محمد جربوعة
لا مستقبل للبراليين والإلحاديين العرب.. السبب بسيط جدا وهو فشل المشروع الأمريكي والغربي في المنطقة.
ولا بد من القول هنا أنه كان أمام هؤلاء الإلحاديين واللبراليين طريقتان، الأولى والأساسية : الاستيلاء على زمام الأمر في دول المنطقة عبر القوة التي يراهنون فيها على "أمهم" أمريكا، والغرب عموما.
أما الثانية: فنشر أفكارهم في أوساط المجتمعات، خاصة الشباب والنساء، بما تحمله تلك الأفكار من إغراءات الانفتاح وإسقاط الحواجز والممنوعات، كما هو الشأن في "مشاريع البهائم" التي لا وجود فيها لمصطلح "الحدود".
في الخليج العربي كان نشاط لبراليي وإلحاديي السعودية والكويت واضحا، وبدا ذلك من خلال مؤلفاتهم ومنتجاتهم الإعلامية، وكذا من خلال قنواتهم التي كانت استفزازية ومصادمة لكل التراث الثقافي والحضاري في المنطقة.
وفي مناطق أخرى ظهر الصوت العالي لهذا الرهط في مصر ، وكان أغلب هؤلاء من النصارى الأقباط الذين يندسون في اللبرالية لتفريغ شحنات أحقادهم الصليبية مدفوعة الثمن من طرف مراكز ومؤسسات غربية متخصصة في صناعة بؤر الدس المتقدمة المسماة بالطوابير الخامسة.
ومثل ذلك حدث في فلسطين.. بينما في بلد مثل تونس تبنت الدولة من يحملون مثل هذه الأفكار وجردتهم من شأفتهم السياسية لتستعملهم "مخالب كلاب" لتدمير الثقافة الأصلية للشعب التونسي.
ركب هؤلاء مركب " المخالفة" لإحداث ما يسمى بفرقعات كسر الإجماع، وأثاروا بذلك الكثير من النقاش.
أما من الناحية السياسية فإنهم توسلوا التعددية والمشاركة في الانتخابات البرلمانية لصناعة حلمهم في حكم "المشرق "الذي سيرتد عن دينه ولغته وثقافته ويعتنق شعارات " الحرية والانفتاح وحقوق الإنسان".
وساهم هؤلاء في فتح كوة "الحوار الوطني" في السعودية بعيد مجيء الملك عبد الله للعرش، وفي الكويت تسلل بعضهم إلى البرلمان، وظهرت مؤسسات إعلامية ومراكز دراسات لبرالية وإلحادية اللحمة والسدى..
واستطاع هؤلاء عبر ضغوطهم وتهويلاتهم أن يضيقوا على بعض "العلماء" و"الدعاة" و"القادة السياسيين" وأن يستدرجوهم إلى ما سمي "بالاعتدال والوسطية" سواء على المستوى الديني أو المستوى السياسي.. وقد ساهمت مؤسسات مثل "راند" وغيرها في بلورة فكرة "الذراع الديني اللبرالي" الذي يكون غطاء لإلحاد هذه الفئات المنسلخة عن الدين والقيم، وللأسف فقد ذهبت بعض الشخصيات الإسلامية في هذا الاتجاه لتكون مع العاصفة لا مع القلعة في أشرس عدوان وهجوم وصرصر ثقافي داع إلى الردة.. وظن بعض هؤلاء الدعاة والعلماء أنهم يخدمون مجتمعاتهم بحمايتها جسديا وأمنيا – مثلما صور لهم- ولم يعلموا أنهم يساهمون في مشروع تدمير هذه المجتمعات من الناحية الدينية والأخلاقية .. إذ بدأت التنازلات والارتدادات والتراجعات والمراجعات والانتكاسات.
وكان هؤلاء في بلدانهم مجرد نسخ أخرى للبراليي العراق بمعمميهم، من أمثال: المالكي والحكيم والصدر وعلاوي والمطلك والهاشمي ممن يزعمون أنهم مع العراق ، بينما هم محسوبون في إناء الاحتلال باعتبارهم جزء من آلياته لسلخ العراق عن ثقافته وتاريخه وعقيدته، وذلك طبعا بمباركة "الغطاء الشرعي الديني" المتمثل في "السيستاني" الذي يعتبر المحتضن الشرعي الرسمي للمشروع الاستعماري للعراق.
وحين تحركت الدبابات الغربية الصليبية الغازية نحو العراق وأفغانستان اصطف هؤلاء في صحفهم ومنابرهم ينثرون الورود والقصاصات الملونة على جنود المارينز.
بعد سنوات تحرك المخبوء واتضحت حقيقة شعارات الحرية والتنوير ..ظهر ذلك في أبي غريب وغوانتانامو، في الإبادات والتدمير والتخريب.. وظهرت الصورة الحقيقية للبراليين الذين وعدوا الشعب العراقي بالرخاء فإذا هم يسرقون ماله العام بالملايين في صفقات يحميها الاحتلال ويأخذ فيها سهمه ، تماما مثلما تأخذ المرجعية أسهما أكبر من الخمس .
انكشفت سوأة القوم، وسقط مشروعهم الفكري، ولم يعد من الممكن أن يقتنع به عاقل، بل حتى مجنون.
ازداد الضغط على قطعان اللبراليين بازدياد انتكاس جيشهم الأمريكي في العراق وأفغانستان.. ثم اهتزت اليمن والصومال واستثير السودانيون تحت وقع "المحكمة الدولية" والتدخل الغربي الفج في شؤونهم الداخلية..
وسقطت الأحزاب والتجمعات اللبرالية التي يراهن عليها اللبراليون في كل من لبنان وفلسطين، ثم عادت تركيا إلى الحضن الإسلامي العربي.. وكانت تلك كلها مصائب متتالية يجر بعضها بعضا لتسقط على رؤوس الإلحاديين واللبراليين العرب.
اليوم..يبدو المشهد واضحا.. صراخ على قدر الألم.. وفي كل يوم يزداد فعل المقاومة في المنطقة، بينما تزداد استغاثات قادة الاحتلال في "المسالخ" العراقية والأفغانية يطلبون النجدة والدعم وزيادة القوات، وتبعا لذلك يزداد صراخ يتامى اللبراليين والإلحاديين الذين أكثر ما يرعبهم اليوم هو مصطلح " الانسحاب الغربي" الذي أصبح وشيكا.
ما هو مستقبل هذه المخلوقات والأشياء المتفسخة التي عافت المنطقة مشروعها؟
ذاك سؤال لا تجيب عنه الشعوب إلا بطريقتها حين تكتسح الجموع الهائجة المائجة أوكار الظلام وبؤر الفساد..
لقد أدرك اللبراليون أن الغرب قد دلاهم في الجب وسحب الحبل والدلو بعد ذلك، أدرك اللبراليون ذلك حين دخلوا السجون ولم تنفعهم أمريكا في تخفيف الأحكام .. وأدركوا ذلك حين سقطوا تباعا في الانتخابات.. وحين داهم "حزب الله" اللبناني بيروت على مرأى ومسمع "حي ومباشر" من السفير الأمريكي والسفير الفرنسي والبريطاني.
وأدركوا ذلك حين تّم "تجفيف" محمود عباس وجماعته في " قارورة الضفة" .. وحين صار كرزاي يستجدي "لقاء" طالبان جهارا نهارا وبالصوت المرتفع واللفظ الأعجمي الفصيح..
الآلة الإعلامية لهؤلاء اللبراليين والإلحاديين تحاول التماسك، وهي إلى اليوم تعكس الصورة الحقيقية وتلقي في نفوس القوى الحية بذور الإحساس بالهزيمة .. غير أن قلب الصورة لا ينفع هنا، فسرعان ما تسقط صورة " العربية" و"الشرق الأوسط" ومواقع الصليبي شنودة على وقع البيان الأول للأمة على قفا آخر جندي منسحب أو مسحوب..وعلى الأمة هنا أن تتخلص من دائرة الوهم الإعلامي والسحر الفضائي لقنوات "اللبراليين والإلحاديين" ، ولتتفحص الواقع الحقيقي الذي تصنع فيه الأمة لا غيرها العناوين الأولى لنشرات الأخبار.
هل تجوز تعزية اللبرالي والملحد ليتسنى لنا أن نقول لهؤلاء المحطَّمين الخائرين " :عظّم الله أجركم" ؟
وأي إله هذا الذي سيعظّم أجرهم في سقوطهم في طريق نشر الرذيلة والخراب سوى "يهوه" اليهودي أو إله الدم الأمريكي أو "جعل الروث" ؟!
وأي مصير لهؤلاء الأيتام بعد رحيل أمهم "أمريكا" تحت وقع الركل والصفع على القفا؟ هل هناك "ملجأ" يقبل بإيواء "أيتام الثعابين"؟
كلمة أخيرة صريحة ومباشرة للبراليين: " لا تنتفخوا كثيرا ..فمن لم يستطع إنفاذ مشروعه في وجود أمريكا المباشر، لن يستطيع فعل شيء بعد انسحابها".. استريحوا قليلا قبل الهرب.
و بالمصري : "قاعدين ليه ما تقوموا تروحوا".