مساهمات القراء : تحديد النسل بين الضرورة الملحة وتحريم المشرعين ... بقلم : زاهر سحلول
مساهمات القراء
شارك
بداية عند طرح أي موضوع نرى طرفين متعارضين في آرائهم، وإحدى أوجه الخلاف عندما يتحدث أحد الطرفين باسم العلمانية و الآخر باسم الدين. فلكلا الطرفين مؤيد لا يتخلى عن تأييده، لهذا لا يمكن تجاهل أي منهما ولا يمكن كبت الطرف الآخر ويبقى الحوار والحجج و المنطق أسياد الموقف، كما أننا نعيش في مجتمع يؤمن معظم أفراده بالدين الإسلامي ولا يقبلون بما يعارضه.
تبرز مشكلة هنا وهي تحريم بعض علماء الدين لبعض القضايا دون دراسة وافية فيضيع متابعوهم بين مؤيد يؤيدهم دون تفكير و مؤيد يتساءل عن منطقية آرائهم و معارض يحمل الدين أسباب التخلف ونسي أن الدين شيء والذي يتحدث باسم الدين شيء آخر وقد يتعارضان.
منذ أن بدأت الأصوات تتحدث عن الانفجار السكاني وتدعو إلى تحديد النسل انبرى (بعض) علماء الدين لتحريم الفكرة و محاربتها وقد تبعهم معظم المسلمين في ذلك الرأي لأن رأي الدين مقدس ولا يمكن معارضته
ولكن السؤال هو: هل فعلا حرم الإسلام تحديد النسل؟؟ و ما هي أدلة من حرموه؟ و بما أن مصادر التشريع في الإسلام لا تؤخذ من العلماء بل من أربعة ذكرها الشرع وهي (القرآن والسنة والقياس والإجماع) فليس من الصواب الركون إلى رأي العلماء إلا في حال إجماعهم على فتوى معينة وإن أكبر علماء السلف لم يوردوا فتوى أو حديثا دون الإشارة إلى الدليل أو المصدر الذي استندت إليه هذه الفتوى أو الحديث .
وإذا عدنا إلى المصادر التي استندوا إليها في فتواهم فكان أولها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: تزوجوا الولود الودود (فقد ورد هذا المعنى في عدة أحاديث منها ما رواه النسائي وأبو داود والإمام أحمد بلفظ: تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم. ومنها: تكاثروا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة. وهو حديث صحيح رواه الشافعي عن ابن عمر) إسناد هذا الحديث قد وصل عند بعض الرواة إلى درجة الصحيح، و إن أخذنا بهذا الحكم على الحديث فهناك عدة احتمالات:
أولها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قصد الإكثار في المواليد فعلا فقبائل العرب تفتخر وتنتصر بكثرة أفرادها و
الإسلام كان في بدايته والمسلمون بحاجة إلى أن يصبحوا كثرة خاصة أن الروم و الفرس متحفزون لحربهم من الشرق و الغرب! فمعنى الحديث (إن كان بإكثار العدد) ينطبق على زمانهم كما ينطبق على الفلسطينيين داخل فلسطين في أيامنا هذه. ولكن لا ينطبق على كل زمان و مكان.
والاحتمال الثاني هو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقصد الكثرة العددية بدليل حديث آخر ( تتكالب عليكم الأمم كما تتكالب الأكلة على قصعتها , قلنا (وهم الصحابة الكرام): أمن قلة يارسول الله؟ قال : بل من كثرة ولكنكم غثاء كغثاء السيل) متفق عليه) و غثاء السيل هو ما يحمله السيل من أوساخ أي كثرة لا فائدة منها، فهذا الحديث يدل بوضوح على أن مجرد الكثرة العددية ليست هي المقصودة بل كثرة الشعوب تقاس بمدى فائدة و أداء أفرادها و عدد علمائها وعظمائها فها هي دول يعد سكانها بملايين قليلة كالدانمرك و هولندة و سنغافورة لها شأن عظيم يفوق دولا ذات تعداد عظيم كباكستان و بنغلاديش و نيجيريا و مصر!!
و الاحتمال الثالث هو الروايات التي لم تعط الحديث رتبة الصحيح بل أعطته رتبة الحسن حتى أن بعض رواة الحديث كالإمامين البخاري و مسلم لم يوردا الحديث في إصحاحهما إطلاقا أي أن مخالفة هذا الحكم الذي استند إلى هذا الحديث ليس مخالفة لأصل أو ركن من الدين.
أما الاحتمال الرابع هو ما ذهب إليه بعض الرواة من تضعيف الحديث فمعنى الحديث ضعيف منطقيا فكيف سيعرف الشاب أن هذه المرأة ولود قبل أن يتزوجها 

كما أن هناك حديث صحيح ورد في إصحاحي البخاري ومسلم يعارض في معناه ما فهمه البعض من أن الدعوة منه صلى الله عليه و سلم لمنع تحديد النسل و هو (قال الإمام البخاري في كتاب النكاح . باب العزل :
عَنْ جَابِرٍ قَالَ : كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وعَنْ جَابِرٍ قَالَ : كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ .
وزاد مسلم :
زَادَ إِسْحَقُ قَالَ سُفْيَانُ : لَوْ كَانَ شَيْئًا يُنْهَى عَنْهُ لَنَهَانَا عَنْهُ الْقُرْآنُ .) فيه جواز الاستدلال بالتقرير من الله ورسوله على حكم من الأحكام لأنه لو كان ذلك الشيء حراما لم يقررا عليه و كذلك (أخرج مسلم من حديث جابر قال : كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا ) فهذا الحديث يدل على أن تحديد النسل ليس محرما في الإسلام و إن كان العزل لسنتين أو ثلاثة فقط من أجل تنظيم النسل وليس تحديده فما الدليل على ذلك؟ فالقرآن يذكر أن مدة فصال الطفل عامان و لكن لم يحرم إطالتها لثلاثة أو حتى عشرة!
و أما الاستشهاد بالآية الكريمة (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا) -سورة الإسراء الآية 31- فهي تتحدث عن المولود بعد ولادته و ليس قبل بدليل أن الصحابة قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن العزل (المنع من الحمل) هو وأد خفي عند اليهود فقال كذبت اليهود و لم يعترض على العزل.
فمن كانت لديه أدلة قطعية على تحريم تحديد النسل فليتفضل مشكورا.
و إن تحدثنا عن رأي الدين المسيحي فإن رجال الدين قد حرموا تحديد النسل بدليل (انموا وأكثروا واملأوا "املؤوا" الأرض وأخضعوها) (تك 1: 28) 
وأعتقد أن الوصية قد تحققت فملأنا الأرض و أخضعناها لا بل و دمرناها و لوثنا بيئتها و هواءها و بحرها !! فهل من مزيد؟
أما من الناحية العلمية و الإحصائية والاجتماعية فنحن مقدمون على كارثة سكانية بكل معنى الكلمة، فدول مثل سوريا و الأردن و مصر و السعودية و إيران يتضاعف السكان فيها كل 16 عاما ما يعني أن عدد سكان الأردن بعد 70 عاما سيصل إلى 176 مليون نسمة!! فهل هناك عاقل يصدق أن هذه الدولة التي تشكل الصحراء معظم أراضيها ستكون قادرة على إنتاج قمح لهذا الرقم المهول؟ فماذا عن كميات المياه التي سيحتاجونها و هم يعانون الآن من نقص حاد فيها رغم أن عددهم لم يصل إلى سبعة ملايين فقط؟
و إن كان البعض سيقول لي أن كثرة أعداد المسلمين تخيف أعدائهم في زماننا هذا فهو على خطأ، فها هم اليهود قد سيطروا على العالم بعدة ملايين، فالقوة الآن تعد بعدد العلماء والمال وليس بكثرة كغثاء السيل مستهلكة مهلكة لا فائدة منها.
أما من يستشهد بدول مثل اليابان و أوربا و أنها تشجع مواطنيها على الإنجاب فهو كمن يشجع من أصيب بالتخمة أن يأكل أكثر لأن غيره قد أصيب بالهزال!! فوضعهم مختلف و سكانهم في تناقص و اضمحلال بل يقاس مستقبلنا إن استمر الإنجاب غير المدروس على وضع بنغلاديش الحالي! مع العلم أن مساحة اليابان البالغة 350ألف كم2 (أي ضعفي مساحة سوريا تقريبا) تضم أراض زراعية و مواسم أمطار تفوق ما لدينا بعشرات المرات فلا تقاس المساحة فقط بالكيلومترات بل بمدى نسبة الأراضي الصالحة للزراعة فيها ناهيك عن مقدرات اليابان الهائلة صناعيا و علميا و طبيا و.... الخ.
و من قال أن المنظمات الدولية هي منظمات غربية معادية لذلك تشجع على تحديد النسل والإقلال من أعدادنا في بلداننا بحجة التنمية أقول له: و هل كل ما صدر عن هذه المنظمات شر مطلق؟ فلماذا نتعامل معهم إذا؟ و لماذا نستضيفهم على أراضينا و لماذا نأخذ منهم مساعدات و يقبض اللاجئون من أموالهم؟ و متى سيأتي اليوم الذي نحل فيه مشاكلنا من خلال النظر إلى عيوبنا بعيدا عن نظرية المؤامرة؟
و من قال أن خيرات الأرض كافية لإطعام أضعاف سكانه فهل له أن يشرح لي كيف ستكفي أراضي مصر الصحراوية إطعام 200 مليون مصري بعد 30 عاما وهي التي تعيش على مساعدات خارجية لسد حاجاتها من القمح حاليا؟ مع العلم أنها تستثمر كامل الأراضي الزراعية الصالحة للزراعة....... كيف سنحصل على مياه شرب للملايين الذين سيولدون في دمشق و المهاجرين إليها و نحن نرى مستقبلا لا بل حاضرا قاتما في المنطقة كلها من حيث أزمة المياه؟ عندما نعلم أن 350 مليون إنسان يعيشون عند منابع النيل لم يعد نصيبهم من المياه كافيا رغم الأمطار الغزيرة في منطقتهم فماذا سيفعلون عندما يتضاعف عددهم؟ هل ستتضاعف كميات المياه الموجودة في الأرض؟
يتحدث البعض عن أن موارد الأرض كافية لإطعام أضعاف ما هو موجود من البشر ولكن سوء التوزيع و إهدار الثروات في الحروب هو السبب و كأن مهمة البشر على الأرض هي أن يؤمنوا طعامهم و رزقهم المكتوب و تناسوا أن أجيالا قادمة خلال عقود تعد أضعاف ما هو موجود الآن بحاجة إلى مدارس و تطوير مناهج و عناية صحية و اجتماعية و فرص عمل وسكن و طاقة ومواصلات و نفط و تلويث بيئة و...الخ، فدولنا غير قادرة على تضاعف عدد مدارسنا خلال عقود قليلة حتى أصبح من الصعوبة بمكان إيجاد مقعد دراسي لطفل قادم في المدارس العامة وهذا ما نشهده الآن، ناهيك عن قلة فرص العمل حيث وصلت البطالة إلى مستويات قياسية ولا أمل في أي حل في المستقبل القريب لهذه المعضلة و مهما بذلت الحكومة من جهد فلن تلبي الطلبات المتزايدة على فرص العمل لأجيال معظمها لم يحصل على علم أو دراسة أو مصلحة!! فولدان لعائلة واحدة يحصلان على قدر جيد من التعليم و العناية والتربية و الرعاية الصحية أكثر فائدة للمجتمع من ستة أطفال بلا علم ولا عمل حتى أصبح شعبنا مستهلكا عالة على بعضه و انتشرت الفوضى والحسد والنفوس المريضة والنصب والاحتيال والأمراض النفسية و اليأس و التعصب و البطالة و العنوسة.....
المشكلة أن المثقفين ينجبون طفلين أو ثلاثة يحسنون نشأتهم فيقل نسلهم أو يثبت بينما نرى ازديادا هائلا بأعداد غير المثقفين والجهلاء فيرمون بهم إلى الشارع أو إلى المدن الكبرى ليحصلوا أرزاقهم وهم لا يملكون أي إمكانيات أو علم أو خبرة أو مصلحة فيجنح الكثيرون منهم و يصبحون عالة على مجتمع يعاني أصلا من مشكلات لا حصر لها.
