أنصار التيار الجديد في الإكوادور وبولفيا وكوبا وغيرها مع فنزويلا قاعدة منظمة لهذا التمرد على السياسة الأمريكية في القارة. أجبرت أزمة العراق الولايات المتحدة على تقليص تدخلها السياسي، وقد يؤدي استمرار الوضع العراقي على ما هو عليه لاستمرار هذا الانسحاب الذي يضعف قدرة الإمبريالية الأمريكية على توجيه الأمور والتأثير فيها في القارة اللاتينية.

أما المستفيد الأول من الحرب على العراق في المدى الطويل فهي بلا شك الصين. فالتطور الاقتصادي للصين خلال سنوات الحرب الأربعة رفعها لوضع تؤثر فيه على النمو العالمي، أسعار السلع، التجارة الدولية، السياسات النقدية وأسعار الفائدة، بطريقة تجعلها المنافس الأكثر جدية للإمبريالية الأمريكية بشراكتها التجارية والعسكرية المتعمقة للأمريكيين اللاتينيين وللأفارقة، وبنهمها المماثل لاحتياطيات النفط العالمي لتموين نموها الاقتصادي. وجنبا إلى جنب مع التنافس الاقتصادي، هناك التنافس العسكري. فالصينيون يطورون أسلحتهم البحرية. ومؤخرا أظهروا قدراتهم على إسقاط حتى الأقمار الصناعية العسكرية، فاتحين بذلك مجال احتكرته أمريكا لسنوات وهو عسكرة الفضاء. صحيح أن القوة العسكرية الصينية مازالت أضعف بمراحل من الإمبريالية الأمريكية، لكن هذا التطور بث الرعب في الأوساط العسكرية الأمريكية. إلا أن المستنقع العراقي والمشاكل الاقتصادية الأمريكية تحد من خياراتها.


التبعات الاقتصادية للحرب

تبلغ تكلفة الحرب رسميا أكثر من 660 مليار دولار، لكن هذا التقدير يقلل بشدة من تكاليفها الحقيقية. ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية للعام المقبل فقط تبلغ 481 مليار دولار. ولو أضفت الـ 141 مليار الإضافية، المخصصة للعراق وأفغانستان، ستصل إلى 622 مليار قبل طلبات التمويل الإضافية. ويزيد الرقم إلى 657 مليار بإضافة مخصصات الأمن الداخلي، وإلى 700 بإضافة مخصصات أخرى هامشية تتأثر بالحرب. قارن هذا بميزانية سنوية لا تزيد على 299 مليار في ألفين وواحد. وتزيد هذه التكاليف، مع وضع التضخم في الاعتبار، على تكاليف حرب فيتنام وتتجاوز بكثير مخصصات الإنفاق العسكري إبان الحرب الباردة. لكن الأهم هو أنها تلقي عبئا هائلا على ميزانية الولايات المتحدة واقتصادها المضغوط المليء بالتشوهات.

وبدلا من التأثير الإيجابي المعتاد للحروب على الاقتصاد الرأسمالي، فقد فقدت أمريكا في السنوات الماضية تفوقها التنافسي في السوق العالمي. وزاد دينها الخارجي إلى نقطة تهدد الدولار، علامة سيطرتها الاقتصادية. وتضخم العجز التجاري في 2006 إلى رقم لا يمكن أن يستمر يتجاوز 760 مليار دولار أما عجز الحساب الجاري فوصل إلى 800 مليار. وبدلا من أن تسدد الحرب تكلفتها عبر النفط العراقي، إضافة إلى تخفيض سعره لما تحت العشرين دولارا للبرميل، أصبحت العراق ثقبا أسود يبتلع الأموال ويرفع السعر لما فوق الستين دولارا.

كما تراجعت قدرة أمريكا التنافسية في السوق العالمية، كما ظهر في تراجع نصيبها من الناتج العالمي من 30.8% عام 2000 إلى 27.7% في ألفين وستة. والكتلة الرئيسية لهذه الخسارة ذهبت لمنافسيها العسكريين الأساسيين: روسيا والصين. وتمتلك الأخيرة الآن أكثر من تريليون دولار من الاحتياطيات النقدية الأجنبية، 90% منها بالدولار، مما يجعلها ذات تأثير بالغ على الاقتصاد الأمريكي بكونها أهم مقرضيه بسبب رفض الطبقة الحاكمة تسديد تكاليف الحرب من جيبها عبر الضرائب مفضلة الاقتراض من الصين بما ينحر في قوتها الإمبريالية عالميا. وهناك طرف ثالث يدفع ثمنا غاليا هو فقراء أمريكا. فعبء التكلفة الباهظة للحرب يستخدم لتبرير التخفيضات في التأمين الصحي والبرامج التعليمية والاجتماعية. ويحاول اقتصاديو وسياسيو الرأسمالية الأمريكية إجبار الطبقة العاملة على تحمل عبء حربهم من أجل النفط والإمبراطورية لتصبح بذلك الصلة بين الحرب في الخارج والحرب الطبقية في الداخل محط التركيز والنظر.


