(01-24-2010, 08:47 PM)مجدي نصر كتب:  ..............
وسؤالي : أليس معنى هذا أن الفقراء بعيدون بالضرورة وفي الغالب عن الإلحاد؟؟

...............................

سؤال آخر أستاذي الكريم، وأرجو ألا أثقل عليك

لماذا لا تثق في المصري كمفكر مادي؟؟

هل لدى المصريين من واقع تراثهم أو واقعهم ما يدفعهم بالضرورة إلى المثالية للدرجة التي لا يتواجد فيها مفكر مادي واحد بينهم؟؟

بصورة أدق، ما الذي يخص المصريين بحيث يؤدي بهم إلى هذه النتيجة؟؟

وما هى تجاربك أو الأسباب التي دفعتك لهذا الاعتقاد؟؟

---

تحياتي أستاذنا الكريم

يا صديقي ..
ربما لو كنت سوريا أو لبنانيا لشكوت أيضا من المثقفين السوريين و اللبنانيين ، كل ما لدي مجرد انطباع ، و لكنه انطباع قوي و محسوس . الثقافة العامة غائبة بين العرب حتى بين القطاعات المتعلمة ، فمعدل قراءة الكتب في الحضيض عالميا ، وهناك حالة ارتدادية إلى التراث بلا معقوليته و مفارقته للعصر ، و لكن المحنة في مصر مضاعفة أضعافا . بداية لم يكن لدي أي أوهام حول سطحية الثقافة في مصر ، وجود رموز ثقافية مصرية في بداية عصر النهضة ، صنع وهما بريادة ثقافية بلا أساس حقيقي ، منذ دراستي الجامعية و حتى اليوم خالطت تجمعات عربية عديدة من كل لون ، و لهذا لم يكن عسيرا علي أن ألمس أن العقلية المصرية بتكوينها تنفر من القضايا الثقافية ، خاصة الثقافة العلمانية و الليبرالية ، ربما تجد البعض ممن ينتمون لأفكار ذات طبيعة عقائدية جامدة ، مثل الماركسية و القومية الشوفينية و الإسلامية ، وهي في النهاية ثقافات نصية شمولية أشبه بالأديان ، هم أيضا يتعاملون معها بنفس جمودية و قداسة الأديان و مرجعايتها الدوجمائية ، حتى أولئك الماركسيون و القوميون سرعان ما ينتكسون عند أول منعطف ليروا الحلم إياه ،و يذهبون لصلاة الفجر و يبكون تائبين عن ذنب لا يغتفر هو حرية التفكير .
تابعت منذ فترة بعض المفكرين الغربيين ، منهم ريتشارد داوكنز (صاحب هذا الحوار) و بول كيرتز وهو شخصية علمانية هامة ، فهو المؤسس و الرئيس الفخري لمجلس الهيومانية العلمانية Council for Secular Humanism ، و كثيرين غيرهم ينددون بعودة المقدس للحياة العامة ، و يجأرون بالشكوى من أصولية أمريكا ، و يعلم الإله الفيزيائي أني ضحكت أحيانا من مظاهر تلك الأصولية التي يشكون منها ، بعض الصلوات – كل وفقا لعقيدته- لمدة دقائق في بداية العمل ، في البيت الأبيض !، و أشياء من هذا القبيل ، فماذا تقول عن مظاهر الهوس الديني في مصر ؟.
بالقطع مصر هي أوضح ضحايا الإعصار الوهابي المغبر ، بحيث من الصعب تصور مجتمعا أكثر إظلاما و أصولية بما في ذلك السعودية نفسها . في استطلاع أخير للرأي هناك 100 % من الشعب المصري متدين !، كلهم متدينون – ما شاء الله - بما في ذلك الملحدون !، يا صديقي .. هناك زميل مصري يبشر بنظرية التطور البيولوجي ،و هذا رائع جدا ،و لكنه يؤمن في نفس الوقت بأن الله خلق العالم في ستة أيام ،و أننا قاصرين عقليا عندما نسخر من ذلك ، لأن اليوم عند الله ب 1000 عام مما نعد ، أي أن الله خلق العالم في زمن طويل هو 6000 سنة !، و عمر الكون الان 6000 سنة أخرى أي أن الله خلق العالم منذ 12000 سنة ، رغم أن الهومو سابينس عمره حسب نظرية التطور التي يؤمن بها أيضا 200000 سنة أي أن الله خلق الكون بعد ظهور الإنسان ب 188000 سنة !.زميل مصري آخر جاء خصيصا ليبشرني أنه أصبح علمانيا ،و أنه يواجه كل زملائه بهذا ، في ذلك الوقت كنت أطرح سؤالآ عن مدى قبول تطبيق الشريعة الإسلامية ، فوجدته يوافق على تطبيقها فورآ ، بينما زميلنا المسلم الإخواني السوري يوافق على تطبيقها و لكن بعد تطويرها لتلائم العصر !، هذه هي الحقيقة إذا .. المصري العلماني أكثر أصولية من السوري الإخواني ، تلك عبارة تبدوا هزلية أو دعابة و لكن ثق أنها تحتوي قدرا كبيرا من الحقيقة .
هكذا يتحول الفكر المادي عندما يدخل إلى عقولنا إلى مهلبية ، نحن نريد أن ندخل جنة ( المغفل ) مع سبق الإصرار و الترصد ،و حتى عندما يفتح الله بحتة معلومة ، نقصها على قدر سرير عقولنا المايكرو ، فتتحول أعظم الأفكار إلى نوع من المسوخ .
يا صديقي .. أنت تسألني عن خبرتي مع الفكر المصري المادي ، كأنك تسألني عن النكت التي أعرفها ،أو عن المآسي التي سمعت بها ، هناك مئات الأمثلة بلا مبالغة يمكنني أن أذكرها ، حتى أني من قرفي طرحت شريطا عن غيبوبة المثقفين الجدد ، طبعا هم ليسوا مثقفين و ليسوا جددا . يرتبط الفكر المادي في مصر بالماركسية تحديدا ،و لكن ماركسيتنا ماركسية إسلامية موحدة بالله ، حتى أن الحاج الماركسي خالد محي الدين منضم إلى جماعة صوفية ، كل من عرفتهم من ماركسيين أصبحوا فجأة إسلاميين منذ السبعينات ، أي لم يصمدوا سوى ربما عشر سنوات ، كانت كافية أن يكفروا عنها إلى اليوم !.
هل تعتقد أن المسيحي المصري أكثر تحررا ؟، أنت لا تعرف المصريين إذا ، لم يعد هناك مسيحي ملحد إلا ربما من نعرف في نادي الفكر !، لهذا أشفق على تجربة المصريين الملحدين ، بل أشفق عليهم أنفسهم و اتسائل متى سيرون محمد في الحلم الشهير ،و متى سينادي المسيح البعض منهم قائلآ أنه يحبه !.
أما عن الطبقات الأدنى إقتصاديا ، فلا يطالبهم عاقل سوى بعدم التورط في جرائم طائفية ، غير ذلك مستحيل تماما ، فتساوي الناس في حقوقهم ، لا يعني تساوي أفكارهم في الأهمية .

