انفجارات لندن ومدلولاتها
2005/07/07
عبد الباري عطوان
عاشت بريطانيا يوما من الرعب لم تشهد له مثيلا منذ الحرب العالمية الثانية، اي قبل ستين عاما، فقد اصيبت العاصمة لندن بحال من الشلل التام بسبب الانفجارات التي استهدفت عصبها الاساسي وهو شبكة المواصلات العامة التي يستخدمها حوالي خمسة ملايين شخص يوميا علي الاقل.
اصابع الاتهام توجهت الي جهتين، الاولي تنظيم القاعدة، والثانية الجيش الجمهوري الايرلندي، ولكن كفة اتهام القاعدة هي الارجح، لانها هددت اكثر من مرة بتنفيذ هجمات في بريطانيا انتقاما من دور حكومتها الرئيسي في الحربين علي العراق وافغانستان.
وايا كانت الجهة التي تقف خلف هذه التفجيرات، فان الحقيقة التي يمكن استخلاصها وسط ركام الدمار المادي والنفسي الذي ألحقته في بريطانيا بشكل خاص، والعالم الغربي بشكل عام تتلخص في ان الحكومات المستهدفة لا تستطيع التعامل مع هذه الظاهرة بالطرق الكفيلة بمنعها او تقليص آثارها، مهما امتلكت من القوة او الاجهزة الامنية، البشرية والتقنية الحديثة من خلال الحلول الامنية فقط، فلا بد من النظر في الجذور السياسية المسببة لها.
توني بلير رئيس الوزراء البريطاني كان في قمة مجده حتي اللحظات الاخيرة التي سبقت التفجيرات، فقد حقق شعبية كبيرة عندما اثمرت جهوده في الفوز بتنظيم الدورة الاوليمبية بعد القادمة في لندن، وقيادة الجهود الدولية في مكافحة الفقر في العالم من خلال شطب ديون الدول الافريقية المسحوقة، وزيادة نسبة المساعدات المالية السنوية اليها.
رئيس الوزراء البريطاني اراد ان يحول الانظار عن اكبر انتكاسة في حياته السياسية، وهي الحرب في العراق، فجاءت هذه التفجيرات لتنسف كل انجازاته ومخططاته، وتعيده الي المربع الاول، مربع الارهاب الذي تحالف مع صديقه جورج بوش الابن لمكافحته.
ہہہ
ما زال من السابق لاوانه الجزم بان القاعدة خلف هذه التفجيرات، ولكن التصاعد الكبير في انشطتها في العراق، اثبت انها باتت اقوي مما كانت عليه في السابق، واذا صح انها كانت فعلا خلف تفجيرات لندن هذه، فانها تكون قد سددت ضربة قاصمة لتوني بلير وحليفه بوش، واثبتت ان الحرب علي الارهاب التي كلفت بلديهما حوالي الفي قتيل، ومئتين وخمسين مليار دولار، لم تحقق النجاح المأمول منها اي تدمير تنظيم القاعدة، وحماية المدن الاوروبية والامريكية من الهجمات المسلحة.
الرئيس بوش لن يستطيع، وبعد انفجارات لندن هذه، ان يكرر مقولته الشهيرة بان العالم بات افضل واكثر امانا بعد تغيير النظام في العراق، كما انه لن يعيد التأكيد علي ان استراتيجيته في محاربة الارهاب في اوكاره لمنع وصوله الي الاراضي الامريكية تحقق اهدافها المرجوة.
الاعمال الارهابية التي تستهدف الابرياء مدانة باشد العبارات، ومن ضمنها عملية لندن هذه، ولكن علينا ان نتذكر دائما ان الحرب الامريكية في العراق خلفت حتي الان اكثر من مئة الف قتيل واربعة اضعاف هذا الرقم من الجرحي، ومعظم ضحاياها من الابرياء ايضا.
ہہہ
نحن لا نبرر، وانما نحلل ونفسر، ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير يجب ان يدرك، وهو السياسي المحنك، انه ومثلما اراد نقل المعركة الي مكامن الارهاب في الشرق الاوسط، فان عليه ان يتوقع ان ينقل هؤلاء، او مجموعات تابعة لهم، تفكر بالطريقة نفسها، الارهاب الي لندن ونيويورك وواشنطن وروما. فالحرب هي الحرب، والارهاب هو احد ادواتها، سواء كان من خلال الصواريخ والقاذفات العملاقة، او من خلال زرع المتفجرات في عربة قطار، او حافلة عامة، تنقل ركابا ابرياء في طريقهم الي اعمالهم.
نحن نعيش زمانا يهيمن عليه الرعب والارهاب، فرضته علينا سياسات امريكية غبية لا تعرف طريقا للحوار غير الحروب والدمار.
نتعاطف بالكامل مع ضحايا تفجيرات لندن، مثلما نتعاطف مع اسرة السفير المصري ايهاب الشريف الذي اعدمته جماعة تابعة لتنظيم القاعدة، ولكن، ولا بد من ولكن هذه، أليست الولايات المتحدة الامريكية هي التي اجبرت النظام المصري علي تطبيع العلاقات مع حكومة غير شرعية في العراق، وفتح سفارة فيها؟
ہہہ
السفير المصري قتلته حكومته، قبل ان يقتله تنظيم القاعدة، لانها لم تحافظ علي حياته، ورمت به الي التهلكة، وارسلته الي بلد ينام ويصحي علي انفجارات السيارات المفخخة وعمليات الخطف والقتل، وينام وزراء حكومته في منطقة خضراء تحت حماية امريكية مشددة ينعدم الامن خارج بواباتها.
فاذا كانت القوات الامريكية التي يزيد تعدادها عن 150 الف جندي لا تستطيع توفير الامن للوزراء واعضاء البرلمان وكبار ضباط الحرس الوطني والسياسيين المنخرطين في مشروعها في العراق، فكيف ستحمي سفراء تقع سفاراتهم خارج المنطقة الخضراء في بلد ينعدم فيه الامن تماما؟
الحكومة المصرية اخطأت مرتين، الاولي عندما رضخت للضغوط الامريكية وقزمت نفسها الي هذه الدرجة من الصغر وهي الكبيرة، والثانية عندما ارسلت سفيرا الي العراق عاد لتوه من خدمته في السفارة المصرية في الدولة العبرية.
الدول في العرف الدبلوماسي لا تقيم علاقات دبلوماسية مع بلدان محتلة، او مع حكومات تستمد شرعيتها من الاحتلال الاجنبي، وكان من المأمول من دولة عريقة في الدبلوماسية وعلومها مثل مصر ان تتنبه الي هذه المسألة، وان لا تزج بارواح دبلوماسييها بمثل هذه الطريقة المستهترة.
ہہہ
مرة اخري نكرر ادانتنا للارهاب بكل انواعه، سواء كان ارهاب الدول او ارهاب الافراد والجماعات، فقد كان من الممكن ان نكون نحن او افراد اسرنا واصدقاؤنا ضحاياه في لندن، ولكننا نشدد علي ان الحروب التي تخاض حاليا ضد المسلمين في العراق وافغانستان وفلسطين هي افضل وسيلة لتجنيد الارهابيين، وتوسيع دائرة الهجمات المسلحة في العالم بأسره.
الحرب في افغانستان دمرت تنظيم القاعدة تماما، وحرمته من ملاذه الآمن في تورا بورا، وجاءت الحرب في العراق لتنقذ هذا التنظيم وتعيد اليه الحياة، وتوفر له القاعدة التي كان يحلم بها، فتنظيم القاعدة وجد نفسه، وبفضل الغباء الامريكي، في جنة لم يتخيلها، حيث خمس ملايين قطعة سلاح، وعشرات الاطنان من الذخائر، ومليارات الدولارات من الاموال، ومستودع بشري ضخم من المتطوعين الراغبين في تفجير انفسهم.
المأمول ان تفتح تفجيرات لندن المدانة هذه اعين المسؤولين الغربيين علي اخطائهم، وتدفعهم الي اعادة النظر في سياساتهم المدمرة هذه، من اجل الوصول الي عالم اكثر امانا بالفعل.
http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=20...20ومدلولاتهاfff