تحياتي

عزيزي إبراهيم لك مني أحلى إيميل :97:

صديقي لوجيكال دعنا هنا نستوضح فكرة معينة، و هي نقطة الخلاف التي أجدها (عن نفسي) تفرقنا في النقاش، ألا و هي التالية:
أنت تناقش على أساس نزع الألوهية عن الإله، بينما أنا أناقش على أساس ثبةتها له و هذا فرق شاسع يؤثر على النقاش كالتالي:

عندما قست حضرتك:

اقتباس:يعني لنفرض مثلا ان فلان الفلاني هو انسان لا يزني و لا يسرق و لا يضر احدا بل يحب الاخرين و يعمل على اصلاح المجتمع. و لكنه في نفس الوقت، لا يعبد اللـه و لا يؤمن بوجوده. حسب الاسلام، فاللـه يحكم على مثل هذا الانسان بالجحيم الازلي. هذا هو ما ينوه له الكاتب: مسألة أن اللـه عبارة عن شخص مغتر بنفسه يطالب الجميع بحبه، و من لم يستجب يعاقبه أزلا.

هذا القانون الإلهي (قانون ان الانسان يجب ان يعبد اللـه) هو قانون تعسفي و غير مبرر.

لو جاءت الحكومة الاميركية مثلا و اعتقلت شخصا لأنه قاتل او سارق، عندها لا يوجد انسان على وجه الارض يمكن ان يعترض على هذا الحكم لأن الجميع يتفقون ان المجرم يجب ان ينال العقاب. لكن لو اعتقلت الحكومة الاميركية شخصا مثلا و قالت له، "سنرميك بالسجن مدى الحياة لأنك لا تحب الرئيس بوش و لا تتفق معه." فأي انسان عاقل على الارض سيقول لك ساعتها ان الحكومة الاميركية حكومة تعسفية بربرية و غير عادلة لأنها تعاقب الناس ليس على جرائمهم، بل على آرائهم.

هنا أنا سأتخذ نفس نسقك بالتفكير، و هو المساواة بين الإله و بين البشر الممثلين بجورج بوش و حكومته....
من هذا المنظور أنا أتفق معك تماما و دون أدنى شك بأن الإله متعسف ظالم و بربري إلى أبعد الحدود، كما هو حال جورج بوش، لماذا؟
لنبدأ بجورج بوش، جورج بوش هنا الشعب نصبه حاكما عليهم، و بالتالي أعطوه السلطة التشريعية بمساعدة طبعا من الكونجريس و الذين هم بشر مثله، و من هنا لو جاء بوش و عاقب الشعب الأمريكي لأنه لا يحبه و لا يتفق على سياسته فهو هنا تعدى الحدود بطريقة بربرية و غير عادلة لأنها "تعاقب الناس ليس على جرائمهم، بل على آرائهم" و هذا صحيح مئة بالمئة. و نفس الحال ينطبق على الإله و أتفق معك تماما، بالتالي فذلك الإله لا يستحق حتى أن يذكر.
هذا من وجهة نظري عندما اتبعت نسق تفكيرك عزيزي، فهل أنا مخطئ هنا؟

الآن لنتبع نسق تفكيري أنا، و دعنا نفرق بين الإله و بين البشر كالتالي:
أولا: الإله ليس بشرا، لم ينصبه أحد إلهاً، و لم يطلب إذن أحد حتى يشرع القوانين و يخلق، و هو موجود قبل كل الخلائق، له سلطة مطلقة لا نقاش فيها و لا منازع له في الحكم. هو أكبر و أعظم من أعظم شيء في الكون بأسره.
ثانيا: البشري ليس إلا مخلوقا من مخلوقات ذلك الإله، لا حول له و لا قوة إلا فيما يحيط به من المحسوسات (و ليس جميعها أيضا)، له أن يشرع القوانين على من هم مثله من البشر، و هو صغير لا يتعدى دقيقة من دقائق الكون الشاسع.

هل تتفق معي على هذه النقاط؟ إن لم تتفق ضع أرجوك ما تراه وصفا أنسب و لكن من منظوري أنا لو سمحت.

دعنا الآن نناقش الإله من منظوري:
أولا بصفته حاكما أزليا لا منازع له في هذا الكون أجمع، فله الأحقية بوضع ما شاء من القوانين بلا إذن و لا سؤال، و لا داعي لاستشارة أي كان من مخلوقاته، و له أن يعاقب من يشاء لأي سبب كان حتى لو كان من أحسن المخلوقات و أفضلها على الإطلاق و ليس لذلك المخلوق حتى أن يقول كلمة واحدة فلا يستطيع أحد تخليصه أبدا، فذلك الحاكم لا مستشارين له و لم ينتخبه أحد أبدا فهو حاكم مطلق بيده وحده و لا أحد غيره إطلاق الأحكام و العفو عمن يشاء.

