{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
تاريخ سورية 1920-1963
بسام الخوري غير متصل
Super Moderator
******

المشاركات: 22,090
الانضمام: Feb 2004
مشاركة: #2
RE: تاريخ سورية 1920-1963
تاريخ سورية السياسي الحديث 14

فترة حسني الزعيم والانقلاب الأول ....
مع قصة الهجوم على القصر وقتله والبرازي كما وردت من أصحابها في المُلحقات

( تنويه لا بُد منه بالنسبة لمقالات الأحزاب السياسية من تاريخ سورية : حيث جاءت مُعنونة إلى ما قبل الاستقلال ، وهو بالفعل ما كانت النية معقودة عليه ، و كانت الكتابة حين البدء على هذا الأساس ، ولكن تم إدخال فترة الاستقلال والحكم الوطني إلى ما قبل انقلاب الجنرال حسني الزعيم كونها فترة مُمتدة مع ما قبلها ، ولم انتبه للعنوان كون الموضوع والبحث المُضني فيه آخذ جُلّ وقتي ولذا وجب التنويه ، ليكون العنوان الأصح الذي اتمنى تصحيحه "الأحزاب السياسية إلى ما قبل انقلاب حسني الزعيم" )
في الساعة السابعة من صبيحة يوم الأربعاء 30\3\1949 أذاع راديو دمشق البلاغ العسكري رقم 1 فحواه أن الانقلابيين قد سيطروا على البلد بدواعي خوفهم على استقلاله ولتهيئته للحكم الديمقراطي الأمثل ولمكافحة الفساد وأنّ ذلك جرى دون إراقة أي قطرة دم كما جاء في البيان ، الذي حذروا فيه من الإخلال بالأمن وقمع المُشاغبين والمحتجين بلا رحمة أو شفقة ...،وكان قد سبق البلاغ اعتقال الرئيس شكري القوتلي فجر ذلك اليوم ومعه رئيس الوزراء خالد العظم اللذين أُودعا في سجن المزه ، ليقدما استقالتهما بعد أسبوع من اعتقالهما بفعل الضغط الشديد عليهما بعد رفضهما وتمنع القوتلي بشدة الذي أرهقته حالته الصحية من القرحة فاستقال، وليُعلن قائد الجيش فيما بعد حسني الزعيم – بن حسن بن زعيم البهديني - عن استفتاء لرئاسة الجمهورية ، فيها يكون المرشح الوحيد ، بعد أن صارت سورية ترزح تحت الأحكام العرفية والحكم العسكري المباشر، وبالتالي فقد فاز فيها بأغلبية ساحقة كحالة أي دكتاتور ، مما دفعه إلى التفرد والغرور وتصرفه كطاغية وليس كرئيس مما جعل الشعب يزداد نفوراً منه يوماً بعد يوم ، ويزداد كرهاً إلى كره كونه المُتهم الأول بالتلاعب في تموين الجيش والمواد الغذائية الفاسدة ولا سيما كما أُشيع بفضيحة الزيت التي كان سيُحال على إثرها للقضاء مع البستاني ، والتي من خلالها لم يكن يُذكر اسم الزعيم إلا ويضع الناس أياديهم على أُنوفهم كتعبير عن الاحتجاج الدالّ على رائحة الزيت الفاسد الكريه ، مما جعل الزعيم تحت ضغط نفسي ودعم خارجي ، فتقدم بانقلابه متغذيا بالرئيس القوتلي وساسته الوطنيين الذين كشفوا حقيقته بأنفسهم قبل أن يتعشوا به مُبرراً انقلابه بأنه حال دون قيام ثورة دموية شعبية ، وبدعوى لتحقيق آمال الشعب ، وأنه كإجراء دفاعي بعد الإجراءات التي اتخذتها الحكومة السابقة والرئيس المُخالفة للدستور، وكان ذلك الانقلاب بغطاء خارجي غربي أمريكي ، بغية التصديق على المُعاهدات المُتعثرة من البرلمان ، ومنها اتفاقية الهدنة مع إسرائيل بالشروط الإسرائيلية حيث اعتبرت القوى المُعارضة هذا المشاريع بداية الاستعمار الأمريكي وعودة الفرنسي عبر إملاء شروطهم ، ولما تولد عندهم من حساسية عالية من الاستعمار الفرنسي الذي ذاقت منه سورية الويل والثبور

فكان حسني الزعيم أول من شرّعن لسنّة الانقلابات العسكرية في عالمنا العربي والتفرد في السلطة بمؤازرة حُلفائه من بعض القوى ولا سيّما البعثيين في ذلك الوقت ، والتي صارت نهجاً في مُعظم الدول العربية فيما بعد وبدعم خارجي لتحقيق مآرب الغرب ، بغية القضاء على أي طموح استقلالي للبلاد عبر حكام استبداديون منبوذون من الشعب ويفعلون ما يؤمرون ، حيث التعامل مع شخص دكتاتور معروف بأطماعه الشخصية وبتضحيته بالمصلحة العامة في سبيل الشخصنة ، وهو معروف بفسادة وسوء طويته ، مما يجعله ضعيفاً أمامهم ، على عكس الرئيس القوتلي الذي كان يحظى بتأييد برلماني وشعبي منقطع النظير ، ويستطيع الوقوف بوجه الأطماع الخارجية بما يُحقق مصلحة البلاد والعباد ، بينما الزعيم عند اعتلائه سُدّة الحكم كان أول ما فعله هو ما رفضته الجماهير بحينها ، سواءً كان صواباً أو خطأً بتوقيعه على المُعاهدات المذكورة دون الرجوع للشعب ومُمثليه ومنها اتفاقية الهدنة مع إسرائيل بالشروط الإسرائيلية ، هذا عدا عن مُحاولته في إرضاء الغرب بأي وسيلة عبر محاولته في الانقلاب على المجتمع ونسف جذوره وعمليات إزالة الأوقاف الإسلامية وتشجيعه للخروج عن العادات والتقاليد الأصيلة وتشجيع الخنا والفجور ، وأساليب البلطجة التي اتبعها في تعامله مع السياسيين كما فعل سيدة كمال أتاتورك

ومما يجدر ذكره عن وثائق سرية ظهرت عن الخارجية البريطانية بعد مرور ثلاثون عام على أول انقلاب عسكري في الوطن العربي ، بأنّ انقلاب حسني الزعيم
دبره الإنكليز لتدعيم خططها المعروفة بالهلال الخصيب متجاوزة حليفتها فرنسا ، إلا أنّ هذا الطرح له ما يُناقضه ، عندما عزت فرنسا الانقلاب إلى الطموح الشخصي العسكري والى الطريقة التقليدية في أمريكا اللاتينية لا أكثر ولا أقل ، وفُهم هذا بسبب الإشارة الفرنسية للخارجية البريطانية بان تُبقي اتصالها مع الزعيم بدعوى عدم ذهابه لمكان آخر إن لم يلقى الدعم المدني في الداخل السوري مما يؤكد توافق الحليفين البريطاني والفرنسي على الرضا فيما جرى بينهما من عملية تقسيم العالم العربي، وحفاظ كل واحد منهما على حقوق الآخر من خلال المُعاهدة الموقعة بينهما ، وحرص البريطانيين على بعث الاطمئنان في صدور الفرنسيين المُتشككين منهم ، ولأن المُنفذين أيضاً والمخططين هم أدوات فرنسية

أو لربما كان هناك تدبير بريطاني لتغير المُعادلة بإبعاد فرنسا عبر فرض الأمر الواقع ، واستخدام تلك الأدوات لوصول الزعيم ومن ثُمّ الاستغناء عن تلك الأدوات بالاعتماد كُلياً على الزعيم الذي عمل جاهداً على استرضائهم ، وذلك لتعزيز موقفهم بالشرق الأوسط ، وحماية مصالحهم من أي هيمنة فرنسية أمريكية ، لا سيما وأن البريطانيين تدخلوا سابقاً في عملية فصل القوات مابين الفرنسيين والسوريين عام 1945 ، وأرغموا الفرنسيين على الامتثال لأوامرهم

بينما كتاب لعبة الأمم لمايلز كويلاند عضو الاستخبارات المركزية سابقاً يُشير إلى أصابع أمريكية ، فيحلل ذلك البعض بأن الدور الأمريكي جاء تالياً ، بقصد الحفاظ على حياة الرئيس شكري القوتلي الذي تراءت الأخبار عن نيّة حسني الزعيم لتصفيته ، مما استدعاها للتدخل عبر سفيرها بدمشق للتحدث إلى الزعيم بأن مثل هذا العمل سيؤدي إلى نتائج وخيمة ، ومثل هذا المُبرر لتبرير الدعم لحسني الزعيم لا يكاد يُصدق

وهذا الوضع السوري المُعقد، وما كانت عليه الحالة المُريبة والتشكك من أطراف الصراع مما دفع الدول الغربية ولاسيما فرنسا وبريطانيا وأمريكا للاعتراف بنظام الزعيم في وقت واحد ومُبكر ، حتى حسب زعمهم لا يُفكر نظام الزعيم بغيرهم للتوكل عليه كالسوفيت مثلاً ، وكما جاء عن رجل الاستخبارات البريطاني ونداس الذي أكد التورط الإنكليزي في دعم الانقلاب من خلال قوله للوزير سامي كبارة " إذا لم تحصل حكومة حسني الزعيم على مساعدة فورية فإن نظامه سينهار " ولذلك سارعوا للاعتراف به وبالتالي فلن يكون لأي نظام انقلابي بقاء دون أن يكون له غطاء خارجي ، بينما كان الفرنسيين يعتقدون بأن الإسراع بالاعتراف بنظامه يجعله أكثر إصغاء لنصحهم وإرشاداتهم التي هو أحوج ما يكون إليها، وهذا ما أكده المبعوث الفرنسي هيوستون لرئيس وزراء لبنان رياض الصلح بأن حكومته مُتحمسة للاعتراف بحكومة الزعيم ، في نفس الوقت الذي أبهم فيه الصلح إن كان هناك دوافع سرية وراء هذا التسرّع الفرنسي ، وكذلك الاعتراف العربي جاء مُتزامناً مع الأُوربي مع بعض التخوفات من قبل السعودية ومصر ، لما كانت تربطهم من علاقات وطيدة مع الرئيس القوتلي

ولم تكن فترة حكم الزعيم طوال فترة رئاسته القصيرة التي استمرت 137 يوم ، حين انقلاب العقيد سامي الحناوي عليه في 14\8 آب \1949 إلا بما وصفها رياض الصلح" بالجنون " والحكم الفردي المُستبد والمحسوبية ، والتي أدت إلى فشله في إدارة سياسة الدولة ، والى تخلي حُلفائه عنه الذين أوصلوه الى السلطة وخططوا لانقلابه المشئوم ، مما يُفسر تخبطه الشديد وعدم التوازن الذي أصابه في احتلاله لمنصب لا يستحقه ، إذ كشف من خلال ممارسته الحكم على عدم امتلاكه لأي تجربة سياسية ، مما أدّى إلى المُطالبة وحاجة البلاد إلى إزالته ، كما أنّ حدّة تصريحاته أربكت الوضع الإقليمي ، عبر اتخاذه لخطوط غير مفهومة ، ولا تنم إلا على الغباء والفردية في التصرف ومنها تسليمه للمعارض اللبناني اللاجئ انطون سعادة الذي قُتل على إثر ذلك ، مما أدّى إلى اجتماع عوامل كثيرة عجّلت في نهايته ، وبنفس الكأس الذي سقاه للوطنيين الأحرار وفئات شعبنا السوري

وأخيراً : لنصل إلى خُلاصة بانّ الانقلابات العسكرية ليست صناعة عربية أو سورية ، بل هي تشكيل أوربي أمريكي مدروس لخدمة مصالحهم ، تهافت عليه بعض المنبوذين الذين سعوا إلى استرضاء الأجنبي لتدعيم نفوذهم ليكون لهم من القسمة والحساب شيئاً ، حتى صار رجال الاستخبارات للدول الخارجية كحكام فعليين في البلاد ، فيستقصون الأخبار ويُقررون المصائر ، ويكفي للاستدلال على ذلك بالنتائج ، بأنّ هذه الانقلابات لم تكن يوماً لصالح الشعوب وتطلعاتها وآمالها ، بل لم تكن إلا خنجراً مسموماً في جسد الأمم والشعوب




مُلحقات لمواضيع متعلقة :



بيان الانقلاب الأول لحسني الزعيم ... الذي أعده وقرأه أكرم الحوراني 30 آذار 1949
ومما جاء فيه ( .... مدفوعين بغيرتنا الوطنية ومتألمين لما آل إليه وضع البلد من جرّاء افتراءات من يدعون أنفسهم حكاماً مُخلصين لجأنا مضطرين إلى تسليم زمام الحكم مؤقتاً في البلاد التي تحرص على استقلالها كل الحرص ، وسنقوم ما يترتب علينا نحو وطننا العزيز غير طامحين إلى استلام الحكم بل القصد من عملنا هو تهيئة حكم ديمقراطي صحيح محل الحكم الحالي المزيف ، وإننا لنرجو من الشعب الكريم أن يلجأ للهدوء والسكينة مقدماً لنا المعونة والمساعدة للسماح لنا بإتمام مهمتنا التحريرية وإن كل محاولة للإخلال بالأمن من بعض العناصر الهدامة تقمع فورا دون شفقة أو رحمة )
وكان السيد فارس الخوري قد قال له إثر انقلابه .. سامحك الله فتحت باباً يصعب على التاريخ اغلاقه



مكونات الجيش السوري بعد الاستقلال نيسان 1946

كان الجيش السوري بعد جلاء القوات الأجنبية مكونا من فلول الجيش المختلط والحرس السيار والهمّل وخليط من الأقليات الغير متجانسة التي اُستقدمت من مناطقها لتكون بتصرف المندوب السامي الفرنسي كي يحفظوا ولاء الأقليات ، ولذلك فقد كانت العائلات المالكة للأراضي والإقطاعية تحتقر الجندية كمهنة لوجود هذا الخليط الهجين الكسل المتأخر دراسياً والمغمور اجتماعياً والمعروف بتهوره ومغامرته لأنه لا يملك الأبعاد لقراراته ، وأيضاً لسيطرة العاطفة الوطنية على تلك العائلات ، التي تعتبر الانتساب إلى هذا الجيش في فترة مابين الحربين العالميتين خدمة للمحتل الفرنسي ، وقد انضمت هذه الفلول فيما بعد إلى قوة الدرك السورية التي قاوم الكثير منها الجيش الفرنسي المحتل اثر اندلاع الثورة الشعبية للمطالبة بالاستقلال ، والتي كان لرجال الدرك الأكثر وعياً وانتظاماً حينها من المواقف المُشرفة في حلبة النضال الوطني وهي معروفة من الجميع ، ومن هذا المزيج تكونت القوات السورية الوطنية ، وصدر بعدئذ قانون الخدمة العسكرية الإلزامية على اثر حرب فلسطين
وكان أكثر ضباط وجنود الجيش من العساكر الذين تطوعوا في صفوف الجيش الفرنسي السوري المختلط ، وكان لا يُسمح لهم بالارتقاء المناصب العليا القيادية في الجيش ، وبالتالي لم يكونوا بشعورهم بمستوى الحركة الوطنية ، مما جعل الجيش السوري الناشئ مطية سهلة للمغامرين من ضباطه ، وكان سبباً من أسباب الشقاق والتمزق في صفوفه ، وإبعاده عن واجبه المُقدس في الدفاع عن حدود الوطن وتحمل مسؤوليته وزجه في خضم السياسة والنزاع الحزبي والطائفي والعشائري، وكما قال بشير فنصة عن تلك المرحلة بأنها لأسباب ظروف تاريخية دولية فُرضت على سورية بحكم الانتداب والاستعمار الفرنسي للقضاء على استقلالها المنشود ، وقال فنصة عن هذا الجيش الذي ضم فلولا من العساكر والضباط المرتزقة بأنهم احد مخلفات الانتداب الفرنسي الذي عمل جاهداً في سبيل القضاء على جميع المؤسسات ذات الطابع الوطني المستقل ، وربط جميع أجهزة الدولة بما فيها القوات المسلحة بالحكام والمستشارين الفرنسيين



وإليكم قصة الإنقلاب على الزعيم وقتله من روايتين مكملتين لبعضهما ممن شارك في الإقتحام والقتل
الأولى من محمد معروف مؤلف كتاب « أيام عشتها » يكشف لأول مرة كيف أعدم حسني الزعيم

وعند سؤال محمد معروف من الصحفي طارق ترشيشي من صحيفة آوان أنت تقول في كتابك «أيام عشتها» إن عصام مريود هو من أعدمهما!
-عصام مريود وبعض الضباط القوميين السوريين لأن الزعيم سلم رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي أنطوان سعادة للسلطات اللبنانية التي أعدمته.
يعني إعدام حسني الزعيم كان ثأراً لأنطوان سعادة؟

-لا، لم تكن عملية ثأر، لقد تألمنا جميعاً لأن كل ضباط الجيش من الشباب تأثروا بأداء حسني الزعيم كيف أنه يأتي برئيس حزب (سعادة) ويؤمنه على حياته ويقول له سأعطيك 3 آلاف جندي وأناصرك على رياض الصلح وتحتل لبنان وأنا موافق معك، وبعدها يسلمه لكي يعدموه، وتحصل معركة يخوضها القوميون السوريون ويُقتل فيها ضابط من آل عساف على ما أذكر ويستسلم بعدها القوميون. وقال لي يومها غسان جديد إن الأسلحة كانت فاسدة وغير صالحة. إن سلوكية حسني الزعيم في الحياة لم تكن صحيحة.

الملك فاروق ورياض الصلح والبرازي

{ لقد قرأتُ يوماً في كتاب «الحبر أسود أسود» لناصر الدين النشاشيبي بعضاً من دردشاته مع حسني الزعيم حيث يرد الأخير عليه عندما يحذره من عدم رضى الرأي العام العربي على سلوكه السياسي قائلا: «إن الرأي العام العربي هو حمار كبير».

-حسني الزعيم كان يكره رياض الصلح، والأخير كان يعتبره إنساناً مجنوناً. وللحقيقة فإن الصلح تقرّب منه بواسطة شخص اسمه محسن البرازي المتزوج من آل الجابري، والصلح كان متزوجاً من آل الجابري أيضاً، ولذا كانا قريبين بعضهما من بعض بالمصاهرة. ويومها كان يهم إنكلترا وفرنسا استقرار لبنان، وكانتا تعاديان الحزب القومي السوري لأن منهجه معاد لإسرائيل وينادي بوحدة سورية الكبرى. وأذكر أن رئيس الجمهورية اللبنانية اتصل يومها بالملك فاروق وطلب منه التكلم مع محسن البرازي الذي كان في زمانه سفير سورية في القاهرة قبل أن يعُيّنه حسني الزعيم لاحقاً رئيساً للوزراء بحكم أنهما من أصل كردي. واتصل الملك فاروق بالزعيم وطلب منه فرط الاتفاق القائم بينه وبين الحزب القومي السوري، وبتأثير مزدوج يومها من البرازي والصلح وكل الدولة اللبنانية وصل إلى سورية شخص اسمه فريد شهاب وآخر كان مديراً للأمن العام وشخص ثالث كان قائداً للدرك لا أتذكر اسمه وجاء إبراهيم الحسيني بالزعيم أنطوان سعادة وسلمهم إياه وطلبوا منهم يومها أن يقتلوه في الطريق، وبالفعل اتصلوا برياض الصلح فقال لهم «إياكم أن تفعلوا هذا الشيء». فحاكموه يومها ولم أعد أعرف ما حصل.

ما الدافع الذي جعل حسني الزعيم يسلم أنطوان سعادة للسلطات اللبنانية التي أعدمته؟

-حصل ضغط على حسني الزعيم، لأن الإنكليز والأميركيين لا يريدون أن تحصل مشاكل في لبنان. زد على ذلك فقد اتصلوا بواسطة محسن البرازي وبالملك فاروق. وأثناء ذلك عُيّن محسن البرازي رئيسا لحكومة حسني الزعيم، فاتصل الملك فاروق بالزعيم، وأعتقد أنه حصل ضغط عليه لأنه هو الذي سهّل كثيراً للأميركيين خطوط التابلاين وما إلى هنالك، لأن السوريين لم يستطيعوا القيام بذلك، فما كان منه إلا أن سهّل لهم كل الأمور وعقد معهم اتفاقات، حتى قيل أن الأميركيين ساعدوه في الانقلاب. ولكني شخصياً لا أعتقد ذلك لأن الانقلابات العسكرية في سورية كانت سورية بحتة، وليس صحيحاً أنه كان وراءها أميركا أو العراق أوالسعودية.

إعدام حسني الزعيم ومحسن البرازي

{ ذكرت في كتابك «أيام عشتها» أنكم عندما دبرتم الانقلاب على حسني الزعيم كنتم متفقين على عدم إراقة أي دم، فماذا تبدل حتى أُعدِمَ حسني الزعيم ومحسن البرازي؟

-أولاً بالنسبة لحسني الزعيم بالفعل طُلب من شخص درزي يقال إنه من آل أبو عساف ينتمي إلى الحزب السوري القومي أن يأتي به حسب الاتفاق إلى مقر الأركان، وكانت من مهمات عصام مريود في الوقت نفسه أن يأتي بمحسن البرازي إلى الأركان أيضاً، ولكنه بدلاً من أن يأتي به إلى الأركان مرره على بيت أكرم الحوراني الذي كان أقرب المقربين بالزمن لحسني الزعيم، ولكن من أزاحه من عند الزعيم كان محسن البرازي (والاثنان من حماه)، وقبل الانقلاب قال لي الحوراني إن محسن البرازي هو روح الزعيم الشريرة، وكان ناقماً عليه بشدة. عصام مريود بدل أن يأتي به رأساً إلى الأركان أتى به إلى بيت أكرم الحوراني فقال له «روح صرفو» وهذا ما حصل. ويُقال إنه ضربه وركله برجله أيضاً. وفي هذه الأثناء جيء بشخص إلى مقر الأركان الذي كنتُ احتللته ضمن خطة الانقلاب العسكرية التي كنت من واضعيها، وقد أضاع هذا الشخص نظارته، وهو يرتدي «البيجاما»، فركض نحوي وتمسك برجلي اليسرى، وكان إلى جانبي ضابط يعرفه فلطمه على خده، فقلت له «مين حضرتك» فقال لي: «أنا محسن البرازي ويريدون قتلي». فقلت له: «لا تخف لن يقتلك أحد». وبالفعل فإن أول بند من بنود خطة الانقلاب كان عدم إراقة أي دم إلاّ في حالة الدفاع عن النفس، وإذ تسلم سامي الحناوي هيئة الأركان جاءني ضابط مدرعات من جماعة حسني الزعيم اسمه بديع ملحم، وقال لي إن الحناوي يريدك لكي توقف ما حصل، فسلمت محسن البرازي لملحم وقلت له: «لا تسلمه لأحد». وذهبت إلى الحناوي، في هذا الوقت كان عصام مريود مازال رئيساً للأركان، فسحب البرازي من الضابط الذي كان أقل رتبة منه، والتقى حينها مع الجماعة الذين أمسكوا بحسني الزعيم واقتادوا الاثنين الى مكان اسمه «الشراطيط»، وقال حسني الزعيم للجنود «أنا عملت لأجلكم»، ولما كاد يحصل انقسام بين هؤلاء عاجله أحدهم بمسدسه وقتله ودفنوه في المكان».


والرواية الثانية من قصة الدخول الى قصر الزعيم وقت الإنقلاب وإعدامه المصدر:مذكرات أكرم الحوراني

حول وقائع هذه الحادثة نثبت هنا بعض ما جاء في مذكرات الضابط فضل الله أبو منصور الذي داهم مقر حسني الزعيم في حي أبي رمانة ليلة 13-14-آب1949 فاستسلم الحرس بتواطؤ رئيسهم مع رجال الانقلاب.

يقول فضل الله أبو منصور في كتابه أعاصير دمشق:

"مشيت إلى باب القصر يرافقني ادهم شركسي والرقيب فايز عدوان، وقرعت الباب بقوة فلم أسمع جوابا وكررت القرع ثانية وثالثة والليل ساج والهدوء شامل والصمت تام، وواصلت قرع الباب بشدة، فإذا بالأنوار الكهربائية تشع وإذ بحسني الزعيم يطل من الشرفة صائحا:

- ما هذا؟.. ما هذا؟.. من هنا؟.. ماذا جرى؟

أجبته بلهجة الامر الصارم:

- استسلم حالا، فكل شيء قد انتهى، وإلا دمرت هذا القصر على رأسك.

فانتفض وتراجع مذعورا، فعاجلته بوابل من رصاص رشاشتين إلا انه دخل القصر وتوارى فيه.. فأطلقت الرصاص على باب القصر حتى حطمته ودخلت واذا بحسني الزعيم ينزل من الدور الثاني وهو يرتدي بنطلونه فوق ثياب النوم وزوجته وراءه تصيح:

- حسني، حسني، إلى أين يا حسني؟

وقبل ان يتمكن من الرد على زوجته دنوت منه واعتقلته، ثم صفعته فقال محتجا:

- لا تضربني يا رجل. هذا لا يجوز، احترم كرامتي العسكرية.

أجبته بصوت متهدج:

- أنا أول من يحترم الكرامة العسكرية، أما من كان مثلك فلا كرامة له، أما أقسمت للزعيم أنطون سعادة يمين الإخلاص وقدمت له مسدسك عربونا لتلك اليمين ثم خنته وأرسلته إلى الموت؟

قال:

- والله يا بابا أنا بريء... اتهموني بذلك ولكنني بريء.

فانتهرته قائلا:

- هيا بنا، اخرج، لا مجال لكثرة الكلام.