شكراً لاهتمامك وردك أستاذ بهجت

أتفق معك تماماً بأن ما يسمى بريادة ثقافية كان مجرد وهم، وأذكر بهذا الصدد مقولة قرأتها مفادها أن في مصر الأسماء أكبر من المسميات، فليس المثقف مثقفاً كسميه المعروف في الغرب، وقس على هذا في كل شئ، فلا اليساري يساري ولا الليبرالي ووو......
هو فقط الأصولي أصولي فعلاً

ولماذا كثرة الكلام، هاك التدوينة الرائعة، فيها ما أرغب بقوله
---------------------
الحالة تعدت مرحلة الخوف القهري الي هوس بارانويا من النوع الذهاني المعتبر
.. كتابات فروم ومن قبله أستاذه وأستاذي عم فرويد تلخص الموضوع في جملتين
... الخوف من الحرية هو الخوف من المجاز والتأويل،
بمعني أن أي إطار فكري تحكمه ظواهر التجديد والثورة علي القديم يتحول بالزمن والتبعية وميل ميزان القوة ناحيته الي فكر إصولي سلفي .. وتصبح آليات وجوده الأول هي ذاتها مخاوفه الكبري وأكبر المخاطر علي مكاسبه ومساحة السيطرة التي آلت إليه وعليه تتحول مبررات وجوده الي أسباب الثورة عليه وتفككه
لذلك فإن الأفكار التي تؤسس لقيام أية حضارة فاعلة أو أيديولوجية قوية لابد لها من مجاز وتأويل وقدرة علي نقد الذات حتي وإن اشتطت لتستطيع أن تجدد روحها وصيرورتها كلما تحولت الي الرتابة والسلفية
المشكلة ليست في ردود الافعال ولكن في طرق تكوين العقليات وإنتفاء خاصية الجدل عند العقل العربي. ناهيك علي أن المسميات أكبر من الافكار في مصر .. فماهو اليسار؟ ومن هم الليبراليين؟ ومن هم المثقفين والمفكرين ودعاة الحرية؟ ... شلة من أنصاف المتعلمين والارزقية .. يعني الموضوع فعلا هزار مش جد علي رأي أخونا أسامة.
أي فكر ثوري أو مغاير يتحول بعد حين الي عقل سلفي ماضوي يدين القراءات المتعددة أو الجديدة سواء للفكرة نفسها أو لفكر جديد
في مصراليسار.. يعني ماركة ستالين وخالد محي الدين وهلفطة الحنجوري وفهم القشرة الخارجية للفكر علي شوية صراخ وشعر رديء زي بتاع أخونا حلمي سالم وخمرة مغشوشة ومزة بايتة
الاسلاميون والاخوان والسلفيون والجهاد وبتوع الله حي .. تفكير وسلوك لم ولن يخرج عن العقل البدوي المكي المحض. نفي الآخر ودحض أي تباين وذبح التفكير بمقصلة النص المقدس
أما بتوع الاسلام الحداثي فدول لامؤاخذة شباب كده كده وبتاع .. بيبيعوا بضاعة مضروبة وان الاسلام دين ديليكاه وسمباتيك ومالوش في اللبط ولا الخربشة
.. هؤلاء هم ملوك التلفيق والتوفيق وخلط السياسي بالمعرفي
القوميون والعربجيون بتوع العروبة والناصريون بتوع عمك خالد الذكر ناصر الخاسر دول يامان خارج بوابة التاريخ وأعظم الديماجوج في الارض ولسه بيدوروا علي تماثيل الرخام اللي بناها ناصر ع الترعة
يكفيه ويكفيهم أنهم قتلوا مخيلة شعب كان قبل الثورة يمثل مشروع حضارة كبري
.الخلاصة
أن مريض البارانويا عندما يكتشف ضعف وهوان وسائله الدفاعية فإنه أما أن يقتل نفسه أو يقتل الآخر اللي هو بارانويد برضه ويتحول الامر الي فوضي.
الحل .. هو الخروج من حالة اللا إختيار
.. يعني مش لازم الاختيار يكون اما حزبوطني أو يسار أو إسلامي أو خراء ناصري .. نحن بحاجة الي فكر جديد يتجاوز القديم بكل ترابه وتكلسه وأصوليته وكسله
.. فكر متعدد لايخاف الآخر بل يضحي بالتاريخ المزيف
--------------------------------------------------------
وهذا رابط المدونة :

