من يسيء إلى الإسلام؟ ومن هو المجرم الحقيقي؟
بقلم إبراهيم عرفات
نظرًا لافتقار المكتبات العامة علاوة على ندرتها بمصر، مسقط رأسي، لم يكن أمامي من سبيلٍ سوى اللجوء إلى الكتب الدينية بغلافها اللامع الأملس الأنيق البرّاق والتي كانت تأتينا صناديقًا كبيرة من رابطة العالم الإسلامي بالسعودية. أعود بالذاكرة للوراء وقد جاوزت الأربعين الآن فيزداد حنقي وسخطي على بلدي والتي لم تتح أمامي سبل المعرفة الليبرالية الإنسانوية الراقية كأن نقرأ مثلاً أكبر عدد من أعمال زكي نجيب محمود وعبد الرحمن بدوي وطه حسين ومونتسكيو وفولتير وغيرهم بشكلٍ يسير متاح كما تفعل المؤسسات الوهابية السعودية. تقاعست بلادنا واقتحمنا الفكر الوهابي من أوسع الأبواب؛ والحرب على السلفية تكون بإعلاء الفكر الكونيّ العالميّ الإنسانوي الراقي الجميل لا بزيادة الخطب المنبرية المناهضة لها. أفتح الصندوق "طرد البريد" الآتي من السعودية فأجد كتبا كلها يملؤها التحذير و التنبيه من الخطر المحدق بالأمة الإسلامية والذي يزعمون أنه يأتي من الحملات التبشيرية والمؤسسات الماسونية وأهل الغرب الذين لا عمل لهم ليلا نهارا (وهذا في الخيال الإسلامي المصاب بالبارانويا) إلا تدمير الإسلام وإبادة أهله". أما الغرب فهناك ما يشغله عن الإسلام وشكوكه وتلك النعرات الكلامية؛ فالزمن هو زمن الطاقة والإنتاج. في السيكولوجية العربية/ الإسلامية يظن المسلم أنه محور الكون بأسره، وفي هذا الكون الفسيح الواسع الأرجاء قد تآلبت عليه كل عوامل الدمار والتي تعمل ليلاً نهارًا في ظنه النرجسي لأن "يطفئوا نور الله بأفواههم"؛ ولذا تراه يلقي تارة باللائمة على أصحاب الخط التنويري العقلاني وتارة أخرى على الصوفية وتارة أخرى على مدارس الحداثة وما بعد الحداثة وهلم جرًا. من لا يطبّل ويزمّر لما يبتغيه المسلم من القرآن هم "أعداء" الله والرسول ويحاربون كليهما ومن ثم وجبت محاربتهم بلا هوادة.
لقد فات هؤلاء أن التحذيرات الواردة في كتبهم السلفية كانت أكبر حافز لي ولغيري لاستقصاء أبواب المعارف المحرّمة، وأنهم بذلك قد أسدوا إليّ خدمة جليلة في الانفتاح على أفاق المعرفة الواسعة. مثل هذه الكتب السلفية تتعاطى معنا وكأننا أطفال في حضانة فيلوكون لنا فكرتهم ثم يفتحون أفواهنا عنوة حتى نلوك علومهم الدينية ونجترها وكأن لا عقول لنا. يقول أبو العلاء المعريّ في صدد هذا التعاطي: هذا كلام له خبيء / معناه ليست لنا عقول!
للمفكر الإسلامي د. محمّد السمّاك رأي آخر في مسألة إعلان الحرب على الإسلام، وهذا الرأي قد سرّتني مطالعته في عدد 897 لمجلة المسرة الصادرة في لبنان صفحة 99. يستهل مقاله بـ صرخة يطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز يشاركه فيها. إنها صرخة ألم مكتومة في أعماق صدور المسلمين أمثال الأستاذ محمد السماك وجلالة الملك عبد الله لأن "الأذى الذي يسببه بعض المسلمين للإسلام ولصورته بسلوكهم المتطرّف، والضرر الفادح الذي يلحقونه به شرعاً ومنهاجًا، لم يعد يجوز السكوت عليه". أخيرًا تستيقظ الضمائر وترى أن هناك شيئًا ما "غلط" ويجب تصحيحه.
أين كان جلالة الملك عبد الله ومن سبقوه من الحكام من المطبوعات الوهابية التي أغرقتنا في مصر وغيرها ولم نكن نجد سواها فصرنا وهابيين من البداية ولا خيار لنا في الأمر حيث "النفس الشبعانة تدوس العسل بينما للنفس الجائعة كل مرٌ حلو"؟
هل ينجح الخط الإصلاحي في محاولة إعادة هندسة الإسلام يا دكتور السماك؟
وما الداعي لـ الرقص حول الدمل؟ هذا الخط الإصلاحي ومدارس الحداثة التابعة له تبتكر دينًا جديدًا "مودرن" بخلاف ما يقوله القرآن بنصه الصريح؛ حيث أن الدين الأصلي قد ظهرت عورته أمام العالم الآن و صار يسبب الكثير من الإحراج لتابعيه. علمونا في المدارس الحكومية نسخة "تهذيبية" من الإسلام ولم نعرف الإسلام على حقيقته إلا بعد أن توفرت لنا كتب التفسير والبخاري وسائر كتب الحديث والفقه وما تحفل به من أمور مزعجة هي كائنة في صميم الإسلام نفسه وليست دخيلة على النص القرآني مثلاً. إن هذا الخط الإصلاحي هو كمن يداوي الخراج المليء بالبكتيريا بمسحة الكحول في حين أن الخراج المتقيح يحتاج لـ الشق الجراحي. الشق الجراحي مؤلم، لكن لابد منه لكي يحصل الشفاء الحقيقي.
ونعاود التساؤل أمام دكتورنا محمد السمّاك: هل الأزمة في صميمها تنبع أساسًا من تخرصات المتخرّصين على الإسلام أم أن القرآن نفسه يحمل بداخله قنبلة موقوتة قابلة للانفجار مرة ومرات وبشكل متكرر؟ إنّ من يُعلن الحرب على الآخرين هو الإسلام وليس أي دين آخر. والحرب على الإسلام تأتي من داخل الإسلام نفسه؛ وهل يجنون من الشوك حسكًا ومن العنب تينًا؟ فهذا شرح الشيخ الراحل ابن جبرين يُطالب المسلمين بحرب الأديان الأخرى وتحقير اهلها و إهانتهم حيث يقول بما يوافق روح القرآن الآتي:
فكل الأديان الباطلة يقضى عليها ويحرص على القضاء عليها وعلى محاربتها وعلى إذلالها وإذلال أهلها وإهانتهم وتحقيرهم؛ حتى يشعروا بأن للمسلمين المكانة والرفعة والقداسة التي تبين أنهم هم أهل العز وأهل المكان الرفيع، فيعاملهم أعداؤهم من غير المسلمين باحترام. يفرض على غير المسلمين أن يحترموا المسلمين وأن يكرموهم، وأن يرفعوا مكانتهم حتى يعرفوا فضل الإسلام وفضل أهله، وأما معاملتنا لغير المسلمين فإنها تكون بما يدل على تحقيرهم والتقليل من شأنهم والتصغير لهم والإذلال والإهانة وما أشبه ذلك، حتى يشعروا بأنهم أهل الضعف وأهل الذل والهوان وأهل الاحتقار، وأن دينهم الذي اختاروه والذي رضوه دين باطل، دين منسوخ، دين مبدل، وأن عقولهم التي جعلتهم يتمسكون بهذا الدين الضعيف عقول قاصرة فبذلك يرتفع المسلمون ويكون لهم مكانتهم ولهم رفعة أمتهم وعزتهم ويهون أعداؤهم ويذلون ويكونون حقيرين، ويكونون مهانين
