RE: منوعات
نغرس التفرقة.. ثم نتساءل لماذا؟
بقلم: د. ليلي تكلا
صدرت التصريحات بإدانة جريمة نجع حمادي, عقدت الاجتماعات والندوات وطرح الموضوع للمناقشة في مجلس الشوري والمجلس القومي لحقوق الإنسان, تألم أغلب المصريين من هذا الحادث الأليم.
اهتمت به أجهزة الإعلام في أكثر من برنامج, أكد الإعلام الوطني أصالة الشعب المصري وتماسكه برغم بشاعة الجرائم, طرح المواطنون ورجال الدين والمفكرون ذكرياتهم في نوستالجيا شديدة لزمن ساد فيه الوئام بين الجيران والأصدقاء قبل أن يصاب المجتمع بمرض التعصب والتمييز الديني والتفرقة بين المواطنين وما جاء به ذلك من جرائم. تساءل الكل: ماذا حدث؟ لم نكن كذلك؟
أكدوا ـ كعادتهم ـ أن هذه فيروسات دخيلة وتيارات وافدة وأنماط سلوك غريبة علي مصر وشعبها, كل هذا صحيح لكن هناك تجاهلا تاما لمصدر من مصادر التغيير الذي طرأ علي مجتمعنا, ذلك هو المناهج الدراسية التي تهدد أسس الدولة المدنية بسبب الجرعة المبالغ فيها من النصوص والأوامر والنواهي الدينية, الي جانب أنها تغرس بذور التفرقة ـ بل والكراهية ـ لأن واضعي المناهج خانهم التوفيق في اختيار الآيات مع أن هناك آيات قرآنية كريمة تنبذ التفرقة وتدعو الي احترام المعتقدات الأخري, وحسن معاملة من ينتمون إليها.
***
هذا ليس حديثا مرسلا, انه حقائق وواقع أسرده بعد دراسة وافية وبحث مستفيض لمضمون المناهج التي تحشر في عقول الطلبة والشباب, ومدي تأثيرها علي تشكيل الإنسان المصري.
كنت عكفت علي دراستها ـ عقب واقعة قد أشير إليها يوما ـ فوجدتها تختلف تماما عما كنا ندرسه, لم يكن البحث سهلا, وكان محبطا, هالني ما وجدت, بدت جميع الكتب وكأنها دروس دينية ـ إسلامية, جميع الموضوعات لها مرجعية دينية ترتبط بكم هائل من الآيات القرآنية يسبقها اقرأ احفظ وتعلم دون شرح علمي يبين مغزي القضية التي تتناولها الآية.
ولنر معا بعض ما تقدمه المناهج وتأثيرها علي العقول:
* تستخدم الآيات في غير موضعها دون ارتباط بموضوع الدراسة, وهو أمر لا يتفق وجلال هذه الآيات ولا مع الأسلوب المنطقي في التفكير.
* في كتاب الصف الثالث الابتدائي موضوع بعنوان المخترعات الحديثة يتحدث عن التليفون والمرجعية( سورة الإسراء الآية:37) ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا, والتليفزيون: المرجعية( سورة البلد8:10) ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين, أما وسائل المواصلات: فالآية هي( سورة النحل الآية:8), و الخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون.
* كل إشارة الي القيم سواء الصدق أو الشجاعة أو الفطنة أو حسن معاملة الوالدين..الخ ليس لها مرجعية أخلاقية أو وطنية انما نصوص اسلامية.
والتدريبات تقول اذهب الي المكتبة وابحث عن آيات قرآنية أو أحاديث أو أشعار تؤكد قيمة العمل, وكأن هذه القيم تقتصر علي عقيدة واحدة تحتكرها دون سواها, فالإسلام مصدر الفضائل والمسلمون هم الأفضل.
* النصوص المستعملة تخص المسلمين دون غيرهم, مثلا في موضوع البيئة اقرأ واحفظ وتعلم حديث شريف ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا.. فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة فهل المسيحي غير مطالب بزرع شجرة, وفي موضوع عادات ضارة قال تعالي: خذوا زينتكم عند كل مسجد وأين المسيحي؟ مما يأخذ زينته؟ وان أحب الأعمال الي الله سرور تدخله علي مسلم.. وماذا اذا أدخل السرور علي غير مسلم؟ وعليه أن يحفظ أن أحسن الأقوال ما يدعو به المسلم الي سبيل الله ومن أحسن قولا ممن دعا الي الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين, مع أن الرسول أوصي بالمسيحيين أيضا, عليه أن يحفظ أن المحبة في أن يقضي المسلم عن أخيه دينا يكدر عليه حياته, مع أننا في هذه السن علينا أن نؤكد أن المحبة لا تفرق بين الناس حسب العقيدة.
* الأسماء المستعملة كلها تنتمي لعقيدة واحدة وكأن مصر لا يوجد بها سوي مسلمين, وعندما لاحظ ذلك عبقري من خبراء تصحيح المناهج أضاف الي منهج المرحلة الابتدائية حوارا بين جرجس وحسن, والمبدأ جيد لكن اليكم مضمون الحوار: جرجس يشكو لصديقه حسن بأنه حزين لأنه أخطأ مرتين, مرة عندما كذب علي المدرس, قائلا إنه لم يقم بواجبه المنزلي لأنه كان مريضا, ولم يكن مريضا, والمرة الأخري عندما قطف زهرة, فيقول له حسن هذا خطأ يا جرجس ويرده الي الصواب وينصحه ألا يفعل ذلك, قصة تستخدم اسما مسيحيا لكنها تؤكد وترسخ أن جرجس هو الخاطيء الكذاب وأحمد هو الهاديء الناصح الأمين.!!!حوارا وعدوا بتعديله ونحن في الانتظار.
***
هذا قليل من كثير تتضمنه مناهج تعتبر قمة في التمييز الديني ومصدرا للفرقة والصدام, فهي تفرق بين المواطنين منذ الصغر, فيصبح المجتمع علي ما هو عليه.. إننا إذ نغرس الفرقة والتباعد ليس من حقنا بعد ذلك أن نبكي علي ما كنا عليه من وئام أو أن نتساءل لماذا أصبحنا علي ما نحن عليه!! والحديث لم ينته.
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 01-22-2010, 01:36 PM بواسطة قطقط.)
|