http://miamessa.blogspot.com/search?upda...00-04%3A00

----------------------------------------------------------

وأعتقد بأن من أسباب هذه الحالة من التناقض لدى المثقف المصري فيما يخص تذبذبه بين الدين والعلم خوفه من مجتمعه ذي السطوة الهائلة، ما يجعله يخشى الإعلان عن أفكاره، بل ويخشاها نفسها، بحيث يجد نفسه - بحكم ميل الإنسان العادى للتماهي ما بين داخله وخارجه - ميالاً بشكل طبيعي للتوفيقية والتلفيقية.

والسبب الآخر، والشديد الأهمية هو الميل الزائد للتبسيط والاختزال، النابع من قصر النفس لدى المثقف، والنابع من ضيق عيشه، وما يرتبط بهذا الضيق من ضرورات وقيود، ما يقوده لأخذ القشور والعموميات والخلاصات.

والنقطة الأخيرة المهمة المتصلة بمسألة القشور والخلاصات هذه - وتنطبق علي شخصياً - هى أن الدافع الأساس لدى معظم مثقفى العالم العربي ومصر خصوصاً، هو الانطلاق من السياسة، فالسياسة هى الأساس في دخول معترك الثقافة، بحيث يطغى العمل على النظر، وليس حتى بالمنظور الماركسي الجدلي، وهو ما خلق نزعة رافضة وكارهة للتنظير، كما لو كان شراً مطلق.

ومن سخريات مأساتي الشخصية أني بعد أكثر من ستة أعوام من الانزياح في غمار السياسة كاشتراكي، وجدت نفسي أرغب في تركها واللجوء إلى العلم والنظرية، بالعودة لمقاعد الدراسة والتوجه للبحث الأكاديمي، وإن أعاقتني المتطلبات المعيشية مؤقتاً
فما هو السبب؟؟
باختصار غياب الرؤية لدي ولدى معظم منتحلي اليسار الثوري وغير الثوري، ما يتطلب العودة للعلم، وعدم الانحباس بماركس، بقراءة الواقع الجديد على ضوء النظريات والمناهج الجديدة، وإن احتفظ المرء بالرؤية الماركسية العامة مع الالتزام بمبدأ عدم التناقض أي الاتساق الداخلي.

أي أننا فعلياً نعيش أزمة الاختزال السياسي، بحيث نفصل الأفكار عن أصولها الواقعية من جهة، والفلسفية من جهة أخرى؛ لهذا فلا مانع من أن يكون لدينا ماركسياً متديناً، أو شيوعياً فاشياً

وهنا تتجلى بوضوح كارثية الخلاصات والقشور.

------------------

هذه ملاحظات سريعة، وعذراً سيدي للتفكك؛ فبعد يوم عمل طويل يكون المرء منُهكاً وغير قادر على وضع مداخلة ذات وزن، حتى بمعايير أرباع أرباع أرباع المثقفين من أمثالي، إذا صح علي أمثالي ذلك الوصف أساساً.

تحياتي أستاذنا الكريم

رائع داوكنز وبهجت ومجدى ولى تعليق اعود به فيما بعد

كلمات داوكنز تشعرنى بالأمان دائما

مرحيا بالجميع .
علمت بالصدفة أنه هناك موضوع كان مطروحا عن ريتشارد داوكنز في حوارات غير دينية ، و شاهدت أجزاء من الشريط ، و هو بالقطع مجهود هام ، حتى اني فكرت أن أتوقف عن الشريط ، فلست معنيا بالحوارات الدينية بشكل خاص ،و لكني وجدت أن هناك رؤى متعددة لنفس القضية ، خاصة من جانبها العلمي الذي لم يهتم به الزملاء ، أقصد تحديدا الرؤية العلمية الحديثة ، و هي رؤية غير تقليدية تختلف عن الرؤية العلمية التقليدية ، رؤية إحتمالية ترجيحية ، أنعشت الفكر الإلهي و الخلقي ،و بالتالي كان لابد من تطوير الفكر الناقض للدين بشكل جديد يختلف مثلآ عن نقد برتراند راسل له في كتابه الشهير - حتى عربيا - لماذا لست مسيحيا .
أفكر أن أقدم موجزا للأفكار الهامة في كتاب وهم الإله the god delusionكما أراه ، أي بلغة السلف الطالح ، هوامش على الكتاب .
لي بعض الخلافات - كالعادة - مع ريتشارد داوكنز في مقتربه للقضية برمتها ، فهو يتناول إله جديد صنعه لاهتو الفكر المسيحي الجديد ،و ستكون قضيته أيسر كثيرا لو تحدث عن إله بعينه .. يهوه أو المسيح أو الله ..
و لكنه يجهد نفسه في البحث عن أرقى صور الإله الخالق في الفكر الأوروبي المعاصر لينقده ،و لكن هذا الخالق العصري لا دين له ، لدينا أديان محددة تتحدث عن آلهة بعينها ، هذه الآلهة هي التي يؤمن بها الناس . حسنا أرادها ريتشارد داوكنز سجالآ عقليا فلسفيا بين إله راقي غير موجود سوى في مخيلة القرن 20و 21 ، و بين من ينكر وجود حتى هذا الإله ..
ببساطة هذا يعني أن مناصري النماذج البدائية القديمة عليهم الا يعتبروا انفسهم طرفا في الحوار ..فمثلآ لسنا في حاجة لنقد نظرية التصميم الذكي لنثبت سخافة ياهوه رب الجنود العبريين ، يكفي ان نستمع إلى تخاريفه لندرك اننا في مواجهة دموي أبله ،و الأمر ذاته ينطبق على النموذج المعقد للمسيح ، الحائر بين الألوهية و البشرية ، و هذا ينطبق بشكل أخص على رب المسلمين .

