شكراً لجميع من أدلى بدلوه. وأنا آسف إن كنت لا أستطيع أن أرد على هذا الكم من المداخلات بسبب ضيق الوقت، لذلك فلسوف أحاول انتقاء ما أحسب أن ردي عليه قد يشكل إضافة ما للموضوع.


ابن نجد
1) روابطك التي وضعتها بشأن بيع الأراضي وتخوين الفلسطينيين، هي روابط تكذّب مزاعمك. افتحها وانظر بنفسك، إذ يبدو أنك تأتيني بروابط أنت لا تعرف ماذا تحتويه.
عموماً، قصة بيع الأراضي مرادها "تنصل بعض الأخوة والأشقاء" - لنقص في مروءتهم - من قضية فلسطين، عبر اتهام الضحية عوضاً من الوقوف في وجه الجلّاد. ولكنها قصة "مفضوحة" بالأرقام منذ وقت طويل، ولا يرددها إلا بعض الذين في قلوبهم مرض. وأنا بحق لا أريد لغضبك أن يجعلك تقع في مزالق أنت في غنى عنها.
2) بشأن "الخائن النذل"، الفرعون صاحب "الغليون"، فمن الجيد أنك أبدلت كلمة "حرّر" بكلمة "استعاد"، إذ يبدو أنك اقتنعت بشكل أو بآخر أن "ابن ست البرين" "خان وباع" بثمن معلوم. فهل تظن حقاً أن المصريين يعتبرون "الخيانة" "عزاً وكرامة"؟ يبدو أن العينات التي تأخذها من المصريين عينات غير التي أعرفها، فهم عندي – أمس واليوم وغداً – أهل نخوة وشهامة.
أما قضية "مجابهة أمريكا" فهي مضحكة سخيفة. كذبة أطلقها "الساداتي" وأبواق إعلامه أيام حرب أكتوبر كي يهرب من خلالها إلى الأمام من ناحية، وكي يعبد الطريق إلى "رحلة الخزي والعار والذل والمهانة". أما تحليلك السياسي بأن العرب غير مؤهلين للانتصار أو للوقوف في وجه اسرائيل وأمريكا، فلقد كذّبه "حزب الله" في لبنان تكذيباً عملياً قبل عشر سنوات، عندما هرب الإسرائيليون مع عملائهم تحت جانح ليل أليل.
3) بشأن قولك أنك مع القومية العربية، إرجع إلى مداخلتك في موضوعي عن عبدالناصر في الاجتماعية (40) وانظر إلى المداخلة رقم 81 (آخر فقرة) ولسوف تجد نفسك تقول أنك مع "القومية العربية" و ... و... .

عاشق الكلمة

أعرضت عن مداخلتك الأولى يا سندي لأن كل شخص تعامل مع "السير الذاتية" يستطيع أن يضرب أخماساً بأسداس أمامها. فأنت تأخذ على "هيكل" تخميناته وشكوكه مع أن ما يقدمه "هيكل" هو قراءة من زاوية معينة تعتمد على "حقائق" مثيرة.
"هيكل" إذاً يقدم بعض الحقائق الهامة عن "حياة الساداتي" كنا نجهلها جهلاً تاماً قبل "خريف الغضب"، بعدها يستند إلى "المعروف لأي رجل عاقل عارف متوسط الثقافة" كي يتصور كيفية تشكل "عقد النقص" عند "ابن ست البرين". إنه ليس بعيداً عن منطق "الاستدلال" الأرسطي المعروف المشهور (سيلوجيزم).
هذا الأسلوب في التحليل (الاستناد إلى وقائع مادية في النفاذ إلى المشاعر والأحاسيس) يستعمله الكثيرون من كتاب السير الذاتية والمحللين والباحثين. بل نستعمله نحن يومياً في حياتنا: فأنت لو ذهبت إلى طبيب وقلت له بأنك تعاني من كذا وكذا وكذا فإنه سوف يجد نفسه، بناء على الأعراض المذكورة، يشخّص مرضاً أو آخر ويعطيك دواء له. إنه يستنتج "نوعية المرض" من خلال أعراضه الملاحظة.
كذلك القاضي مثلاً، فهو يأخذ بحيثيات معينة (بصمات، شهادات ... إلخ) كي يدين متهماً ما، حتى لو لم يكن أي أحد من الناس شاهداً على الجريمة.
"هيكل" لم يفعل أكثر من فعل الطبيب والقاضي، فهو تحدث عن "المرأة القديمة وأولادها" التي تسكن في بيت زوجها مع "المرأة الجديدة"، ثم ترك القاريء يتخيل هذا الوضع المعروف له من خلال ذاكرته الجمعية.

بخصوص أن عرفات أيضاً حاول المضي على طريق المفاوضات بعد ذلك ، فهي "حجه ما بتقلي عجه" لأسباب ليس هذا مكانها. فنحن نتحدث عن خيانة الساداتي، غير المبررة موضوعياً في السبعينيات، والتي حيدت مصر من دائرة الصراع وكسرت طوق العداء العربي من حول الدولة العبرية، وأتاحت لهذه الأخيرة تصفية الوجود العسكري الفلسطيني في لبنان (1982) وتغيير قواعد اللعبة كلها.
"خيانة الساداتي" كانت بالنسبة لنا كفلسطينيين تشبه نكبتنا سنة 1948: خيانة أتلفت الزرع والضرع وهدمت البيت على رؤوس ساكنيه، الذين لم يبق لهم إلا الموت أو الفرار وإنقاذ ما يمكن إنقاذه. عموماً، هذا، أيضاً، موضوع آخر بدوره.