مشى حسني إلى الخارج صاغرا وهو يحاول أن يكبت الخوف الذي أخذ يبدو بوضوح في قسمات وجهه وحركاته المرتبكة، وكنت في ثياب الميدان، وقد أرخيت لحيتي السوداء فلم يعرفني، وحسبني شركسيا، فأخذ يخاطبني باللغة التركية ولكنني أمرته بالتزام الصمت، ثم أدخلته الى المصفحة التي كانت تنتظر على الباب الخارجي وسرت به صوب المزة.

كان حسني في المصفحة ساهما تائه النظرات، كأنه لا يصدق ما يرى ويسمع... كأنه يحسب نفسه في منام مخيف... ثم تحرك وتفرس في وجهي فعرفني، وتظاهر بشيء من الارتياح ثم قال لي:

- يا فضل الله أنا بين يديك، معي ثمانون ألف ليرة، خذ منها ستين ألفا لك ووزع عشرين ألفا على جنودك وأطلق سراحي، دعني أهرب الى خارج البلاد.

فسألته:

- من أين لك هذه الثروة؟ ألست أنت القائل انك دخلت الحكم فقيرا وستخرج منه فقيرا؟ كيف انقلب فقرك ثراء؟

فأخذ يتمتم:

- والله يا بابا أنا بريء .. هذه مؤامرة علي دبرها الانكليز لتقويض استقلال البلاد... والله أنا بريء، أنا أحبكم، أنا جندي مثلكم.

أجابه فايز عدوان:

- لو كنت تحبنا لما باشرت تسريحنا دون سبب ونحن في الجبهة نقاتل أعداء الوطن، أنت لا تخاف الله ولا تحب احدا.

قال:

- والله يا إخواني انأ مظلوم، الذي سرحكم هو عبد الله عطفة رئيس الأركان العامة، أما أنا فقد أصدرت أمرا لتشغيلكم في خط التابلاين.

عند هذا الحد أمرت حسني بالصمت وحظرت عليه مخاطبة الجنود، فساد على المصفحة صمت ثقيل، اذ لزم حسني الصمت، وقد بدا على ملامحه الرعب الشديد، فكان ينظر الى مسدسي المصوب إلى رأسه، والى رشيشات الجنود المحيطة به فتلمع عيناه ذعرا.

سارت المصفحة على طريق المزة إلى حيث كان الحناوي وأركانه ينتظرون خارج المدينة حتى تأتيهم الأخبار عن نتيجة مغامرتي. ولما وصلت إلى مفرق كيوان وجهت رسولا ينقل خبر اعتقال حسني الزعيم إلى الحناوي ويسأله: "ماذا تريدون ان أعمل بالأسير؟".

ما كاد الرسول ينطلق على دراجته النارية حتى تكلم حسني وسألني:

- من هو قائد الانقلاب؟.. أيكون أنور بنود؟

أجبته بالنفي ولم أذكر اسم أحد، فاستطرد قائلا:

- إذن فهو الزعيم سامي الحناوي؟

فنهرته قائلا:

- هذا لا يعنيك الآن ولا يهمك، ستعرف ما يجب أن تعرفه بعد قليل.

ولما تأخرت الدراجة رأيت أن طول الانتظار على مفرق كيوان لا يوافق، فأمرت آمر المصفحة فايز عدوان من "الكفر" بمواصلة السير على طريق المزة القنيطرة. ولما ابتعدت عن المدينة، انحرفت عن الطريق وأقمت انتظر.

كنت أظن أن الجميع زحفوا معي إلى دمشق، ولكنني علمت فيما بعد أنهم تريثوا حتى يروا نتيجة قيامي بمهمتي، ولما وصلت إلى مفرق كيوان من القصر الجمهوري بتلك السرعة، ظن كثيرون آني فشلت ولذت بالفرار، فكادوا يفرون هم أيضا.. ثم عاد الرسول بعد نصف ساعة ليقول لي: " القيادة تطلب إليك أن تبقى هنا حتى يأتيك منها إشعار بما ينبغي أن تعمل، وكانت الساعة قد بلغت الثانية والنصف بعد منتصف الليل، وأقمت انتظر في المصفحة دون أن أحول نظري عن حسني الزعيم حتى الساعة الثالثة والدقيقة 45 .

كان الزعيم يلبس بنطلونه العسكري المختص برتبة مشير وقميصا تحتانيا من القطن، مما يدل على أنه هب من فراشه مذعورا ولبس بنطلونه بسرعة دون أن يجد متسعا من الوقت ليلبس شيئا آخر، لذلك أحس بالبرد وخاطبني قائلا:

- يا فضل الله أعطني معطفك، بردان.

فخلعت معطفي وأعطيته اياه فارتداه شاكرا، ثم طلب سيكارة، فأشعلت واحدة من النوع المختص بالجيش وقدمتها له فأخذ يدخنها ساهما وقد بدا عليه شيئا من الارتياح لأنني أعطيته كل ما طلب، وخيل إليه أن هذه المسايرة تدعو إلى التفاؤل. فحاول من جديد أن يخاطب جنود المصفحة ولكنني أمرته بالصمت فقال:

- إلى أين تريدون أن تأخذوني؟

قلت:

- إلى مكان يليق بك، فلا تخف.

قال:

دعوني أنزل قليلا من المصفحة .. أريد أن أقضي حاجة.

قلت:

- اقض حاجتك هنا في المصفحة ولا حرج عليك.

فأطاع دون أن يفوه بكلمة.

وآنذاك وصل الرئيس عصام مريود، والملازم أول حسن حكيم، والملازم عبد الغني دهمان، في مصفحة، تتبعهم سيارة كبيرة ملأى بالحنود، ومعهم معتقل آخر هو رئيس الوزراء محسن البرازي، ومعه ابنه... بقي الابن في المصفحة على الطريق وجاءني الجنود بمحسن جريا على الأقدام، فإذا هو في ثياب النوم يرتعد خوفا ويردد بصوت مرتجف:

- ارحموني .. ليس لي أية علاقة بما جرى.. ارحموني.. ارحموا أطفالي دخيلكم.

وتكلم الرئيس عصام مريود فقال لي:

- حكمت القيادة على حسني الزعيم ومحسن البرازي بالإعدام. ويجب ان يتم التنفيذ فورا.. هذا هو قرار المجلس الحربي.

فأمسكت حسني الزعيم بيدي اليسرى، ومحسن البرازي بيدي اليمنى، وسرت بهما إلى المكان الذي تقرر ان يلاقيا فيه حتفهما وهو يقع على مقربة من مقبرة كانت للفرنسيين في مكان منخفض، وقد أدرت وجهيهما صوب الشرق، صوب دمشق. وكان الجنود في موقف التأهب لإطلاق النار.

أوقفتهما جنبا إلى جنب، وتراجعت مفسحا للجنود مجال التنفيذ، فإذا بمحسن البرازي يصيح:

- دخيلكم .. ارحموني .. أطفالي.. أنا بريء.

وإذا بحسني الزعيم يشجعه باللغة الفرنسية قائلا:

n, ayez pas peur, ils ne nous tuerons pas c,est imoissible

أي لا تخف لن يقتلونا، هذا مستحيل.

وما كاد حسني يصل إلى هذا الحد من كلامه حتى انطلق الرصاص يمزق الرجلين ويمزق أزيزه سكون الليل ولم يكن الفجر قد بزغ بعد (1)



يبدو أن رواية فضل الله أبو منصور صحيحة بناء على حادثتين جرتا معي:

الحادثة الأولى: قبل انقلاب الحناوي بثلاثة أسابيع، كنت أسهر في النادي العائلي بالقصاع مع الأستاذ نخلة كلاس ورفاق آخرين عندما أقبل علينا عصام مريود ثملا وقد أخذ منه السكر مأخذه، فراح يشتم حسني الزعيم ويتوعد بالقضاء عليه، فنصحته بأن لا يكرر هذا الحديث مرة أخرى في مكان عام لأن عيون إبراهيم الحسيني بالمرصاد.

الحادثة الثانية: في ليلة الانقلاب وأنا نائم في بيتي "دار اليقظة" في زقاق صخر استيقظت على طرق شديد فأطللت من النافذة فإذا بالضابط عصام مريود ومصفحة واقفة عند رأس الشارع.

نزلت وفتحت له الباب فقال:

- إن شئت جلبت لك ألان محسن البرازي ليقبل حذاءك.

كنت لا أزال بين النوم واليقظة في تلك الساعة المتأخرة من الليل. وكان عصام مخمورا وقد زاده السكر هياجا، فقلت له:

- ما هذا الكلام يا عصام؟ .. من قال لك إنني أرضى بذلك؟ .. إن محسن البرازي أستاذي في الحقوق ولن أرضى أن أراه بمثل هذا الموقف، ثم أغلقت الباب بعصبية.


وقد روى خالد بن محسن البرازي لأحد أصدقائه ما يلي:

"دخل الجند منزلنا في الساعة الثالثة بعد منتصف الليل، وأطلقوا الرصاص إرهابا، فأطل أبي يستطلع الخبر. وإذ بهم يقبضون عليه ويضربونه ويضعونه في سيارة جيب. ووضعوني إنا في السيارة المصفحة، وساروا بنا إلى مركز أركان حرب الجيش، فاخذوا والدي وصعدوا به إلى مركز القيادة بينما ظللت انأ في المصفحة، وبعد وقت قصير عادوا به وانطلقت السيارات باتجاه قلعة المزة، وعلى بعد مائتي متر تقريبا من قرية المزة رأيت حسني الزعيم واقفا وحوله الجند على بضعة أمتار من الطريق العام. فأنزل الجند والدي من السيارة وقادوه إلى قرب الزعيم وأطلقوا عليه الرصاص، فسقطا مضرجين بدمائهما" (صحيفة النهار اللبنانية 18/8/1949).

لقد تكتم ضابط الحناوي عن تفاصيل مصرع حسني الزعيم ومحسن البرازي خشية من ثأر آل البرازي. وكان عصام مريود يدعي أنه سلمهما أحياء إلى ضباط آخرين، وبعد اغتيال سامي الحناوي على يد حرشو البرازي ثأرا لابن عمه محسن البرازي كشف فضل أبو منصور عن تفاصيل مصرعهما.


(1) المقدم في الجيش السوري فضل الله أبو منصور: أعاصير دمشق - طبعة لم يذكر مكان ولا تاريخ صدورها - ص68-77.

حسني الزعيم ماجاء عنه من مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والإستراتيجية

هو حسني ابن الشيخ رضا بن محمد بن يوسف الزعيم البهديني "من أصول كردية ". ولد في حلب عام 1897، كان والده مفتياً في الجيش العثماني، وكان فاضلاً من رجال العلم، استشهد في هجوم على قناة السويس في الحرب العالمية الأولى سنة 1915. أما والدته فكردية ، وله شقيقان: الأول الشيخ صلاح الزعيم والثاني بشير الزعيم.
البهديني : عشيرة كردية كبيرة منتشرة في سورية وتركيا والعراق ولبنان وزعيمها سليمان أغا حاج سعدون

درس حسني الزعيم في المدرسة الحربية بالأستانة، وقبل أن يتم دراسته جُعل من ضباط الجيش التركي، اعتقله البريطانيون في الحرب العالمية الأولى. ثم تطوع في الجيش الفيصلي الذي دخل دمشق وحارب الأتراك، وفي عهد الانتداب الفرنسي تطوع في الجيش الفرنسي، وتابع علومه العسكرية في باريس. بعد وصول قوات فيشي إلى سورية انقلب على الديغوليين، وحارب ضدهم، وفي عام 1941 اعتقله الديغوليون، وأُرسل إلى سجن الرمل في بيروت حتى 17 آب 1943، حيث أُفرج عنه، وسُرح من الجيش وهو برتبة كولونيل (عقيد).
منذ عام 1945 ظل يتردد على السياسيين وأعضاء مجلس النواب لإعادته إلى الجيش، فتعرف على رئيس تحرير صحيفة (ألف باء) نذير فنصة، الذي توسط له وأعاده إلى الجيش، فعين رئيساً للمحكمة العسكرية في دير الزور، ثم انتقل إلى دمشق مديراً لقوى الأمن. وفي أيلول 1948 أصدر رئيس الجمهورية مرسوماً بتعيين الزعيم قائداً للجيش بعد ترفيعه إلى رتبة زعيم.
تطورت العلاقة بين الزعيم ونذير فنصة، بعد زواج الزعيم من شقيقة زوجته. عرف عنه إدمانه على شرب الخمر، ولعب القمار، وحب الظهور والمغامرة بصورة مسرحية ملفتة للانتباه، أصيب بمرض السكري الذي جعله عصبي المزاج متهوراً.
كان الزعيم منذ صغره تواقاً للسلطة. له كلمة مأثورة: (ليتني أحكم سورية يوماً واحداً ثم أُقتل بعده). " فحكم 137يوم وقُتل
يعتبر حسني الزعيم، صاحب أول انقلاب عسكري في تاريخ سورية المعاصر، ففي ليلة 30 آذار 1949 قام بانقلابه متفقاً مع بعض الضباط، فاعتقل رئيس الجمهورية شكري القوتلي، ورئيس وزرائه وبعض رجاله، وحل البرلمان، وقبض على زمام الدولة وتلقب بالمشير. وألّف وزارة، ودعا إلى انتخابه رئيساً للجمهورية، فانتخبه الناس خوفاً في 26 حزيران 1949، وكان يحكم وقد وضع له غروره نصب عينيه صور نابليون وأتاتورك وهتلر.
يقول أوين في كتابه (أكرم الحوراني): (لقد تأكد حديثاً بعد السماح بنشر بعض الوثائق السرية، وبعد ما يقرب من أربعين عاماً من انقلاب حسني الزعيم تورط الولايات المتحدة بأول انقلاب عسكري في العالم العربي، وكان قد أُشيع لسنوات بأنها ساندت انقلاب حسني الزعيم، كما كان مايلز كوبلند عضو المخابرات المركزية السابق قد ذكر في كتابه لعبة الأمم عن المساعدات الأمريكية لحسني الزعيم. ولكن روايته لم تؤخذ آنذاك على محمل الجد، واستناداً لما كتبه فإن سورية كانت على حافة اضطراب سياسي عنيف، بينما كانت حكومة الكتلة الوطنية عمياء عنه. ورأى السفير الأمريكي في سورية أن الأوضاع ستأخذ أحد مجرين: إما احتمال قيام الانتهازيين قريباً مع مساعدة السوفييت بانتفاضة دموية، أو أن يسيطر الجيش على السلطة بمساعدة الأمريكيين السرية للمحافظة على النظام، إلى حين إحداث ثورة سلمية. ويقول المؤلف أيضاً: وهكذا شرعت المفوضية الأمريكية بالقيام بعملية هدفها تشجيع الجيش السوري على القيام بانقلاب، من أجل الحفاظ على سورية من الاختراق السوفييتي، وجلبها إلى طاولة السلام مع إسرائيل، ولم يكن حسني الزعيم الخيار الأول لفريق العمل السياسي الأمريكي المشرف على العملية، ولكنه أصبح هدفها لأنه لم يكن هناك الكثير مما يمكن عمله، لقد رأى فيه الأمريكيون نواحي إيجابية عديدة، فقد كانت له مواقف شديدة العداء للاتحاد السوفييتي، وكان يرغب في الحصول على مساعدات عسكرية أمريكية، بالإضافة لكونه مستعداً لعمل بناّء بخصوص (القضية الفلسطينية)، واستناداً للوثائق السرية التي سمح بنشرها التقى الزعيم حسني الزعيم مرات مع مسؤول من السفارة الأمريكية، للنقاش حول الانقلاب، وقد بدأت هذه اللقاءات في أواخر 1948، وانتهى الإعداد للانقلاب أوائل 1948، وفي شهر آذار من العام نفسه تقدم حسني الزعيم بطلب المساعدة من الأمريكيين للقيام بانقلابه).
دفع حسني الزعيم ثمناً للدول الكبرى لاعترافها به، اتفاقياتٍ تخولها إقامة نفوذ ومصالح لها في سورية، ففي 30 حزيران سُمح لشركة التابلاين الأمريكية أن تمارس عملها، وأن تنشئ المطارات وسكك الحديد وأن تشتري البضائع وتقيم المنشآت المعفاة من الرسوم والضرائب مقابل حصول سوريا على مبلغ 20ألف إسترليني سنوياً.
كما صادق على الاتفاق الموقع بين سوريا وشركة المصافي المحدودة البريطانية، بشأن المصب في بانياس لتصدير البترول العراقي، ونصت الاتفاقية حصول الشركة على امتياز لمدة سبعين عاما لإنشاء وصيانة مصفاة أو مصافي في الأراضي السورية، على أن تؤول ممتلكات الشركة في سورية إلى الحكومة السورية بعد أن تنتهي مدة الامتياز، وتتعهد الحكومة السورية لقاء العائدات بإعفاء الشركة من الضرائب والرسوم وعدم انتزاع الأراضي التي تمتلكها طول مدة الامتياز. وتتعهد الحكومة بإعطاء الشركة أفضلية في الموانئ السورية كما لها الحق في إنشاء وصيانة ميناء أو موانئ في سورية لأغراض المشروع، وأن تضع عوامات لربط السفن وتنشئ إشارات وأضواء على الشاطئ وحواجز لصد الأمواج. ولها حق إنشاء السكك الحديدية، والطرق البرية وإنشاء وصيانة شبكات هاتفية وبرقية ولاسلكية، وتتعهد الحكومة بمنح موظفي الشركات الأجانب تسهيلات خاصة لتنقلاتهم عبر مراكز الحدود. وتحصل الحكومة على عائدات نسبية (6 مليون جنيه عن 2 مليون طن نفط الأولى، و10 مليون عن 4 مليون الأولى و13 مليون جنيه عن 6 ملايين طن فما فوق).
كما صادق حسني الزعيم على الاتفاقية بين الحكومة السورية وشركة خطوط أنابيب الشرق الأوسط المحدودة البريطانية، لنقل النفط العراقي عبر أنابيب مارة في سورية إلى البحر الأبيض المتوسط. وقد حصلت هذه الشركة على امتياز لمدة سبعين سنة أيضاً لمد وصيانة خط أو خطوط الأنابيب من الحدود السورية ـ العراقية شرقاً وحتى البحر الأبيض غرباً. وتضمنت الاتفاقية بنوداً مشابهة لبنود الاتفاقية الموقعة مع شركة المصافي المحدودة.
وفي 7 تموز 1949 سلم الزعيم الحكومة اللبنانية (أنطون سعادة) زعيم الحزب القومي السوري الاجتماعي، الذي التجأ إليه وكان محكوماً عليه بالإعدام، ليتم إعدامه في 8 تموز، مما أثار سخط السياسيين وعامة المواطنين عليه.
فقد الزعيم في غضون ثلاثة أشهر معظم شعبيته، وأثار عداء مختلف فئات المواطنين. فسياسته الموالية للغرب أثارت عليه الفئة المحايدة، وتصرفاته الرعناء جلبت عليه سخط الزعماء الدينيين وأتباعهم من المدنيين، وأساليبه الأوتوقراطية قوضت آماال الليبراليين. والأهم من ذلك كله أنه خلق سخطاً بين الضباط بتعيينه اللواء عبد الله عطفة الذي أخفق كقائد للجيش السوري في الحرب الفلسطينية وزيراً للدفاع، وكذلك بترفيعه لكثير من أصدقائه ومؤيديه في الجيش.
وضع حد لحكم الزعيم حين أطاح به خصومه العسكريون ليلة 13 آب 1949. وضُم إليه رئيس وزرائه محسن البرازي ونذير فنصة مستشاره الخاص، واجتمع المجلس الحربي الأعلى برئاسة الزعيم سامي الحناوي، وأجرى محاكمة سريعة لرؤوس العهد، وأصدر حكمه: بإعدام (حسني الزعيم ومحسن البرازي) وبعد لحظات من صدور الحكم نُفذ بهما حكم الإعدام رمياً بالرصاص، وذلك في 14 آب 1949.




تاريخ سورية السياسي الحديث 15 وانقلاب سامي الحناوي

لم يمضي إلا أسابيع على الانقلاب المشئوم لحسني الزعيم الذي جرثم الحياة السياسية والمدنية في سورية ، إلا ويُفاجأ السوريين في الرابع عشر من آب 1949بانقلاب ثان عند الساعة الثالثة فجراً، حيث اخترقت بعض الدبابات والمُصفحات وآليات الجند صباحاً شوارع دمشق حتى وصلت إلى القصر الجمهوري ومنازل كبار رجالات الزعيم كمحسن البرازي رئيس وزراءه والمقدم إبراهيم الحسيني مدير الشرطة العسكرية لتقوم على اعتقالهم والسيطرة على النقاط والمفارز الحساسة والمباني بما فيهم مبنى الأركان العامة وغير ذلك مما يستدعي سيطرة الانقلابيين ، الذين كانت دواعيهم كثيرة ، ولعلّ أهمها مساوئ حسني الزعيم ودكتاتوريته واستبداده وطغيانه ومنها ما هو متعلق بالوضع الداخلي وعمليات القمع، ومنها ما سببه عربي كالدعم العراقي نظراً لاستيعاب المحور السعودي المصري للزعيم فلا بُد من إسقاطه ، ومنها ماهو دولي بسبب صراع المصالح الأمريكية والفرنسية من جهة والمصالح البريطانية من جهة أُخرى ، وهذا مانستطيع ان نُفسره بالتأييد البريطاني والتعبير عن ارتياحهم ومديحهم لقادة الانقلاب ، بينما الصحف الفرنسية اعتبرته من تدبير المخابرات البريطانية بما لهذه التصريحات من دلالات

وكان أول تصريح لقائد الانقلاب العقيد سامي الحناوي على ماجرى ، أن حسني الزعيم لم يُعدم لانقلابه الأول بل لخيانته لزملائه قادة إنقلابه الذين ساعدوه لتغيير الأوضاع إلى الأفضل ، بعدما وعد باسم الجيش الأبي الحامي للبلاد والعباد فيما مضى لإنقاذ البلاد من الفوضى ، وإذا به يُعمق من هوّة الفساد والفوضى ويتطاول على الكرامات وأموال الأمّة وينتقل من الحامي إلى الحرامي ، ومن تأمين النّاس إلى استعبادهم ، حتّى صار الجيش قمّة في السخرية وأداةً من أدوات البطش والجريمة لهذا الطاغية ، فكان انقلاب الحناوي باسم الجيش أيضاً إنقاذاً لشرف الأمّة والبلاد بحسب ماجاء ، ولمنع استمرار انحراف السلطة التي كان عليها حسني الزعيم ، وإعادة الاعتبار للوطنيين الأحرار الذين زجّ بهم في السجون وهروب الكثير من بطشه إلى المنافي، ولإعادة العمل بالدستور الذي صاغه مُمثلي الشعب وعودة الحياة الديمقراطية عبر الانتخابات الحرة لاختيار ممثلي الشعب والرئيس ، ولإعادة الاعتبار للرئيس الوطني القوتلي عندما أجبره الزعيم على الاستقالة ، ثم وعد الحناوي بانسحاب الجيش من الحياة السياسية والعودة إلى الثكنات ، وترك إدارة أمور شؤون البلاد للزعماء السياسيين الذين سينتخبهم الشعب ، فهل وفّى هذا القائد بوعده ؟ وإنّي لأُشبهه بالرئيس السوداني سوار الذهب الذي أدّى مُهمة مُحدد بإجراء انتخابات حرّة ونزيهة ومن ثُم انسحب من الحياة السياسية ، ولكن لربما كان خطأه تضمينه لخطابه في اليوم الثاني لأمر خارج عن إرادته لحالة الفوضى والإرباك التي سادت ظروف الانقلاب ، تبني قتل حسني الزعيم والبرازي دون مُحاكمة كي لا تسود روح البلبلة بين صفوف ضباطه ، وجميعنا يعلم بأن قتلهما جاء كانتقام وردة فعل من الملازم أول منصور أبو فضل من القومي السوري المُشارك في الانقلاب لتسبب حسني الزعيم في مقتل أنطون سعادة زعيم حزبه ، وبتحريض ودفع من أكرم الحوراني ، ولكن دون استطاعة الحنّاوي التنصل منها

حيثُ وكما جاء عن أحد منفذي الانقلاب محمد معروف بقوله : بأنه عندما مرر الضابط عصام مربود مُحسن البرازي الذي تسلمه من الضابط بديع مُلحم لنقله لهيئة الأركان مرره على منزل الحوراني الذي أشار على البرازي بأنه روح حسني الزعيم الشريرة ، وقال الحوراني للضابط بعدما ضرب مُحسن وركله برجله اليسرى " روح صرفو "كون عائلة البرازي التي اعتمد عليها حسني الزعيم على عداوة تقليدية مع الحوراني ، وبالفعل نُفذ فيهما حكم الإعدام على الرغم مما اتفق عليه الإنقلابيون بعدم إراقة أي دم ، مما اضطر الحناوي لقبول الأمر الواقع الذي حصل ، على الرغم من أمرً سابق له إلى الضباط الذين يحتجزون الرهينتين بعدم المساس بهما عندما شعر بتدبير قتل الزعيم والبرازي ، ولكن كما يبدو بأنه سبق السيف العزل وموضوع الانتقام خارج عن الانصياع للأوامر ، مما اضطر الحناوي تضمين بيان الانقلاب وقيادته عملية القتل كي لا تُثار البلبلة بين الصفوف

ومن جهة أخرى نقول بأن الحناوي بالفعل قد وفّى بوعده وكان على مستوى الحدث، وقد أثبت أنه ليس ذا أطماع في السلطة ، كما وعُرف عنه النزاهة والتواضع والبعد عن أي طموح سياسي، وهذا ما فسره تصرفاته منذ اليوم الثاني للانقلاب ، وتخلصه من أعباء الحكم وضغط الضباط عليه الذين ساعدوه في الانقلاب ، فقد اجتمع مع رؤساء الأحزاب وسلّم أمور البلاد والسلطة رسمياً للرئيس هاشم الأتاسي المشهود له بالكفاءة والتاريخ الوطني والحيادية بعدما أقرّ مرسوم استقالة الرئيس شكري القوتلي الذي أُكره عليها أيام حسني الزعيم وحل مجلس النواب ،، وتلا ذلك بياناً أُذيع من إذاعة دمشق قال فيه الحناوي "إنني لكي أمنح سورية الحياة بلداً حراّ ومستقلاً ، فإني أعهد بالحكومة إلى زعماء البلد السياسيين وأعلن عن انتهاء مُهمته الوطنية وعودة الجيش إلى ثكناته" وكان قد أمر بالإفراج عن جميع المُعتقلين السياسيين ، بعدما سمح بعودة الأحزاب والصحف المُغلقة ، على أن يُراقب الجيش الأوضاع السياسية عن طريق وزير الدفاع ، تاركاً تشكيل الحكومة للرئيس الأتاسي الذي شكلها بنفس اليوم أي في 15 آب 1949 .

