محمد جربوعة

هل أصبح من الواجب على أي مشروع واعد للأمة أن يتجاوز "منطقة الخليج العربي" ولو في انطلاقته؟
لقد استطاعت الأنظمة الخليجية تأطير " مواطنيها" بطريقة "استتباعية" لم تترك لهم فيها هامشا ولو ضيّقا من خيار أو حرية.. لذلك لا يمكن أبدا أن يعوّل المرء على أن يحلّق هؤلاء المثقفون والعلماء والدعاة والسياسيون في آفاق أعلى وأرحب من الأفق المرسوم والمحدد.
وهنا أشير إلى أنّ لبراليي الخليج أكثر جرأة من إسلامييه في تجاوز الرسمي.
المنظومة السياسية الخليجية لم تكن يوما منظومة حرة، لقد كانت على الدوام تابعة، لبريطانيا أو لأمريكا ، لذلك فإني لا أستبعد أن تكون في المستقبل تابعة لإيران..
هذا الواقع يجعل من الاقتراب من "الخليج" لإشراكه في أي مشروع تحريري أو نهضوي للأمة، إجهاضا لهذا المشروع.
ستكون مخترقا منذ اليوم الأول، وستدرك أنك لا تضيف إلى صفك سوى مخبرين ولاؤهم الأول لا يمكن أن يكون لك..لذلك فأنت لا تفعل أكثر من أن تزيد على كاهلك ثقلا ، أنت الباحث عمن يحمل معك هذا الثقل.
ثم ترتفع أصوات تنادي الملك عبد الله آل سعود بقيادة الأمة..
أية أمة هذه التي سيقودها العاهل السعودي؟
الأمة في العراق الذي ليس للسعودية فيه غير دعم علاوي؟
أم الأمة في لبنان الذي ليس للسعودية فيه غير الحريري؟
أم الأمة في فلسطين الذي ليس للسعودية فيه غير دحلان ومحمود عباس؟
أم الأمة في مصر التي تتحالف السعودية مع نظام مله الشعب لأنه أوصله إلى حافة الانهيار على كل الأصعدة؟
أم الأمة في ليبيا التي يعرف الجميع علاقة الملك عبد الله بها؟
أم الأمة في اليمن حيث كانت الطائرات السعودية منذ أشهر تقصف وتزمجر بتهمة "الشيعة الإمامية" بينما الجميع يعرف أن الزيدية ليست هي الشيعة؟
أم الأمة في قطر التي تناصبها السعودية العداء؟
أم الأمة في تركيا؟ وهل تستطيع السعودية أن تقود بلدا كبيرا مثل تركيا؟
أم الأمة في باكستان النووية؟
أم يقود الملك الأمة في أفغانستان المجاهدة التي تشوي لحوم الصليبيين حلفاء الملك؟
وإلى أين سيقود الملك الأمة؟
أإلى ما يقود إليه الشعب السعودي؟
نجاد إيران يقود الشعب الإيراني إلى مشروع نووي..فإلى أين يقود الملك عبد الله شعبه؟
في الخليج بمجموعه نصف ما في إيران من ناحية عدد السكان..أما من الناحية العسكرية فلن نتحدث لكي لا يقاس السيف بالعصا ، فإذا أضيف إلى القوة العسكرية الإيرانية قوة البرنامج النووي، ومجموعة الحلفاء ، سوريا وقطر وحزب الله وحماس والجهاد وتركيا والعراق .. فما هو الدور المتبقي للملك؟
إطلاق المبادرات؟
أظن أن الوقت قد حان لإطلاق مشروع عربي إسلامي ، على أن يكون من الحزم استبعاد المشاركة الخليجية فيه، في انطلاقته على الأقل.. هذا رغم إيماني أن في الخليج ثروة شعبية هائلة ، ثقة ووعيا وحماسا وإخلاصا..
لكنني أتحدث هنا عن القيادات ..
لا يمكن أن تضع للأمة قائدا داعية استحل دماء الزيدية المسلمين وشارك في قتالهم ..ولا من حاول التطبيع ودخول المسجد الأقصى بتأشيرة إسرائيلية من عمان..هذا عار وجوده في الذيل ..فكيف بالرأس...
لا بد من الاتجاه إلى الشعوب الحية ..الشعوب الواعية ..ثم لا بد من تجاوز دائرة العرب إلى دائرة المسلمين الأعاجم ..ففي جنوب شرق آسيا شعوب إسلامية حية ..وفي أفغانستان وباكستان وتركيا ..
الشعب اليمني شعب فقير لكنه حي ..الشعب الفلسطيني شعب حي رقم مأساته ...
لا بد أن نكون صرحاء..فلا يمكن مثلا مقارنة الشعب الفلسطيني بالشعب العراقي .. الشعب الفلسطيني ما فتئ مقاتلا رغم كل الحصار ..بينما الشعب العراقي نصفه مع الاحتلال ونصفه متنصل من واجب الثورة .. ولا حديث هناك إلا عن عمليات يقوم بها عرب دخلاء ولو توقفت هذه الجماعات عن عملياتها لسمعنا طنين الذبابة.
في العقود الماضية خسرت إسرائيل حليفين كبيرين، هما إيران الشاه وتركيا الأتاتوركية.. هناك تحولات كبيرة تحدث ..
لا يمكنك أن تستمع يوميا إلى دقائق من نشرات الأخبار دون أن تدرك إلى أين تتجه الأمور .. ضربات لقوى الاحتلال في كل مكان .. انتقال للصراع الإسلامي الصليبي الفكري والثقافي إلى ديار الغرب نفسها، وتدافعات حول الحجاب والمآذن والنبي صلى الله عليه وسلم والقرآن والاحتلال... نقمة شعبية متزايدة في الغرب على الإنفاق والتوسع العسكري .. ازدياد شوكة القوى المناوئة للغرب وللولايات المتحدة في المنطقة وضمور دور ونفوذ حلفاء الغرب ..
كل هذا يدل على أن الأمور متصاعدة نحو نقطة تعني التحرر من العدو الخارجي وأعوانه ووكلائه من الداخل..
هنا لا بد من القول أن الوقت قد حان لتفعيل دور الأمة لقطف ثمار النصر والدخول في مرحلة ما بعد التحرير.
وهذا ما استدعى الدعوة إلى استبعاد الخليج عن بدايات إطلاق مثل هذا المشروع، تفاديا للطعنات والغدر والصفقات والسمسرة والاختراق والتخريب من الداخل ..