الرد على: فلورنس غزلان
ماذا يقول الجيل الثاني في المنفى؟!
فلورنس غزلان
الحوار المتمدن - العدد: 3157 - 2010 / 10 / 17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع Bookmark and Share
لا أجوبة عندي لابنتي ...لماذا جرفتنا الريح إلى حيث لانعرف؟ ...لماذا علي أن أغسل ذاكرتي من براءتها..التي ولدت هناك؟ لماذا أكبر حيث لا أهل سواكما؟..لماذا أدفع ثمن موقف لا أفهمه وحلم لم أحلم به ولست من شخصياته؟..
رغم هذا تعرفت على عالمي الجديد وبدأت أحس بالانتماء إليه والانسلاخ عن ذاك البعيد..أصبحت أقدامي أكبر وخطواتي أوسع ونما عقلي بطريقة تختلف عنكم..طردت الخجل من ثيابي ومن لهجتي..كما طردت حروباً لا أريدها ولا أفهمها...تجردت من خرائط سكبتموها في عروقي منذ ولادتي..صرت أمتلك خرائط تختلف عن حدود كيانات لم أترعرع بها..لاحيلة لكم فيما أنا عليه..هنا كونت نفسي ...وهناك مازلتم تعيشون...فلا أريد أن أعيش وأموت في الفقد، غسلت ذاكرتي من صور التكرار..فاكتملت أنوثتي وحَمَلت هواء نقياً ....لم تعد مراياكم ولا صوركم الماضية تشكل لي أزمة وجود أو هوية..أنا شجرة تعيش هنا...وجذورها أيضا هنا...لكم جذوركم ولي جذوري..ولا أريد منكم سوى المباركة..لأنكم المسؤول الأول عن وطني الجديد وإقامتي حيث اشتهت رياحكم السياسية..لهذا أنحو للاستقلال عنكم.
لقدا امتلأت زجاجاتكم بصور وذكريات حملتوها معكم ومازلتم تجتروها ليلا ونهاراً..صرت أتقن كل معابدها وأزورها في خيالي..ربما شدني بعضها من باب الفضول وحب الاطلاع على هواجسكم الملتصقة بجلودكم وجداول أيامكم..أن أتعرف عليها حقيقة وواقعاً...لكن حواجز أخرى تمنعني من رؤية هذه المساحات المصورة بألوان شرقية تشبه ألف ليلة وليلة...أعشق قراءتها وتهفو نفسي لزيارة أزقتها...إنما تمنعني جدراناً تقف حائلا بيني وبينها...أنا لاذنب لي..فلماذا؟..أنا ابنة الغيب وابنة المنفى...فماذا جنيت حتى أصاب بطعنات خناجر مسمومة بسموم عقول..لم يدخلها أوكسجين الحرية؟!.
أسمع نحيبكم فأطمر رأسي من أجل إنقاذ نفسي..أشعر أن بكم شيئاً معطوباً غير قابل للإصلاح، ومن العبث محاولة الدخول لأرواحكم المعذبة..لا أريد لروحي أن تشبهها،أريد لأوراقي وزهوري أن تكبرهنا نقية شفافة تلمع تحت ضوء النهار ، أريد لأشجاري أن تتطاول نحو السماء باسقة كأشجار الصنوبر في الغابة..أريد لأطفالي ان يقرأوكم كأساطيرمن عالم آخر..لأني لا أشعر أن روابطاً من الفكر تجمعنا..روابطنا عاطفية أسرية ..كتبكم وحواراتكم تصيبني بالملل..وكأنكم في شرنقة تحاصركم من كل الأطراف...
منذ عرفت أبجدية النطق وأنا أراكم تبحثون عن حل..توغلون في الحلم كما تكثرون من القول..تتناحرون على زعامة لم تولد بعد.