الأرقام تشير إلى أن مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في سوريا بلغت ستة ملايين هكتار تقريبا يستثمر منها ما نسبته 95% أي أنه بقى 5% فقط لنزيد من إنتاجنا و لكن ماذا سيحصل إن زاد سكان سوريا خلال عقدين إلى الضعفين؟ أي 48 مليون! هل ستكفي الأراضي الزراعية؟ مع العلم أن المياه تتجه إلى الشح و النضوب و مواسم الجفاف تقرع أجراس الخطر وأهل الجزيرة قد أصابهم القحط ! طالما كانت سوريا تنتج كميات من القمح تفيض عن حاجتها أما الآن فصارت تستورد القمح! فما بالنا بالمستقبل مع الزيادات السكانية؟
أما إن تحدثنا عن السكن فمهما قدمت الحكومة من حلول و تسهيلات بناء و إسكان فهل سيتم بناء مساكن تساوي ما هو موجود الآن خلال عقدين؟ و هل ستزداد مساحة الأبنية الإسمنتية في دمشق و غيرها إلى الضعفين؟ و هل سيكون بالإمكان تأمين كهرباء و ماء و طرق و مدارس و خدمات بلدية خلال تلك المدة؟ فأسعار السكن في دمشق وصلت إلى مستويات مهولة تبتعد عن المنطق فكيف ستصبح بعد سنوات؟
و هل فكر أحدنا بأن السبب الأول لهذه الأزمة هو الانفجار السكاني؟
في أحد التقارير عن دعوات تحديد النسل في باكستان كان هناك سرد لحالة بعض الأسر منها أسرة آصف الذي رزق بـ 13 بنتا! فقد استمرت زوجته بالإنجاب رغبة بمولود ذكر ولكنه لم يأت، ويعمل هذا الرجل حمالا أو ينظف بيوتا أو محلات أو أي عمل يعرض عليه ولكنه لا يستطيع تأمين خبز لأبنائه فما كان منه إلا أن باع إحدى كليتيه بألف و خمسمائة يورو، إلا أن صحته ساءت و لم يعد قادرا على العمل فزوج ابنته الكبرى البالغة من العمر 17 عاما إلى رجل ستيني بثلاثة آلاف يورو، اكتشف لاحقا أن هذا الستيني يجبرها على العمل في الدعارة فغضب و لكن ما بيده حيلة فقبل بالواقع الذي أجبره لاحقا على دفع اثنتين من بناته للعمل بالدعارة أيضا وإلا.... الموت من الجوع! المشكلة أن هذا الرجل لا يزال يؤمن بحرمة تحديد النسل و إيقاف الإنجاب حرام برأيه و كأن اضطراره لدفع بناته للعمل بالدعارة أقل حرمة!!
المشكلة أكبر من تؤجل فالأزمة واضحة حتى في أيامنا هذه و كل تأخير في إيجاد الحل سيؤدي إلى كارثة و هذا جدول بعدد السكان في عدد من الدول العربية في سنوات سابقة و نسبة زيادتها و الأرقام التي ستصل إليها مستقبلا إن استمرت بنفس النسبة:
http://www.syria-news.com/readnews.php?sy_seq=118944
importent article from a mouslem


و ها أنا الآن أرجو أن أعمل مع أي فريق أو جمعية أو اتحاد ندعو من خلاله إلى تحديد النسل و التحذير من مخاطر الانفجار السكاني وأرجو من الحكومة المساعدة في ذلك مع دعائي للأجيال القادمة بمستقبل أفضل.
و نظرا لطول الموضوع فقد ارتأيت أن أكمله في جزء آخر أتحدث فيه عن الموارد الزراعية في كل بلد و نسبة زيادتها مقارنة مع الزيادة في عدد السكان مع نسب شح المياه ومدى قدرة الدول على مواكبة الزيادات من الخدمات الأخرى كمدارس و سكن و خدمات صحية و بلدية بغية الحصول على أرقام و إحصائيات موثقة.