دعنا نضرب مثلا من بيئتنا:
صدام حسين، كلنا نعرفه و نعرف دكتاتوريته الفظيعة المؤلمة، كان بالضبط يصدر الأحكام لا منازع له فيها، و لا يأبه لمستشار و لا مجلس ثورة و لا نائب و لا أي بشري، فهل كان أحد يجرؤ على وصفه بالظلم أمام عينيه؟ علي النعمة كان راح يخليه يتمنى الموت!!! أليس كذلك؟ و لكن في النهاية تم نزعه عن حكمه و ها هو الآن قابع في زنزانة ينتظر محاكمته.

لنفرق بين الاثنين الآن:
صدام حسين ظالم و لكننا نحن البشر استطعنا خلعه و إبطال سلطانه.
لكن الإله، هل نستطيع الوصول إليه و خلعه عن سلطانه؟ هل نستطيع إرسال المراسيل له تنصحه و تعظه على الأقل؟ الجواب هو "بالطبع لا" (من وجهة نظر من يعطيه صفات الألوهية).

فرق آخر، صدام كان أول ما يعرف بأن أحدا وصفه بالظالم و لو عن طريق إشاعة كان يعذبه و ينهي أمله بالحياة أليس كذلك، فلا فترة سماح و لا حتى تفكير بذلك.
الإله أعطاني و أعطاك فترة سماح طويلة هي الحياة الدنيا.

فرق ثالث، صدام كان عذابه يقع بالتو و اللحظة إذا سمع ما لا يسره من أحد الرعية.
الإله، يسمع هذه النعوت كل يوم و لا يعذبنا، يسبه الكثيون و هو يمهلهم حتى لقبل خروج الروح و الغرغرة.

فرق رابع، صدام لم يكن يقف على الشاشات يطلب من الناس أن يتوبوا إليه.
الإله، كل يوم ينزل إلى السماء الدنيا و ينادي: "هل من مستغفر فأغفر له؟...". فهل حلمت يوما أن يأتي صدام و ينتظر من رجل أن يتوب و يتأسف فقط حتى يعفو عنه؟

فرق خامس، صدام لم يلتفت إلى الشعب بدليل المجاعات و الأمراض التي تفتك بالعراقيين، بل اكتفى بالقبوع في قصوره مرفها، بل أنه حتى لم يعوض من مات له طفل أو أخ أو أب بسبب الجوع أو المرض.
الإله، أعطى كل نفس رزقها، و من مات بغير حق أو بسبب الجوع أو المرض فهذا كفارة له عن ذنوب اقترفها، و كل شيء عنده بمقدار.

بعد هذه الفروق، عندما يراعيك الملك، و يطلب منك كل يوم بأدب أن تحبه و تشتغفره حتى يعفو عنك، و يبين لك أن لا حق لك سيضيع، هل بعد هذا تكرهه؟

بلاش، بعدما علمت أن الإله دكتاتور (و لله المثل الأعلى) عظيم لا نقاش معه و لا هروب من حكمه إذا وقع، و لكن السلم لك يتحقق بأن تحبه و تقنع به، فهل ترفض هذا بداعي أنه ظالم؟

اقتباس:و هذا هو الإله الذي يعترض الكاتب عليه: الإله الذي يتم تصويره سواء في الاسلام او المسيحية على انه إله يعاقب الناس بأبشع صور العقاب (الحرق الازلي) لمجرد أنهم لم يعترفوا به او لم يعبدوه.

الآن ما رأينا بهذه الجملة؟

اقتباس:طيب الان قلي بحياتك ما هي الفائدة المرجوة من العذاب الازلي في الجحيم؟ فائدة العقاب يا عزيزي هي أن يرتدع المجرم بعد نهاية مدة عقابه، و لكن اذا لم يكن للعقاب نهاية، فهو لم يعد عقابا للإصلاح و انما عقاب لمجرد العقاب، و تعذيب لمجرد التعذيب.

العقاب المؤقت مهما كانت مدته أتفق معك عليه لأن هناك فترة بعدها يحياها المعاقب ليصلح خطئه أو يثبت ارتداعه عن الخطأ.
لكن العذاب الأزلي متى يقع؟ بعدما لا يوجد قترة بعد العذاب لإثبات الارتداع و لا لإصلاح الحال بأي شكل من الأشكال، بل هذه الفترة أعطيت للمعذب طوال سنين في حياته الدنيا مع وجود من يعظه تارة، و من يحل به العذاب تارة أخرى لعله يتعظ بغيره و الكثير الكثير من دواعي التوبة. ثم الإله حذر بصورة صريحة بعاقبة العناد طوال فترة السماح تلك، فمن حقه أن يطبق العقاب و لا يحق لأي كان أن يعترض. أليس كذلك؟

عذرا فسأعود إلى بقية مداخلتك الليلة أو غدا...

تحياتي الوردية (f)