يتحدث أصدقاءكم كما يتحدث الوعاظ ولا يهجعون دون أن يلقوا تحية على الماضي ، بعضهم يرى الله مزروعاً في كل خطوة ،وفي كل نقطة فوق الأرض، وأن أعماله ترصد وترقب وتحصي أخطاء البشرية..أتساءل كم من الموظفين لديه حتى يلم بدقائق هذا الكون؟ هل يسجلنا كأرقام ، أم يحفظ أسماءنا التي منحتونا إياها؟...أضحك من ضعف المحاكمة لدى هذا البعض منكم..وأستغرب تسامحكم وأنتم علمتموني أن أُعمل العقل في كل شيء..كيف يمكن لهؤلاء أن يبنوا وطناً؟ ألم تتعلموا من الفشل تلو الآخر ومن هزيمة تلحق بالأخرى؟. ومع هذا لازلتم موقنون أن الخطأ مقيم في بنية الثقافة!..فمن المسؤول عن ثقافة عرجاء مايزيد عن نصفها غيبي، والباقي مغيَّب؟!
معظمكم ينتفش كطاووس..حين يذكر اسم بلده..تفخرون بما ذهب ولن يعود، ولا تنتجون إلا حاضراً يسطركم في عداد الأمم الموؤدة، كما لاتفكروا بغدٍ لايقام له صرحاً فوق هذا الكم الهائل من الخطأ، وهذا الضعف المَرضي في اختيار الدرب الملائم..لا أسمع إلا تصادماً بين قطاراتكم السياسية..ولا أرى مذ نشأت إلا مزيداً من التراجع في تحقيق حلم كدتم تجعلونه حلمي..لو أني لم أقتنص فرصتي في الابتعاد عن درب لايشبه إلا طريق الجلجلة في أورشليم..
كيف يمكنكم الاعتقاد بأن وحوش الغابات يمكنها أن تتأنسن؟ كيف يمكن لمادح الله أن يمدح الموت ويقدسه؟ كيف يمكن لمن يؤيد القتل ويصدر فيه مراسيم ويعلق للقتلة أوسمة ونياشين أن يعيد النظر في قوانينه....فيمنحكم حق العودة، أو يتكرم على ابنتكم بزيارة لأرض ولدتم عليها؟
تاريخكم ياأمي ويا أبي..اقتحمته الغفلة منذ عقود وأقامت ثم بطشت ،لم تنفع قرابينكم في تغيير مساره، ولم تؤثر شموعكم في ليله الطويل..كما لم تخفف من ازدحام الجثث في عنابر السجون...فعلى من تعولون؟..أبكي من أجلكم..لأنكم أنقياء بين الكثير من الفساد..ولا أرى في الحفنة الصغيرة، التي تجمعكم بمن يشبهونكم أنها قادرة على انتشال التاريخ من كل هذه الأوحال.
تُصِّرون على أن أؤمن بكم وبطموحاتكم، وأن الليل سينجلي ويحمل للجميع فجراً جديداً!!..ها أنذا أصبح أُماً هنا...ومازالت طروحاتكم تراوح مكانها..إن لم تتراجع فراسخاً نحو الوراء..أحترق ألماً لأبٍ قضى دون أن يحقق شيئاً من هذا الحلم..فهل يمكنك يا أمي أن تكملي الدرب..دون مزيد من الأوجاع ؟ تُلَّفق لكم الأخطاء والتُهم ..بحق مشاعركم الوطنية ..التي حفظتوها داخل جدران أقفاصكم الصدرية ومع هذا لديكم الاستعداد للتسامح والغفران!..ما أنتم إلا فرساناً مهزومة...أمام جبروت أنظمة لاتحترم الإنسان...أنظمة تزعُم أنها حققت انتصارات!..يأكلها الوهم وتزرعه في قلوب صبايا وشباب بمثل عمري...أُصدم في كل لحظة حين أرى بنات جيلي...يلحفن العقل والرأس ويخضعن للعواصف الذكورية ويعشن في أقفاص المحرمات، التي تتكاثر حولهن فقط...هذا الذل بكل مايحمل من هوان للكرامة وللمشاعر الإنسانية...لا أستطيع العيش فيه لحظة..تثيرني الشفقة فقط على أمثالي هناك...أنا لا أشرك فيما زرعتوه بعقلي وقلبي..لكني أنجو بنفسي...من وباء قاتل...لكل إبداع ولكل تطور...ربما تقولين أني أنانية... لكن العمر قصيريا أمي ..وعمري لايحتمل أن أضيعه في مهاترات لاتؤتي ثمراُ وفي مقايضات لاتمنح حقاً..وفي أحلام لاتعرفونها إلا ليلا..العمر لايحتمل القتل ...فلماذا تريدون لي أن أموت في سبيل قناعاتكم وفي سبيل وطن لا أعرفه..ولا يعترف بي..حتى أنه لايعترف بكم..إلا أمواتاً!..اعفني من هذا الحوار مسدود الأفق والآفاق..ودعيني أكمل دربي حرة دون نفاق ..حرة وإنسانة لها حقوق ..تعرفها ويعترف بها قانون بلد يحميها..دعيني أعيش إنسانيتي ووطنيتي كما أراها وتراني..لأني أكره أن أكون ضحية.
ــ باريس 17/10/ 2010.
حرية الفرد( المواطن السوري)!.
فلورنس غزلان
الحوار المتمدن - العدد: 3148 - 2010 / 10 / 8
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع Bookmark and Share
وضعت كلمة المواطن السوري بين قوسين، وذلك تجنباً للبس وحفاظاً على المكانات والطبقات، فلا يجوز الخلط بين الزيت والماء، كما لايجوز اعتبار أبناء الست بنفس المكانة التي يحظى بها أبناء الجارية، لهذا ارتأينا أن نفصل بين السادة والعبيد، بين طبقة النبلاء، وبقية الرعية ممن خصهم الله دون البرية بهذا البلاء ، فهل من دواء وشفاء لمعضلة عمرها أربعة عقود مازالت تصيد وتسود؟! ، وبما أن الموضوع المطروح له علاقة بتلك الكلمة المبهمة...في عالم " المواطن السوري"...الحرية..فمن الواجب علينا نحوه ، بما أنه منا ونحن منه...علينا التلويح والتوضيح كي لاينزلق أحد منكم في منزلق يأتي بأجله قبل أوانه..وكي لايقع أحد منكم في قبضة من لايرحم من طواقم تزداد مكاتبها ومحاسبيها وأصنافها وتلاوينها، المجهزة والموظفة من أجل استقامتكم!...من أجل " حرياتكم العامة والخاصة" ..فقلت في نفسي...بما أنه تسرب لي من مصادر موثوقة معنى أن يكون المواطن حراً، ويمارس حريته دون أن يقع في المحذور أو تطاله عواقب الأمور..فعاهدت النفس أن أكشف لكم عن هذه القواعد كي تجنبكم الاصطياد أو المطاردة من كلاب البوليس السري القابعة في كل زاوية من بيوتكم والمراقبة لحركاتكم وسكناتكم.
ــ أيها المواطن السوري ..أنت حر ومن قال لك أنك لست حراً؟!..فأنت حر بأن تصرخ..لوحدك دون صوت ..وداخل الحمام.
ــ أنت حر أن تظل طيلة حياتك صغيراً لايكبر، قاصراً لايعقل، حتى لو رأيت العالم من حولك ينضح ويكبر..فلا تقف مذهولا كي لاتتبخر.
ــ أنت حر أن تشعل النار..في بيتك وأن تصرخ ملء فمك بوجه زوجتك وأبنائك ، أن تضربهم الواحد تلو الآخر وتفش خلقك بهم كما يحلو لك، فكل قوانين البلاد تقف معك..كلها ذكورية من أجلك أيها الفحل في البيت فقط...فلا سلطة لك خارج حدوده ولو بمتر واحد.
ــ أنت حر بالتزمير والتطبيل والتهليل...لاكيفما يقول لك عقلك ، بل بالضبط تماماً كما يملى عليك..من فوق..من هناك...حيث تمسك رقبتك ورقاب الرعية مثلك.
ــ أنت حر، ومن قال لك أنك لست حراً في أن تقول للقمر قم وسأجلس مكانك فأنا أجمل منك والذي يليق به أن يكون قمراً منيراً، لكن لاتنس أن هناك أقماراً وشموساً لاتغيب ولا يمكن لأي شخص مهما بلغ جماله ومكانته أن يأخذ مكانها..فهي الثابت وأنت المتحول.
ــ أنت حر في أن تحصل على ترفيع وتسوي أوضاعك ..إن أحسنت تمسيح الجوخ وأتقنت النفاق والتزلف لمن هم أرفع منك منصباً وأطول باعاً وذراعاً ــ " تدخل هنا وهناك في الجيوب وفي الصناديق، في الحسابات والنفقات ، في المصاريف والتصريفات" ــ..احذر فلا تقنع نفسك بأنك حر أن تترفع من باب الاقتناع بأنك جدير ومؤهل...وقدير ومؤمن بما قاله القانون والعرف أن " الرجل المناسب في المكان المناسب"، فالمكان المناسب هنا لاينطبق على جميع المؤهلات وحاملي الشهادات والقدرات ، ولا المتفوقين في العلامات الدراسية والسلوكية، إنه يدخل في حسابات غير حساباتك ..وفي مجالات غير مجالاتك، فإن أتقنت بفضل مواهبك الاستثنائية الأخرى ما يراد منك عمله كي تصبح مناسباً يليق بمقام الترفيع ويحسن الترقيع في مسائل تخص الجميع من آل الغش والبخشيش البديع...حينها وحينها فقط تفوز وعلى أعلى المناصب تحوز..فالمكان المناسب هنا يخص الحكومة في الرد على العدوان..وهذا ليش شأنك كمواطن...فطين ونبيه يحسن من أين تؤكل الكتف.
ــ أنت حر في أن تركب المواصلات العامة من سرافيس " الجرادين والخنافيس" أو باصات السفر برلك..تسير الهوينا دون أن تتوقف وعلى البنزين سائقها يدوس...فعليك تعلم العربشة وإتقان الضحك والفرفشة، في لحظة العصر والدفش أو الفصل والرفس..من أبضاي حاله يشبه حالك لكنه منفاخ باعتباره حضر واستُحضِر من بلاد واق الواق...إلى عش البراق والوقواق..ليُستخدم ملطشة وممسحة في بيوت الحراسة والفراسة..ويتسلبط عليك وعلى أمثالك في لحظة الازدحام واللطام..من باصات إلى ترام، ويحلف بأغلظ الايمان عليك الحلال وعليه الحرام إنه من أهل الشام ناصبي الخيام على ضفاف بردى الناشف وروافده وملحقاتها من نفايات أولاد الست وبقايا موائدهم العامرة..ليقتات عليها أبناء الجارية الفاجرة، الذين لايشبعون من الشكوى ومن البكاء والاستعطاف للحصول على رثاء وحسنات أهل النعم وزكاة أهل الكرم والإيمان
ــ أنت حر في السكن بالعشوائيات، أو بالخيام..أن تهجر قريتك لتصبح من سكان المدن...لأن قريتك جف ضرعها ولم تعد تروى أرضها..واحذر ...السماء هي السبب...فلم تَجُد عليك بالمطر ولا بالسُحُب..أما حصتك من الحكومة من ماء وكهرباء ودواء...فأنت من يكفر بالنعمة ويهوى " عيشة الحرية" في مضارب الخيام البدوية...فما دخل الحكومة في هواياتك الشعرية أو النثرية؟.
ــ أنت حر وتملك كامل الحرية في التعبير عن مكبوتك ورغباتك وأنت نائم..تحلم وترى الكوابيس كما يحلو لك تقفز من فراشك ملدوغاً مرعوباً..فهذا هو المطلوب والمرغوب لتكون المواطن الصالح المحبوب..تعلم الصمت والكبت والخرس في بلاد التطويع والتركيع لأنها وسيلتك للعيش الذليل ووسائلهم في السيطرة على الإنسان المتبقي فيك..وعلاقتك بالحياة لاتتعدى حدود الوهم بإنسانيتك.
ــ لك كامل الحرية في أن تقتني هاتفاً محمولاً..تسجل فيه اسمك ورقم هاتف أمك وأبيك وأخوتك وأشقاءك فقط ..لو كنت ذكياً حريصاً..فهذه وثيقة تحتاجها في أي دقيقة من دقائق التفتيش والتنبيش على أصلك وفصلك في أي سفر ولو قصير بين مدن وقرى الوطن الآمن المسالم!.. الحريص عليك من ألاعيب ابليس العدو المتربص للايقاع بك عميلا وجاسوس ، متعاوناً معه دون علمك ودرايتك!...أما إن سجلت أرقام أصدقاءك وأحبابك...فقم بإلقاء محمولك في أقرب فوهة من الفوهات المفتوحة لمجاري الصرف الصحي المنتشرة في مدينتك...قبل أن يلقى القبض عليك متلبساً بالصداقة والعلاقة مع جارك أو زميلك السجين السابق أو المُوَقع على بيان يدين الحكومة ويشكك بتقصيرها..بحصر سعر كيلو البندورة بستين ليرة فقط..أن تأكل بندورة أو لاتأكل لايهم..فعليك الحذر من مصادقة هؤلاء ...لخطورة صداقتهم على الوطن وأمنه.
ــ لك كامل الحرية أن تضع لبيتك أكثر من باب وتكثر من النوافذ المطلة على معالم الوطن، ولا يهم أن تكون ستائرك سميكة أم رقيقة فأشباح شيوخ الطريقة يصحون في الليل وينامون في النهار...يجوبون الطرقات ويشمون روائح الطبخ في البيوت..ولهم من كل بيت نصيب..ويعلمون علم اليقين أنك كاتب بالحبر السري على بابك " الحيطان لها آذان"..فتعلم الهمس وتغزل بزوجتك بالإشارة أفضل من العبارة..فسجلك بأيدي أشباح الشيوخ...يجب أن يبقى أبيضاً ناصعاً كمواطن حبوب صالح وطيوب.
ــ أنت حر أن ترتدي من " البالة" وأن تأكل من " الزبالة"أو حتى تأكل التراب..أليس تراب الوطن غالي؟ لهذا تحبه لدرجة أكله بدلا من اللحم والعسل والسمن واللبن..المهم أن تفهم معنى كلمة" خوف، صمت، سكوت" تطبق فمك وعيونك وآذانك عندما تكون مولوداً في بقعة من أرض الوطن السوري محكوماً بحكومة دائمة في عزها وبقاءها فوق رأسك وراس أبوك.
ــ أنت حر في أن تفخر بعروبتك وانتصاراتها سابقاً عبر التاريخ التليد والحاضر " الرغيد"!..خاصة منذ تسجيل اسكندرون في باب الهبة والهدية لجيران لنا معهم عهود ووعود..أمجاد لا أحقاد..مياه مشتركة وأخوة وَرَقية مفبركة..نحتاجها اليوم من أجل السلام وعودة مايسمى" بالجولان"..ــ إن كنت مازلت تذكره أو قرأت عن قراه ومدنه في الجغرافيا والتاريخ في مناهجنا الوطنية العظيمةــ !..أما لو تجاسرت وقلت أنها خسارة وضياع ونكبة..فعلى عيون أهلك ستأتي بالمصائب والنكبات ..ففي كتب التاريخ التي يقرأها ابنك وحفيدك منذ عهد القيادة الرشيدة..أننا خسرنا المعركة...لكننا لم نخسر القيادة..وهذا ماكان يخطط له الاستعمار والامبريالية...فقد دحرنا مخططات العدو وأجهضنا محاولاته التآمر على الحكومة...فربحنا معركة الحكومة...وبفضلها سيعم السلام المنطقة ويعود الجولان...بدون أن نطلق طلقة واحدة ولا أن نسيل نقطة دم واحدة من دماء شعبنا الزكية الطاهرة...ألا ترى كيف تحرص الحكومة على حياة أبناءها؟...فلا تقع في مصيدة العدو ومكائد الاستعمار...كن حراً في الوقوف والدعم ورص الصفوف وراء حكومة السلام.وأيد مساعيها ..لتعتبرك الابن البار للنظام.
ــأنت حر في جنونك...في مغامرتك العاطفية وغزواتك النسوية..وليركب جنونك البحر يغادر وينفى لايهم..تغرق أو تموت حسرة في غربتك..المهم ألا يصل صوت جنونك للداخل وألا يغزو الشوارع ويصل لمسامع من يقبعوا هناك...فوق قمة قاسيون.
اغزو حيث تريد واصطد الأسماك الصغيرة والكبيرة من نساء الداخل في الوطن الأشم كما تحب وتشاء، فقد كرست لك الحكومة كل القوانين الشرعية التي تحمي ذكورتك وفحولتك الشرقية من عهر وغواية المرأة ومكيدتها المتربصة بك...فمن يدريك أن أبليس الغرب غالباً مايدخل من خلال عقل المرأة( القاصر) للايقاع برجال الإيمان والعصمة...كي يبتليهم بالتفرقة والشرذمة..فاضرب دون أن تكسر عظماً أو تسيل دماً وربي نساء الوطن على الخضوع والسجود لأزواجهن الميامين...كي ينصروا الوطن في كل الحقول والميادين، وهكذا تضمن الحكومة نصف الوطن بأيديها والنصف الآخر تحت سيطرتها.
ــ أنت حر في أن تكون أرعناً غبياً تضرب بمهاميزك اللغوية خواصر الصديق والشقيق قبل العدو، كي تمهد الطريق أمام نفوذ الحكومة للتدخل في شؤون المنطقة وتمد ذراعيها على مساحات أكبر وملايين أكثر..وبهذا تدخل التاريخ النظامي كمواطن يختم ويبصم ويدعم " حكومة الوطن"...لأنها خير خيار...لمواطنين لايحسنوا الاختيار.
ــ أنت حر في أن تزهد من الحياة وتزهق روحك فتنتحر وتسبق الموت إليك، ولو مت من غضب لم تستطع الإفصاح عنه ..فستفوز بالترحم عليك وتقال فيك الأشعار..وتدفن كما يدفن " المواطن الصالح البار"..
ــ كن حراً في نسيانك ، انس كل شيء حولك..انس حتى نفسك ، وتذكر فقط أن تأكل لتعيش، وأن تنام كما تنام الأنعام، وأن تخور كما تخور الثيران، وأن تضاجع كفحل...وأن تموت وحيداً من القهر.
ــ أنت حر في النهاية أن تخالف فتختار طريق السجن من أجل ماتؤمن به ، وهنا تبدأ مشوار حريتك وحرية الإنسان في وطن لايحتمل بعد حياة العبودية وتسيير الشعب كما القطعان.
ــ باريس 08/10/2010
فلورنس غزلان
منذ ولادتكِ محكومة بالموت, منذ خروج أنوثتك للعلن, تحيط بك ألغاز الاختفاء وطلاسم الاندثار, منذ ولادتك يسطرون اسمك في دفاتر الجرائم, لأنك مشروع مجرمة, مشروع خاطئة, مشروع قتيلة.. من قال لك أن تولدي بصفة أنثى, من قال لك, أن تحملي صورة الجمال, وتولدي بجسد مخصص للذة ممنوع عليك?
من قال لك أن تحملي سر الكينونة والخلق? من قال لك أن تكوني سر التكاثر, وسر البقاء?
من قال لك, أن تولدي في غياهب الشرق? من قال لك, أن تدخلي الحياة عارية, وتفضحين عريهم, وتوصدين أمامهم أبواب الجنة, لأن لك جسداً يوقظ شبقهم, لأن لك جسدا يحمل صورة أمهم, يحمل صورة حواء المتهمة الأولى, وأنت ضحية الانتساب إليها?
تحضرين ولحضورك صفة اللطم, لحضورك الصدمة الكبرى, تحيلين ثلوجهم نارا موقدة وتستمرين بإشعال حرائقهم اليومية, وتقرعين طبول اللذات في أقفاص صدورهم, توقظين فيهم أوكسجين الشهوة, فيشخر شهيقهم وزفيرهم بأصوات لا يريدونها أن تعلو, يريدونها خرساء, ويريدونك جسداً, يمتلئ جمالا, ويموت حساً... توقظين كل ذرات فحولتهم... نعم... لكنك ميتة الوجود طاغية الحضور في لياليهم, لكنك صورة للعبادة مرهونة للامتلاك, ولا يحق لك أن تمتلكين, حتى ذاتك, هي خارجة عنك, هي لهم وليست لك.
أنتِ أيتها الأنثى, المجللة بالعار, المَكسُّوة بعوراتهم... أنتِ أيتها الأنثى, ممهورة بخاتم العبودية, تحملين الذئب في نهمك, والثعلب في احترازك, والكيد في عينيك, والخطيئة من رأسك حتى كاحليك, لذا تُصدَر الشرائع وتُسَّن القوانين خوفاً منك وعليك! تُسَطر الأقوال, وتُبتَكر الوسائل لضغطك وصهرك وتعليبك وحفظك بعيدا في غياهب الأرض, في غياهب الذاكرة والتاريخ, لا تُذكَرين إلا عندما يُراد لكِ أن تخرجي للعلن, صورة يريدونها أُضحية, قرباناً لأعرافهم, قرباناً لقيمهم, كما يرونك فيها, من دون أن يدركوا أنك مرآة عيوبهم, وأنك مرآة وجوههم المتعددة, أنك مرآة جشعهم ونزواتهم... أنك مرآة ضعفهم, ويعتقدون أنهم بأسركِ سيربحون كل الجولات. يعتقدون أنهم بخنق صوتك سيكسبون كل الحروب, وبالتالي فموتك هو نصرهم المؤزر على إخفاقاتهم وكبواتهم, على ضعف حيلتهم أمام طغيان حضورك الأنثوي.
كنتِ هكذا على مر الزمان, وقبل أن يخرج الذكور الى غابات الصيد وصنع الأقفاص, قبل أن تدرك الذكورة معنى الخسارة من دون حروب, ومعنى الانكسار دون معارك, ومعنى السقوط من دون مقاومة.
لكنهم عقدوا المؤتمرات وأصدروا الأحكام والدساتير للتضييق والخنق... أفلحوا كثيراً, وكنتِ على الدوام طريدتهم وبؤرة الصيد في أرضهم, أشعلوا الحرائق في ديارك وفي حقولك, جعلوا منك وقوداً لدفء النفس الضعيفة, وكلما أبديتِ قوةً رموكِ بالصفات الملعونة, وكلما قاومتِ قوانينهم, اخترعوا شرائع غيبية لإرغامكِ وإخضاعكِ, وأنبتوا ذرائع سماوية خارجة عن إرادتهم! لجعلك طوع البنان ورهن الدور المرسوم, ورهن دائرة أن تكوني أنثى, فهذا يعني أن تبقين في الظل, في الخلف... في أقبية التاريخ, تصنعين سعادتهم, وتوقدين نفسك لمباركة خطاهم وهكذا يقدرونك, أُماُ لكثرتهم, أُماً مُسَّخرةً للتضحيةِ, مُسَّخَرة لنكران الذات يحاصروك بجُمَلٍ منمقة لأسركِ, يجعلون من هذه الأناشيد السلبية قيودا لإخضاع تمردك, الذي يهدد وجودهم ورجولتهم.
استطعت رغم الحصار التاريخي, أن تخرجي عن طوعهم, أن توقدي شموع حريتك, أن تنتزعي دورك في ساحات الحياة, وأن تنتصري لأنوثتك, تنتصري لجسدك, أن تمتلكي ذاتك وقرارك... هذا حصل ويحصل في بعض دول العالم الآخر, خارج دائرة الشرق المتخلف, خارج إطار العادة المقدسة في تحويلك لجثة تمشي, وخيال يمرر رغباتهم, وببغاء يردد ترهاتهم, هذا الشرق الحالم, الشرق غير الفاعل, بل المفعول به على الدوام, ويريد أن يفعل بك, ليبدو فاعلا! أمام نفسه على أقل تقدير, وإلا كيف يَكسب جولاته?! لولا إسقاطات ضعفه وخذلانه أمام جبروت الانكسارات والهزائم متعددة الوجوه, فكيف ينتصر إذن?! كيف يبرر خساراته المستمرة منذ قرون? عليه أن يُلَّفعكِ, أن يحفظك بعلبٍ تمشي, عليه أن يخفيك وراء حُجب وستائر يلونها بشعائر ويتحفها بأشعار تدللك وتدلل عليكِ كبضاعة يُسوِقها لتربح أنظمتهم وترتفع أسهم قوانينهم, رغم استنكار العالم الآخر لهشاشتها وقِدَمِها, واهتراء واصفرار أوراقها المتساقطة بفعل ضرباتك المتكررة على أبوابٍ أوصدوها بوجه معاول مقاومتكِ وتمردكِ.
في الشرق مازلتِ مُعَّدة للتعميد, مُعَّدة للوأد, بينما لو خرجت على هذه الشرائع الصفراء, بينما لو خرجت عن طوق الالتزام, لو حاولت امتلاك زمام الحياة, زمام أمركِ, لا يحق لك أن تكوني إلا لهم, فعليك وحدك تقع كل أعباء شرفهم... شرفهم مُعلق الأهداب بهذا الجسد الذي تملكين... لهذا تلاحقك سيوفهم... تلاحقك سكاكين الذبح وتُنصَب لأجلك شراك الصيد, وأعواد المشانق, ومن ثم تُعدُ الأفراح وحفلات الرقص على جثتك. هكذا قتلوا هدى وزهرة... ومنذ أيام مَثَلوا بجسد" الدرداء " ابنة السابعة عشرة في إدلب, وهكذا راح أحد الآباء الفلسطينيين... مفتخراً, بأنه قهر العدو وانتصر على إسرائيل! لأنه اكتشف أن شرفه في جسد ابنته... دفنها حيةً ترزق بعد أن كبل يديها وقدميها... تركها تموت تحت التراب في حفرة أعدها لوأدها, وراح يقول للعسكر... بفخر: "عاد شرفي الضائع في فلسطين... عادت قريتي... وعاد بيتي... فابنتي هي من سلب كل ما أملك... ابنتي هي سر انتصار إسرائيل"!
يبدو أن الشيطان لا ينصب شباكه إلا لك أيتها الأنثى, ولا يتمكن إلا منك... لأن الرجل المُذَّكر هذا, يمتلك قدرات خارقة لا يستطيع الشيطان التغلب عليها... فأنتِ وأنتِ فقط من يتقمص الشيطان. أنت فقط من يوقع الذكورة في حبائل الشباك المعدة أنثوياً... أنت من يملك مفتاح انكساره ومفتاح انهياره, على قدميك تخر قواه... وأمامك يصبح ريشة ضعيفة في مهب الريح, وبمجرد أن يُشبعَ غرائزه الهائجة وأوداج فحولته المنتفخة, يهرب ويلوذ بفرار الرجولة, ثم يصبح جندياً في فريق اصطيادكِ, يُسَّخر كل ذرائعه لتصبحين منذورة مهدورة الدم, ففي فنائك يَكمُن وجوده, وتنتصر رجولته, وترتفع أسهم شرفه, ويستعيد مكانته الشرعية والقومية والوطنية.... لهذا تُناصِرُه الحكومات والأنظمة, وتَخترعُ له قوانين مُخففَة, كي لا يُسَجل في لوائح القَتَلة والمجرمين, لأن قتلك ليس جريمة! والخلاص منك غنيمة... لأن موتك بالتالي لا شيء.. لا شيء...!
فقد سُحبت منك صفة الإنسانية منذ ولدت في عالم شرقي الأعراف ومتخلف القوانين... أنتِ مُلك هذه القوانين, أنتِ مُلك الدولة, عليك أن تقبلي بالامتلاك, أن تقبلي بتسجيل نفسك رهينة لدى المجتمع... رهينة لدى والدك وأسرتك ومن ثم زوجك, رهينة برسم قانوني مجتمعي الصنع, ومصدق من أعلى القمم السلطوية في دفاتر الدساتير الوطنية... ولهذا حين تخرجين من البيت... تصبحين خارج حدود القانون... خارج شريعته... فاحذري الانزلاق مع الشيطان الملتصق فيكِ كظلكِ, احذري مطبات تتصيد حركاتك وسكناتك, وتعد عليك أنفاسك. فموت الدرداء وهدى وزهرة ونجلاء و... و... كلها أمثلة حية لترضخي, كلها دروس لتستسلمي لعبوديتك, لن ينصروك, إن لم تنتصري لنفسك, وبخاصة أن الكثيرات من بنات جنسكِ مَن سَخَّرنَ رؤوسهن للإيقاع بك, ودخلن أقفاص العبودية برضاهُنَ أو مكرهات, رضين ولا يردن أن تكون إحداهُن مختلفة... يخشين كل متمردة, يخشين كل مختلفة, يحشُدنَ الطاقات مع الجنود الذكور, ويساندن موتك ويستعذبن سلخ جلدكِ المباح لهن بفعل قوانين تصنع منك ومن جسدك طبلاً لأناشيد تُسَبحَ باسم موتك وتهلل لوأدك.
كوني أنثى رغما عنهم, كوني أنتِ... كوني سيدة عليكِ, وسيدة خارج إطار سيادتهم. اصنعي دولتك, اصنعي شرعيتكِ, اصنعي عالمك, وانتصري لك ولابنتك... ليومك... لغدك, كي تلتحقي بعالم يبتعد من عالمك بفراسخ طويلة, ومع رجل يؤمن بك, بإنسانيك تصنعان عالما حراً, عالماً من دون تمييز.. عالما أساسه رجل وامرأة يتكاملان, ويمتلكان أنفسهما, ولا ملكية أو ثأر لأحدهما عند الآخر.
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 10-17-2010, 11:07 PM بواسطة بسام الخوري.)
|