الزملاء الأعزاء .
خلال مداخلتين سأقوم بوضع ما فهمته من الجزء الأول من كتاب وهم الإله ، وهو الجزء الخاص بنفي فكرة وجود خالق للعالم ،و بالتالي رفض الأديان كأفكار بدائية خاطئة .
سيكون ممكنا بعد ذلك مناقشة مجموعة من القضايا الأخلاقية المرتبطة بالإلحاد ، و بعضها عرضته بالفعل في شريطي عن العلمانية ، و لكني سأطرح تلك القضايا من منظور ريتشارد داوكنز في كتابه الذي أقوم بمناقشته .
الشريط يتسع لكافة الأفكار المؤيدة و المعارضة ..

" أنه عندما يعاني إنسان من أفكار تسلطية يصبح مريضا ،و لكن عندما تعاني مجموعة كبيرة من الناس من تلك الأفكار تصبح دينا ". روبرت بيرسج Robert Pirsig .

وهم الإله .

مقدمة .
صدر الكتاب عام 2006 ليكون أفضل الكتب غير الروائية مبيعا .
كان داوكنز يتوق طويلآ للكتابة بشكل مفتوح ضد فكرة وجود الإله ، و لكن ناشروه عارضوا الفكرة ، وظل هذا الموقف قائما حتى العام 2006 ، فبعد 4 أعوام من حكم جورج بوش ، شعر داوكنز و ناشروه أن الصمت لم يعد مقبولآ . في أعماله السابقة التي تدور حول نظرية التطور عارض داوكنز دائما كل التفسيرات التي قدمها الخلقيون creationists من مؤيدي نظرية التصميم الذكي intelligent design ،وهي النظرية التي ترى أن الإله خلق العالم بالصورة التي عليه وفقا لتصميم سابق . على سبيل المثال يدور كتاب داوكنز الشهير صانع الساعات الأعمى (The Blind Watchmaker) الذي نشره العام 1986 ، حول قدرة نظرية التطور على تفسير التصميم الظاهر في الطبيعة ،وهو التصميم الذي دفع الإنسان البسيط إلى تصور وجود خالق ، كي يفسر الروعة و الإعجاز في بناء الكون ، اما في كتابه (وهم الإله) يركز داوكنز مباشرة على مجموعة من النقاشات التي تؤكد و تعارض الإعتقاد بوجود إله قدير للكون .
هدف داوكنز من الكتاب كما يوضح في عبارة بسيطة ، هو أن الإنسان المؤمن سيتحول إلى ملحد بعد قرائته ، هذا بالطبع لو امتلك حرية التفكير وقوة الأرادة . في هذا الكتاب يؤكد داوكنز أنه من المستحيل أن يكون هناك خالق فائق القدرة لهذا العالم ، و أن الإيمان بالإله لا يمكن أن يصنف سوى أنه وهم أو خبل ، و هو كما وصفه داوكنز بمثابة اعتقاد كاذب تسلطي في مواجهة شواهد مضادة قوية ، وبهذا يتعاطف مع ملاحظة روبرت بيرسج Robert Pirsig ، التي يقول فيها " أنه عندما يعاني إنسان من أفكار تسلطية يصبح مريضا ،و لكن عندما تعاني مجموعة كبيرة من الناس من تلك الأفكار تصبح دينا ".الخلاف الرئيسي ليس بين خلقيين و تطوريين ،و لكنه بين العقلانية و الغيبية ، العلم يأتي من العقلانية ، أما الدين فهو أكثر أشكال الغيبيات شيوعا ، إن الدين يمكن ان يعيش بدون نظرية الخلق ،و لكن نظرية الخلق لا يمكن ان تعيش بدون الدين .
في البداية يتخيل ريتشارد داوكنز مع المطرب الشهير جون لينون عالما بدون آلهة ، بدون إنتحاريين أو انفجارات 11 سبتمبر ، بدون حروب أهلية في العراق ،ولا تقسيم للهند ، بدون مذابح عرقية في البوسنة ، بدون حروب عربية إسرائيلية ، بدون تقطيع أيدي ولا رجم ولا جرائم شرف ، ولا مبشرين إنجليكانيين يبتزون الناس و يسرقون نقودهم ، يرفض داوكنز موقف اللاأدريين و يراه نوعا من الجبن ، و هو يرى أن فرضية الإله هي فرضية علمية عن الكون ، يجب دراستها نقديا كأي نظرية علمية .
يركز داوكنز في النصف الأول من الكتاب على تأكيد إستحالة وجود إله خالق ، و في باقي الكتاب يتناول مجموعة من القضايا المتصلة بالدين و المنظومة الأخلاقية ، و يتضمن الكتاب 4 رسائل أساسية .
1- يمكن للملحد أن يكون سعيدا ، متزنا ، أخلاقيا ،و يحقق ذاته ثقافيا .
2- تفوق نظرية التطور و غيرها من النظريات العلمية المشابهة ، على وهم التصميم الذكي في تفسير الكون ..
3- المطالبة بعدم تصنيف الأطفال وفقا لدين آبائهم .
4- الإلحاد هو مدعاة للفخر و لا معنى للإعتذار عنه ، فغالبا ما يكون الإلحاد مصحوبا بإستقلالية صحية للعقل ، و إبداع و تفكير بناء ، و إحساس راقي بالأخوة البشرية و المشاركة في مصير الإنسان .
للعرض بقية .