وحش جريح

إن تأثيرات الهزيمة الأمريكية في العراق بدأت فقط في الانكشاف. ومن المستحيل التنبؤ بكل عواقبها أو كيف ستتطور، لكن الماضي يمكن أن يكون مرشدا مفيدا. فبينما بالغت قطاعات في اليسار في تقديرها للقوة الأمريكية الإمبريالية، يقلل آخرون بشدة وبشكل مخل من قدرتها على تجاوز هزيمتها. فبرغم الخرائب التي تركتها حرب فيتنام، لم يستطع منافس مواجهة الأمريكيين، وفي خلال عقدين استرجعت كامل قوتها. وبرغم نكساتها المتعددة حاليا، تبقى الولايات المتحدة القوة الكبرى المسيطرة. وبرغم الآليات المشوهة للنظام التجاري الدولي، تظل الشركات الأمريكية العابرة للقارات والبنوك الأمريكي الأكثر ربحية وهيمنة في مجالات حاسمة. وعسكريا لا يستطيع حتى الآن أي منافس مضاهاة قوتها. ولا يمتلك أي من منافسيها الموارد لجذب حلفاء وأتباع وإمبرياليات فرعية بنفس العمق الذي تستطيعه. لذلك فإن الولايات المتحدة لا تعاني من إفلاس كامل في الخيارات أو في مساحات المناورة. وبينما تعاني في العراق كانت الولايات المتحدة قادرة على استخدام إثيوبيا مثلا لإقصاء الإسلاميين في الصومال، والسعودية لتوليد حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية. بينما يضعف العداء الطائفي المتفاقم بين الشيعة والسنة في العراق والشرق الأوسط من المعارضة للقوة الأمريكية في الإقليم.

لكن هناك حدودا لهجومية الإمبريالية الأمريكية عندما تواجهها نكساتها وهزائمها. فقد بدأ صعود السياسة ضد الإمبريالية في الظهور في أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط. وبينما تنضج أزمة أمريكا فإن مولد يسار معادي للإمبريالية مرة أخرى في العالم، بما فيه أمريكا نفسها، يبدو في الأفق. والأزمة طويلة المدى للطبقة الحاكمة الأمريكية بفعل كارثة العراق هي مفتتح لكي تصبح معاداة الإمبريالية بديلا لجناحي السياسة الإمبريالية –الجمهوري والديمقراطي. يجب مواجهة الإمبريالية الأمريكية من خلال معارضة شعبية واسعة من أسفل في الداخل. معارضة موصولة بالنضال من أجل التحرر دوليا. ومازال هذا أمرا رهينا بالمستقبل، لكن هزيمة الولايات المتحدة في العراق تجعل هذا المستقبل أقرب وأكثر إمكانا.

------------

*مجلة انترناشيونال سوشياليست ريفيو الماركسية الأمريكية ـ عدد مارس أبريل 2007 ـ أعدها للنشر وائل جمال


http://www.e-socialists.net/node/4764
12-19-2009, 03:50 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  شكراً أمريكا العلماني 44 2,777 09-27-2014, 12:06 AM
آخر رد: الإبستمولوجي
Big Grin "الأسد" سيتعاون مع أمريكا التي تقود المؤامرة على سوريا لمحاربة داعش الأداة الأمريكية؟ الإبستمولوجي 2 370 09-24-2014, 01:01 AM
آخر رد: الإبستمولوجي
  شو بالنسبة لعدوان أمريكا على شمال العراق؟ خالد 15 1,097 08-12-2014, 07:06 PM
آخر رد: خالد
  شو بالنسبة لعدوان أمريكا على شمال العراق؟ خالد 0 277 08-09-2014, 11:53 PM
آخر رد: خالد
  الهند تلقن أمريكا درساً في الديبلوماسية والمعاملة بالمثل الإبستمولوجي 6 1,167 01-20-2014, 08:40 AM
آخر رد: على نور الله

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS