"Without religion, we'd have good people doing good things, and evil people doing evil things. But for good people to do evil things, that takes religion." Stephen Weinberg
" بدون الدين سيقوم الأناس الطيبون بأفعال طيبة ،و يقوم الأشرار بالشرور ، و لكن كي يقوم الرجال الطيبون بالأفعال الشريرة لابد لنا من الدين ". ستيفن واينبرج .
If God has spoken, why is the world not convinced?" - Percy Bysshe Shelley
إذا كان الله قد تحدث ، فلم لم يقتنع العالم ؟ ".بيرسي شيللي "
مشكلة الدين .
تعصب الملحد ضد الدين .
ما هي مشكلة الدين ،و ما هو سبب عداء معظم العلماء الشديد له ؟.
يتردد هذا السؤال كثيرا من المتدينيين ، بل و حتى من قطاع يعلن نفسه ليبراليا ، ينادي بحق الجميع المتساوي في تبني الأفكار و العمل بها ، وهم ينتقدون نقد العقلانيين للمعتقدات الدينية كعمل ضد الحرية ، هناك أيضا من يصف الملحدين بالتعصب ، و أن الإلحاد هو أيضا دوجما ، هناك الكثير الذي يمكن أن يقال تبريرا لمواقف متناقضة ، و لهذا لابد بداية أن نؤكد بداية على بعض الحقائق .
عداء الملحدين للدين لا يتعدى الكلمات ، هم لا يدعون أحدا لتفجير التجمعات البشرية أو قطع رؤوس المؤمنين ، أو رجم النساء أو تقطيع الأطراف ، هم لا يهدرون دماء المخالفين ،ولا يتوعدونهم بسلب اموالهم و احتراز نسائهم !، هذا بالطبع يختلف كلية عن عداء المتعصبين الدينيين للأفكار التنويرية و أصحابها ، الفرق بين الملحد و الأصولي هو الفرق بين ريتشارد داوكنز و أسامة بن لادن ، الأول سلاحه الكلمة و النظرية العلمية و المنطق العقلي ،و الثاني سلاحه التفجيرات الإنتحارية ، و التكفير و التحريض الإجرامي.
نؤكد أيضا على حقيقة أن الإلحاد (atheism )هو موقف فكري حيال مشكلة محددة ، فهو يعني عدم الإعتقاد في وجود أي شخصية إلهية مخلدة ، و بالتالي ليس تطرفا على الإطلاق . المتطرفون يصرون أنهم على حق دائما ، لأنهم قرأوا الحقيقة المطلقة من كتاب مقدس ، و هم يعرفون تلك الحقيقة كبديهيات و دوجما و ليس عن طريق البرهان العقلاني ، وهم يعلنون بالتالي أنه لا يمكن أن يغيروا أفكارهم أو معتقداتهم .العلماني لا يؤمن بحقيقة سوى بعد ان يتعرف على براهينها العقلية ، و من يؤمن بنظرية التطور لا يفعل ذلك لأنها مقدسة ،و لكن لأنها تمتلك عددا لا حصر له من البراهين القوية ،و لا توجد أي نظرية منافسة تمتلك براهين علمية يعتد بها ، تلك الأدلة و البراهين العلمية متاحة للجميع و تخضع للفحص و النقد ، و عند وجود أخطاء في أي نظرية يقوم العلماء بتصحيحها و إصدار هذا التصحيح في كتاب جديد ، يكون بدوره متاحا للنقد ،ولكن هل توجد أي عقيدة دينية تراجع كتبها المقدسة و تصححها ؟.. بالطبع هذا مستحيل ، فالنقد العقلاني هو العدو الأكبر للأديان .
هناك بعض الفلاسفة الهواة الذين يلوكون شعارات مثل أن الإيمان المطلق بالأدلة هو في ذاته دوجما ، هؤلاء يتجاهلون أن حياتنا كلها تقوم على التسليم بصدقية الحواس و الإعتماد على الأدلة في الإقناع ولو بأتفه الأشياء ، و أن التشكيك بأهمية الدليل أو بمعنى الحقيقة لا يزيد عن كونه مراوغة فلسفية بل و صبيانية ، هو استخدام المنطق للعمل ضد أسس المنطق ، إننا لا نكون متطرفين عندما نقول أن التطور حقيقة ، إلا بمقدار ما نكون متطرفين عندما نقول أن مصر تقع في شمال شرق إفريقيا ، بالطبع يمكن لبعض السفسطائيين التشكيك حتى في وجود إفريقيا ، و بهذا يمكنهم أيضا التشكيك و بنفس الأسلوب في التطور البيولوجي .
الحماس للتطور.
ما ينكره البعض على التطوريين و يرونه شكلآ من أشكال التعصب هو نوع من الحماس العاطفي ، نحن لا نؤمن بالتطور كعقيدة ، بل نعتقد فيه كحقيقة علمية ، و نعلم تماما متى سنغير تفكيرنا ، فبمجرد ظهور أدلة علمية حاسمة لصالح نظرية جديدة مختلفة ، سوف نفقد الثقة في فكرة الاختيار الطبيعي ، و سنعتقد في النظرية الجديدة التي تأتي بمسوغاتها أمام محكمة العقل و المنطق . إننا نحزن من تبلد بعض العقول الأصولية ، التي لا تناقش حتى الأدلة التي نقدمها ، بل تعرض عنها إذعانا لنصوص دينية مصمتة ، هناك من التطوريين من يغضب من أجل الأصولي الذي لن يرى أبدا جمال الطبيعة وروعتها ،ولا عظمة العلم و سموه ، وهما ما يملآن النفس بالجمال الذي تتضائل أمامه الأساطير الدينية المستهلكة و التي نعلم زيفها ، و يسعى رجال الدين إلى تأويلها لتلائم الحد الأدنى من التعقل الذي يمكن ألا يوصف بإختلال القوى العقلية .
كل العلماء الكبار يخضعون لمبدأ التواضع العلمي ، وهم لهذا سيشكرون بحماس كل من يقدم لهم تصحيحا لأفكارهم العلمية و نظرياتهم ، حتى تلك الأثيرة على نفوسهم و التي قضوا سنوات طويلة يعتقدون فيها ،و هذا مالا يمكن أن يفعله رجل الدين أبدآ ، فرجل الدين يقضي كل عمره من أجل التشكيك في العلم ،و التقليل من شأن الملكات العقلية لأنها كافية بالإجهاز على الأفكار الدينية المتداولة ، أي تبوير تجارته الفاسدة التي لا يعرف سواها .
العلماء يكرهون التطرف الديني لأنه يعمل ضد العلم ، بل يفسد كثيرا من العقول الواعدة ، و التي يمكن أن تعطي الكثير للبشرية لولا أن أفسدتها الأصولية الدينية . أعرف أكثر من حالة لطالب متفوق دمره العقل الأصولي داخله ، أحدهم تمكن من الحصول على الدرجات التي تؤهله لدخول كلية الطب ،و رغم أنه تمكن من النجاح في سنواته الدراسية الأولى ، إلا أنه يقرر فجأة أن يترك كلية الطب ، لأنها تعلمه أشياء تختلف عما يؤمن به كدين مرسل من السماء ، و أن يعمل في بيع العطور الرخيصة و المسابح و كتب الأدعية الدينية بجوار سور معسكرات الأمن المركزي ، بينما أخذت حالته تسوء و أصبح يبدوا كالمتسول ، لم يفقد العلم أحد رجاله بسبب خارجي ،و لكن بسبب داخلي نتيجة نشأة هذا الشاب الورعة و معتقداته الدينية ، ليس هذا الشاب مختلآ و لكنه صادق جدا مع نفسه ، لهذا تقبل الأفكار الدينية كشيء جاد ، و نتيجة استقامته رفض العلم الذي يتعارض مع النصوص الدينية التي يؤمن بها ، لقد دفع بتشرده الثمن الطبيعي لأفكاره التي تسريت إليه من عصور منقرضة ، و لم يلجأ كغيره من المتدينيين للتقية و الحياة بشخصيات مزدوجة ، الشخصية الحقيقية تراثية ، و هناك شخصية ( قناع ) يمارس بها المهن و الحياة العصرية .
الخروج من العصر .
هناك اعتقاد واسع بأن البشر متفقون على مجموعة من الأفكار و المعتقدات المنطقية ، و لكن هذا ليس صحيحا دائما ،فهناك نسبة محسوسة من البشرية تعيش خارج إطار المرجعية العقلانية للعصر ، هؤلاء من محتكري الحقيقة و أصحاب الأفكار المطلقة يمثلون خطرآ على أنفسهم و على البشرية ، هناك أناس يأخذون بالفعل معتقدهم الديني تماما خارج حدود روح العصر الأخلاقية و الإحترام المتبادل .
هناك مسيحيون متشددون لديهم نفوذ هائل على السياسة الخارجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط ، و هم يتخذون مواقفهم بناء على تفسيرهم لنصوص الإنجيل ، و يعتقدون أن لليهود الحق في فلسطين كلها ، هؤلاء يتوقون لرؤية سحابة عش الغراب النووية فوق المنطقة ، متصورين أنها ترجمة لأسطورة هرمجدون و نهاية العالم ،و بالتالي العودة المظفرة للمسيح المخلص ، هذه الأفكار ليست هامشية ،و لكنها منتشرة بين قطاع كبير من الأصوليين في أمريكا ،و غني عن القول ما هي المضاعفات الخطيرة لمثل هذا الإعتقاد ، هل لنا أن نتصور أنه يوجد في أمريكا أكثر من 70 مليونا يؤمنون بحماس بأن دمار العالم ليس شرآ بل الخير العميم ، فمعنى ذلك قرب عودة المخلص ! .
الأفكار المطلقة .
الأفكار المطلقة تنشأ عادة نتيجة الإيمان القوي بالأديان ، ورغم أن تلك الأفكار المطلقة ميتة منذ قرون طويلة إلا أنها تملأ عقول الكثيرين ، هذا لا يعني أن الدين أفيون للشعوب ، و ليس خطرآ بالضرورة ،و لكنه يمكن أن يكون كذلك . الدين يتحور بسهولة لو تحول إلى معتقدات أصولية مصمتة لا تقبل المساومة و التأويل ، ومن سوء الحظ أن معظم المتعصبين الدينيين في العالم يعيشون في العالم الإسلامي .
القتل هو عقوبة همجية لعدم الإذعان للأديان ، هذا الحكم ظهر في العهد القديم ،و تمارسه بعض المجتمعات الإسلامية ، و برغم عدم إنسانية أو معقولية مثل تلك الأحكام ، فهناك من الفقهاء ( المعتدلين ) من يدافعون عن تلك الأحكام الهمجية بحماس ، هذا التعصب القانوني المقيت ليس محصورا في المجتمعات الإسلامية ، فحتى في القانون البريطاني هناك قانون يدين احتقار المسيحية ،و رغم أن العقوبة لا تتجاوز السجن لفترة صغيرة ، و أن آخر مرة طبق فيها هذا القانون كان عام 1922 ، إلا أنه من غير المقبول أن تتبنى أحد معاقل العقلانية في العالم قانونا يفرض معتقدا !.
الطالبان الأمريكيون .
الطالبان الأمريكيون تعبير يبدوا هزليا ،و لكنه ليس كذلك في الواقع فهناك العديد من القادة الدينيين كذلك الساسة من أصحاب القواعد المسيحية يطرحون أفكارا مشابهة لطالبان على مواقعهم الإلكترونية ، هناك من يتحدث أن جورج بوش لم ينتخب أمريكيا بل هو معين من الرب !، و سبق لأحد مستشاري ريجان أن صرح بألا ضرورة للحفاظ على البيئة لقرب موعد عودة المسيح و انتهاء العالم ، و قراءة تلك المواقع مفيدة لأنها توضح لنا ما سيؤول إليه الحال لو سلمنا السلطة السياسية للعهد القديم . هناك كتاب آخر مفيد يفضح أفكار اليمين المسيحي الأمريكي هو كتاب كيمبرلي بلاكر ( أصول التطرف .. اليمين المسيحي في أمريكا ) و الكتاب مترجم في مصر ( المشروع القومي للترجمة ) رقم 964 ، و أتمنى أن أعود مرة أخرى لهذا الموضوع بتوسع في شريط آخر.
الحريات :
يعارض المتدينون حق الإجهاض حتى في الغرب ، وهم يزعمون أن البويضة كائن حي ،و البعض أكثر معقولية و يقول أنها مشروع حياة ، حتى لو كان الجنين هو نتاج عملية إغتصاب ،أو كان الأب أو الأم أو كلاهما مصابا بمرض وراثي خطير ، و قد حدث أن قتل أحد المتهووسين في أمريكا طبيبا لأنه يقوم بعمليات الإجهاض . الإنسان العلماني سيكون موقفه مختلفا لأنه سيسأل سؤالآ واحدا ، هل تمتلك البويضة جهازا عصبيا كي تعاني ، الإجابة هي لا قطعا ،و لكن الأم لديها جهاز عصبي و يمكن أن تعاني الكثير جدا ، فلماذا تحرم من حقها في أن تقرر الإحتفاظ بالجنين من عدمه ؟، أيهما يملك حقا أكبر .. الأم العاقلة أم البويضة المخصبة التي لم يكتمل نموها ؟.
الأعمال الإنتحارية .
ما هي المرجعية القانونية للمتدين ؟، هل هو القانون الوضعي السائد في المجتمع ، أم القانون الديني ، سواء كانت عبارات من العهد القديم أو الفقه الإسلامي ، المتدين المتشدد سيفضل القانون الديني حتى لو خالف القانون الوضعي ،وهذا سيجعلنا نعيش في مجتمع يضع كل إنسان فيه ما يشاء من القوانين .
يتحدث الإعلام الغربي عن حرب ضد الإرهاب ، كما لو كان هذا الإرهاب ناشيء من الشر المطلق ولا علاقة له بالدين ، وهذا وهم يعرف الجميع خداعه ، فالإرهاب الديني هو نتيجة فهم قطاع هام من المسلمين لدينهم ، هؤلاء يتبنون الأفكار الإرهابية كشيء طبيعي و صحي ضمن نسق المعتقد الذي يدينون به . هناك في الواقع خيط رفيع بين الأفكار الدينية المسالمة و الإرهابية ، و يمكن للإنسان المتدين أن ينزلق بسهولة إلى تبنى الفكر الإرهابي ، و بالرغم من خطورة الأعمال الإنتحارية حتى على المجتمعات الإسلامية نفسها ، فلم يسبق أن كفر أحد الفقهاء الإنتحاريين ، رغم أن هؤلاء الفقهاء يسارعون بتكفير أبسط الأشياء التي لا تروقهم ، الإستشهادي يعتقد أنه سينتقل مباشرة إلى الجنة في غمض عين ،و أن ألم التفجير لا يزيد عن لدغة بعوضة ، ثم يلاقي النبي و الصحابة و ينعم معهم بالجنة و الحور .
إن الإيمان الديني بحد ذاته ليس متطرفا ، و لكن علينا أن نكون متيقظين بأنه بيئة مناسبة لتفريخ التطرف ، و أنه بالتالي يمكن أن يكون دعوة مفتوحة للعنف ، لهذا يجب أن تخضع المعتقدات الدينية التي يتم الترويج لها في المجتمع ، و أن تجرم الدعوة للعنف ، حتى لو كانت ذات خطاب ديني ، كما يجب ألا نسبغ الإحترام المجاني لكل رجال الدين و قادته ، فالإحترام الواجب يكون للسلوك و ليس للمعتقدات أو الخطاب المستخدم .
المسيحية كالإسلام تعلم الطفل أن الإيمان بلا سؤال و لا نقاش هو الفضيلة ، ولو سلمنا بضرورة احترام كل المعتقدات الدينية ، فمن الواجب علينا أيضا عدم استثناء معتقدات أسامة بن لادن و الظواهري ، كذلك معتقدات شارون و نتنياهو و ليبرمان . هكذا نجد أنفسنا أمام تناقض واضح ، نظرا لتعارض المعتقدات الدينية للجميع . بمجرد أن يعلن إنسان عن شيء ما بأنه جزء من معتقده ، يلزم المجتمع الجميع إحترام هذا الشيء و عدم انتقاده ، و يستمر هذا الشيء ، إلى أن يفاجئنا أحد الإنتحاريين كما حدث يوم 11 سبتمبر ، أو كما حدث في لندن و نيروبي و .... ، وقتها ينبري رجال الدين ليؤكدوا أن ذلك ليس من الإسلام الحقيقي ، فلماذا إذا لم يوضحوا لنا قبل ذلك ما هو الإسلام الحقيقي ، و كيف يطالبوننا باحترام ما ينكرون بعد ذلك أنه من الإسلام ،ولو عارضنا ذلك تنهال علينا الإتهامات بعدم إحترام الدين ؟.