كانت الجماهير العربية التي تقف تحت شرفة الرئاسة في دمشق شتاء عام 1958 ، تهتف طل علينا يا جمال . وكان جمال عبد الناصر الذي انتخبته تلك الجموع العربية العظيمة رئيسا ، لم يطأ أرض سوريا العربية مرة واحدة . و لكن الحلم الذي جمعه بأمته هو الذي صنع ذلك المشهد التاريخي البليغ .
ما زلت أحب جمال عبد الناصر و افتقده كطفل ينتظر أباه الغائب في سفر طويل .
عندما أذكر جمال عبد الناصر تنساب الدموع من عيني .و أعود إلى تاريخنا الحافل معه ، إلى أحلامه الاشتراكية و الأعلام القومية و الشمس العربية .
و لكن لماذا فقط عبد الناصر دون سواه .؟.
هل لأنه الرجل الذي جسد الحلم و الأمل .
هل لأنه الرجل الذي أشعل في قلبي جذوة أبدا لا تنطفئ
و أستمد منها شبابا متجددا و عزيمة لا تلين .
انتهي عبد الناصر السياسي .
انتهى الرجل و الحاكم و الأب .
كل ذلك مضى ليفسح الساحة كلها لعبد الناصر الرمز
عبد الناصر القومية العربية .
وهذا الرمز أحبه .
و أبكي ليس حزنا عليه و لكن انفعالا به .
فأنا أراه أكثر حياة من جميع الأحياء
إنني أراه في كل مكان
في الطرقات التي كنت أسير فيها و أحلم بأمة عربية واحدة .
على وجه النيل الذي غير جغرافيته و روضه للإنسان العربي المصري
رأيته على أسوار جامعة القاهرة ،و أشجار حديقة الأورمان ، حيث شاهدته أول مرة .
رأيته في مكتبات وسط البلد ، حيث تعيش تلك الكتب التي عشقتها من أجله
كي أكون جديرا بجمال عبد الناصر .
اليوم و أنا أسير في شوارع القاهرة ، أسمع الأشجار و الطرقات تهتف من جديد طل علينا يا جمال .
طل علينا يا جمال !.
إن عبد الناصر لم يكن أبا للعروبة بل ابنا لها
لم يكن معشوقا للعروبة بل عاشقا لها
لم يكن فارسا للعروبة بل جوادها
لم يكن سيدا للعرب بل خادمهم
لهذا سيبقى دائما حيا . بل أكثر الجميع حياة .
احلف بسماها و بترابها