---

"لا أحاول تخيل إلها شخصيا ، تكفيني هذه النشوة التي تنتابني أمام هذا الكون المحكم ، على القدر الذي تسمح لنا به حواسنا البسيطة لتقدير عظمته ". البيرت أينشتين .

فرضية الإله .
يفترض الربانيون أكثر من نموذج من الآلهة ، على سبيل المجاز هناك النموذج الذي قدمه أينشتين ، هذا الإله الأينشتيني هو تعبير عن البهاء و الرقي الكامنين في قوانين الطبيعة ، و في هذا يقول كارل ساجان أنه يعجب كيف لم ينظر الدين إلى العلم و يقول " هذا أفضل كثيرا مما ظننت " ، إن رجل العلم الحقيقي ينظر إلى الكون بنظرة مفعمة بالنشوة العارمة و بروح القداسة ، هذا بالطبع يختلف عن الإله الذي تبشر به الأديان الإبراهيمية الشائعة ، الإله الصانع الواجب التوجه له بالعبادة أو الإله الشخصي ، وهو إله يرفضه أينشتين و غيره من العلماء الكبار كلية ، كنوع من المعتقدات البالية . يلجأ بعض الإلاهيون إلى إقتناص عبارات لكبار العلماء و يعزلونها عن سياقها كي تدلل على إيمان هؤلاء العلماء بوجود إلاه كما يرونه ، وهذا حدث مع أينشتين و ستيفن هوكنج و غيرهما ،و في هذا يقول أينشتين أنه مؤمن بعدم الإيمان ، لم ينسب داروين للطبيعة هدفا أو دورا أو أي شيء يمكن فهمه بشكل سرمدي دائم ، و ما يراه في الطبيعة هو بناء مدهش ، و نحن نفهمه بشكل ناقص في أحسن الأحوال ،وهو يقول بوضوح أن فكرة الإله الشخصي هي فكرة غريبة عنه ، بل يراها فكرة ساذجة أيضا .
دعاة الأديان يفترضون أن كل من يبدي اعجابا بالكون و عظمته سيكون مؤمنا بالضرورة ، على النقيض من ذلك يشرح جوليان باجيني التزام الملحد بالطبيعة بجملة بسيطة " ما يؤمن به غالبية الملحدون هو أنه بالرغم من أن الكون مادي بحت ،فإن العقل و الجمال و العواطف و القيم الأخلاقية ، و باختصار كل ما في سلسلة الظواهر التي تعطي الحياة الإنسانية قيمتها ، قد انبثقت من هذا الكون المادي . " ، الملحد لا يؤمن بشيء وراء العالم الطبيعي ، ليس هناك خالق ما وراء الطبيعة ، ليس هناك روح تبقى بعد بلاء الجسد ولا معجزات ، هناك فقط أشياء لم نفهمها بعد ،و سيمكننا بالعلم و استخدام قوانين الطبيعة فهمها لاحقا ، على النقيض من ذلك فالمؤمن هو الذي يفكر بأن هناك إله خالق ذكي ، بالإضافة إلى خلق الكون ، يشرف على إحداث كل شيء و يتدخل في شؤون ما خلق ، وهو يفعل ذلك بشكل حميمي ، فيستجيب للدعاء و يغفر الأخطاء ،و يقوم بالمعجزات و يلهو بقوانين الطبيعة متى شاء ، الرباني أيضا يؤمن بالخالق الذكي ،و لكن نشاطاته محصورة بصناعة و ضبط قوانين الكون ، ثم لا يتدخل بعد ذلك في شيء ، أما الطبيعي فلا يؤمن بالإله الغيبي على الإطلاق ،و يطلق لفظ الإله على الطبيعة ،أو الكون و القوانين التي يعمل بها .
تميز الملحدين .
و يشير داوكنز إلى التمييز ضد غير المتدينيين ( الملحدين atheistو اللاأدريين agnostic) بشكل مبالغ فيه ، حتى في بعض المجتمعات الغربية ، خاصة في المجتمع الأمريكي ، وهو يسوق في ذلك استطلاع للرأي أجري في الولايات المتحدة عام 1999 ، لإنتخاب شخص بمواصفات معينة لمنصب جكومي مع افتراض الكفاءة فيه ، فكانت النتائج : 95% ، إذا كان الشخص إمرأة ،94% إذا كان الشخص كاثوليكي ، 92% إذا كان يهوديا ، 79% إذا كان مثليا او مرمون ، 49% إذا كان ملحدا ، هذا بالرغم من وجود أغلبية ساحقة من غير الملحدين بين كبار العلماء و المثقفين ، وهو يشير إلى أن 93% من أعضاء الأكاديمية الوطنية للعلوم في أمريكا National Academy of Sciences من الملحدين ،و هناك نسبة تفوق ذلك في الجمعية الملكية البريطانية ،و هي تناظر الأكاديمية الوطنية الأمريكية . هناك علاقة عكسية بين الذكاء و الإيمان ، فمن 43 دراسة أجريت منذ 1927 دلت النتائج في كل التجارب باستثناء 4 فقط أن معدل الذكاء أو مستوى التعليم يتناسب عكسيا مع درجة الإيمان، فكلما إزداد الذكاء أو ارتفع مستوى التعليم كان الإنسان أميل لعدم الإيمان .

