من اكثر القضايا اثارة في ملف القراءات دون ان تاخذ نصيبا كافيا من الدراسة , قضية ( قراءات النبي ) , وهي مختصة بالروايات التى تصف قراءة محمد , و هناك عدد من الكتّاب الذين كتبوا عن القراءات المنسوبة لمحمد كما جاء في الاحاديث سواء في ثنايا الكتب او افردوا لها كتبا مستقلة, فكتب ( ابو داؤد ) في سننه بابا بعنوان ( الحروف و القراءات ) ([1]) و بلغت رواياته 39 رواية , و كذلك الترمذي فكتب ( القراءات عن رسول الله ) ([2]) و كان عدد رواياته 22 رواية و كتب الحاكم ( قراءات النبي ) ([3]) و كان عدد رواياته 110 رواية , اما (الدوري) فقد الف كتابا مستقلا سماه ( جزء في قراءات النبي ) و جمع قرابة 130 رواية , بينما ضاع كتاب ( ابن مجاهد ) ([4]) و كذلك الاصبهاني ([5]) , و يكثر هذا المصطلح ( قراءة النبي ) في ( مختصر شواذ القران ) لابن خالويه ([6]) و ( المحتسب ) لابن جني ([7]) و كذلك كتب التفسير كتفسير الطبري و ابن عطية و الزمخشري

و قد عاب ابن عاشور على مصطلح ( قراءة النبي ) و يرى ان هذا يرجع الي " تبجح اصحاب الرواية بمروياتهم " ([8])

فكيف تعامل المسلمون مع هذه القضية ؟

***

المفترض – حسب الزعم الاسلامي – ان القران مروي عن طريق التواتر , بينما هذه القراءات مروية عن طرق احاد .

اذن كان يجب ان تحوز القراءات المتواترة قوة اكبر من قوة هذه القراءات الاحادية المنسوبة الي محمد , و لكن واقع القراء يثبت العكس .

فقد قرأ (الكسائى) " العين والأنف والأذن" جميعاً بالرفع ما عدا النفس فهى منصوبة وحجته الخبر من محمد انه قرأها بالرفع ، فنصب " النفس بأن وأستأنف ما بعد ذلك على الابتداء([9])

و مثله ( حفص ) اذ خالف شيخه ( عاصم ) في الروم 54(10) بسبب خبر مروي عن قراءة محمد (11)

فهل يمثل هذا الخبر الواحد ( الضعيف ) نفس قوة الرواية مزعومة التواتر عن ( عاصم ) ؟

ام ان قراءة ( عاصم ) نفسها اضعف من خبر الواحد هذا , مما جعل ( حفص ) يخالفه ؟

الظاهر هو الثاني , و هذا الباب الذي لم يفتحه احد يمثل احد اكبر الطعون في هذه القراءات مزعومة التواتر , و قد فضّلت ان اعرضها بشكل مستقل و قبل الختام , لتلفت نظر اولي الالباب .



-----------------------
[1] السنن ج 4 ص 31 – 38

[2] السنن ج 5 ص 185 – 198

[3] المستدرك ج 2 ص 230 – 257

[4] معجم الادباء 5 70 الفهرست 34

[5] التحبير في المعجم الكبير ج1 ص 181

[6] مثلا ص 1 , 5 , 23 , 28 , 35

[7] مثلا 1\ 313 , 2 \ 95 , 106

[8] التحرير و التنوير 1 \ 55

([9]) - ينظر: معانى القرآن للكسائى 124 والسبعة لابن مجاهد 244 والحجة للفارسى 3/ 226 وحجة أبى زرعة 226 والكشف لمكى 1/ 409

10- السبعة في القراءات ج: 1 ص: 309

11- المبسوط في القراءات العشر 191 , و الحديث ضعيف لوجود عطية العوفي