أعزائي
إني أرى تفاعلاً من بعض الزملاء تجاه بعض آرائي ، لذلك سأقف قليلاً عندهم و من ثم أعود للمداخلات القديمة .
كتب استشهادي المستقبل يقول :
اقتباس:الختيار
انت حصرت كل ابداعات الدماغ البشري بانتاج الطاقة وعدمه من اجل ان تتهرب من الاعتراف بوجود
ظاهرة لا مادية هي الروح او الطاقة المحركة
او سمها ما شئت
لقد قمت بتقزيم النشاط الدماغي الابداعي من تفكير واحساس والم وفرح وحزن وارادة وتصور وتخيل وحتى احلام اثناء النوم قمت بتقزيم كل ذلك الى دائرة ضيقة جدا وهي انتاج الطاقة من عدمها
ولا ادري ما هي علاقة الطاقة وانتاجها بكيفية
استطاعة ذرات الدماغ ان تحس ان المنظر الذي امامي هو تفاحة وليس برتقالة مثلا
ثم ماذا تعني طاقة ومن اين اتت ولماذا بالذات
هي المسوؤلة عن الحياة والاحساس
انه تفسير لا يقل غيبية عن تفسير الاديان لكل ذلك بكلمة الروح
انت سميتها فقط الطاقة لتظهر الكلمة بثوب علمي
لا ديني
تحياتي
يبدو أن معلوماتك الفسيولوجية يا عزيزي الاستشهادي تحتاج إلى تحديث updating ، فأنت تتكلم بمنطق الفيتاليين vitalists و الذين ظهروا منذ أواسط القرن السابع عشر كردة فعل على الميكانيكية الديكارتية ، و ازدهروا في القرن الثامن عشر و انقرضوا في نهاية القرن التاسع عشر ، و جلّ ما كانوا يقولون به أن الحياة تقوم بوجود جوهر غير مادي في الجسم ، و الذي درجت الأديان على تسميته بالروح ، لكن المشكلة أن هؤلاء الفيتاليون كانوا علماء و ليسوا رجال دين . راجع كتاب
This is Biology / Ernst Mayer 1997 chapter 1
الذي لا تعلمه يا عزيزي أن الحياتية سقطت منذ نهاية القرن التاسع عشر ، و لن تجد في العالم كتاب فسيولوجي واحد يحتوي كلمة "روح" ، بل على العكس تماماً ، فكل شيء يتم تفسيره بناءاً على الفيزياء و الكيمياء الحيوية ، على مستوى الجزيئات و الذرات التي تكوّن المادة الحية و غير الحية .
أما ما ذكرته عن تهربي من الاعتراف بظاهرة لامادية اسمها الروح فهو من أجمل النكات المطروحة في مداخلتك .
لا يوجد شيء في العلوم إسمه الروح كظاهرة غير مادية ، و لا تستطيع حتى أن تسميها ظاهرة ، لأنه لا يمكن ملاحظتها و من ثم دراستها ، بل هي مجرد اقتراح متافيزيقي لا يُجاوز المقترحات الخرافية عند الفينيقيين في تفسير تعاقب الجدب و الخصب في قصة تموز و إنانا .
أما باقي كلامك الذي ذكرتَه عن الدماغ فيدل على أن معلوماتك عن الدماغ قديمة جداً جدا ، ربما قِدم الفكر الميتافيزيقي ، فعن أي ذاكرة و فرح و حزن تتكلم ؟؟؟؟
ألا تعلم أن كل هذه الأمور التي ذكرتها و تعتقد أن الروح وراءها هي من وظائف الدماغ المعروفة و التي لا يختلف عليها أحد إلا من لا يعلم عنها شيئاً ؟؟؟؟؟؟؟
الذاكرة يا سيدي توجد مراكزها في المخ الأوسط بالذات في mammillary bodies and dorsomedial thalamus و أي تلف يصيب هذه الأجزاء يؤدي إلى تلف الذاكرة .
و حتى تتضح لك المسألة أكثر ، و تعرف أن الذاكرة تقوم على مبدأ كيميائي بحت ، فعليك أن تعلم أن الكثير من المواد الكيميائية تؤدي إلى ضعف الذاكرة ، و منها على سبيل المثال الكحول ، فعندما يتعاطى أحدهم الكحول بكميات كثيرة ، لا يستطيع في اليوم التالي أن يتذكر الكثير مما حدث معه في تلك الليلة ، لأن الكحول تزيح الكثير من الفيتامينات ، و في حال الإدمان و فقدان الذاكرة بشكل مرَضي ، تجد أن الطبيب يعالج المريض بإعطائه جرعات كبيرة من الثيامين (أحد عناصر فيتامين ب ) لمدة شهر أو شهرين حتى تختفي الأعراض .
راجع (المخ البشري - تمبل كريستين - فصل الذاكرة و المخ) .
و في حالات التهاب المخ أو التسمم ، نجد أن المرضى يصابون بضعف ذاكرة شديد ، بحيث لو أنك أعطيت المريض مجموعة من الكلمات و القصص ليتذكرها ، فإن المريض لا يعجز عن تذكرها فحسب ، بل لا يستطيع أن يتذكر أنه أُعطِي شيئاً من الأساس لتذكره .
كذلك بالنسبة للمشاعر ، فتجد أن النصف الأيمن من المخ هو المسؤول عنها ، بينما النوم و فمسؤول عنها شبكة اسمه Reticular formation
كذلك بالنسبة للتخيل و التفكير و معاني الكلمات و قواعدها و غيرها من نشاطات الإنسان كلها لها آليات كيميائية بحتة في الدماغ يمكنك أن تقرأ عنها الكثير في أي كتاب فسيولوجي ، ستجد الكثير الكثير من الشروح و التفاصيل المعقدة العصية على الفهم أحياناً لكنك لن تجد أبداً شيء إسمه الروح .
تسألني عن الطاقة و تقول أنها كلمة غامضة لنلبسها الشكل العلمي اللاديني ، و الله لا أدري أين الغموض في الكلمة ، فلو أنك كلفت نفسك و قرأت في أي موقع أو كتاب يتحدث عن الدماغ لوجدت معلومة يكاد يعرفها عوام الناس و هي أن الدماغ لا يستطيع أن يعيش أكثر من 3 دقائق دون أوكسجين ، ليس لأن الروح تفارق الجسد مروراً بالتراقي ثم الحلقوم لتخرج و تعود إلى خالقها كما يتخيل كاتب القرآن في قوله
"كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِي " ، بل لأن خلايا الدماغ تحتاج إلى الأكسجين لحرق الغلوكوز و إنتاج الطاقة ، ذلك لأنها تستهلك 20% من الغلوكوز الموجود في الجسم ، و بدون هذه الطاقة تتلف هذه الخلايا خلال 3 دقائق .
أما كيف يتم إنتاج الطاقة في جسم الإنسان ، فذلك موضوع طويل إسمه عمليات الأيض metabolism يتم من خلالها تكسير البروتينات و الدهون و الكربوهيدرات إلى جزيئات بسيطة كالغلوكوز و غيره تدخل في سلسلة تفاعلات طاردة للحرارة مما يعني أنها تنتج طاقة على شكل حرارة ، و الأهم من ذلك أنها تخزن الكثير من الطاقة في الروابط الكيميائية لجزيء ال ATP بحيث يتم استرجاع هذه الطاقة من خلال تكسير هذه الروابط الكيميائية كلما احتاجت العمليات الحيوية في الخلايا إلى طاقة .
هل هذا الكلام بالنسبة إليك يا عزيزي الاستشهادي هو طلاسم ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
و تسألني بشيء من العصبية عن الطاقة من أين أتت و لماذا هي المسؤولة عن الحياة ، بمعنى "اشمعنا هي المسؤولة عن الحياة" ؟ أليس كذلك ؟؟؟
يا عزيزي عليك أن تعلم أن جسم الإنسان يتكون من خلايا ، و في داخل هذه الخلايا يتم الكثير من العمليات الحيوية على المستوى الجزيئي ، و هذه العمليات تحتاج إلى طاقة على شكل حرارة لتتم في كثير من الأحيان ، و هذه الطاقة تكون موجودة في جزيء ATP و تنتج من حرق السكر بوجود الأكسجين ، و انعدام أي أحد هذه المواد يؤدي إلى تلف الخلية و عجزها عن القيام بأعمالها ، مما يؤدي إلى تلف النسيج في العضو الحيوي ، و إن كان التلف بسيطاً يمكن إعادة إنتاج خلايا جديدة لتجديده ، أما إن كان التلف كبير فسيؤدي إلى تعطل العضو عن العمل ، و هناك أعضاء يمكن الاستغناء عنها كالطحال أو أحد الكليتين أو المرارة إلخ ، و هناك أعضاء لا يستطيع المرء أن يعيش بدونها كالقلب أو الدماغ ، فتعطلها يؤدي إلى الوفاة .
إذا قامت خثرة كبيرة بإغلاق شريان تاجي فإن المنطقة التي يغذيها هذا الشريان سرعان ما تموت ، و إن كانت المنطقة صغيرة فقد ينجو المرء ، أما إن كانت كبيرة فسرعان ما يتلف جزء كبير من نسيج القلب مما يؤدي إلى عجزه عن ضخ الدم بالضغط المطلوب مما يؤدي إلى عدم القدرة على تشغيل باقي أجزاء الجسم لأنها تحتاج للدم ، بالذات تحتاج للسكر و الأكسجين اللذين يحملهما الدم ، مما يؤدي إلى نقص في إشباع الدم بالأكسجين نتيجة لعجز عضلات التنفس عن القيام بدورها (لنقص الأكسجين) مما يؤدي إلى نقص وصول الأكسجين للدناغ الذي تموت أنسجته خلال 3 دقائق من الاختناق .
تلك هي ببساطة آلية الموت ، و ليس للروح أي مكان في هذه التعليلات العلمية ، و للعلم فقد يتوقف القلب عن الخفقان كذلك الرئتين لكن بوجود أجهزة التنفس الاصطناعي و الصعق الكهربائي للقلب يمكن إعادة ضخ الدم في الجسم و تحريكه محملاً بالأكسجين مما قد ينقذ المريض الذي يكون ميتاً حسب المفهوم التقليدي للموت ليعود إلى الحياة مرة أخرى قبل اختناق الدماغ و تلفه .
في النهاية أقول :
يا عزيزي الاستشهادي ، إن شئت أن تتكلم بشكل علمي فنرجو منك دراسة الموضوع قبل الخوض فيه ، فما قلته أنا في ردي السابق و ردي هذا هو مجرد خطوط عريضة لعلوم عميقة و معقدة تتعلق بدراسة وظائف أعضاء الجسم و على رأسها الدماغ ، أما أن تأتي و تقول كذا و كذا عن جهل لا يخفى على أحد ، فلا أظن أن هذا ما تتمنى الوصول إليه .
تحياتي
نأتي الآن للزميل the_sniper
تساءلت يا عزيزي عن الموت الطبيعي
و أنا أسألك ماذا يعني الموت الطبيعي ؟؟؟
هل هو الموت الذي لا يكون بحادث أو مرض معروف ؟؟؟
يعني السكتة القلبية مثلاً ؟؟؟؟
أو السكتة الدماغية ؟؟؟؟
المسألة ليست هكذا بدون أي سبب ، فتوقف القلب أو الدماغ لا يحدث فجأة دون سبب ، بل يسبقه نقص حاد في التروية الدموية نتيجة لوجود خثرة في مكان ما أدت إلى تلف عضو أو جزء من عضو مهم ، و كما تعرف فإن أعضاء جسم الإنسان متداخلة في الوظائف بشكل معقد ، فالقلب بحاجة للدماغ كي يواصل الخفقان ، و الدماغ بحاجة للقلب كي يعطيه الدم المحمّل بالأكسجين و الغلوكوز ، و لكن هذا لا يحدث دون المرور بالرئة ، و الرئة بحاجة لكلا الدماغ و القلب كي تستطيع أن تملأ الدم بالأكسجين ، و ذلك من خلال أن تتغذى خلاياها التي تكونها ، و كذلك بالنسبة لأجهزة الهضم التي تؤدي إلى تحليل الطعام و امتصاصه على شكل جزيئات يسهل تكسيرها و إنتاج مواد أولية يتم حرقها في سلسلات كيميائية لتعطي الطاقة كحلقة كريبس ، كل هذا يعمل في شبكة كبيرة يديرها الدماغ ، هي تحتاجه و هو يحتاجها ، لذلك تلف أي جزء أو عضو قد يؤدي إلى انهيارات دراماتيكية في أعضاء حيوية أخرى تؤدي إلى توقف القلب و بالتالي موت الدماغ ، أو فقدان الأكسجين من الوصول للدماغ بينما لا يزال القلب يعمل كما في حالات الاختناق .
تقول :
اقتباس:ومثال السيارة الذي قلته سامحنى عندما اقولك انه فاسد
فعندما تضع الوقود في السيارة مرة اخري ستدور
اما حتى لو حقنت الجسم بمحلول جلوكوز واوصلت الجسم بالتنفس الصناعي ومايسمي بوسائل حفظ الحياة ،فلن تعيد الميت (وذلك في غضون الاربع ساعات ،حتى لا تقول ان الخلايا تلفت تلف نهائي Irreversible damage)
يا عزيزي ، بالنسبة للسيارة و الوقود فهذا يشبه الإنسان أثناء حياته و تناوله للطعام ، و الذي هو المصدر الرئيسي للطاقة ، و حين ينقطع هذا الوقود عن الإنسان يمر بمرحلة من الجوع تؤدي إلى استهلاك مخزونه الداخلي من الدهو و من ثم البروتين و كأنه يتغذى على نفسه ، حتى يسقط في غيبوبة و من ثم يموت ، بالنسبة للسيارة التي لا يوجد فيها وقود ، فهي لا تشبه الإنسان الميت ، بل تشبه الإنسان في حالة الغيبوبة أو توقف القلب المرتجع ، فالإنسان الميت يشبه السيارة التي مر من فوقها قطار ، فهي في حالة تلف كامل .
و إذا بدك مثال أحسن ، خذ زيت الماتور ، فتصور أن الماتور يفقد زيته أثناء مسير السيارة ، بعد فترة من الزمن سوف يحترق الماتور و يتلف و يموت ، أليس كذلك ؟؟؟
باختصار المثال الذي ضربته عن الإنسان و السيارة لتقريب الصورة و ليس للتطاق مائة في المائة .
فالإنسان يحتاج إلى الحرارة (أعني خلاياه تحتاج إلى الحرارة) و يحصل على هذه الحرارة من خلال تكسير روابط جزيء ATP حصل عليها نتيجة احتراق وقوده المسمى غلوكوز الناتج عن الطعام .
و هذا ما يشبه السيارة ، فحتى تسير السيارة يجب أن يعمل الماتور ، و الماتور يحتاج إلى طاقة حرارية (تؤدي إلى توليد الضغط الذي يحرك البستونات) يحصل عليها نتيجة عملية احتراق البنزين ، و بانقطاع البنزين لن يعمل الماتور ، و ليست المسألة هنا هل سيؤدي هذا إلى تلف دائم أم تلف مرتجع و تقارنه بما يحدث بالإنسان عندما يفقد طاقته ـ ففي مرحلة معينة تكون مشاكله مرتجعة و يمكن حلها ، و إن شئت يمكنك أن تبلغ مرحلة توقف القلب عن الخفقان و الرئتان عن التنفس ، لكن عند موت الدماغ يكون القطار قد مرّ فوق سيارتك التي نفد منها الوقود فوق السكة لسوء حظك . :10:
تحياتي
أما بالنسبة لمقتبس الزميل كرداس
فأنا يا عزيزي أرى أن هذا الرأي المتشائم يخص صاحبه المسيري ، و لسنا بحاجة إليه حين نتكلم عن العلم ، نظرته التشاؤمية غير علمية أبداً بل تنضح بالعاطفة التي لا يمكن أن يقوم عليها أي تحليل علمي ، يتضح لك جلي بكلامه عن الذرة التي لا يرى في علومها إلا أنها سوف تحطم الفردوس الأرضي بحرب نووية مجنونة .
لولا علوم الذرة لما توصلنا إلى المجاهر الإلكترونية و لا إلى إنتاج الطاقة النووية و لا إلى الطب النووي و لا إلى تصنيع الكثير من المركبات الصناعية الكيميائية الجديدة و لا إلى الهندسة الجينية التي تعتمد على فهم التركيب الجزيئي لكثير من الأنزيمات و لا غيرها من المجالات التي لا تعد و لا تحصى و التي لا يرى فيها المسيري غير هذا الجانب المتشائم المثير للشفقة ليس أكثر .
تحياتي للجميع