وكان في رئاسة الحكومة الرئيس هاشم الأتاسي وخالد العظم للمالية وناظم القدسي للخارجية ورشدي الكيخيا للداخلية واللواء عبدالله عطفة للدفاع ، وأكرم الحوراني للزراعة وسامي كبارة للعدالة والصحة وفيضي الأتاسي للاقتصاد الوطني ، ومجد الدين الجابري للأشغال العامة وعادل العظمة وزيراً للدولة وميشيل عفلق للمعارف الذي استقال في 19\11 وفتح الله أسيون أيضاً وزيراً للدولة ، وكان من مهام هذه الوزارة البدء في الإعداد لانتخاب الجمعية التأسيسية لوضع دستور جديد ، وإصدار قوانين الانتخابات التي حددت له موعداً في 15\11\1949 ، مُنحت المرأة من خلاله حق الانتخاب دون الترشح ، وجرت الانتخابات في موعدها فاز فيها حزب الشعب بالأكثرية ، والتي على إثرها عقدت الجمعية التأسيسية أولى جلساتها في 12\12\1949 ، وانتخب فيها رشدي الكيخيا زعيم حزب الشعب رئيسا لها والاتاسي لرئاسة الجمهورية ، مما عزز موقع حزب الشعب وصار الطريق مُمهداً للوحدة مع العراق ، لتستقيل تلك الوزارة فيما بعد ويُكلف ناظم القدسي برئاسة الحكومة الجديدة التي لم تستمر أكثر من يومين ، ليكلف معروف الدواليبي بالوزارة لكنه فشل في تشكيلها ، ليكلف خالد العظم الذي كان له الانقلاب بالمرصاد قبل أن ينتهي من تشكيل الحكومة.


فجرت الرياح بما لا تشتهي السفن ، لكون هناك من تتعارض مصالحهم وارتباطاتهم مع الوحدة ، وعوامل أُخرى قوية تمنع ذلك وأهمها الجيش الذي على رأسه الشيشكلي وآخرين معه، وسياسيين يرفضون تلك الوحدة مع العراق لارتباط العراق بمُعاهدات مع بريطانيا ، وكذلك محور الرياض مع القاهرة ، ودولياً أمريكا وفرنسا ، ولذلك ما إن قاربت الأمور على النضوج إلا ونرى عودة مظاهر الانقلاب باختراق الدبابات من جديد لشوارع دمشق واستيلاء العقيد أديب الشيشكلي على السلطة العسكرية دون المدنية التي لم يمسسها بسوء في 19\12\1949 ، وليكون الانقلاب داخل المؤسسة العسكرية بدعوى الدفاع عن نظام الحكم الجمهوري في سورية وإنقاذه من النفوذ البريطاني والوحدة مع العراق الملكي ، لينتهي بذلك عهد الحناوي الذي يُفرج عنه بعد فترة وجيزة مُغادراً إلى لبنان ليلقى مصرعه على يد قريب البرازي " حرشو " ثأرا لمحسن ، ويُنقل الى دمشق ويُدفن هناك ، وليبدأ عهداً جديداً ، فيه يتقاسم الطرفان العسكري والسياسي الأدوار بحسب موقعهما ، وليبدأ في البلد عهد مُتقلب يلعب فيه الطرفان لعبة القط والفار لسنتين قادمتين قبل الانقلاب الثاني الذي سأتحدث عنه لاحقاً ، يتمتع فيها قائد الانقلاب الجديد باستقرار مقبول ونفوذ أوسع ، يُنهي الأمور في النهاية لصالحه

وأخيراً : فقد امتازت فترة حكم الزعيم سامي الحناوي بنقل البلاد من الحكم الاستبدادي الفردي إلى مؤسسات الدولة على الرغم من مُعارضة بعض ضباط الجيش المُشاركين له في الانقلاب لهذا النهج ، ورجوع الجيش إلى ثكناته على الرغم من وجود صراع خفي بين مكوناته حول تأييد السياسات القائمة بالميل نحو العراق ورفضها ، وتمتاز فترته أيضاً بالتنافس السياسي السلمي ، والإقدام على الوحدة بين سورية والعراق كون الأكثرية لصالح حزب الشعب الذي سعى لفتح الحدود وتنشيط التجارة بما يُنعش الشمال السوري المُتضرر من وراء إغلاق الحدود ، وليس لربطها بالهلال الخصيب كما أكد على ذلك ناظم القدسي ، حيث كانت المطالب العراقية ، بإقامة الوحدة بين قطرين في ظل عرش واحد ، بينما السوريين كانوا يرون بوجوب وجود برلمان موحد يُمثل فيه الشعبان العراقي والسوري ، وعلى أن المُعاهدة البريطانية العراقية لا تشمل السوريين ، لكن الجانب البريطاني المؤثر في الوضع العراقي رفض إعطاء التأكيدات بذلك لكونه لا يُريد فعلياً هذه الوحدة وإنما التظاهر بها ، بهدف كسب السوريين إلى صداقة معهم ، وعدم إرباك الوضع العراقي وإدخاله في حسابات يصعب السيطرة عليها ، وربما لعدم إزعاج الفرنسيين وإفساد العلاقة معهم لكون سورية تحت النفوذ الفرنسي ، مما أربك السياسيين أمام الجيش وازدياد خلافاتهم وتجميد الوضع السياسي ، مما مهد لحركة انقلابية جديدة تُعيد هذا الحلم في التوحد ، وتميزت فترة الحناوي أيضاً بسيطرة حزب الشعب السياسية عبر صناديق الاقتراع على الحياة السياسية

ملحقات :

كان الزعيم سامي الحناوي قد شكل مجلساً حربياً أعلى أول استلامه للسلطة ممن نفذوا معه الانقلاب لإدارة شؤون البلاد ريثما يتم تشكيل حكومة دستورية ،وقد أُوكل للمجلس صلاحيات السلطات التشريعية والتنفيذية والعسكرية وهو مكون من : العقيد سامي الحناوي قائد اللواء الأول ، والعقيد بهيج الكلاس المستشار في وزارة الدفاع ، والعقيد علم الدين قواص رئيس أركان اللواء الأول ، والمقدم أمين أبو عساف قائد كتيبة مدرعات ، والنقيب عصام مربود ضابط في سلاح الطيران ، والنقيب محمود الرفاعي معاون مدير الاستخبارات العسكرية ، والنقيب حسن الحكيم قائد قوة مدفعية ، والنقيب محمد معروف قائد الشرطة العسكرية ، والنقيب محمود دياب رئيس الشعبة الثالثة في الأركان العامة ، والنقيب خالد جادا مرافق رئيس الجمهورية

بدأ العقيد الحناوي بلاغه العسكري الأول بعبارة "لقد قام جيشكم الباسل .." وصارت لازمة عربية فيما بعد لكل انقلابي ومعها عبارة الختام التي صارت لازمة أيضاً " وعد بالعودة الى الثكنات وتسليم أمور السياسة إلى رجالاتها "
البلاغ رقم 1 لانقلاب سامي الحناوي
أذيع في الساعة السابعة من صباح 14 آب (أغسطس) 1949

لقد قام جيشكم الباسل بالانقلاب يوم الثلاثين من آذار الماضي لينقذ البلاد من الحالة السيئة التي وصلت إليها، لكن زعيم ذلك الانقلاب أخذ يتطاول هو وحاشيته على أموال الأمة، ويبذرها بالإثم والباطل، ويعبث بالقوانين وحريات الأفراد.
لهذا، وبعد الاعتماد على الله، عزم جيشكم، الذي لا يريد إلا الخير بالبلاد، أن يخلصها من الطاغية الذي استبد هو ورجال حكومته. وقد أتم الله للجيش ما أراد، فأنقذ شرف البلاد، وآلى على نفسه أن يسلم الأمر إلى الأحرار المخلصين من رجالات سوريا. وسيترك الجيش لزعماء البلاد أنفسهم قيادة البلاد، وسيعود الجيش إلى ثكناته ويترك السياسة لرجالاتها

سامي الحناوي من مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والإستراتيجية
هو محمد سامي حلمي الحناوي، ولد في مدينة إدلب سنة 1898،"بينما كما جاء عن صلاح العقاد في كتابه المشروع العربي المعاصر أنّ ولادته في حلب " وتخرج من مدرسة دار المعلمين بدمشق سنة 1916، ودخل المدرسة العسكرية في استانبول فأقام سنة وتخرج منها في 24\7\1917 برتبة مُرشح ضابط . خاض معارك قفقاسيا وفلسطين في الحرب العالمية الأولى وتمّ أثره من قِبل الجيش العربي الفيصلي الذي انضم اليه على إثر ذلك ودخل في مدرسته الحربية وتخرج منها 1919 برتبة ملازم ، ثم أُلحق بالدرك الثابت في سنجق الاسكندرونة، ومن ثُم في المستشارية الفرنسية في ادلب حتى وصل الى رتبة نقيب ، وبعد قيام العهد الوطني وتأسيس الجيش السوري تمّ قبوله كضابط فيه وكان من قواد الجيش السوري في معركة فلسطين سنة 1948 ورُفع بسبب بسالته هناك الى رتبة مُقدم ، وفي عهد الزعيم تمّ ترفيعه استثنائياً الى رتبة عقيد ، وبعد نجاح انقلابه رُفع الى رتبة الزعيم.
عندما ثار حسني الزعيم على شكري القوتلي وأبعده عن الحكم، أبرق الحناوي يؤيد الانقلاب ويعلن ولاءه لحسني الزعيم، فجعله هذا زعيماً (كولونيل) وقائداً للواء الأول، ولما ضج الناس من سيرة حسني الزعيم، اتفق الحناوي مع جماعة كان بينهم ثلاثة من حزب أنطون سعادة فاعتقلوا الزعيم ورئيس وزرائه محسن البرازي، وأعدموهما بعد محاكمة عسكرية سريعة يوم 14 آب/1949، وأقاموا حكومة مدنية يشرف على سياستها العسكريون وفي مقدمتهم سامي الحناوي، وقد لعب فيها عديله الدكتور أسعد طلس (من حلب ومن كبار موظفي وزارة الخارجية حينئذ دوراً مهماً للاتجاه نحو الوحدة مع العراق).
وبعد يومين على الانقلاب سلم الحناوي السلطة رسمياً إلى هاشم الأتاسي الرئيس الأسبق الذي أذاع فوراً تشكيل الوزارة، ثم أعلن الحناوي أن مهمته الوطنية المقدسة قد انتهت، وأنه سيعود إلى الجيش، وكانت تشكلت لجنة بعد ساعات من وقوع الانقلاب ضمت هاشم الأتاسي وفارس الخوري، ورشدي الكيخيا، وناظم القدسي وأكرم الحوراني، أوصت بتشكيل حكومة مؤقتة يرأسها هاشم الأتاسي تعيد للبلاد الحياة الدستورية، وقد سيطر حزب الشعب على شؤون الحكومة الجديدة، واحتل أعضاؤه الوزارات التي اشترط الحزب احتلالها باستمراره (الخارجية والداخلية) بناء على توصيات صاحب الانقلاب سامي الحناوي.
استمرت الوزارة برئاسة هاشم الأتاسي من 14 آب/1949 حتى 10 كانون أول/1949 دون أن يحصل تبديل بين أعضائها، وكان من بين الموضوعات التي عالجتها:-
1ـ استمرار العمل بالأحكام الصادرة في عهد حسني الزعيم: فقد أعلنت الحكومة احترامها للاتفاقيات المعقودة في عهد الزعيم وأبرزها اتفاق شركة التابلاين لإمرار النفط السعودي عبر سورية، واتفاق شركة أنابيب العراق لإمرار الزيت العراقي عبر سورية، واتفاقيات التصفية للمسائل المعلقة بين سورية وفرنسا، ويأتي في مقدمتها الاتفاق النقدي. اضطرت الحكومة لاتخاذ هذا الموقف بعد اتصالات مع الوزراء المفوضين لكل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا الذين أكدوا موقف حكوماتهم بعدم الاعتراف بالانقلاب الجديد ما لم يعتبر تلك الاتفاقيات نافذة.
2ـ تطهير الجهاز الحكومي: فبعد أسبوع من تولي حكومة الأتاسي مهامها تلقت مجموعة من المراسيم بعزل بعض الموظفين وإحالة البعض الآخر على التقاعد موقعة من الزعيم سامي الحناوي ومؤرخة بتاريخ 13 آب/1949. وجرت مداولات بين الحكومة وصاحب الانقلاب الحناوي، لكنه أصر على عزلهم لأن وزراء حزب الشعب لا يميلون إليهم.
3ـ انتخاب جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد، وهدف حزب الشعب من ذلك هو استبعاد عودة السيد شكري القوتلي لاستلام منصب رئيس الجمهورية، لهذا أقرت الوزارة المراسيم التي أصدرها حسني الزعيم ومن ضمنها مرسوم قبول استقالة القوتلي وحل مجلس النواب. وكانت النتيجة انتخاب هاشم الأتاسي رئيساً للجمهورية، وأهم المواضيع التي ركز عليها في اجتماعات الجمعية التأسيسية: الوحدة السورية العراقية والتي عكسها نص قسم رئيس الجمهورية الذي جرت الموافقة عليه (أقسم بالله العظيم أن أحترم قوانين الدولة وأحافظ على استقلال الوطن وسيادته وسلامة أراضيه، وأصون أموال الدولة، وأعمل لتحقيق وحدة الأقطار العربية) وكان الحناوي أقرب إلى الجهات التي حبذت هذا الاتجاه.
نجحت حكومة حزب الشعب في الحقلين المالي والاقتصادي عندما أقر مجلس الوزراء السماح بتصدير القطن فارتفعت أسعاره، وكذلك سمح بتصدير كمية من الحنطة إلى الخارج فحققت أرباحاً تحولت نحو شراء كمية من الذهب فازدادت نسبة التغطية الذهبية للعملة السورية.
وبعد النكسات التي أصابت جهود زعامة حزب الشعب لإقرار الصيغ الدستورية الكفيلة بإعلان الاتحاد مع العراق، اتفق أقطاب الحزب مع اللواء (سامي الحناوي) على قيام الجيش باعتباره الورقة الأخيرة المتاحة في أيديهم، بالتحرك لتحقيق هذا الهدف، وبتاريخ 16 كانون الأول/ 1949 وجه اللواء سامي الحناوي دعوة إلى خمسة من كبار الضباط للاجتماع به لمناقشة موضوع الاتحاد السوري ـ العراقي، فشعر هؤلاء بأن حضورهم يعني وضعهم تحت سلطة قائد الجيش فيفرض عليهم ما يريد، فاتخذوا التدابير اللازمة لاعتقاله، وبالفعل اعتقل الحناوي وأسعد طلس وآخرين من أنصارهما، وكان هذا الانقلاب الثالث بقيادة أديب الشيشكلي.
سُجن الحناوي مدة ثم أُطلق سراحه، فغادر دمشق إلى بيروت، وهناك ترصده محمد أحمد البرازي فاغتاله بالرصاص في 30 تشرين أول/1950 انتقاماً لمحسن البرازي ونقل جثمانه من بيروت إلى دمشق فدفن فيها.
اشتهر سامي الحناوي بالخلق الكريم والإخلاص في عمله وبأنه كان طيب القلب.


تاريخ سورية السياسي الحديث 16

وانقلاب الشيشكلي " 1 "

في التاسع عشر من كانون الأول - ديسمبرعام 1949 استيقظ أهل دمشق على مُجنزرات ودبابات الجيش وهي تحاوط مداخل دمشق ، والشعب السوري يستمع إلى بلاغ وقعه العقيد أديب الشيشكلي دون ذكر صفة له أو منصب قد أُذيع ويقول فيه "ثبت لدى الجيش أن رئيس الأركان العامة اللواء سامي الحناوي ، وبعض ممتهني السياسة في البلاد، يتآمرون على سلامة الجيش وسلامة البلاد ونظامها الجمهوري مع بعض الجهات الأجنبية. وكان الجيش يعلم بهذا الأمر منذ البداية، وقد حاول ضباطه بشتى الطرق، بالامتناع تارة وبالتهديد الضمني تارة أخرى، أن يحولوا دون إتمام المؤامرة وأن يقنعوا المتآمرين بالرجوع عن غيّهم فلم يفلحوا، فاضطر الجيش حرصاً على سلامة البلاد وسلامته، وحفاظاً على النظام الجمهوري، أن يقصي هؤلاء المتآمرين، وليس للجيش أية غاية أخرى، وإنه ليعلن أنه يترك البلاد في أيدي رجالها الشرعيين، ولا يتداخل إطلاقاً في القضايا السياسية، اللهم إلا إذا كانت سلامة البلاد وكيانها يستدعيان ذلك." وكان الشيشكلي ذو التوجه القومي هو قائد الانقلاب في هذه المرّة ، يُشاركه فيه أكرم الحوراني الذي يُشاطره أيضاً الاتجاه المُعادي للعراق ويُشاطره في خطيئة تدخل العسكريين في شؤون السياسة حتى بات الجيش كدولة داخل الدولة وفوقها، وكان فيما سبق للشيشكلي أن شارك بالانقلابين السابقين مما أكسبه الخبرة ليقوم بانقلابه الثالث ، لأن كلا الانقلابين السابقين لم يُحققا طموحاته ، فقام بانقلابه هذا على قيادة الجيش والمجلس العسكري ، فاعتقل الإنقلابيون الرئيس الحناوي ومُساعديه بحجة أنّ الحناوي كان يُحضّر إلى اتحاد بين سورية والعراق
وقد بدا الشيشكلي أكثر دهاءً وصلابة ومهارة سياسية من الذين سبقوه ،إذ كان جندياً بارد الطبع ذو موهبة في حياكة الأمور وتنظيم الرجال وإدارتهم من وراء ستار ، فترك للسلطة السياسية الاستمرار في مهماتها وصراعاتها الحزبية التنافسية بعيدة عنه ، وجعل الجمعية التأسيسية تمضي في طريقها لإعداد الدستور ، ومنها تشكيل الحكومات وسحب الثقة ورفع العرائض ، واكتفى هو بدور القوة الفاعلة والمراقب من وراء الستار ، ثُم عدّ الشيشكلي حركته بالتصحيحية في صفوف السلطة العسكرية ، وقد استمرت هذه الحالة زهاء السنتين مما جعل المنظرين السياسيين يُراقبونه من خلف ستار دون أن يكشف عن مكنونات نفسه أو يُظهر خفاياها ، ولم يكن الجيش في تلك الفترة سوى حكم يُحتكم إليه ليدعوا السياسيين للانتظام في لحظات الأزمات الوطنية ، لا أن يكون أداة الحكم ، فترك الرئيس هاشم الأتاسي في منصبه وكذلك ما أفرزته العملية السياسية من إفرازات من انتخاب الجمعية التأسيسية ، وفي نفس الوقت كان هُناك حكومة مُستقيلة ورئيس وزراء مُكلف هو خالد العظم عند انقلاب الشيشكلي ، ليتحول التكليف لناظم القدسي
وبطبيعة الحال شكّل ناظم القدسي الوزارة برئاسته مع حمله لحقيبة الخارجية والغالبية فيها لحزب الشعب الذي حمل حقيبة الدفاع والاقتصاد الوطني بيد فيضي الاتاسي والعدل لزكي الخطيب والتربية لهاني السباعي والداخلية لأحمد قنبر والمالية لشاكر العاص وكان للأشغال العامة محمد المبارك من الجبهة الإسلامية الاشتراكية وللزراعة محمود العظم مستقل وللصحة جورج سلهوب مستقل ، وقد باشرت مهامها في نهاية كانون الاول - ديسمبر1949.

بيد أنّ هذه الوزارة لم تدم لأكثر من ثلاثة أيام كونها لم تنل رضا الجيش ، بسبب مُحاولة العسكريين إلحاق قوى الأمن الداخلي بالدفاع ، ورفض المؤسسات الدستورية لهذا الأمر مما اضطرت للاستقالة التي أعقبها استقالة رئيس الجمهورية إلى الجمعية التأسيسية مما جعل الوضع مضطرباً ، واستدعى نواب في الجمعية التأسيسية للتدخل وإقناع الرئيس بالعدول عن الاستقالة ووعد من العسكريين بعدم التدخل ثانية في الشؤون السياسية ، فقبل الرئيس سحب الاستقالة وكلف خالد العظم في 25\كانون الأول - ديسمبر\1949 بتأليف الوزارة التي تم الاتفاق عليها ، فيها لحزب الشعب أربعة حقائب وللحوراني بدعم الجيش لوزارة الدفاع ، وعلى رئاسة الأركان كواجهة للشيشكلي أنور بنود ، على أن يكون الشيشكلي نائبا له ، في نفس الوقت الذي كان بيد الشيشكلي كل السلطات ، وصدرت التعينات بمرسوم بعد يومين على النحو التالي :
خالد العظم رئيساً لها ووزيراً للخارجية ، وفيضي الأتاسي للعدل ، وفتح الله أسيون للصحة ، وسامي كبارة للداخلية ، ومحمد المبارك للأشغال العامة ، وأكرم الحوراني للدفاع ، وهاني السباعي للمعارف ، وعبد الباقي نظام الدين للزراعة ، ومعروف الدواليبي للاقتصاد الوطني ، وعبد الرحمن العظم للمالية ، والجدير ذكره أن وزارتي الدفاع والزراعة كانتا بدعم الجيش للحوراني وعبد الباقي

وفي ظل هذه الحكومة عادت سورية باتجاه محور القاهرة الرياض الذي يسعى إليه الشيشكلي ، وهي السياسة المُنسجمة مع رغبات الجيش وبتأييد الحزب الوطني ، بعد عقد اتفاقيات مع تلك الدولتين ، إلا أن رئيس الوزراء خالد العظم لم يقو على الوقوف أمام احتجاجات بعض الوزراء على الدستور الذي تمّ إقراره بالأغلبية في الجمعية التأسيسية ، مما أدّى ذلك إلى استقالة الحوراني والفيضي المعارضين للدستور ولشعورهما بقرب انهيار حكومة العظم بسبب وجود أزمة معيشية من وراء قضية فك الارتباط الجمركي مع لبنان ، فاستقال العظم في 28 أيار- مايو 1950 ، ليكلف ناظم القدسي

فشكل ناظم القدسي الوزارة جميعها من حزب الشعب عدا وزيرين زكي الخطيب للعدل وفوزي سلو للدفاع ممثلا الجيش ، وحمل القدسي الخارجية مع الرئاسة ، ورشاد برمدا الداخلية وشاكر العاص للاقتصاد الوطني وفرحان الجندلي للتربية وجورج شلهوب للإشغال العامة والمالية حسن جبارة

لكن رئيس الوزراء ناظم القدسي تعرض لمعارضة قوية من الجمعية التأسيسية وخارجها مما أرغمه على تقديم استقالته ليُعيد القدسي تشكيل الحكومة ثانية في 4\حزيران - اغسطس \1950 ، والتي لم تستمر طويلاً لتستقيل في 8\أيلول -سبتمبر\1950 ، ويشكل الوزارة الثالثة برئاسته والتي دامت لسبعة أشهر ومكونة معظمها من حزب الشعب برئاسة ناظم القدسي والخارجية ، ورشاد برمدا الداخلية ، وللاقتصاد الوطني فرحان الجندلي وللأشغال العامة احمد قنبر وللزراعة علي بوظو وللصحة جورج شلهوب وحسن الحكيم مستقل وزيرا للدولة وزكي الخطيب للعدل وفوزي سلو للدفاع ممثلا الجيش

وخلال هذه الفترة المذكورة أعلاه كانت الجمعية التأسيسية قد قطعت شوطاً كبيراً من خلال المناقشات والدراسات ، وقدمت مشروع الدستور إلى الجمعية التأسيسية التي أقرته في 5\أيلول-سبتمبر\1950مُتضمنا 166 مادة ، حيث احتوت مُقدمة الدستور على جملة أهداف ، من ضمنها حرية المواطنين ومساواتهم في الحقوق والواجبات والقضاء على الفقر والمرض والجهل وتوطيد العلاقة بين سورية وسائر الأقطار العربية والإسلامية ، وفصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ... ، ثم تحولت هذه الجمعية التأسيسية بعد إقرار الدستور إلى مجلس نيابي له الحق في انتخاب رئيس الجمهورية ، وتكون دورته أربع سنوات ، ابتداءً من يوم انتخابها في كانون الأول - ديسمبرعام 1949 ، بدلاً من إجراء انتخابات برلمانية جديدة ، مما أثار الحزب الوطني بزعامة العائد من المنفى الرئيس شكري القوتلي الذي هيّج مؤيدوه - المتطلعين إلى تحقيق مكاسب سياسية -المواطنين وعملوا إضرابات واحتجاجات ومظاهرات ، واعتبروا هذه الحركة لمد أمد الحكم لحزب الشعب ، وعلى إثر ذلك انتخب المجلس هاشم الأتاسي رئيساً للجمهورية ، ورشدي الكخيا رئيساً للمجلس النيابي وفق الصيغة الجديدة

