عيون وآذان (الجواب في طيات السؤال)
الخميس, 14 أكتوبر 2010
جهاد الخازن

هناك كل يوم دليل جديد على ان إدارة جورج بوش الابن خططت للحرب على العراق من البداية ولفقت الأسباب عندما لم تجدها، والواقع اننا لا نحتاج الى دليل جديد، فما نعرف يكفي ويزيد، ومحكمة جرائم الحرب الدولية تحاكم مجرمي حرب وتحكم عليهم وعندها أدلة أقل من المتوافر عن بوش وديك تشيني ودونالد رامسفيلد وعصابة الحرب الليكودية في الإدارة مثل بول وولفوفيتز ودوغلاس فايث وغيرهم.

قبل أيام قرأت تفاصيل وثائق سرية عن الحرب على العراق نشرها أرشيف الأمن القومي (الأميركي) على ثلاث حلقات مع شرح وتحليل من خبراء بينهم جون برادوس الذي كتب أيضاً عن الموضوع.

وباختصار شديد، فالوثائق تظهر انه خلال ثلاثة أيام من دخول البيت الأبيض أُفهِم وزير الخارجية كولن باول أن سياسة الإدارة هي تغيير النظام في العراق، ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد أمر رئاسة الأركان المشتركة في 29/9/2001 بوضع خطط الحرب، والعسكريون طوروا هذه الخطط بانتظام بناء على إلحاح الوزير.

أعرف أن الأمة العربية (والإسلامية) في حالة موت سريري، ولم يبق سوى سحب الأشرطة من جسم المريض ليرتاح ويريح، ولكن لا أفهم أن بلداً عظيماً مثل الولايات المتحدة لا يتابع الموضوع، وألوم الرئيس باراك أوباما الذي قال: «ننظر الى الأمام لا الى الوراء»، فلم يقدّر له مجرمو الحرب موقفه وإنما ارتدّوا عليه ليحمّلوه مسؤولية ما ارتكبوا بحق بلادهم والعالم.

وثائق الإعداد للحرب، وهي تشمل دور بريطانيا أيضاً، تزامنت مع جلسة للجنة شؤون المحاربين القدامى في مجلس النواب الأميركي كان موضوعها «الثمن الحقيقي (نفقات) الحرب» غاب عنها 25 عضواً، يبدو انهم من الذين أيدوا الحرب ولا يريدون التراجع أو أن يواجهوا بأخطائهم.

ما هي هذه النفقات. جوزف ستيغلتز، الفائز بجائزة نوبل، ولندا بلايمز صدر لهما كتاب سنة 2008 عنوانه «حرب الثلاثة تريليونات دولار» أثار ضجة في حينه، وأشرت اليه في هذه الزاوية، غير انهما هذه المرة قالا ان تقديراتهما قبل سنتين كانت منخفضة، وان نفقات العناية بالمحاربين القدامى وحدها ارتفعت من 717 بليون دولار الى 934 بليون دولار، أو حوالى تريليون دولار وهما قبل سنتين جعلا عدد الذين سيطلبون رعاية صحية 400 ألف، وبلغ العدد 565 ألفاً في آذار (مارس) الماضي. وقرأت رقماً لخبير في شؤون المحاربين القدامى هو 620 ألفاً.

أيضاً كان المؤلفان توقعا أن يطلب بين 366 ألفاً و398 ألفاً تعويضات عن الإصابة بعاهات، غير ان 518 أيضاً طالبوا بتعويضات، ومرة أخرى مع وجود تقديرات أعلى بكثير.

لا أريد أن أثقل على القارئ بمزيد من الأرقام عن جلسة درست نفقات الحرب، ولكن أقول انه كان هناك اتفاق على أنه لو أُعيد إصدار كتاب ستيغلتز وبلايمز لكان عنوانه هذه المرة «حرب الأربعة إلى ستة تريليونات دولار».

وكان عرض للكتاب الأصلي في «بابلشرز ويكلي» جعل نفقات الحرب على العراق قبل سنتين 4.5 تريليون دولار، وإذا زيدت عليها نفقات حرب أفغانستان تصبح سبعة تريليونات دولار. ويمكن أن نزيد عليها تريليونات أخرى من النفقات غير المباشرة، أو غير الظاهرة، مثل خسائر فرص العمل في القطاع الخاص، ونفقات العاهات الدائمة والأمراض النفسية حتى الجنون وخسائر الأسر والمجتمع.

وأزيد من عندي أرقاماً لم يبحث فيها اجتماع لجنة شؤون المحاربين القدامى فقد قُتل في العراق حوالى 4500 جندي أميركي وتجاوز القتلى الأميركيون في أفغانستان أخيراً رقم الألفين. وكنا نقلنا عن مصادر غربية حتى لا نُتَّهم ان الحرب تسببت في موت مليون عراقي، وعندي الآن أرقام بريطانية وأميركية تجعل الضحايا من العراقيين 1.3 مليون شخص.

ما ارتُكب في العراق هو أسوأ جرائم حرب على الإطلاق منذ الحرب العالمية الثانية عندما قتل النازيون ستة ملايين يهودي. وهناك فارق فحجم المحرقة النازية لم يعرف تماماً إلا في السنتين الأخيرتين من الحرب، في حين ان جرائم الحرب في العراق كانت مسجلة بالصوت والصورة من اليوم الأول، ومن دون أن تتوقف، ومن دون أن تطلب الدول العربية أو الإسلامية من مجلس الأمن الدولي تحقيقاً في الموضوع، بل إن العراق عارض رسمياً طلب ليبيا التحقيق.

لماذا لا يهون العرب والمسلمون على الناس إذا كانوا هانوا على أنفسهم؟ لا أسأل لأسمع جواباً فالجواب في طيات السؤال.