عيوب القطاع الخاص السوري: سعي محموم و(مجنون) للإثراء السريع واستعراض (فارغ) للقدرات والإمكانات؟!
طباعة أرسل لصديق
مروان دراج – سيرياستيبس
23/ 08/ 2010
رغم كل ما يثار حول الدور الإيجابي الذي يلعبه القطاع الخاص في تحسين مستويات النمو الاقتصادي، وفي رفع وتائر التصدير وتأمين المزيد من فرص العمل، وتنامي حصة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي.. ورغم الحماسة المتزايدة من جانب هذا القطاع للانتقال إلى آليات اقتصاد السوق، ثمة حاجة ماسة للمكاشفة والمصارحة ببعض النواقص والتجاوزات التي جعلت قاطرة هذا القطاع تخرج عن سكتها الصحيحة في كثير من الحالات والشواهد التي تتلمسها يومياً من خلال تفاصيل الحراك في المشهد الاقتصادي. فقبل نحو عشر سنوات من الآن، وعلى وجه التحديد في مطلع الألفية الجديدة، حيث كانت أبوية الحكومة تسيطر على معظم القطاعات الاقتصادية، وخاصة الحيوية منها، مثل قطاع المصارف والتأمين والاستيراد، كان القطاع الخاص – آنذاك- يوجّه اللوم إلى الحكومات المتعاقبة كونها منعت من ارتقاء سوية الأداء في القطاع الخاص الصناعي على وجه التحديد، وفي حينه كانت مثل هذه الانتقادات محقة نسبياً بسبب تخلف رزمة كبيرة من التشريعات والقوانين التي لم تكن قادرة على محاكاة مثيلاتها في ظل ما طرأ من تبدلات على العلاقات الاقتصادية الإقليمية والدولية، لكن وبعد انقضاء سنوات على صدور تشريعات وقوانين تسمح للقطاع الخاص ورجال الأعمال في الاستثمار وتوظيف الأموال في مشروعات حيوية مختلفة.. ماذا كان الحصاد؟.. وهل استطاع هذا القطاع التخلص من الأمراض والأوجاع التي تحيط به؟!.. وهل أسهم فعلياً في تشييد المشاريع التي من شأنها تحقيق القيمة المضافة، وتوفير فرص العمل لمئات الآلاف من الذين يبحثون عن فرصة عمل؟!
ندرك سلفاً، أنّ الإجابة على هذه الأسئلة بحاجة إلى دراسة مستفيضة ومدعمة بالأرقام أكثر منها مقالة صحفية عابرة،
ومع ذلك يمنكن القول وبلا تردد، أنّ شريحة واسعة من الصناعيين والتجار ما زالت تأخذ بمفهوم (اضرب واهرب) سعياً وراء تحقيق الأرباح الكبيرة والعملاقة وضمن فترة زمنية قصيرة وقياسية، أي هي بدل أن تتجه إلى الاستثمار الفعلي الذي يحقق قيمة مضافة تعود بفائدة كبيرة على المستثمر والصناعي والحكومة في آن، فإنّ الاستثمارات وبمجملها تأخذ صفة "الاستثمار الريعي" الذي يقوم على توظيف الأموال بمشاريع في معظمها خدمية، ولا تسهم في توفير فرص العمل المأمولة ولا حتى بالحدود الدنيا، 

وربّما هذا الأمر بالذات هو ما شجع السيد وزير الصناعة الدكتور فؤاد عيسى الجوني إلى توجيه الانتقادات للصناعيين على مدار الشهور الماضية، وتحميلهم المسؤولية في التحديات التي تحيط بالصناعة السورية،
وهذه الانتقادات حقيقة هي في مكانها، كونها تأتي في وقت يتواتر فيه الحديث بين أوساط الرأي العام والمراقبين حول مئات السلع والمنتجات المصنعة محلياً التي لم تعد تلقى رواجاً في السوق المحلية، وربمّا لم تكن هذه الانتقادات تتداول في السر والعلن وبهذه الكثافة العالية في وقت سابق، بسبب غياب الخيارات السلعية، واضطرار المستهلكين في الإقبال عليها نتيجة الحاجة الماسة لها وغياب الخيارات المثيلة لها، والانتقادات التي تصدر عن المستهلكين لا تمس سلعة بعينها، وإنما تنسحب على قوائم طويلة من المنتجات تبدأ من المأكل والملبس والمشرب ولا تنتهي بصناعات كهربائية ودوائية وكيماوية،
وكل هذا شجع المستهلكين في الإقبال على السلع والمنتجات التركية والصينية والقادمة من شرق آسيا وسواها من الأسواق الخارجية، ويكفي الإشارة، أنّ صناعة البوظة التي اشتهرت بها سورية منذ عقود تراجعت إلى حدود جعلت "البوظة التركية"، تغزو الأسواق كونها أكثر جودة وأقل سعراً. 


وكل هذا يأتي في وقت لم تتوان فيه المنابر الإعلامية عن نشر فضائح لا حصر لها، سواء تعلق الأمر بصناعات غذائية متخمة بالغش والتدليس، أو بانخفاض الجودة والمواصفة لجهة منتجات مثل الألبسة والأدوية، أو حتى استيراد اللحوم الفاسدة التي اتخمت بها الأسواق، ما شجع الحكومة على إصدار قرارات تمنع استيرادها إلاّ من جانب الأعضاء الذين ينتمون إلى هيئة تنمية الصادرات، وذلك لضمان استيراد منتجات صالحة للاستهلاك البشري على أقل تقدير..، وأيضاً الأمر الذي بات لافتاً، أنّه ونتيجة إخفاق شريحة واسعة من الصناعيين في تقديم منتجات قادرة على جذب المستهلكين وإقناعهم في شرائها، فقد سعت هذه الشريحة إلى استخدام أساليب ملتوية لإظهار منتجاتها كما لو كانت مهربة وليست من إنتاج وطني، وهي أي هذه الشريحة تقوم بالترويج لها على هذا الأساس، وهذه الحالات لم تعد فردية أو نادرة، وإنما تحولت إلى ما يشبه الظاهرة، ففي السنوات الأخيرة، كشفت بعض المنابر الإعلامية، أنّ سوقاً بأكمله ومن بابه إلى محرابه في منطقة إعزاز القريبة من مدينة حلب، تحوّل إلى سوق كبير للترويج للبضائع المحلية، انطلاقاً من كونها "مهربة" وتحمل معها لصاقات وعلامات تجارية تبيّن أنها قادمة من بلدان عربية وأجنبية مجاورة. وذات الأمر يمكن سحبه على أسواق أخرى تقع في مناطق حدودية مثل "مضايا" الواقعة في ريف دمشق والقريبة من الحدود اللبنانية.
وما يدعو للأسف، أنّه ورغم هذا الواقع الذي لا نحسد عليه ويفترض أن يستحوذ على اهتمام القائمين على الصناعة الوطنية، نجد أن بعض المرجعيات التي غالباً ما تهتم بـ"الوجاهة" و"البريستيج" مثل غرف الصناعة، لا تحرك أي ساكن، فهي
وبدل أن تشجع الصناعيين على ضرورة إعادة النظر بطرائق وأساليب الإنتاج، نجدها تحاول بين الحين والآخر استخدام نفوذها في الحكومة من أجل العودة مرة أخرى إلى سياسة حماية الصناعة الوطنية التي تعني إنعاش سياسة حصر استيراد قوائم لا حصر لها من المنتجات، بهدف إعادة الاحتكار إلى ما كان عليه قبل سنوات، 
بينما كان الأجدر بهؤلاء السؤال حول مكامن القوة والضعف في أداء صناعة القطاع الخاص، أي في حال كانت هناك تشريعات وقوانين بحاجة إلى التعديل والتحديث لإنصاف الصناعيين، فإنّ على رموز هذه الغرف المجاهرة علانية بهذا المطلب، وليس الاختباء وراء فزاعة سياسة الحماية التي لعبت دوراً أساسياً في تخلف الصناعة الوطنية وتراجع الأداء التصديري.
وحين نقول القطاع الخاص لا نعني بهذه العبارة الصناعيين وحسب، وإنما نعني كل من يمارس الأنشطة التجارية والصناعية وعمليات البيع والشراء من خارج مؤسسات وشركات القطاع العام، فإلى جانب الصناعيين الذين فشلوا حتى الآن من إعادة الألق للصناعة المحلية، فإنّ شريحة واسعة من التجار تلجأ إلى أساليب كثيرة غير مشروعة في عمليات تصدير واستيراد السلع والمنتجات - فعلى سبيل المثال لا الحصر- تواتر الحديث في الآونة الأخيرة حول تنامي ما يسمى بالتصدير الوهمي كي تتمكن فئة من التجار من الحصول على أكبر قدر ممكن من الدعم الذي سيتم تقديمه من خلال صندوق هيئة تنمية الصادرات،
وهناك من يتحدث، عن تمكن شريحة من المستوردين من الحصول على إعفاءات جمركية من خلال استخدام الطرق والأساليب الملتوية في مديريات الجمارك.
السؤال اليوم عن مكامن الضعف والقوة في أداء القطاع الخاص لا يأتي من باب المحاسبة أو اتهامه بالتقصير، وإنما يأتي على أرضية السعي إلى تقويم الأداء والاستفادة من دروس منقضية في ضوء التحولات البنيوية التي يواجهها الاقتصاد الوطني، فالحقيقة التي يعرفها الجميع ولا يمكن تجاهلها، بأنّ ثمة استحقاقات سنواجهها جميعاً في وقت قريب، وهي تبدأ من الشراكة مع أوروبا ولا تنتهي عند حدود الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، ومثل هذه الاستحقاقات تستوجب مراجعة الأداء الاقتصادي بين حين وآخر، فقبل سنوات تمّ التعويل كثيراً على القطاع الخاص، وهناك من راهن على ترشيحه كي يكون اللاَّعب الأول وشبه الوحيد في الميدان الاقتصادي، وبعد انقضاء كل هذه السنوات، نجد أنّه ما زال يعاني من جوانب ضعف بنيوية وفنية وتسويقية لا حصر لها، فمشاريعه الزراعية والصناعية والاستثمارية ما زالت صغيرة الحجم، وذات معدَّل إنتاجي منخفض وقيمة مضافة معدومة بالكامل.. لكل هذه الأسباب وسواها، لابدّ من مكاشفة القطاع الخاص بكل الأمراض والمشكلات التي تحيط به وتجربة السنوات الماضية أكثر من كافية لوضع النقاط على الحروف.