"إنها جزء من أصالتنا ولا تعارض بينها وبين الشريعة الإسلامية"
قاضي القضاة يناقض "فتوى" المفتي حول الفنون الشعبية ملف "بلدية قلقيلية" يتفاعل مع احتمال رفع دعاوى قضائية
كتب يوسف الشايب:
استنكر قاضي القضاة، الشيخ تيسير التميمي، وفي حديث خصّ به "الأيام"، قيام المجلس البلدي لمدينة قلقيلية، والشيخ عكرمة صبري، مفتي القدس والديار الفلسطينية، وجهات أخرى، بوصف الفنون الشعبية الفلسطينية، بـ "الرذيلة"، عبر رفضهم لفعاليات مهرجان فلسطين الدولي، مؤكداً أن لا تعارض بين هذه الفنون، التي هي من صلب عاداتنا وتقاليدنا، ورمز لأفراحنا وهويتنا الوطنية، وبين الشريعة الإسلامية، ما دامت ملتزمة، وبعيدة عن مظاهر الإثارة الجنسية، وقال: الفنون الشعبية جزء من أصالتنا، ويجب عدم نعتها بنعوت كهذه، خاصة وما شابه.
وأكد التميمي أن الإسلام لم يحارب الفنون، ومنها الغناء والموسيقى، ولعل المثل البارز على ذلك، عدم اعتراض الرسول صلى الله عليه وسلم، على استقباله بالغناء وقرع الدفوف، من رجال ونساء المدينة المنورة، عندما هاجر إليها قادماً من مكة، إضافة إلى جملة من الأحاديث التي تتحدث عن أنه لا حكم شرعياً ضد الموسيقى، ومن بينها "أشهروا النكاح ولو بالدفوف".
وهناك أدلة كثيرة على عدم تحريم الموسيقى، فالفقيه أبو محمد بن حزم، أشار إلى أن سماع الموسيقى مباح مثل التَّنَزُّه في البساتين ولبس الثياب الملونة، وقال عن الأحاديث التي وردت في النهي: لا يصح في هذا الباب شيء أبداً وكل ما فيه موضوع ومنقطع.
واحتج ابن حزم بحديث عائشة أن جاريتين كانتا تغنيان فدخل أبو بكر فنهرهما وقال: أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله، فقال الرسول:
"دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد".. ومن المعلوم أن العيد لا يحل الحرام. وقد رد بعضهم الاستدلال بهذا الحديث بأن هذا غناء بلا آلات.. وهذا خطأ لقوله: أبمزمور الشيطان، إذن هي مزامير. ولو قبلنا أن المقصود هنا هو الدف لوجب أن تحمل النصوص التي يحتج بها المحرمون على المحمل ذاته.
واستدل ابن حزم بأثر صحيح الإسناد عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن جعفر رضي الله عنهما أنهما استمعا للعود، واحتج أيضاً بحديث أن ابن عمر سمع مزمارا فوضع إصبعيه في أذنيه ونأى عن الطريق .. وقال: يا نافع هل تسمع شيئاً؟ قال: لا، فرفع إصبعيه، وقال: كنت مع الرسول عليه السلام فصنع مثل هذا.. قال ابن حزم: فلو كان حراماً ما أباح رسول الله لابن عمر سماعه ولا أباح ابن عمر لنافع سماعه.
كما ورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم وكثيراً من السلف ذوي المكانة في التاريخ الإسلامي قد استمعوا إلى الموسيقى، وحضروا لقاءات من العزف البريء. وبالتالي فإن التحريم لم يبن على إنكار الموسيقى ذاتها وإنما على استخدامها في ظروف آثمة أو مرتبطة بالمفاسد.
لم يسألني أحد
من جهته أصر الشيخ عكرمة صبري، مفتي القدس والديار الفلسطينية، على تأييده لموقف بلدية قلقيلية من المهرجان، ووصفه الفنون الشعبية بالرذيلة، وأن الإسلام حرم هذا النوع من الفنون، لما فيه من اختلاط، والتقاء بالأيدي بين الشبان والفتيات.
وحول تعارض موقفه كموظف في السلطة الوطنية الفلسطينية، وموقف السلطة، الذي عبر عنه رئيس الوزراء، أحمد قريع (أبو العلاء)، برفض قرار البلدية، وتأكيده أهمية الفنون الشعبية، يقول صبري: لا علاقة لي بموقف السلطة .. ما حدث أن مجلس بلدية قلقيلية طلب مني فتوى شرعية في موقفه، فأفتيت وفق الشريعة.
وحول تعارض موقفه وموقف الشيخ التميمي، أجاب صبري: هو حر .. لا أدري ما دوافعه.
ورفض صبري أنه بهذه الفتوى، يحقق مآرب شخصية، لا تبتعد عن كونه من قلقيلية، وأن مصالح عدة قد تربطه بأعضاء المجلس البلدي، وقال: هذا تفسير مجحف، وغير وارد على الإطلاق .. أنا لا أحابي أحداً.
وفي رد على سؤال حول أسباب عدم إطلاقه هذه الفتوى الشرعية، التي أشار إلى أنها تنطبق على جميع المهرجانات والاحتفالات التي تشتمل على فرق مختلطة، وجمهور مختلط، وعلى جميع مناحي الحياة، قبل سنوات، أجاب: لم يسألني أحد ..!
ورفض صبري توضيح ما قصده بأن هذا المهرجان والمهرجانات المشابهة هي تعبير عن إفلاس سياسي، وقال: القائمون على هذه المهرجانات يعملون على توجيه أنظار الفلسطينيين بعيداً عن قضيتهم، من خلال هذه الحفلات التي يحضرها الآلاف، ويرقصون، ويلهون، متناسين قضيتهم، وجهادهم ضد الاحتلال.
وهاجم صبري بشدة مركز الفن الشعبي، وجميع العاملين في المهرجان، والإعلاميين الذين روجوا له، وهاجموا البلدية، وقال: هناك علمانيون، وإعلاميون، مواقفهم معروفة، ولا أريد الخوض بها.
وفي رده على مقولات إن موقفه لا يختلف كثيراً عن "الثقافة الطالبانية"، قال صبري: أنا لم أفرض رأيي على أحد، ثم إنني لا أمتلك سلاحاً لفرضه على أحد.
رد حكومي
وكان رئيس الوزراء، أحمد قريع (أبو العلاء)، انتقد، خلال لقائه بالمطرب الفلسطيني عمار حسن، الأسبوع الماضي، موقف بلدية قلقيلية، والمفتي، من مهرجان فلسطين الدولي، وأكد تضامنه مع المهرجان، كما انتقد حادثة إطلاق النار باتجاه جامعة النجاح الوطنية بنابلس، خلال إحياء عمار حفلاً غنائياً فيها.
من جهته يرى وزير الثقافة، يحيى يخلف، أن الفتوى التي أصدرها الشيخ عكرمة صبري، "مجندة لخدمة اتجاهات أصولية بعينها"، وقال: ما صدر عن المفتي يدعو للأسف الشديد، فمن المفترض أن يساهم في دعم نشر الثقافة، والمعرفة، والتنوير، وما جاء في فتواه يسيء إلى الثقافة الوطنية الفلسطينية، ويتعارض ومضمون القانون الأساسي، داعياً إياه إلى إعادة النظر في تأييده لموقف بلدية قلقيلية، التي وصفت الفنون الشعبية بالرذيلة.
أمام القضاء
ويفكر مركز الفن الشعبي، المسؤول عن تنظيم المهرجان، في رفع دعوى قضائية ضد بلدية قلقيلية، خاصة أن قانونيين يؤكدون أن ما أقدمت عليه البلدية مخالف للقوانين الفلسطينية، وعن هذا يقول عصام العاروري، مدير مركز القدس للمساعدة القانونية: قرار المجلس البلدي لمدينة قلقيلية، والقاضي بمنع إقامة فعاليات لمهرجان فلسطين الدولي للموسيقى والرقص، هو مخالفة صريحة للقانون الأساسي المعدل للسلطة الوطنية، والذي هو بمستوى الدستور، والذي ينص في مادته رقم 19 على أنه "لا مساس بحرية الرأي، ولكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه، ونشره بالقول أو الكتابة، أو غير ذلك من وسائل التعبير، أو الفن، مع مراعاة أحكام القانون".
ويرى العاروري أن مخالفة أحكام القانون الأساسي، ترقى لمستوى الجرم، وبالتالي يستحق مرتكبوها أن يقدموا للعدالة.
وتحدث العاروري عن أن قرار البلدية يخالف قانون الهيئات المحلية، والذي يحدد 27 مهمة للمجلس البلدي، أحدها تشجيع الثقافة، والفنون، والموسيقى، ورعايتها، والعمل على تطويرها، ويقول: يحق للمجلس البلدي ألا يتعاون مع المهرجان، أو دعوة الناس لمقاطعته، من باب حرية التعبير، لكن لا يجوز أن يمنعه بالقوة، كما حدث.
ويحذر العاروري من الدلالات والتبعات الخطيرة لقرار مجلس بلدية قلقيلية، خاصة أنه جاء بعيد اغتيال فتاتين فلسطينيتين في غزة، لمجرد التنزه مع خطيبيهما، داعياً المجلس البلدي، إلى إعادة النظر في قراره، والاحتكام للقانون الأساسي، خاصة أن فوزهم بمقاعد البلدية، كان في انتخابات تستند إلى هذا القانون.
http://www.al-ayyam.com/znews/site/templat...&Date=7/12/2005