يعيب الأستاذ محمد السماك في مقاله هذا على ظاهرة إصدار الفتاوى الشرعية والتي تصدر من دكاكين- على حدّ قوله- ما أنزل الله بها من سلطان كما هو واضح في فتوى رضاعة الكبير وغيرها. وفتوى رضاعة الكبير يا أستاذ محمد السماك علامَ ترتكز؟ ألا ترتكزعلى القرآن والسنة؟ أم خرجت من فراغ وفي "جلسة عصاري" لمجرد أن هناك مفتي ينتعظ بشبق رضاع الكبير؟ لهذه الفتاوي المزعجة مصدر يقينيّ لا يمكن إغفاله وحتمًا ليس هو المفتي وإنما هو القرآن والسنة النبوية. قال المجلس الأعلى للأزهر في بيان كان قد أصدره أن ما جاء على لسان الدكتور عزت عطية أستاذ علم الحديث بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر «يتنافى مع مبادئ الدين الإسلامي الحنيف ويخالف مبادئ التربية والأخلاق ويسيء إلى الأزهر كمؤسسة إسلامية مرموقة». من الواضح أن ما يهمهم هو واجهتهم الاجتماعية ونفوذهم الديني كمؤسسة دينية ثيوقراطية ولا يهمهم أمر الحق فكل شيء قابل للتطويع، والغاية تبرر الوسيلة. كما ترى، يا دكتور السماك، فتوى «رضاع الكبير» لم تصدر عن إحدى الحانات أو المراقص الأوروبية. وأما هم فماذا فعلوا بأستاذ علم الحديث الأمين في نقل رسالته؟ لقد أجبروه صاغرًا على النزول عند رغبتهم وعلى التراجع عن فتواه حتى يظهر الإسلام بالصورة التي يريدونه بها هم أي إسلام مودرن لا إسلام القرآن والسنة الذي جاء به محمد بن عبد الله بما فيه من رضاعٍ للكبير وأمورٍ أخرى كثيرة يقشعر لها البدن وتتقزز منها النفس السويّة.
أيضًا يعيب الأستاذ السمّاك على حال الأمة الإسلامية فصرنا نسمع عن جيش الإسلام، وجيش محمد، جيش الدفاع عن القرآن. . . وسواها. وكأن هذه النغمة العسكرية السائدة في المجتمع الإسلامي يا دكتور السماك قد خرجت من فراغ ... ألم نقرأ في القرآن عن حد الحرابة وتقطيع يد وأطراف ورقاب من يحاربون الله ورسوله؟ وكأننا لم نسمع عن الاغتيالات النبوية التي قام بها محمد لاغتيال مخالفيه مثلما فعل مع أبي عفك وعصماء بنت مروة وزوجة الرجل الأعمى الذي قتل زوجته لمجرد أنها تنتقد صلعم وغيرهم وغيرهم ممن يخبرنا عنهم المفكر العراقي هادي العلوي في كتابه "الإغتيال السياسي في الإسلام" و"الصارم المسلول على شاتم الرسول" لابن تيمية والنص القرآني نفسه.
يريد الأستاذ السماك أن يختزل الروحانية الإسلامية إلى روحانية إنسانية مسالمة متسامحة تتبنى الشعار الأوروبي "عش ودع غيرك يعيش"، ولكن أهذا هو حقًا الإسلام كما نعرفه من القرآن أم هوالإسلام كما يريده دعاة الفكر الحداثي الحالمين؟ ولماذا لم نسمع مثل هذه الصرخات قبل أن تنكشف عورة الإسلام أمام العالم أجمع وهو يبطش بالجميع؟ ما الفرق بين اغتيال مسلم إرهابي لـ راهبة صومالية على إثر حديث البابا بندكتوس وبين اغتيال محمد بن عبد الله لعصماء بنت مروة في القرن السابع الميلادي؟ الإرهاب هو هو، ويأتي بثوب نعرفه جيدًا وبذات الروح الإسلامية التي قد ألفناها جيدًا.
كيف تريد يا أستاذ السماك للإسلام أن يكون وكأنه روحانية بوذية مسالمة أو نسخة أخرى عن أديان الهند الشرقية والإسلام في تكوينه الأصلي هو دين ودولة؛ شرع وتشريع، مصحف وسيف؟ وما معنى كتاب يهدي وسيف ينصر؟ ألا تعرف ان هناك من يطالب بجهاد الطلب أي غزو غير المسلمين في عقر دارهم حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون أو يقبلوا الإسلام كدين؟ واليك الأمثله:
إن واجبنا كما أمر الله تبارك وتعالى ليس فقط جهاد الدفع، بل هو جهاد الطلب، وهو أن يطارد الكفار والمرتدون والمجرمون ويغزون في عقر دارهم؛ لينضموا تحت راية لا إله إلا الله وتحت كلمة الحق، حتى تكون كلمة الله هي العليا، وحتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، فإذا لم نحرك مشاعر الأمة، ونستحثها بهذه الغاية العظيمة فإننا سنظل مقصرين في هذا الجانب.
إن الأمم الكافرة أو المرتدة، أو الضالة خلقت لمتاع الدنيا، فتتنافس في الدنيا، وتجد أن اقتصادها في زينتها وفي زخارفها، أما أمة الإسلام فغرضها وعملها الأساس هو الجهاد، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وجعل رزقي تحت ظل رمحي} فهذه الأمة يبني أعداؤها ويشيدون ويجمعون ويتحضرون كما يشاءون، ثم يجعلهم الله تبارك وتعالى غنيمة للمسلمين،
البقية :
http://www.alhawali.com/index.cfm?method...SubContent&ContentID=3465
وخذ هذا أيضًا:
وقد أمرنا نبينا أن نقاتل الكفار عند القدرة والاستطاعة وأن نغزوهم في ديارهم وأن نعطيهم ثلاث خيارات قبل أن ندخل أرضهم: إما أن يسلموا ويكونوا مثلنا لهم ما لنا، وعليهم ما علينا، أو يعطوا الجزية وهم أذلة صاغرون، أو القتال فنستحل أموالهم ونسائهم وأولادهم وديارهم ويكونوا غنيمةً للمسلمين.
المصدر:
http://www.islam-qa.com/ar/ref/13759
هل تقدر أن تقوم بعمل فردي بتعطيل حدود الشريعة الإسلامية؟ ما المانع أن يأخذ جلالة الملك عبد الله عاهل السعودية موقفًا إنسانيًا ويقومون بإلغاء حدود الشريعة الإسلامية السمحاء وهي تقطع يد فلان وتسمح بالحجارة أن تنهال على رأس صومالي أو سوداني فقير ولا تطال أغنيائهم بالسعودية من أمراء وغيرهم!
دعاة الفكر الإسلامي الحداثي سوف يختزلون الإسلام إلى مجرد روحانية مسالمة لا تقرّ شيئًا من الحدود وأحكام الشريعة الإسلامية حيث النص يخضع لرؤاهم الذاتية ومنهجهم الشخصي في التأويل. تسألهم عن حكم قطع يد السارق فيقولون لك إنه رهنٌ بوقته وعصره. أليست هذه مكيافيللية دينية حيث الغاية تبرر الوسيلة؟ هل يمكن أن يكون هناك إسلام دون حدود؟ إسلام مودرن؟ ثم تراهم يحدثونك عن عمر بن الخطاب الذي عطّل أكثر من حدٍّ، كما استجد حدٍّ على يد علي بن أبي طالب. ما يهمني هو أن النص وتشريعه القاسي يبقى هو الدستور القائم وربما تؤثر فيه الظروف سلبًا أو إيجابًا، ولكن الحكم باقٍ وهو الأصل لا تقلبات الظروف الاجتماعية والتي قد تسمح بتعطيل حدّ السرقة لأجلٍ مسمى، ثم يعود السيف وينهال على أيادي السارقين بالتقطيع تنفيذًا لأحكام الشريعة الإسلامية السمحاء. القراءة التذويقية التوفيقية للدين الإسلامي بصوفيتها وروحانيتها شيء والدين الإسلامي كما هو بشبحه الجاثم على الصدور شيء آخر تمامًا. القراءة التذويقية موقف شخصي اختياري وأما الإسلام كما هو فينطلق أولاً في أحكامه وتشريعاته من "كتاب الله" أي القرآن الكريم القائل: "ما لكم كيف تحكمون؟ أم لكم كتابٌ فيه تدرسون؟" الإسلام قطعًا ليس ضربًا من الروحانية كالبوذية مثلاً وإنما هو ديانة تنزيلية فيها النص مقدس ثابت وأحكامه ثابتة جامدة؛ وقد نزل مباشرة من الله بما لا يقبل الأهواء والأراء التذويقية الشخصية، وليس لنا الخيرة فيما نزل من سماء الله وقرآنه؛ وإلا فهل نلغي ذهنية التنزيل؟ وماذا يتبقى إذًا من القرآن إذ ذاك؟ ألم يكن محمد بن عبد الله هو القائل موبخًا: "أتشفع في حدٍ من حدود الله يا أسامة؟ والله لو أن فاطمة بن محمد سرقت لقطعت يدها." لا يهمني تعطيل حد السرقة لأجلٍ معلوم ولكن يهمني أن نكون شجعان ونسمي هذه الحدود بأسمائها الحقيقية وهي أنها بربرية وانتكاسة همجية فيها يقتل الإنسان أخيه الإنسان ويدمره ظانًا من ذلك بأنه يثأر لكرامة إلهه السليبة. ما قولك-دام ظلك- فيمن يطهرني بقتلي تطبيقًا منه لحدود الله المزعوم؟ بئس الطهارة وبئس الإله يا دكتور السمّاك!
ينعي محمد السماك باللائمة على من يظلمون الإسلام، وله الحق في ذلك الشعور؛ إذ يقول: "فأن يُظلم الإسلام من كارهيه شيء، وأن يظلم من أبنائه شيء آخر. وأن يُظلم الإسلام من جاهليه شيء، وأن يُظلم ممن يصدرون الفتاوى باسمه شيء آخر". ونحن لنا أن نسأله:
ـ هل تسمي ذهنية العنف التي خرجت من أحشاء النص القرآني ظلم للإسلام من أبنائه؟ عندما يأمر الدين بشكل تحريضي على قتال اليهود والنصارى حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون (التوبة 29) فهل هذا هو ذنب المفتي أو دور الإفتاء أم أنهم يطبقون نصوص قرآنهم بأمانة؟ في الحقيقة أملك احتراما كبيرا للمسلم الذي يطبق دينه بحذافيره ولا أطيق من يعمل على تجميل الإسلام وعرضه وكأنه ديانة أوروبية متفرنجة حضارية وما هو من ذلك في شيء بالمرة. وماذا عن آية السيف في قوله: "فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم، وخذوهم، واحصروهم، واقعدوا لهم كل مرصد. فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم، إن الله غفور رحيم" (التوبة: 5). الآية تقول لو أنهم تابوا وأقاموا الصلاة وخضعوا للإسلام (أي أسلموا ورفعوا الراية البيضاء بالتسليم والخنوع لدين محمد) فهذا يعفيهم من الاضطهاد والمحاربة، وهذا يعني أن القتال هنا هو لأجل إدخالهم في الإسلام، وعلى دخولهم في الإسلام يرتكز كل شيء ويتوقف.
ـ تقول "ظلم الإسلام من كارهيه"؛ وعقلية الكراهية من أوجدها في هؤلاء الكارهين يا دكتور السمّاك؟ هل حقًا كان الإسلام في نسيجه الأصلي يدعو للحب ونحن لا ندري؟ ألا يكتظ الإسلام بروح الإقصاء لغير المسلم والتضييق عليه حتى يدخل في دين محمد؟ لم يغرس الإسلام فينا كمسلمين منذ البداية أي خلق تعددي يقر مدنية التفكير وعالميته وإنما بسبب الإسلام نحن شعوب أحادية سلبية لا ترى الخير إلا في أنفسها وأما ما عند الآخرين فهو دون ما عندنا كمسلمين. ينظر المسلم منا لغير المسلم فيقول: ما أحلاه من إنسان على خلقٍ نبيلٍ ولكن يا خسارة وألف خسارة! سيدخل النار ويتعذب فيها لأنه لم يدخل في دين محمد لأن الدين عند الله هو الإسلام ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين. نحن كمسلمين مطبوعون على الأحادية منذ البدء ولا نعرف معنى أن الجميع في تنوّعهم يصيبون من الحقيقة والجمال والإيمان بنصيب متباين عنّا وبل ربما تفوقوا علينا وأبدعوا. وما للصحراء وجفافها وبدائيتها من أديان العالم الكبرى وثراءها وزخمها الفلسفي! نعم هناك كراهية في الإسلام يا د. السماك ولكن مصدرها ليس رجال الإفتاء وإنما النص القرآني نفسه والذي هو قنبلة موقوتة وقابلة للانفجار عدة مرات إلى مالا نهاية. لذلك لا أخشى على الإسلام والقرآن فيه يوقظ روحه الإسلامية منتعشةً حيث تفكيك الإسلام وانهياره لا يكوننّ من الخارج بل سيتفكك الإسلام من الداخل لأنه لا يفلّ الحديد إلا الحديد حيث هو من جنسه. لم يظلم الإسلام مَنْ يصدرالفتاوى وإنما القرآن نفسه هو من ظلم نفسه لأن الجفاء لا يولد إلاّ الجفاء، والقسوة لا تلد إلا القسوة؛ وهل يجنون من الشوك عنبًا أو من الحسك تينًا؟ ما تسمعه يا دكتور السماك من رجال الإفتاء الإسلامي لهو أفضل ما تجود به قريحة الروحانية الإسلامية، اللهم إلا إذا تفانت المحاولات في تجميله وإلباسه لباس غربي "مودرن" بدمج مجموعة من المباديء الغربية في سلّة وإطلاق لقب الإسلام عليها من الخارج من باب الحرص على وحدة "الأمة الإسلامية" حيث الأمة يعلو صوتها هنا على صوت النص المقدس وليس العكس. ولذلك أقول إنه قبل أن يطلق الملك عبد الله صرخة الحسرة والندامة على ما أصاب أمة الإسلام فلربما يجد مخرجًا في فتح الباب على مصراعيه أمام التفكير العلماني الليبرالي الحرّ ومساواة المرأة بالرجل بأكبر قدر ممكن والثورة على بداوة الإسلام واستبدالها بمباديء الثورة الفرنسية "حرية إخاء مساواة". لابد أن يعلو صوت الفرد على صوت النص المقدس؛ ومن ثم فالأمة فوق النص نفسه، فما النص إلا في خدمة الأمة لا أن يستعبدها ذليلة مغلوبة على أمرها.
إنّ الإسلام كما هو لا يصلح بتاتا لإقامة مجتمع عالمي حضاري يلحق بالركب العالميّ والنتيجة هي الصدام الحضاري الحادث حاليًا. لابد من إعادة خلق الأفراد من جديد فيؤمنون بـ قدسية الحياة وقدسية فردية الفرد والإهابة بها لا التطاول عليها باسم الله والدين. إن التنديد بالأعمال الإرهابية واعتبارها خارجة عن الإسلام لا يكفي لتحسين صورة الإسلام والإسلام يطالعنا من حين لآخر بأخبار قتل ودماء أينما حلّ تابعيه ومعتنقيه. بالله عليكم يا سادة! أين هي مساهمة المسلم الإنتاجية الفعّالة في بناء المجتمع العالمي؟ وما الذي يقدمه المسلم مخلصًا لأجل رخاء المجتمع الدولي؟ هو يستورد تكنولوجيا الغرب ويصدر للغرب والشرق معًا الخوف وعدم الأمان. لقد صرنا نخشى ونرهب أي مسلم متدين لأننا نعرف أن المكائد والإرهاب في انتظارنا وأن هناك على الطرف الآخر من يتلذذ بإرهاب قلوب غير المسلمين بل ومن يعتبرهم أهل بدع من المسلمين؛ وهذا هو الإسلام كما عرفته منذ نعومة أظفاري كمسلم.
====================