تصحيح:تصحح
هذا بالرغم من وجود أغلبية ساحقة من غير الملحدين
إلى
هذا بالرغم من وجود أغلبية ساحقة من غير المؤمنين

شكرا جزيلا على الملاحظات المفيدة .

أتابع داوكنز بشكل كبير لأنه متحدث جيد و كلامه يحفز على التفكير.
داوكنز يقوم بنشاط كبير ,و كنتيجة مباشرة لعمله شاهدت الإعلان التالي على أكثر من "باص" ذي الطابقين كما في الصورة التالية.

There's probably no God. Now stop worrying and enjoy your life

و أكثر من ذلك. هناك كنيسة قريبة من مكان سكني تقع في منطقة مزدحمة بالمارة و لذلك تؤجر أحد جدرانها إلى شركة إعلانات. منذ شهرين تقريبا كان هناك إعلان مدفوع على جدار الكنيسة على شكل استفتاء بمامعناه:
هل تعتقد أن هناك إله؟ وله ثلاث إجابات 1. بالتأكيد, 2. احتمال قوي. 3. احتمال ضعيف.
و أمام الإحتمال الأخير كان هناك إشارة صح.

بصفتي مؤمن -بشكل ما- أرجو أن يكون في بلادنا مجال في وسائل الإعلام لأمثال داوكنز. لأن داوكنز يكشف بوضوح الدور السيء للمؤسسات الدينية و هذا برأيي يساعد في الحد من تأثير رجال الدين و السياسيين على المؤمنين.و يحول قضية الإيمان إلى قضية ثانوية في الحياة العامة للدولة.و بالنسبة للأفراد تصبح القضية شخصية جدا, لا يجرؤ المؤمن على المجاهرة بها (مثلي) خوفا من النقد اللاذع والاصطدام بالواقع.

عندي اعتراض على الفكرة التالية, و أرى أن داوكنز قد شطح بها قليلا:

(01-28-2010, 11:32 PM)بهجت كتب:  يرفض داوكنز موقف اللاأدريين و يراه نوعا من الجبن ، و هو يرى أن فرضية الإله هي فرضية علمية عن الكون ، يجب دراستها نقديا كأي نظرية علمية .

اعتقد أن فرضية الإله ليست فرضية علمية و داوكنز يحاول أن يجر العلم هنا إلى خارج مجاله. اعتقد أنه من الأفضل أن يقول أن هذه الفرضية لاقيمة علمية لها أو ليست ذات معنى يمكن دراسته.

تحياتي

“I don't believe in God, but I'm afraid of Him.” Gabriel Garcia Marquez

"إني لا أومن بالله ،و لكنني أخاف منه " . جابرييل جارسيا ماركيز

الأخ سهيل .
أتفق معك أنه لا يجب أن نطرح فكرة وجود الله بشكل علمي ، فوجود الله بل و الدين كله هو إحساس شعوري و ليس فكرة عقلية ، و بالتالي لا تخضع لمقياس العلم ، و أفكر أن أعرض وجهة نظري تلك لاحقا في مداخلة خاصة ، و لكن يستتبع ذلك أن نرفض أن يتداخل الدين في الإجابة عن الأسئلة الكبرى التي نواجهها ،و لكنه عندما يقدم نفسه كمرجعية علمية ، فعلينا أن نخضعه لمعايير العلم .
هناك مبدأ يحمل اسم الإختصاصات الغير متداخلة NON OVERLAPPING MAJESTERIA ( NOM) ، هذا المبدأ ينادي بأن هناك مجالات ( معرفية ) للعلم و أخرى للدين ، ولا يجب التداخل بينها ،و لكن داوكنز يتسائل عن تلك المجالات التي يأتي إليها الدين كضيف شرف ، ليقدم أفكارا بلا دليل على صحتها ، بينما على العلم الإبتعاد و أن يحترم نفسه ! ،و يرى داوكنز أن السؤال الذي يكون خارج نطاق العلم سيكون أيضا خارج نطاق الدين ، و هذا رأي أشاركه فيه كلية و بشدة .
داوكنز هنا يرد على دفوعات هكسلي بأن عدم القدرة على إثبات عدم وجود الإله يتساوى مع عدم القدرة على إثباته ، على النقيض من لا أدرية هكسلي يرى داوكنز أن عدم وجود مجال للإثبات العلمي ، لا يعني إغفال قوانين الإحتمالية . إن احتمال وجود الإله أو عدم وجوده ، لا يجعل من البديلين لهما نفس الدرجة من الإحتمالية ، و بعكس هكسلي و ربما الكثيرين أيضا ، يقترح داوكنز أن نتعامل مع فرضية وجود الإله كأي فرضية علمية أخرى ، بالرغم من استحالة تجربتها عمليا ، وجود الله أو عدم وجوده هو نظرية علمية عن الكون قابلة للإكتشاف من حيث المبدأ ، وهو يقترح سلما بدرجة الإيمان بوجود الإله ، يبدأ من 1 للمؤمن إيمانا كاملآ ،و ينتهي ب7 لغير المؤمن بشكل كامل ،و يضع نفسه في الدرجة السادسة التي ترى أن هناك إحتمال ضئيل جدا لوجود الإله ، مع ميل إلى الدرجة 7 ،وهو يرى ان إحتمالية وجود الإله تعادل إحتمال أن توجد جنيات في حديقته !.
يتسائل داوكنز عن السبب الذي يجعل رجال الدين يرون لهم مجالآ أساسا ، ماهي إمكانيات و معارف رجال الدين التي تؤهلهم على إعطاء إجابات عن الأسئلة الكبرى التي يقف العلم حائرا أمامها ، هو يرفض أيضا ذلك الإحترام الكاذب الذي يحظى به الدين و رجاله داخل المجتمع . من الممكن أن تبقى هناك أسئلة لن يمكن للعالم الإجابة عنها مطلقا ،و لكن لماذا يعتقد البعض أن الدين سيجيب عنها ، و في الحقيقة لا أجد أبدا ما يدفعني للإختلاف مع داوكنز في رؤيته أن علوم الدين ليست علوما على الإطلاق ، ما هو التخصص العلمي لرجل الدين ، هل هو إخصائي في الشياطين و الجن مثلآ ؟ ، هناك البعض ممن يعطون للدين الحق في الفصل بين الطيب و القبيح ،و لكن عدم قدرة الدين على القيام بأي نشاط إيجابي مفيد لا يعطيه الحق أن يكون حكما و فيصلآ و مرشدا أخلاقيا ، تحكيم الدين في القيم الأخلاقية ، أشبه بمن يجد إنسانا لا يصلح للقيام بأي عمل فيجعله رئيسا للجميع .

