ما من فرقة منتسبة إلى الإسلام إلا وادّعت أن الكتاب والسنة مصدرا التلقي عندها، ولكن الله عز وجل لم يلهم واحدة منها اتباع الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، لذلك لم يدّع أحد من أتباع هذه الفرق أو متبوعيها التقيّد بفهم وعمل السلف في تفسير نصوص الشرع، سوى من عُرفوا بأهل السنة والجماعة.
فأهل السنة والجماعة هم الوحيديون الذين يضيفون قيد (فهم السلف)، وأما غيرهم فكلهم رغم ادعاء معظمهم التقيد بالكتاب والسنة فإنهم لم يتقيدوا في تفسيرهما بفهم السلف، بل ابتدعوا أديانا جديدة لا تمت إلى دين الإسلام بصلة باتباع طرقهم الخاصة في فهم النصوص، ويتضح ذلك فيما يلي تمثيلا لا حصرا:
*ادّعى الشيعة أن أئمتهم يتلقون الوحي المباشر، فهذا يغنيهم عن اتباع الصحابة جيل التشريع، بل قالوا بضلال الصحابة فضلا أن يكونوا قدوة.
*ادعى الأحمدية أن إمامهم الميرزا غلام أحمد الذي عاش قبل قرنين تقريبا هو المهدي المنتظر بل هو المسيح المخلص، وهؤلاء أيضا لا حاجة لهم إلى ما تلقاه الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم من تفاصيل أمور الدين وتطبيقاتها؛ لأن إمامهم يتلقى الدين مباشرة من الوحي كما زعموا.
*المعتزلة والأشاعرة قالوا بأن مذهب الخلف أعلم وحكم، وإن كان مذهب السلف أسلم.
*وكذلك الخوارج والمعتزلة والقدرية وغيرها.

فكل هذه الفرق منشأ ضلالها عدم التقيّد بفهم السلف.
وقد يتساءل متسائل:
ما أهمية التقيد بفهم السلف وأمامنا المصدران الكتاب والسنة؟
الجواب:
إن الله عز وجل اختار لأفضل أنبيائه أفضل الأصحاب، وإن نبينا محمدا عليه الصلاة والسلام هو خاتم النبيين، وقد أمره ربه عز وجل بتبليغ الأمة ما أنزل إليه من الشرع، وبما أنه عليه الصلاة والسلام لن يدرك كلّ الأمة لقصر حياته فإن من الحكمة أن يهيئ الله عز وجل لتبليغ الأمة هذا الدين من يتلقاه عن النبي صلى الله عليه وسلم ويعيه ويعمل به وينقله إلى مَن بعده، لذا يقول عز وجل مخاطبا أولئك: (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون*فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولّوا فإنما هم في شقاق...الآية) سورة البقرة.
لذا فكل من سوى هؤلاء المؤمنين مطلوب منه الإيمان على نحو إيمانهم في أي زمان وأي مكان، وسواء اليهود والنصارى الذين سيقت الآيات بسببهم أم غيرهم، فالعبرة بعموم اللفظ.
فاليوم ما أكثر من تولّوا عن مثل ما آمن به أولئك اتكالا على فهمهم الخاص.