{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
محمود أمين العالم.. رائد المدرسة الواقعية في النقد الأدبي
هاله غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 2,810
الانضمام: Jun 2006
مشاركة: #5
RE: محمود أمين العالم.. رائد المدرسة الواقعية في النقد الأدبي
الشكل والمضمون:

يرى العالم أنه ما من عمل بغير صورة، أو شكل، أو صياغة، إذ (ليس في مقدور أحد أن يدرك شيئاً أو يتصوره أو يتخيله، في غير صورة معينة. إنّ إدراكنا الحسّي لشيء، أو تصورنا العقلي، أو تخيلنا له، إنما يتحقق خلال صورة دائماً، بل هو يعني كذلك أن لهذا الشيء صورة يمكن بها إدراكه أو تصوره أو تخيله، وفضلاً عن هذا فإن التعامل العلمي مع أي شيء يفترض بالضرورة كذلك هذه الصورة المعيّنة، المحددة لطبيعته).
ويتساءل العالم، ما هو الشكل؟ ويجيب عن هذا السؤال بنفسه: (الشكل -وليس هذا تعريفاً جوهرياً بحال من الأحوال- هو ما به يتميز الشيء وتتحدد قسماته).
فبغير صور الأشياء لا سبيل إلى معرفتها، (فصورة الشيء لا تكاد تنفصل عن حقيقة إدراكه بل عن حقيقة وجوده، فثمة ارتباط عميق بين العجلة، مثلاً، وشكلها ووظيفتها ووجودها كذلك. ففي العجلة يرتبط الشكل بالوظيفة ارتباطاً وثيقاً. هل يمكننا أن نرى أن الاستدارة مجرد إطار خارجي للعجلة؟ أو هي جزء أساسي من وجودها يحقق وظيفتها، ويبرز فاعليتها، وبغير هذه الاستدارة الشكلية تفقد العجلة وجودها ووظيفتها، بل تصبح موضوعاً آخر، وظيفة أخرى، وجوداً آخر؟) ويصل العالم إلى أن هناك شكلاً محدداً دائماً مهما تنوّعت التفاصيل والأنماط والطرز والوظائف وهذا الشكل (ليس إطاراً خارجياً، بل هو تنظيم وتنسيق وصياغة لعناصره المادية يخدم الهدف المنشود منه، ولهذا فبغير الشكل لا يمكن للشيء أن يحقق وظيفته).
ويرى العالم أن التغيير في شكل المادة يؤدي إلى تغيير في موضوع المادة نفسها، فلو غُيِّر شكل مادة الكرسي وأعطيت شكل المائدة لاختفى الكرسي كموضوع وتحققت منه وظيفة أخرى وبرز من مادته معنى جديد).
ويرى العالم أن الصورة أو الشكل أو الصياغة في الأعمال الأدبية والفنية تكاد تكون جوهر ما يكون به الأدب أدباً، والفن فنّاً. إن الموضوعات الأدبية والفنية مبذولة في حياة الناس وتجاربهم، في واقعهم النفسي والاجتماعي والطبيعي على السواء. (والقضية هي أن تتحول هذه الموضوعات من موضوعات لها شكل الحياة والطبيعة إلى موضوعات لها شكل الفن وصياغته، والصياغة هي... جوهر الأدب والفن. ليس في هذا افتئات على موضوع، أو غضّ من مضمون، وإنما هو تحديد لوجود الأدب والفن بارتباطه بشكل أو صورة أو صياغة... وبعض النقاد يعرّفون الفن بأنه إرادة تشكيل أو إرادة وصياغة، وهذا صحيح إلى حدّ كبير. على أن المهم أن ندرك الصياغة أو الصورة أو الشكل... لا باعتباره مجرد إطار ثابت أو تضاريس خارجية لعمل من الأعمال، وإنما باعتباره عملية مرتبطة بوظيفة العمل نفسه، بمادة وجوده).
إن الأدب صورة ومادة، واللغة أداة من أدوات الصورة، كما أن المعاني إحدى أدوات المادة. وبين الصورة والمادة تفاعل وتداخل وتشابك لا يقوم بدونها العمل الأدبي ولا تتحقق له وحدته.
يقول محمود أمين العالم: (صورة الأدب كما نراها ليست هي الأسلوب الجامد وليست هي اللغة، بل هي عملية داخلية في قلب العمل الأدبي لتشكيل مادته، وإبراز مقوماته، ونحن لا نصف الصورة بأنها عملية، مشيرين بذلك إلى الجهد الذي يبذله الأديب في تصوير المادة وتشكيلها، بل لما تتصف به الصورة نفسها داخل العمل الأدبي نفسه، فهي حركة متصلة في قلب العمل الأدبي نتبصَّر بها في دوائره ومحاوره ومنعطفاته، وننتقل بها داخل العمل الأدبي من مستوى تعبيري إلى مستوى تعبيري آخر، حتى يتكامل لدينا البناء الأدبي كائناً عضوياً حياً.
وبهذا الفهم الوظيفي للصورة يتكشف أمامنا ما بينها وبين المادة من تداخل وتفاعل ضروريين. فمادة العمل الأدبي ليست معاني، بل هي أحداث، لا من حيث إنها أحداث وقعت بالفعل، ويشير العمل الأدبي إلى وقوعها، بل هي أحداث تقع وتتحقق داخل العمل الأدبي نفسه، ويشارك التذوق الأدبي في وقوعها وتحققها، وهي أيضاً عمليات متشابكة متفاعلة يفضي بعضها إلى بعض إفضاء حياً لا تعسف فيه ولا افتعال.
والصورة في الحقيقة -هي جماع هذه العملية المفيضة، هي هذه الحركة النامية... في داخل العمل الأدبي بين أحداثه لإبرازها وربطها بالعناصر الأخرى التي يتكامل بها البناء الأدبي. وعلى هذا فالمعاني وحدها قيم متحجرة لا تصلح مادة للعمل، بل هي وسيلة من وسائله المختلفة لتحقيق أحداثه وخلق ارتباطاته المتكاملة).
ولعلّ الموسيقا هي التجسيد الأرقى للتداخل بين الصورة والمضمون، فهي أكثر الفنون تجريداً، وأشدها تعلقاً بالصور والأشكال المطلقة. ففي الموسيقا كما يقول العالم يتحول الصوت (إلى علاقات لا شأن لها بواقع التجربة المباشرة للصوت. إن الموسيقا تفكير تجريدي بالنغم، وهي علاقات شكلية بين الأصوات، وتنويع لها، وارتفاع بها إلى مستوى رائع من البناء التجريدي. إن المعمار الشكلي للقطعة الموسيقية هو حياتها، وهو وجودها، ومن هذا المعمار الشكلي وحده تنبع كل أسرارها الجمالية، كما ينبع مضمونها الخاص كذلك، ولا شكّ أن التشكيل النغمي هذا ليس وعاء، أو إطاراً خارجياً، وإنما هو جوهر الموضوع المعالج، إن التشكيل هذا هو الفكرة، هو المضمون في العمل الفني كله، ومن هذه القمّة المجردة من التشكيل الصرف ترتفع الموسيقا إلى أرقى مستوى بين الفنون جميعاً).
إن العلاقة بين الصورة والمادة، أو بين الصياغة والمضمون، لا تكون علاقة متآزرة متّسقة إلا في الأعمال الأدبية الناجحة، أما العمل الأدبي الفاشل فهو ذلك العمل الذي يقوم بين صياغته ومضمونه تخلخل وتنافر وعدم اتساق. وعلى هذا فإن المدارس الفنية التي تهتم بالشكل قبل المضمون كالتكعيبية مثلاً، أو بالمضمون قبل الشكل كالسريالية والمستقبلية مثلاً، مدارس فنية غير مكتملة).
والعالم لا يفصل بين الشكل والمضمون في الأعمال الجيدة، وإنما يميّز بينهما فحسب، وفارق بين الفصل والتمييز، كما يقول. فعندما يقوم بعض النقاد بالفصل بين الشكل والمضمون حتى في الأعمال الجيدة يكونون كمن يعدّ الشكل أو الصورة أو الصياغة مجرد إطار أو وعاء أو تضاريس خارجية، فيقفون عند بعض مظاهر العمل الأدبي أو الفني الجمالية الخالصة ولا يستطيعون الغوص فيه، واكتشاف الرابطة الوثيقة الحية النامية بين شكله ومضمونه، وذلك لأنهم باسم التوحيد المطلق بين الشكل والمضمون يلغون المضمون أساساً، ويصبح العمل الفني مجرد علاقات شكلية جمالية خالصة.
إن تحليل الأعمال الأدبية والفنية، واكتشاف أسرار منطقها الداخلي هو في رأي الناقد، عملية بالغة الصعوبة والتعقيد، تؤدي إلى انحرافات وأخطاء كثيرة فقد ينحرف التحليل بالمحلّل إلى الشكل الخالص دون ارتباط بالمضمون وقد ينحرف به إلى المضمون الخالص دون ارتباط بشكل. والمحلّل في الحالين بعيد عن العمل الفني.
ويخلص الناقد إلى أن الشكل والصورة والصياغة الفنية أو الأدبية، ليست مجرد ملامح خارجية وإنما هي عملية نشطة في قلب العمل الأدبي، أو الفني نفسه، عملية إنارة داخلية -لو صحّ التعبير- وهي بغير شكّ عملية تابعة للموضوع، نابعة من المضمون خادمة لهما أساساً. وليس يقلل هذا، بحال من شأنها، فإذا كانت الصورة أو الصياغة أو الشكل نابعة من الموضوع، فهي في الوقت نفسه سبيله للإبانة والوضوح والتجسيد والتطوير.

يتبع
10-08-2010, 10:40 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
RE: محمود أمين العالم.. رائد المدرسة الواقعية في النقد الأدبي - بواسطة هاله - 10-08-2010, 10:40 PM

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  القربان ..محمود درويش وفرج فوده .. لقاء الكلمة و المعنى . بهجت 1 1,025 07-26-2012, 01:23 PM
آخر رد: بهجت
  الرد الإخونجي على قصيدة محمود درويش thunder75 2 2,735 02-10-2011, 07:00 AM
آخر رد: أندروبوف
  للتاريخ: هذا ما قاله محمود درويش عشية انقلاب حماس الدموي في غزة طلال محمود 1 1,328 01-18-2011, 02:21 PM
آخر رد: الجواهري
  أزمة الضمير الأدبي احمد زكريا 4 1,521 10-31-2010, 06:08 PM
آخر رد: عادل نايف البعيني
  محمود درويش: قصائد غير منشورة العلماني 4 2,697 04-30-2009, 10:46 AM
آخر رد: ليلاء

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 4 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS