السادسة صباحاً : لم أنم سوى ثلاث ساعات متقطعة لعينة . الحرارة مرتفعة و البعوض مازال يؤدي واجبه بجسدي . سنوات و أنا أشارك أخي الغرفة و لم اعتد شخيره و " ضراطه " ، نفس الرائحة حتى نتيجة البقوليات كغذاء رئيسي . مازال لدي ساعة قبل الانطلاق للعمل . و بحركة لا شعورية أمد يدي داخل سروالي لأمسك قضيبي المنتصب ، لعلها الفرصة الوحيدة و الكل نيام لأرجم عميرة .

السادسة و نصف صباحاً : مازلت أحاول الوصول للنشوة حتى بدأت يدي تخدر ، لا أعرف ما الخطأ ، نفس الفنتازيا المعتادة " فتاة الثانوية الشقراء " ونفس الطقوس كلها بما فيها الخوف من أن أضبط كما حصل كثيراً . هل هو الدواء الجديد ؟ وهل حصلت على فائدة منه بعد حتى أحصل على أثاره الجانبية ؟ قال الطبيب أنها مسألة نفسية و ها أنا أحرم من ذروة يومي .

السابعة صباحاً : لم أشعر برغبة بتناول شيء قبل الخروج ، قد تشعر بالملل بعد سنوات من إفطار " عروسة الزعتر " . نفس الطعم اللاذع الرخيص الذي يجعلك تفضل العمل بمعدة فارغة . على كل حال لا أظن أني سأعمل اليوم ، سأضع حد لتهديدات الطرد " لا تستطيع طردي لأني أستقيل " ، سيفقد أبي عقله و سترفع أمي يديها للسماء غضباً علي و سيقول أخوتي نفس التعليق : فاشل " رافس " النعمة . من يستطيع رفض وظيفة بـ 200 ليرة يومية و 12 ساعة عمل فقط . صحيح أن تحميل الصناديق ليس بعمل لائق لحامل ثانوية أدبية ، لكنه جاء بعد جهدٍ جهيد . لن يدعني أنام اليوم بالبيت .

الثامنة و الربع : يخيل لك أن حفلة روائح الفم و التعرق و الدخان سترافق لقبرك و أنت تتأرجح داخل الصندوق المعدني المسمى " باص " ، وجوه ميتة التعابير تحدق ببلاهة ، نفس الوجوه على اختلافها ، كأنك بمتجر للدمى البلاستيكية . لن أزيح اليد التي تداعب مؤخرتي فلا أظن أنه تحرش أكثر من كونه الزحام ...... نفسه .

التاسعة صباحاً : كان وصولي متأخراً للعمل كفيل بطردي ، قبضت 2200 ليرة أجر عمل 11 يوم ، حاول الحاج أن يأكلها علي ثم حاول أن يؤجلها لأخر الشهر ، قلت له زوج عمتي " أمن الدولة " يسلم عليك . أسرع بإعطائي أجرتي و هو يسبح و يستغفر ولولا حجّته لقال : يلعن ربك .

العاشرة صباحاً : لدي عشر ساعات قبل أن أحاول العودة للبيت و بجيبي راتبي و هو ملكي حتى الآن . الحرارة مرتفعة كأنها منتصف الظهيرة ، فكرت أن أبتعد قبل أن تهاجمني نوبة رهاب نتيجة ازدحام السوق . الناس تشكي الفقر و رغم هذا السوق يغلي و الأدهى من ذلك ما هو معروض على الواجهات بكل وقاحة . تلفاز مسطح بـ 30.000 ليرة هذا يعني أني يجب أن أعمل بدون طعام و لا موصلات و لا دواء لمدة خمسة أشهر متواصلة حتى أشتريه . أظن أن أسواق هذه الأيام للتجار الرأسماليين و للموظفين المرتشين ومن رحم ربي .

الثانية عشر: آذان الظهر . الجو لا يطاق ، المسجد مكيف . هذه هي المعادلة و النتيجة دخولي المسجد لأول مرة منذ سنوات . شعرت ببعض الخشوع ما لبث أن زال و أنا أؤدي حركات صلاة الجماعة بدون وضوء حتى . اشتهيت قيلولة مبكرة لكن خادم المسجد نهرني ، نفس السلوك الفظ الذي عهدته لما كنت ملتزم . قاومت إغراء الراحة ببيت الله و خرجت .

الواحدة ظهراً : لم أعتقد يوماً أني سأصل لهذا ، شعور لا يترجم من الوحدة و عدم الأمان و قلة الحيلة . جلست على الرصيف ، أنتظر شيء ما لا أعرفه ليحدث . بدأ نفسي يضيق و تتسارع ضربات قلبي ، إنها نوبة ذعر أخرى . عصاب القلب كما سماه الطبيب .

الثانية و النصف : أكثر من ساعة و أنا جالس على الرصيف . هدأت ، وبدأت انتبه لنظرات الناس . نهضت وأخذت أمشي على غير هدى ، كل ما أراه يبدو مشوهاً و مخيفاً . أدركت أن 5 ملغ لم تعد تكفي أو أن الدواء الوطني ليس له نفع .

الرابعة : أشعر بالتعب و برغبة عارمة في البكاء . كلما اقتربت من البيت ازدادت تقلصات معدتي الخاوية . دخلت محل " أبو مخطة " و يعرف هكذا بحارتنا لأنه دائم العبث بأنفه . أجبرت نفسي على بلع صندويشة الفلافل الباردة و أنا أصعد سلالم بيتنا . تسللت لغرفتي هرباً من تبرير رجوعي المبكر لكن أمي لحقت بي . يا ألهي لا أريد أن أكسر قلبها .
- لماذا عدت مبكراً ؟
- من عندنا ؟ سمعت أصوات .
- أختك و أولادها .
- زيارة أم " زعل " ؟
- زوجها الفاسق الله لا يوفـ....
- أنا تركت العمل أمي ، وانتهى .
- الله لا يوفقك .
- لطالما كنت ماهرة بالدعاء .
- لا ...
- أنا أحترق هنا أمي ، اشعري بي . مخنوق أنا .... مخنوق .
- هذا كله من يوم تركت صلاتك .
- أمي أرجوك .
- يا أبني الله ....
- يلعن الله ، يلعن ربكم و رب هذا البيت . ماذا يريد الله من " منتاك " مثلي ؟
- الله لا يوفقك يا قليل الأدب ، الله لا يوفقك يا كافر .
وخرجت و أغلقت الباب خلفها . أما أنا فلم أمنع نفسي من البكاء .... بصمت .

السادسة مساءاً : لأول مرة ألحظ الرطوبة المستشرية بسقف الغرفة ، اصفرار الحيطان ، الضوء الباهت . و كأني غريب .... نعم أشعر أني غريب . كنزيل بغرفة فندق رخيصة بمدينة بعيدة . قطع أخي علي توهاني .
- لماذا تركت العمل ؟
- أليست هي الطريقة الوحيدة لتشعر أنك ناجح .
- أنا إلى جانبك .
- و هل هنالك من هو ضدي .
- ألم تسمعهم .
- لم أسمع شيء .
- أعطوك ثلاث خيارات .
- ؟؟؟
- إما أن تعود للعمل أو تسلم نفسك للخدمة العسكرية أو ....
- أو ؟
- تترك البيت .
- عندي حل رابع .
- ما هو ؟
- لا أعرف بعد ، خذ هذه 200 ليرة .
- لماذا ؟
- خذ أمك و أختك و أولادها للمنتزه .
- لماذا ؟
- سيأتي صديق لرؤيتي . ولا تقل لماذا .
- طيب .
- أصرفها كلها عليهم .
- " اوكيه " .
- ولا تشتري سجائر .
لم يرد بل أشار لي بحركة بذيئة وهو يخرج ، وخلال نصف ساعة كنت لوحدي بالبيت .

السابعة والنصف مساءاً : عاد التيار منذ قليل ، أخرني انقطاعه قليلاً لكن لا مشكلة . ها هي 23 حبة " أولانزابين " ، 15 حبة " أندرال " ، 19 حبة " ديازيبام " و ظرفان " باراسيتامول " كلمسة جمالية لا أكثر . ينقصني الحليب الدافئ أو القليل من الكحول لتسريع الأمور ، لكن الاثنين حرام علي كما يبدو . كعكس كل الأطفال كنت أحب الحليب لكن لا أحد أشترى لي الحليب . ومن يحتاج الحليب ، الحليب رفاهية ، الحليب غالي ، الحليب يحتاج قروش لعينة لم .... .. . يجب أن أهدأ ، هذه مسيرتي الأخيرة . هل أكتب رسالة ؟ لا من سيهتم . وصية ؟ لا اعتقد أنهم سيعزفون الفيولا بجنازتي ، هاهاها هذا إذا عرفوا ما هي الفيولا أصلاً .

لاحقاً : شربت الجرعة من ساعة تقريباً . وها أنا أختبر الشعور الذي لطالما تمنيته ، " لا غداً " . لا أنكر أني خائف و متوتر لكني اعتقدت أن الموت أكثر رهبة . أشعر براحة من نوع جديد و غريب ، أشعر بجفاف في حلقي ، أريد بعض الماء ، أو لا عصير البرتقال سيكون مثالياً . لا أستطيع النهوض أو هكذا أعتقد . قبضت على ما تبقى من راتبي و ابتسمت . كان يجب أن أعطي لأخي أكثر ، لكن التافه سيشتري سجائر بها . يحسب نفسه رجلاً ، سأخبر أمي أنه يدخن ، ولا يدرس و يلحق بنت أعز جيراننا . الأرعن لو يعرف كم أحبه رغم فظاظته و بلادة شعوره . أقدم صديقي لي . لا أنسى كم كنت أضربه بصغرنا ، لا أنسى دموعه . من يستطيع نسيان الدموع ، مـ ................................................. . . . . . . . . . . .

تمت