وفي 23\آذار - مارس 1951 كُلف ناظم القدسي للمرة الرابعة في تشكيل الحكومة التي لم تستمر لأكثر من يوم واحد ، في أقصر وزارة عُمراً في تاريخ سورية ، ليُكلف بعدها خالد العظم لتشكيل وزارة خامسة دون أن يُشرك أي حزب من الأحزاب بما فيهم حزب الشعب الذي ضمن العظم موافقته وموافقة العسكريين لتصدر مراسم الوزارة الخامسة في 27\آذار - مارس \1951 التي استمرت إلى نهاية تموز - من عام 1951 لتقدم استقالتها تحت ضغط حزب الشعب وعرقلته ، مما سبب أزمة سياسية حصلت في وزارته وحركة احتجاج واسعة في البلد شلت الحركة فيه تماما
وكانت وزارة خالد العظم الخامسة قد ضمّت عدداً من الوزراء المُقربين من الجيش ، إضافة الى تعاون رئيس الوزارة وزير الخارجية خالد العظم الوثيق مع سلطة العسكر ، الذين اعتمد عليهم في حسم خلافاته مع حزب الشعب المُعرقل له في المجلس النيابي ، وعبد الباقي نظام الدين للزراعة والعدل ، وفوزي سلو ممثل الجيش وزيراً للدفاع الوطني ، وسامي طبارة من مجموعة الحوراني للصحة والأشغال العامة والمواصلات ، كما وضمت كل من عبد الرحمن العظم للمالية ورئيف الملقي للمعارف والاقتصاد الوطني
وكان أبرز ماتمّ في عهد هذه الوزارة التخطيط لإنشاء مرفأ في مدينة اللاذقية بعد فك الارتباط الجمركي مع لبنان بغية تحرير التجارة السورية التي كانت تعتمد على مرفأ بيروت بحكم على ماكان عليه الوضع ايام الانتداب الفرنسي على البلدين، ومد سكة الحديد من مناطق الجزيرة والفرات التي تُعتبر من أهم مناطق الإنتاج إلى مرفأ اللاذقية الواقع على البحر المتوسط ، وكذلك تمّ في عهد هذه الوزارة الرد على التحرشات الصهيونية عند بحيرة الحولة ، وتم ترفيع العقيد الشيشكلي إلى رتبة زعيم وتعينه رئيساً للأركان

وفي آب – أغسطس 1951 كلف الرئيس الأتاسي حسن الحكيم المستقل بتشكيل الوزارة السادسة رغم معارضة الجيش لميوله للوحدة مع العراق ، ولكنه في النهاية أُرغم الجيش للقبول به لكون حزب الشعب رافضاً التعاون مع الجيش ، فتم تشكيل الوزارة برئاسته إضافة للمالية له ، وكان غالبية الوزراء ذات صفة نيابية من حزب الشعب الذي قبل المشاركة وليس القيادة، وكان فيها فيضي الأتاسي للخارجية ، وفتح الله أسيون للصحة وشاكر العص للاقتصاد الوطني ، وفوزي سلو للدفاع ، ورشاد برمدا للداخلية ، وحامد الخوجة للأشغال العامة والمواصلات ، وعبد الوهاب حومد للمعارف ، وعبد العزيز حسن للعدل ، ومحمد المبارك للزراعة
وكان من أهم أعمال هذه الوزارة مُعالجتها للعديد من القضايا كمشكلة التمويل ومشكلة الإضرابات التي تتكرر من حين لآخر وذلك عن طريق تشريع قانون يضمن حقوق العمال والموظفين ، كما وحلت مشكلة الموازنة التي كانت مستعصية ، والتي شكلت في الماضي جدلاً واسعاً وكانت السبب في سقوط حكومة العظم ، فسدت العجز بضغط النفقات وإقرار مبدأ الضرائب التصاعدي ، واستمرت هذه الوزارة إلى 24\تشرين الأول – أكتوبر من نفس العام إثر تقديم بعض الوزراء لاستقالتهم على إثر تدخل الجيش في أعمال الحكومة ومنها سفر الشيشكلي إلى السعودية بمهمة رسمية دون تكليف ، لتنهار هذه الحكومة على إثر خلافات أخرى عصفت بين الوزراء بسبب تباين وجهات النظر حول مشروع الدفاع المشترك ، وموضوع ربط الدرك " شرطة الأرياف " بوزارة الداخلية التابعة للحكومة، بينما الجيش يريد ربطها بالدفاع ليُشرف على الانتخابات ليتسنى له تزويرها والسيطرة على مقاليد الاموركاملة ، ولتنشأ أزمة حكومية على اثر ذلك ابتدأت باستقالة وزير الداخلية رشاد برمدا ، و استمرت ثمانية عشر يوماً ، انتهت بتشكيل وزارة التحدي للجيش برئاسة معروف الدواليبي في 28\تشرين الثاني -نوفمبر 1951، وسميت بذلك لكون الدواليبي احتفظ بوزارة الدفاع لنفسه ورفضه إعطائها للجيش ، وكان تشكيل هذه الوزارة بعد رفض التكليف للرئاسة والتشكيل لكُلٍ من زكي الخطيب ومعروف الدواليبي وسعيد حيدر وعبد الباقي نظام الدين وجميع هؤلاء اضطروا للاعتذار بسبب إصرار الشيشكلي وأعوانه الضباط على تعيين واحداً منهم وزيراً للدفاع ، وعدم قبولهم إلحاق قيادة الدرك بوزارة الداخلية ، إلى أن قبل بها الدواليبي مُجددا بشروطه ، ووزع بقية الحقائب على حزب الشعب ، مما اعتبرها الشيشكلي كإهانة مُتعمدة أدت إلى الانقلاب
وكانت حكومة التحدّي مؤلفة من رئيسها معروف الدواليبي إضافة الى حمله حقيبة الدفاع عن حزب الشعب الذي منه أيضاً كل من هاني السباعي في التربية ، وأحمد قنبر للداخلية ، وشاكر العاص للخارجية ، وعلي بوظو للمالية ، ومحمد شواف للصحة ، وجورج شاهين للأشغال العامة والمواصلات ، بينما منير العجلاتي مستقل للعدل ، ومحمد المبارك للزراعة عن الجبهة الإسلامية الاشتراكية ، وعبد الرحمن العظم مستقل للمالية
فاستمرت حكومة التحدي برئاسة معروف الدواليبي ليوم واحد ، بعدما ألفها بأمر من الرئيس هاشم الأتاسي دون استشارة الشيشكلي وأعوانه ، وفي نفس اليوم استدعى الأتاسي الشيشكلي إلى مكتبه في رئاسة الجمهورية وطلب منه التزام السكينة وعدم القيام بأي عمل طائش ووعد الشيشكلي بالالتزام ، ولكن بعد ساعات قليلة من فجر نفس اليوم قام الشيشكلي بانقلابه الثاني في 29\تشرين الثاني - نوفمبر\1951 أطاح فيه بحكومة الدواليبي بعدما اعتقله ومعظم أعضاء وزارته وأذاع البلاغ رقم واحد يُعلن فيه استلام الجيش زمام الأمن في البلاد ، ثُم قام بزيارة لرئيس الجمهورية هاشم الأتاسي في القصر الجمهوري ، ليُباحثه في الموقف الدستوري اللازم لإخراج البلاد من المأزق الحالي ، فطلب منه الإفراج عن الدواليبي ومن معه فوافق الشيشكلي على أن يُقدم الدواليبي استقالته ، إلا إن الدواليبي رفض وبقي في السجن خمسة أشهر ، وحاول الرئيس إثر ذلك إيجاد مخرج للأزمة يصون من خلاله مصالح البلاد ، بحيث يُجنب البلد حكما عسكريا مُباشرا ، فكلف أكثر من شخصية نيابية بالوزارة ولكنهم رفضوا ، ووقع الإختيار على حامد الخوجة لتأليف وزارة جديدة ، لكن الجيش حال دون نجاحها بعدما ازدادت شراهتهم لاستلام الحكم وتهميش أي وزارة ، مما صار مفهوما لدى الرئيس الأتاسي باستحالة عمل شيء ، فقدم استقالته وعاد إلى حمص

وعندها تولى الشيشكلي رئيس المجلس العسكري رئيس الأركان العامة مهمات رئيس الجمهورية وسائر السلطات بموجب البلاغ العسكري رقم 1 بتاريخ 3\كانون الأول -ديسمبر\1951 ، ليتبعه البلاغ الثاني بتخويل الزعيم فوزي سلو بمهمات السلطتين التشريعية والتنفيذية ، ومهمات رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع ، وكلف الأمناء العاملين – وكلاء الوزارت بمهام الوزراء ، مما أدى ذلك إلى قيام المظاهرات الاحتجاجية في المدن الرئيسية ، وقام الشيشكلي على قمعها بشدة
وأخيراً : كان عهد الشيشكلي الأول يمتاز بوجود العسكر في الثكنات مع محاولاته اللا مُنتهية في فرض وصايته على القرارات السياسية الهامة وتحركشاته في الحياة السياسية ، والضغط على البرلمان من خارجه ، واكتفى الشيشكلي بدور القوة الفاعلة والمراقب من وراء الستار وتعامل بذكاء ودهاء مع للسلطة السياسية إذ ترك لها الاستمرار في مهماتها وجعل الجمعية التأسيسية تمضي في طريقها لإعداد الدستور ، ومنها تشكيل الحكومات وسحب الثقة وانتخاب الرئيس الذي كان طوال هذه الفترة من نصيب السيد هاشم الأتاسي وتقلّب الحكومات ، بينما كان الشيشكي متولياً لمجلس العُقداء وإليه يعود الأمر والنهي فيه ، ليحله مع مطلع عام 1951 على إثر خلافه مع بعض ضباطه ومنهم أنور بنود الذي عينته حكومة خالد العظم رئيساً للأركان ورفض الشيشكلي لذلك ، وطلبه الرسمي بأن يكون مكانه ، وعلى أن يُرسل بنود كملحق عسكري إلى أنقرة ، بدعوى اكتشاف الشيشكلي لمؤامرة اغتياله نجا منها بأعجوبة ، وعلى ضوء ذلك ألف الشيشكلي بديلاً عن مجلس العُقداء برئاسته أسماه بالمجلس العسكري ، وجعل الزعيم فوزي سلو وزيراً للدفاع نائباً له مما جعله يتفرد بالسلطة ، وتقلد منصب رئاسة الأركان في 23نيسان - ابريل1951، وقد عُرف عهده الأول بعهد الحكم المزدوج بينه في السلطة العسكرية وبين الأتاسي في السلطة السياسية ، وكان هناك صراع واضح بينهما على من يُنهي الآخر من الحياة السياسية ، فكانت المهادنات والاتفاقات والخصومات والمصالحات والإسترضاءات ، وفي نهاية المطاف تم ترفيع الشيشكلي من رتبة عقيد إلى زعيم في حكومة خالد العظم الخامسة التي كانت موالية للجيش - 27\آذار – مارس \1951 إلى نهاية تموز - من عام 1951- تمهيداً للانقضاض على السلطة بشقيها السياسي والعسكري ، خاصة بعد نجاح العسكريين في مصر في تسلمهم السلطة ، ليُعطيه ذلك المُبرر بأنه ليس الوحيد في العالم العربي من يحكم حكماً عسكرياً ، لينتهي الصراع عند البلاغ رقم واحد



ملحقات

البلاغ رقم 1 لانقلاب العقيد أديب الشيشكلي الأول
أذيع من إذاعة دمشق يوم 19 كانون الأول(ديسمبر) 1949
ثبت لدى الجيش أن رئيس الأركان العامة اللواء سامي الحناوي وعديله السيد أسعد طلس، وبعض ممتهني السياسة في البلاد، يتآمرون على سلامة الجيش وسلامة البلاد ونظامها الجمهوري مع بعض الجهات الأجنبية. وكان الجيش يعلم بهذا الأمر منذ البداية، وقد حاول ضباطه بشتى الطرق، بالامتناع تارة وبالتهديد الضمني تارة أخرى، أن يحولوا دون إتمام المؤامرة وأن يقنعوا المتآمرين بالرجوع عن غيّهم فلم يفلحوا، فاضطر الجيش حرصاً على سلامة البلاد وسلامته، وحفاظاً على النظام الجمهوري، أن يقصي هؤلاء المتآمرين، وليس للجيش أية غاية أخرى، وإنه ليعلن أنه يترك البلاد في أيدي رجالها الشرعيين، ولا يتداخل إطلاقاً في القضايا السياسية، اللهم إلا إذا كانت سلامة البلاد وكيانها يستدعيان ذلك.
العقيد أديب الشيشكلي
19 كانون الأول 1949