الحكيم الرائي

أنت ياض مش سمعت نصيحة معلمك نيوترال ومشيت بدري؟ إيه اللي رجعك تاني؟

هولي مان

شكراً لمرورك المميز الذي فتح باباً جديداً للحوار وشرع أفقاً رحباً للنقاش.
لن أدخل في التساؤل عن دور "الشعوب" في الهزيمة، فهذا موضوع طويل (رغم أنه يثيرني حقاً). ولكني سوف أقول كلمتين مختصرتين بخصوص نقطتين بعينهما:
تتساءل أنت إن كان مكوث "ابن ست البرين" بجانب عبدالناصر فترة طويلة، وعدم اكتشاف الأخير له "كخائن محتمل" هو سوء تقدير من عبدالناصر للرجال. وأنا أظن حقاً بأن بعض عيوب "عبدالناصر" كانت انخداعه بالمقربين منه حتى يفضحهم الدهر في الأعمال الجليلة.
يذهب توفيق الحكيم في كتابه الناقد لعبد الناصر (كتاب عودة الوعي) إلى أنه كان عاطفياً وانفعالياً، وأنا أظن أنه محق جداً في هذه النقطة، وأن من أسباب فشل عبدالناصر في أمور كثيرة كانت عاطفته التي منعته من رؤية عيوب أصدقائه.
ويذهب "عبدالعظيم رمضان" (مؤرخ الساداتي) في كتابه "حرب أكتوبر في محكمة التاريخ" إلى أن الحكم في مصر كان مشتركاً بين "عبدالناصر" و"عبدالحكيم عامر" حتى هزيمة 1967، وأعتقد بأنه على حق في بعض هذا نتيجة "لعاطفة عبدالناصر" العمياء تجاه المقربين منه (ليس صدفة باعتقادي أن يدعو "عبدالناصر" ولده الثاني بعبدالحكيم).

إذا كان هذا صحيحاً فإنه قد كان صعباً جداً أن يكتشف "عبدالناصر" أن في "الساداتي" بذرة خائن كبير قد ترى النور يوماً ما. فالرجل كما يقول أنيس منصور ( في كتابه عبدالناصر المفترى عليه والمفتري علينا) كان "مسماراً بلا رأس"، وإذا كان من الصعب على عبدالناصر اكتشاف المسامير ذات الرؤوس، فكيف يستطيع أن يكتشف "مسماراً دون رأس"؟

ولكن لماذا كان "الساداتي" "مسمارا دون رأس"؟
هنا يكمن الدور الأساسي "لحياة السيدة ست البرين" أمه. فلقد كان يتوجب على "الفتى أنور" في صغره، خصوصاً بعد انتقاله إلى القاهرة سنة 1925، أن يعيش مع "ست البرين" و"زوجة أبيه الثانية" في منزل واحد سيدته كانت "الزوجة الثانية". وهنا تدرّب الفتى أنور أن يكون "مسماراً دون رأس" كي يتجنب الصدام مع زوجة الأب (التي نقول عنها في أمثالنا: زوجة الأب، لا بتحب ولا بتنحب) وكي يجنّب أمه سوء معاملة أبيه. في هذا البيت، تدرب الفتى "أنور" في طفولته على أن يمتثل ويذعن ويسكن حتى يتمكن. وتدرب على أن ينال حقوقه دون أن يحس أحد به. وتدرب على السرية والتآمرية والانتهازية والوصولية في آن، تلك العوامل التي سوف توجه عمله السياسي فيما بعد. ولعل إحدى تجسيدات هذه السرية والانتهازية والاستفادة من الظروف كان في ذهابه إلى السينما وافتعاله مشاجرة هناك، دونها "هيكل" ودونها قبله "غالي شكري" في كتابه عن "الثورة المضادة في مصر"، وتسجيله اسمه في محضر في قسم "الدقي". فالساداتي محنك منذ طفولته، يعرف كيف يلعب على جميع الحبال، وكيف يكون مثل القط؛ كيفما رميته ينزل إلى الأرض واقفاً. ولعل فضل "حياة ست البرين" المعذبة الصعبة مع الأب والزوجة الثانية في نفس البيت، أكسبت الفتى هذه المهارات التي سوف يستغلها أيما استغلال في الانحناء لعبدالناصر حتى يمر. والانقلاب عليه وعلى ميراثه فيما بعد دون ضجة.

من هنا إذاً جاءت نسبتي له "لأمه"، فأنا لا أريد – معاذ الله – أن أسيء للأم. فهي لا ذنب لها على الإطلاق في تكوين نفسية هذا الطفل العاق لأمته إلا بما جنت حياتها عليه وعلى تكوينه النفسي في آن.

واسلموا لي
العلماني