For One More Day
للتو أنهيت قراءة هذا الكتاب، القصة الرائعة المكتوبة بأسلوب يشدك إلى النص بشكل عجائبي، لتعيش كل لحظة، كل ثانية، كل كلمة، تشاهد الشخوص وتتخيلهم، تعيش معهم حتى تكاد تصبح أنت نفسك جزءا من القصة ...
تشارلي (تشيك) بينيتو، أحد اللاعبين في فريق بيتسبرغ بايرتس (أظن خلال فترة السبعينيات من القرن الماضي) يروي قصته، منذ الطفولة، حتى صار ضمن الفريق الذي لعب في الوورلد سيريز (مثل بطولة العالم في البيسبول على ما أظن) ولعب في درجة المحترفين للبيسبول لمدة 6 أسابيع فقط قبل أن يصاب إصابة أبعدته تماما وأنهت حياته كلاعب محترف، ليعيش بعدها حياة متقلبة، حتى جاء اليوم الذي ماتت فيه أمه وهو بعيد عنها، أدمن على شرب الكحول حتى أبعد عائلته عنه، أبعد زوجته التي أحبته ووقفت إلى جانبه، أبعد ابنته، أبعد أصدقاءه، حتى أضحى وحيدا ...
جاء اليوم الذي كان فيه بعيدا عن كل شيء، صديقه الوحيد هو الكأس، حتى جاءته رسالة في يوم من الأيام، يفتحها ليجد صورتين، كانت صورا من حفلة زفاف ابنته الشابة على رجل لم يعرفه، لأنه لم يعد جزءا من العائلة منذ أمد بعيد ... ولهول مفاجأته، لم يكن هناك عنوان للمرسل، كأنهم يقولون له "ابق كما أنت، بعيدا" ... أحس يومها بأنه صار بمثابة المتفرج، لا بل أقل من ذلك، لم يعد أحد يريده في حياته، حتى ابنته لم ترد لوالدها أن يحضر حفلة زفافها، لعلها ظنت أن من الأفضل ترك ذلك الرجل السكير بعيدا عنها حتى لا يفسد لها أجمل يوم في حياتها بحركة سخيفة تمليها عليه كأسه ...
إنهار تشيك متأثرا بذلك، حاول الإتصال بزوجته السابقة ليسألها "لماذا؟؟؟"، ودارت بينهم محادثة انتهت بقوله "أنني راحل!"، "راحل إلى أين؟" سألت زوجته ... أنهى تلك المحادثة ب"لا بأس" وهمس "أنا آسف" ...
إنطلق بعدها باحثا عن طريقة لإنهاء حياته، لم يعد هناك من داع للمتابعة، إنتهى كل شيء، "أستسلم" كان عنوان ما تبقى من حياته ... قاد سيارته مخمورا نحو المكان الذي بدأ فيه كل شيء، المكان الذي بدأت فيه حياته، بلدة بيبرفيل بيتش، لينهي كل شيء هناك ... بدأت الأحداث عند مدخل البلدة باصطدامه بشاحنة لتقذفه وسيارته بعيدا، تصطدم سيارته بلوحة إعلانات كبيرة لتتحطم وتحطمها، لكن لحسن حظه كان قد قذف خارج سيارته قبل ذلك، لكن ذلك لم يثنيه عن إكمال المحاولة، ليقف على قدميه لا شعوريا ويكمل المسير نحو البلدة متجها إلى خزان الماء الذي كان يتسلقه مع أقرانه أيام المراهقة ليكتبو أسماءهم على الخزان، استجمع ما بقي من قوى في جسده المحطم، وألقى بنفسه من على الخزان ليصطدم في طريقه بأغصان الأشجار التي كانت تحته، ويصطدم في الأرض مغشى عليه .... أو ربما نقول أنه استيقظ في تلك اللحظة ...
بدأت رحلته في تلك اللحظة التي أستيقظ فيها من السقطة، ثم اتجه لا شعوريا إلى البيت الذي احتضن أيام طفولته وصباه، يدخل البيت ليسمع صوتا مألوفا، هو صوت أمه!!!! حاول بشتى السبل استيعاب الفكرة بأن أمه قد ماتت، لكنه لم يمتلك الجرأة ليصرح لها بذلك وهي تحضر له طعام الإفطار، لأنه لم يرد لذلك الحلم أن ينتهي، أراده أن يكون واقعا ... أخذته أمه معها في رحلة حول البلدة، لتزور بعض نساء البلدة المسنات، في رحلة عجيبة جدا كان فيها بمثابة المتفرج الذي حاول جهده استيعاب ما يحصل، لكن دون جدوى، ليستسلم لتفاصيل القصة، ويتعرف على شخوصها الذين كانوا أشخاصا من ماضيه، فتلك السيدة التي كانت تنظف لهم المنزل كل أسبوع، أو تلك التي عملت مع والدته في صالون التجميل الخاص في البلدة، أو أو أو، أو تلك المرأة التي اكتشف أنها كانت الزوجة السرية لوالده الذي تركهم يوما من الأيام دون إذن، ودون أن يعلم تشيك سبب هذا الرحيل المفاجئ لا من والدته، ولا من والده الذي صادفه مرات عدة خلال حياته ...
قبل نهاية الرحلة، سألته أمه سؤالا حطم كيانه، "تشارلي ... هل كنت أما جيدة؟"، ذلك السؤال أيقظ تشارلي إلى حقيقة أنه كان منجذبا إلى والده الذي تركه وأهمله منذ صغره، وابتعد عن أمه التي وقفت إلى جانبه في كل لحظة وكل ثانية من حياته حتى دخل الجامعة، تلك الأم التي اضطرت للعمل في تنظيف البيوت حتى تستطيع تأمين قوت يوم أطفالها ... ملأه الذنب أكثر فأكثر تلك اللحظة بالذات، أراد أن يختنق، أراد أن يقتل نفسه تارة أخرى، لكنه بقي مستيقظا مع أمه غصبا عنه، لكن أمه لم ترد له أن يتعذب أكثر، فغيرت الموضوع وتناسته، وتشيك لم يستطع الإجابة لسبب ما ... إستمرت الرحلة حتى وصلت إلى نهايتها، حيث أعادته أمه إلى تلك البقعة التي سقط عليها بعد أن رمى نفسه من على الخزان، وأخبرته بأنه لا يجب أن تنتهي حياته بهذا الشكل، بأنه مُنح فرصة أخرى للتعويض، مُنح "يوما آخر" ...
كان آخر ما قاله لأمه "نعم يا أمي .... لقد كنتِ أما جيدة"، فردت عليه أمه وتكاد عيونها تنفجر باكية "تشارلي ... سامح"، ليسأل "أسامح من؟ زوجة أبي السرية؟ أبي؟" ... "سامح نفسك" ثم اختفت أمه في بريق ضوء ساطع، ويستيقظ على صراخ المسعفين وهم يحاولون إيقاظه ...
قد يظن المرء بداية أنها قصة من نسج خيال خمسيني مخبول، إلا أن مؤلف الكتاب ميتش ألبوم قام بالتحقق من جميع الأحداث والشخوص الواردين في القصة، ليجد كل ما رواه تيشك بينيتو حقيقة ...
قد تدفعك هذه القصة لترفع سماعة الهاتف وتتصل بأمك لتقول "أحبك يا أمي، رضاكِ يا أمي" أو بأبيك، أو بحبيبتك لتخبرها بأنك تحبها مرة أخرى (أو لتكتشف بأنك لا تصرح لها بحبك بما فيه الكفاية) أو لتحمل طفلك وتداعبه مرة أخرى (لتكتشف ربما بأنك لا تلاعب أطفالك بما فيه الكفاية)، أو أو أو ... تدفعك للنظر مرة أخرى بالمتع اليومية التي أهملتها أو تكاد لأسباب أقل ما يُقال عنها بأنها "سخيفة" ... لا أريد فعل ذلك حتى أحصل على عمل أفضل، أو لا أريد أن أشتري الشيء الفلاني حتى يحصل ما آمل حصوله بعد سنة، أو أو أو ... لا أخبر زوجتي بأنني أحبها، أنني أعشقها، أنني لا أدري ما كان سيحصل لي لولاها، كل صباح عندما نستيقظ ... لا أخبر أمي بأنها قرة عيني ومليكتي، لا أخبر أبي بأنني لولاه لما كنت رجلا كما أنا اليوم، إلى آخره من الملذات التي نبخل بها على أحبابنا، وعلى أنفسنا في المقام الأول ...
أنصحكم بقراءة هذا الكتاب