" الداروينية هي قصة تحرير الإنسان من الوهم القائل بأن مصيره مرتبط بقوة أعلى منه " .فيليب جونسون .

الإختيار الطبيعي في مواجهة التصميم الذكي.

يستعرض داوكنز ما يقدمه الدينيون من إثباتات على وجود الإله الشخصي و يفندها،وهو يتحدث عن عدم تمييز مزمن لدى المؤمنين بين الحقيقة ،وما يعتقدون أنها الحقيقة ، و لكنه يتوقف بشكل خاص عند المجادلة الخاصة بالتصميم الذكي ، و التي يتبناها الكثير من الربانيون ، هذه المجادلة تقوم على إستحالة أن تكون الحياة على الأرض بصورها المختلفة قد تكونت بالصدفة أو ما يعرف بالاإحتمالية ، في المقابل ينكر داوكنز أن يكون أحد من البيولوجيين الذين يعتد بهم قالوا بشيء مثل تلك الصدفة ، و لكنه يوضح أن البديل للتصميم الذكي ليس الإحتمالية العشوائية و لكن الإنتخاب الطبيعي ، هذا الإنتخاب الطبيعي هو الذي يستطيع تفسير ما يبدوا تصميما مسبقا ، وهو في نفس الوقت يجنبنا التعرض للمعضلة المزمنة التي تطرحها نظرية الخلق ، وهو السؤال المربك من الذي صمم المصمم ؟،و إذا كان مبدأ اللاإمكانية يعمل ضد وجود عالم غير مصمم ، فنفس المبدأ يعمل بشكل أكبر كثيرا ضد التسلسل النهائي لمصممين يصممون آلهة بالغي القدرة و العلم .
لشرح الإنتخاب الطبيعي نتخيل جبل ذو جانبين أحدهما قائم حاد من المستحيل تسلقه و الثاني متدرج بلطف ، على قمة الجبل يوجد نظام معقد كالعين مثلآ ، الصدفة السخيفة هي أن نفترض أن ينجح إنسان في القفز إلى قمة الجبل بقفزة واحدة ، و لكن التطور هو الصعود على الجانب الآخر المتدرج على خطوات خلال زمن طويل . لدينا حوالي 10 ملايين من الأجناس الحية ، كلها نشأت من نفس الخلية الأولية ،و تطورت وفقا لآليات الإنتخاب الطبيعي في مسارات مختلفة ، كما توجد آثار تاريخية على التطور في تكوين الأعضاء المعقدة كالعين أو الجنحة ، فالأعين مثلآ توجد على سلم التطور ، تبدأ في الأسفل بنماذج بدائية غاية في البساطة في اللافقريات ، ثم تتطور لتوجد عين الإنسان قريبا من القمة ،و ليس على القمة تحديدا ، نفس الشيء يقال عن تطور الأجنحة ،و أنها ازدادت تعقيدا مع الزمن . كما أن الحفريات أكدت دائما على صدقية التوقعات التي أنتجتها نظرية الإنتخاب الطبيعي . الإنتخاب الطبيعي هو بطل الرافعات في كل زمان ، وقد رفع الحياة من بدائية بسيطة إلى درجة عالية من التعقيد ، جمال يظهر و كأنه مصمم كي يبهر الأبصار .
يعتمد الخلقيون على نظرية تقول بوجود ( تعقيد غير قابل للإختزال ) بمعنى أن هناك أعضاء لا يمكن أن تكون قد تطورت من أعضاء أخرى أبسط ، وقد شرح داروين نفسه كيف أن العين قد تطورت من أشكال أبسط ، إن الكثير من مراحل التطور مدونة بأناقة في سلسلة من الحفريات المتلاحقة زمنيا ، و لكن الجميع يتفقون أنه لو ظهر هذا التعقيد الغير قابل للإختزال بصدق و بشكل صريح ، فإن ذلك يمكنه أن يهدم نظرية داروين ،وهذا لم يتحقق أبدآ ، هناك وجه آخر فلو أمكن اثبات وجود ذلك التعقيد الغير قابل للإختزال فسوف تنهار نظرية الخلق أيضا ، لأنه بالرغم من جهلنا بحقيقة الإله ، فهو سيكون بالقطع معقدآ بشكل لا يمكن إختزاله .
من الواضح أننا على الأرض نخضع لعملية تطوير و تنوع مستمرة ،و هذه العملية تشمل الأحياء في كل مكان ، و لو انتظرنا 10 ملايين سنة قادمة ، فستكون هناك مجموعة جديدة من الأحياء متأقلمة تماما مع البيئة السائدة ، كما هو الحال مع أحياء العصر .هذه ظاهرة متكررة و متوقعة و ليست ضربة حظ ، و الفضل يعود لداروين عندما نفهم ذلك و نعرف أنها تعود للإنتخاب الطبيعي .

أستراتيجية إله الفراغات.
يلجأ مروجو نظرية التصميم الذكي إلى البحث بشغف عن الفراغات في معارف العصر ، و بمجرد أن يظهر ما يبدوا حلقة مفقودة في تلك المعارف ، فالله يظهر ليملأها على الفور ،و ما يقلق رجال الدين أن هذه الفراغات بدأت تقل بشدة مع الإكتشافات العلمية المذهلة ، و الله مهدد في هذه الحالة بألا يجد عملآ يقوم به أو فراغا يختبئ فيه .يشترك رجال الدين و العلماء في الشغف بالأسرار، رجال الدين لتأكيد محدودية العلم و أن هناك مالا يمكن تفسيره سوى بتصميم الإله الذكي ، بينما يبحث العلماء عن الأسرار التي يمكن البحث فيها و اكتشافها ، فالإعتراف بالجهل المؤقت حيوي جدا للعلماء . من الهزلي ما يدعيه الخلقيون بأن عدم إكتشاف بعض الفراغات في سلسلة التطور يعني عدم وجود تلك المرحلة أساسا ،و أن كل شيء يعزي إلى تدخل الإله ، فليس من المنطقي التوثيق الكامل لكل خطوة من أي حدث متغير ، هناك نسبة ضئيلة جدا من الجثث تتحجر ، ونحن محظوظين بالفعل لوجود كل تلك الحفريات لدينا ، ورغم ذلك فلدينا أدلة عديدة أخرى على التطور البيولوجي ، مثل التوزيع الجغرافي و المورثوات الجزيئية .

المبدأ الإنثروبي ( النسخة الكونية ) .
هناك مشكلة نشأت في تفسير أصل الحياة . من المفترض أن الحياة بدأت لمرة واحدة فقط و لم تتكرر ، و الحجة الأنثروبية تطبق على الكون كله ، فكي نعيش على الأرض لابد أن تكون مهيئة لإحتوائنا ، لهذا لابد أن تحقق الأرض بل الكون كله توازنا غاية في التعقيد كي تنشأ الحياة و تتطور ، و هنا يظهر بديلان ، الأول الإله الذي صمم الكون ، وهو الذي كون مادة DNA ،و منها بدأت سلسلة التطور ، و الحل الثاني هو مبدأ الأنثروبي و هو فرضية إحصائية . عدد الكواكب في مجرتنا من مليار إلى 30 مليار كوكب ،و يوجد في الكون حوالي 100 مليار مجرة ،و بالتالي سيكون لدينا على الأقل 100 مليار مليار كوكب ، ولو افترضنا أن إحتمال ظهور الحياة سيكون منخفضا جدا واحد إلى مليار أو حتى 100 مليار ، فالنتيجة أنه ممن الممكن أن تظهر الحياة في مليار كوكب ، و منهم بالطبع كوكب الأرض ، و حتى لو افترضنا أن هذه النسبة تنخفض إلى 1 إلى 100 مليار مليار ، فيمكن أن نتصور ظهور الحياة على الأرض بدون تصميم ذكي يعيدنا للسؤال القديم و من صنع الصانع ؟.


المبادئ الأساسية في الكتاب .
1- أعظم التحديات التي واجهت الذكاء الإنساني عبر القرون ، هي شرح التعقيدات الكبرى في الكون ،و لا إحتمالية الصدفة في تكوين هذا التعقيد .
2- الإغراء الطبيعي بأن نفترض أن كل ما يبدوا أنه مصمم هو مصمم بالفعل ، كما نفترض أن صانع الساعات مهندسا دقيقا نمد الخط على استقامته إلى صناعة العين و الجناح و العقل .
3- فرضية المصمم تثير تلقائيا سؤالآ عن مصدر المصمم ، ولا إحتمالية الصدفة في تكوين العالم ، تثير لا إحتمالية أكبر في صناعة المصمم ، و بالتالي فتصور رافعة تطورية من أسفل لأعلى ،من البسيط إلى المعقد ، هو الحل المنطقي بديلآ عن خطاف سماوي يفترض مصمم بالغ التعقيد .
4- الرافعة الأبدع و الأروع هي رافعة الإنتخاب الطبيعي لداروين ، فبهذه الآلية يمكن تفسير التنوع المدهش للأحياء ،و أيضا تطور الكائنات الحية من أشكال أكثر بساطة ، أما فكرة التصميم و الخلق مرة واحدة فمجرد وهم .
5- لا توجد رافعة لها نفس المصداقية في عالم الفيزياء ، و هناك نظريات تفسيرسة مثل الأكوان المتعددة ،و لكنها لا تمتلك نفس القدرة التفسيرية لداروين ، و لكن هناك المبدأ الأنثروبي الذي يمدنا باحتمالية معقولة لبدأ الحياة .
6- لا يوجد في الفيزياء رافعة تناظر الداروينية ،و لكن النظريات القائمة حاليا مدعمة بالمبدأ الأنثروبي ، مازالت أفضل من قبول فكرة التصميم الذكي المتناقض ذاتيا .