البلاغ رقم 1 لانقلاب العقيد أديب الشيشكلي الثاني أذيع من إذاعة دمشق يوم 29 تشرين الثاني- نوفمبر- 1951
صادر عن رئيس الأركان العامة رئيس المجلس العسكري الزعيم أديب الشيشكلي البلاغ رقم " 1 "
(تُحيط رئاسة الأركان العامة الشعب السوري الكريم علماً بأن الجيش قد استلم زمام الأمن في البلاد ، ونرجو أن يخلد الجميع إلى الهدوء والسكينة وتسهيل مهمة الجيش ومتابعة أعمالهم دون قلق أو اضطراب ، كما وتُنذر من تُسول له نفسه الإخلال بالأمن بأشد الإجراءات )

اللواء أركان فوزي سلو : رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء عسكري ورجل دولة 1905- 1972
هو أحمد بن عبدالله بن إسماعيل بن سليمان بن سيمكو بن سلو آغا البهديناني
ولد بدمشق وهو من أصل كردي ، التحق بالقطاعات الخاصة الفرنسية العاملة في سورية ابان الانتداب ، ودخل الكلية الحربية عام 1922 ، وعمل قي الفترة 1924- 1932 في الفيلق الأول المختلط السوري والفوج الثاني وفوج الشرق السابع والفوج الخامس ، ورقي في العام 1934 إلى رتبة رئيس – نقيب – ونقل إلى المدرسة الحربية في حمص ، وفي عام 1936 أتم دورة عسكرية في فرنسا ، ثم اتبع دورة أركان في العام الذي يليه ، ثم خدم في فوج الشرق السابع منذ عام 1939 إلى أن سُرح عام 1941 بعد حل القطعات الفرنسية ، ولم يلبث أن أعيد إلى الخدمة في ظل الانتداب ورُفع إلى رتبة مقدم عام 1942 ، والى رتبة عقيد مؤقت عام 1944 ، ثم تلقى دورة إدارية في مديرية المحاسبة ، وأُحيل بعدها إلى التقاعد عام 1945 ، التحق بالجيش السوري في 23حزيران عام 1945 ، وغدا مُديراً لمصلحة الميرا " الإمداد والتموين ، ثم عين مديراً للكلية العسكرية في 4 تشرين الأول عام 1945 ، وهو يُجيد اللغة العربية والكردية والفرنسية والتركية
حصل على رتبة عقيد عام 1946 ن وعين قائداً للواء الثالث عام 1947 ، وعين في عام 1949 رئيساً للمحكمة العسكرية التي تشكلت بعد أن تسلم الجيش مهمة المحافظة على الأمن في 23كانون الأول عام 1948 بقيادة الزعيم ، وإعلان الأحكام العرفية في البلاد بسبب التظاهرات التي عمّت سورية وأدت إلى انقلاب حسني الزعيم بتاريخ 30 آذار 1949 ، رقي إلى رتبة زعيم "عميد" في 16 نيسان 1949 ، وعين رئيساً للأركان العامة ، وترأس الوفد السوري الذي فاوض إسرائيل ووقع معها اتفاقية هدنة بتاريخ 7شباط 1949 ، والتي اعتبرت من ضمن اتفاقيات رودوس ، على الرغم من أنها وُقعت على الحدود في إطار اتخذ طابعاً عسكرياً بحتاً ، وبعد انقلاب الشيشكلي في 19كانون الأول 1949 وتزايد تدخل الجيش في الحياة السياسية ، عُين سلو مديرا عاماً في وزارة الدفاع التي تولاها أكرم الحوراني في 27كانون الأول 1949 – أواخر أيار 1950 ، ثُم عُين وزيراً للدفاع في 4حزيران 1950 في وزارة ناظم القدسي ، وكان بحكم منصبه مُمثلاً للجيش في الحكومات التي تعاقبت في أواخر عام 1951 ، وإثر استقالة وزارة حسن الحكيم بتاريخ 10 تشرين الثاني 1951 وقيام رئيس الجمهورية هاشم الأتاسي بتعيين معروف الدواليبي رئيساً للوزارة في محاولة لوضع حد لتدخل العسكريين في الحياة السياسية مما أدّى إلى اعتقال الدواليبي ووزراءه ن وعُطل البرلمان ، مما دفع هاشم الأتاسي رئيس الجمهورية إلى الاستقالة ، فأصدر رئيس الأركان العامة ورئيس المجلس العسكري الشيشكلي مرسوماً تولى سلو بموجبه منصبي رئيس الدولة ورئيس الوزراء في 3 شباط 1951 ، وتولى في آذار 1953 مهام وزارة الدفاع بالإضافة إلى منصبه ، وفي 1 أيار رقي إلى رتبة لواء ، وأُحيل على التقاعد في 11 آذار 1953 ، وغادر دمشق الى السعودية وعُين هناك مستشاراً عسكرياً للملك سعود ، اعتمد أثناء رئاسته على الأمناء العاملين في كافة الوزارات

معروف الدواليبي الدكتور معروف الدواليبي (1907 - 15 يناير 2004) سياسي سوري من أهالي حلب عن عمر يناهز 93 عام ودفن في البقيع في المدينة المنورة.
زوجته أم محمد، فرنسية مسلمة، تزوجها خلال دراسته في فرنسا عام 1939 حيث حصل على شهادة الدكتوراه في القانون

ولد محمد معروف الدواليبي في حلب ( 1907م) ونشأ فيها ، وهو ابن السيد رسول آغا الباديني الملقب بالدواليبي ، فحصل على شهادة الشريعة والعلوم الإسلامية من الخسروية في حلب ، ثم حصل على الليسانس في الحقوق ، والليسانس في الآداب من جامعة دمشق ، ثم سافر إلى فرنسا فحصل على الدكتوراه في الحقوق ، مارس المُحاماة عام 1935 ، وعُين أستاذا في الجامعة السورية عام 1947 لتدريس مادة الحقوق الروماني ، ومادة علم أصول الفقه الإسلامي ، انتخب نائباً عن حلب عام 1947 ، وانتخب عضوا في الجمعية التأسيسية عام 1949 ، وأصبح رئيساً لها عندما انتقلت إلى مجلس نيابي عام 1951 ، تسلم وزارة الاقتصاد الوطني في 27 كانون الأول 1950 ، وحتى 4حزيران عام 1950 ، ومثل وفد سورية في مجلس الجامعة العربية في آذار ، وفي 23حزيران 1951 انتُخب رئيساً لمجلس النواب السوري ، كُلف بتشكيل الوزارة السورية أوائل تشرين الثاني عام 1951 أثناء الأزمة الوزارية الكبرى حينذاك فاعتذر ، وقد استمرت الأزمة حتى تاريخ 28من نفس الشهر ، فكلف برئاسة مجلس الوزراء للمرة الثانية ، وقد ألفها على أسس دستورية ، ولم يشترك فيها مندوبا عن العسكريين القابضين على ناصية الجيش حينذاك لما عُرف عنه كرهه الشديد لتدخل الجيش في الحياة السياسية ، فاستلم هو بنفسه وزارة الدفاع بالإضافة إلى رئاسة الوزارة ، ولكن وزارته اُعتقلت في اليوم التالي في 29 تشرين الثاني من قبل رئيس الأركان العامة أديب الشيشكلي ، فطلبت القيادة العسكرية منه وهو مُعتقل تقديم استقالته فرفض ، وبقي في السجن خمسة أشهر ، ثم أفرج عنه . فتابع نشاطه السياسي ضد الشيشكلي وهو غير مُعترف بحكمه ، واعتقل في المرة الثانية في 29 كانون الأول عام 1952 حتى 29حزيران 1953 إلى أن خرج من السجن ، واشترك في مؤتمر حمص المُكرس ضد الشيشكلي لمنعه من الاشتراك في مؤتمر حمص ، ولما رجع من حمص وُضعت عليه الرقابة فاضطر إلى مغادرة دمشق إلى لبنان ، وتبعته سيارة من رجال المكتب الثاني السورية تحمل الرشاشات في سيارة تُريد به الشر ، فعمل عل تضليلها ، واستطاع الإفلات منها ، وظل يتابع عمله السياسي ضد حكم الشيشكلي حتى حدث الانقلاب وأُطيح بالشيشكلي في 25شباط 1954 ، فعاد فورا إلى حمص ، ومن هناك عاد إلى دمشق بصحبة فخامة الرئيس الجمهورية هاشم الأتاسي ، الذي عاد واستلم سلطاته الدستورية ، ورفع إليه الدواليبي استقالته الشرعية من رئاسة الوزارة التي ألفها قبل اعتقاله عام 1951 ، واشترك في التشكيل الوزاري الجديد كوزير للدفاع الوطني منذ شهر آذار 1954 حتى 19 حزيران من ذلك العام وجدد انتخابه في أيلول 1954 لمجلس النواب الجديد أيضا. له عدد كبير من المؤلفات في الحقوق والشريعة بالعربية والفرنسية
انتمائه السياسي : أثناء الانتداب الفرنسي انتمى إلى حزب الكتلة الوطنية ، وكان عضوا مكتبها عام 1936 ، وعضوا في المجلس الأعلى للكتلة الوطنية عام 1938 ، ولما انحلت الكتلة الوطنية في عهد الاستقلال اشترك مع الأستاذ علي بوظو أمين عام حزب الشعب السوري السابق بتأسيس حزب الشعب وعمل على وضع حد لتدخل العسكريين في السياسة. عارض الوحدة مع مصر، وتولى رئاسة الوزراء في فترة الانفصال. انتقل إلى السعودية بعد انقلاب البعث في آذار (مارس) 1963، حيثُ سُجن على إثره وخرج من السجن بأمر الرئيس أمين الحافظ في العام 1964 ومنه إلى السعودية ، وعمل مستشاراً سياسياً في الديوان الملكي السعودي من (1965) إلى أن نعته المملكة في 24 ذو القعدة 1424 هـ الموافق 16 كانون الثاني 2004 م. كتب في الشريعة الإسلامية والحقوق، ومن مؤلفاته "الحركة التشريعية في الإسلام" و"مدخل إلى علم أصول الفقه الإسلامي"
وقد نعاه رئيس المنتدى الإسلامي العالمي للحوار الأمين العام المساعد لمؤتمر العالم الإسلامي بما يلي
إلى الأمة العربية والإسلامية وكل محبي السلام ننعي
دولة الأستاذ الدكتور محمد معروف الدواليبي
رئيس مؤتمر العالم الإسلامي الأسبق
رئيس وزراء سوريا الأسبق
مستشار الديوان الملكي السعودي، والمفكر الإسلامي الكبير، والفقيه المبصر الأستاذ في القانون الدولي المقارن في الجامعات السورية وجامعة الصوربون في فرنسا سابقا ورائد الحوار بين الثقافات والحضارات واتباع الأديان في التاريخ المعاصر وصاحب المؤلفات العديدة في الفقه والدراسات والفكر الإسلامي والقانون والسياسات الدولية سائلين المولى عز وجل أن يتقبله قبولا حسنا وان يسكنه العلا من الجنة وان يعوض امتنا بخير وانا لله وانا إليه راجعون .







أسماء ورد ذكرها : التفاصيل عنها
حسن الحكيم : عنه في مُلحقات تاريخ سورية 6
حسن الحكيم : عنه في ملحقات تاريخ سةرية 6
شكري القوتلي : في مُلحقات تاريخ سورية 7
هاشم الأتاسي : عنه في مُلحقات تاريخ سورية 5
وللإضافة عن الرئيس الوقور هاشم الأتاسي رحمه الله روحه المرحة ، حيث اجتمع ذات يوم في اليمن مع الإمام يحيى حاكم اليمن آنذاك ، فقال له الإمام يحيى ممازحاً له ، بأننا سمعنا عن أهل حمص أنهم جدبان أصحاب هفّة " لما يُعرف عن أهل حمص البساطة والطيبة والتحمل - ، فردّ عليه هذا الشامخ فهز الرئيس رأسه وقال أصلهم من اليمن ، فضحك الحضور جميعاً
09-04-2010, 12:50 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
تاريخ سورية 1920-1963 - بواسطة بسام الخوري - 09-04-2010, 12:36 PM,
RE: تاريخ سورية 1920-1963 - بواسطة بسام الخوري - 09-04-2010, 12:50 PM

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  تاريخ المصطلح اليوناني " فلسطين" لأرض إسرائيل التاريخية JOHN DECA 2 2,114 02-09-2013, 08:11 PM
آخر رد: الوطن العربي
  تاريخ تشيع العشائر العراقية طريف سردست 0 3,172 03-23-2011, 09:38 PM
آخر رد: طريف سردست
  تاريخ الشيعة والتشيع في العراق طريف سردست 1 2,920 03-21-2011, 10:23 PM
آخر رد: (ذي يزن)
Brick تاريخ وسيرة محمد الحقيقية ؟ الفكر الحر 0 4,616 03-09-2011, 04:28 AM
آخر رد: الفكر الحر
  رد على موضوع الزميل بسام الخوري : تاريخ سوريا seasa1981 0 1,764 09-04-2010, 01:35 PM
آخر رد: seasa1981

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS