الزميلة منى،
أنا أجيب كل إنسان بقوله، فحين ذكرت أن العرب بدو ساقطون ذكرنا لك ما يليق، وحين ناقشت بتعقل رددنا عليك بتعقل.
القومية فكرة يتشبث بها العربي والكردي والآشوري والألماني، ويعرض عنها أيضا العربي والكردي والأشوري والألماني، إلخ...
وحين ننقدها، فإننا نبدأ نقدها بتجرد لأنها فكرة عامة لا تخص شعبا بعينه، وقد بحثنا أمرها في
طريق النهضة 2 (روابط فاسدة ونهضة وهمية) فقلت:
[CENTER]أما الرابطة القومية فهي الرابطة العائلية بشكل موسع، وهي معبرة عن ضيق في الفكر. ذلك أن الإنسان بتأصل غريزة البقاء لديه، يتولد عنده حب السيادة،وهي صفة فردية عند الإنسان المنخفض فكريا. ثم إذا اتسع ادراكه ونما وعيه فيرى سيادة عائلته وأسرته. وباتساع أفقه أكثر فأكثر، يرى سيادة قومه في وطنه أولا، ومن ثم سيادتهم على غيرهم. ولذا كانت الخصومات لازمة لهذه الرابطة لتحقيق الزعامة والسيادة. بدءا بالأسرة الواحدة ومن ثم بين الأسر المختلفة لتحقيق الزعامة على القبيلة. ومن ثم بين القبائل حتى تتحقق الزعامة على القوم. وتغلب على هذه الرابطة العصبية والهوى ونصرة القوم بعضهم البعض على الحق أو الباطل. لذلك كانت رابطة غير إنسانية، منشغلة بالخصومات الداخلية إن لم تشغل عنها بالخارجية.[/CENTER]
.
.
.
اقتباس:أما الرابطة القومية فأرى أيضا أنها فاسدة لأنها رابطة قبلية نابعة عن غريزة البقاء فلى تصلح للربط عند إرادة النهضة، وأيضا لأنها تؤدي إلى العداوة والبغضاء داخل المجتمع.
إلا أننا حين ننقد القومية فإننا لا نسمح لأنفسنا أن ننزلق لشتم الشعوب معها.
قد تكون السومرية فعلا هي مدنية قديمة مرت على العراق، إلا أن القفز فوق التاريخ لربط عراق القرن الواحد والعشرين بشيء مر عليه في الألف الثالث أو الرابع بعد الميلاد متجاهلين الفترات الوسيطة هو لعمري تجن وإجتزاء.
السومرية إنتهت بإنتهاء دولتها، وقد تكون لها آثار على المدنيات التي تلتها، إلا أنها آثار لا أكثر ولا أقل.
فلا نستطيع أن نقول أن أمريكا اليوم هي امتداد للمدنية الهلينية مع وجود آثار لفلاسفة إغريق على الحضارة الأمريكية.
العرب عندهم حالة بداوة، وليسوا هم حالة بداوة. فمنذ وجد العرب كان فيهم الحضر كقريش والأوس والخزرج وكندة وغسان ولخم وثقيف، والبدو مثل كنانة وتميم وربيعة وهوازن وغطفان وطيء.
وكل الناس يمرون بحالة بداوة إلى أن ينتقلوا إلى العمران بسبب أو بآخر، وكان محمد هو الذي نقل العرب طوها وكرها إلى الحضارة.
حياة العرب في الصحراء ليست عيبا بذاته، فليست الصحراء سبة لساكنها.
أما القبائل فنحن نعتبرها أدبا وليس حضارة، وقد إنتهت الحالة القبلية رسميا عام الوفود، وسياسيا بعد حروب الردة. وأعادها بنو أمية لغرض يخدمهم، ثم انتهت بثورة بني العباس.
أما رجع الحالة القبلية اليوم فهي ليست قبلية العرب القديمة وإن أرادت التشبه بها، فما من دولة تعجز عن قبائلها إلا اليمن.
وقد كانت قبائل اليمن منذ الأزل حضرا، وهلالهم الخصيب الجنوبي لم يقل مدنية يوما عن هلالنا الشمالي.
الإفتهار بالنسب القبلي هو إفتخار بما لا يفتخر به، نحن نفخر بذكرنا في العالمين وليس بماء الآباء، وإلا فأنا أولى بالزير سالم من غيري.
زميلتنا العزيزة، سوء التفاهم الذي مر بيننا هو سوء افتعلته أنا لألفت نظرك إلى اقتصار النقد على فكر ما دون التعرض للشعوب.
فالعرب قوم ذوو لسان كما تعلمين، وهم أعلم الناس بمثالب غيرهم ومدائحهم. وإن كان الأمر بالصوت فلن نغلب.
أما إن أردت أن نتعاون على البناء فهلم، فما أحوج شرقنا لفجر جديد، وما أتعسنا في ليل لا قمر فيه كثر فيه الضباع وبنات آوى.
فلا نبدأ بنهش بعضنا، يكفينا كثرة الناهشين بلحمنا. انقدي زميلتنا إن شئت القومية دون إحتقار للعرب، فنحن الكثرة ولو ساءك ذلك، وتغيير يراهن على القلة ويستعدي الكثرة لهو مجهض قريبا.
كونك تميمية، فجدي ما يجعل تميم تتبعك على رأيك، ولا تكرهك لقولك.
ألم تري أن القبيلة حين آمنت بفكرة قد ضحت بكل شيء حتى بالسيادة لنصرة تلكم الفكرة؟