(10-18-2010, 06:33 AM)عاشق الكلمه كتب:  

(10-12-2010, 07:50 PM)العلماني كتب:  عاشق الكلمة

أعرضت عن مداخلتك الأولى يا سندي لأن كل شخص تعامل مع "السير الذاتية" يستطيع أن يضرب أخماساً بأسداس أمامها. فأنت تأخذ على "هيكل" تخميناته وشكوكه مع أن ما يقدمه "هيكل" هو قراءة من زاوية معينة تعتمد على "حقائق" مثيرة.
"هيكل" إذاً يقدم بعض الحقائق الهامة عن "حياة الساداتي" كنا نجهلها جهلاً تاماً قبل "خريف الغضب"، بعدها يستند إلى "المعروف لأي رجل عاقل عارف متوسط الثقافة" كي يتصور كيفية تشكل "عقد النقص" عند "ابن ست البرين". إنه ليس بعيداً عن منطق "الاستدلال" الأرسطي المعروف المشهور (سيلوجيزم).

عزيزى العلمانى :

هات دليلك على أن ماقدمه " هيكل " فى خريف الغضب هى حقائق هامه ومثيره عن حياه السادات كنا نجهلها كما تقول .
يبدو أنك تتجاهل أن " هيكل " مجرد صحفى لاطلع ولا نزل , وليس مؤرخ , والصحفيون يعمدون بحكم عادتهم ومتطلبات مهنتهم الى الاثاره والتشويق بعيدا عن الحقائق " الهامه" , وأنا أطالبك بأن تأتى أنت أو هيكل بمصادر لا تقبل الشك (( شهادات لأقرباء السادات مثلا أشقائه أو أبناء أشقائه )) بأن السادات كان يعانى فى بيت أبيه وهو يشاهد أمه تضرب وتهان ويعامل بصفته " ابن القديمه " , اذا لم تستطع أن تأتى بتلك المصادر الموثوقه فأنصحك بعدم الخوض فى سيره السادات الشخصيه مره أخرى , الأمر ده هيزعل منك كثير من المصريين كما ترى .

كنا قد تحدثنا في المداخلة السابقة عن "قامة محمد حسنين هيكل"، وأريد أن أعرض الآن لثلاث مسائل: الحقائق، المعاناة، وغضب المصريين ...

1) بالنسبة للحقائق
ما قدمه "هيكل" في "خريف الغضب" عبارة عن "حقائق" شخصية ليست بذات قيمة بحد ذاتها، فكل يوم هناك عشرات ومئات الأزواج في "مصر" وغيرها من الدول يتزوجون على زوجاتهم، وكل يوم هناك أطفال يعانون في بيوتهم نتيجة لهذه الزيجات والكثير غيرها من الأسباب. هذه المعلومات (الزواج والمسكن) التي يستطيع أن يكتشفها كل مواطن بالرجوع إلى الملفات الرسمية التي توثقها، والتي شفعها "هيكل" بصور ووثائق في كتبه عندما كان يريد تأكيد أمر ما (مثل صورة ملف التجنيد في ميت أبو الكوم عندما أراد تأكيد لقب "الساداتي" وليس "السادات"). هذه المعلومات إذاً ليست بذات أهمية بالمطلق، ولكنها تأخذ أبعاداً مهمة في دلالاتها عند تحليل شخصية "ابن ست البرين" ومسارها. إنها مثل مشرط ملقى على الأرض، قد تمر به ولا تهتم له، ولكنك لو وضعته بيد قاتل فإنه قد يصيب مقتلاً، ولو وضعته بيد طبيب جراح فإنه يستحيل إلى مبضع قد ينقذ حياة أو حيوات. على أية حال، لقد بينا سابقاً كيف أن "معاناة" الساداتي في بيت أبيه شكلت لديه "عقداً نفسية" تفسر الكثير من أعماله وتصرفاته العامة فيما بعد. بمعنى أن "الحقائق الصغيرة" التي كشف عنها "هيكل" في "خريف الغضب" تشكل عصباً حياً للكثير من التفسيرات والقراءات المنطقية لمسيرة "ابن ست البرين" السياسية. وهذا، بغض النظر عن القصد من ورائه، يشكل "سبقاً صحفياً" خطيراً لصحفي لامع سبّاق بشكل مدهش في استخدام "الأرشيف" بنجاعة لم نعرفها من قبل. (هذا الأمر يؤكده أيضاً "الدكتور فؤاد زكريا" في الكتاب الذي ينتقد فيه "خريف الغضب" والذي يحمل اسم "كم عمر الغضب").

نحن أمام صحفي ومحلل سياسي خطير، يأتي ببضعة مشاعل صغيرة ذات ضوء خافت لا يكاد يذكر، ولكنه يضعها في طريق مظلم معتم، فتنير لنا الدرب الوحيد المتاح أمامنا للوصول إلى فهم شخصية "ابن ست البرين" بعقدها وتعقيداتها. فـ"ست البرين" ولونها مثلا، لو فتحنا أرشيفات أخرى غير "هيكل"، سوف تكون محطة لمهاجمة "الساداتي" في بداية سني حكمه.
"هيكل" يشير أيضاً إلى تفاهة "دور الساداتي" وتفاهة شخصيته في أيام "عبدالناصر"، ولو راجعنا الكثير من الصحف التي صدرت في أول أيام "حكم ابن ست البرين" لسمعنا أصواتاً كثيرة، في مصر والعالم العربي، ارتفعت مستهجنة أن يكون "الساداتي" القميء (حتى تلك اللحظة) هو من يخلف "عبدالناصر العظيم". في هذا تقول "التايم" الأمريكية في مقال يمدح "ابن ست البرين" ويحسن الظن به جداً:
WHEN he succeeded the late Gamal Abdel Nasser last October, he was greeted with a cascade of tasteless jokes. "We're suffering two plagues at one time. First Nasser dies. Then we get Sadat." Haughty survivors of the ancient régime ridiculed him for his dusky skin (from his Sudanese mother) and because he had come from an impoverished delta village that is so remote, the nearest bus route is a mile away. Politicians dismissed him as a light-weight whose chief talent was sheer survival. When he delivered his first May Day speech in the steelmaking city of Helwan, workers shouted "Sadat! Sadat! Sadat!", but the photographs they waved portrayed Nasser, Nasser, Nasser.

Read more: http://www.time.com/time/magazine/articl...z12tAOslAb
في "قماءة السادات" و"أدواره المتواضعة جداً" في عهد "عبدالناصر"، يقول نزار قباني، شاعر العرب الأشهر منذ "المتنبي"، في قصيدة ممنوعة طبعاً (لم يمنعوا القصيدة فقط، ولكنهم منعوا أيضاً الشاعر من دخول مصر حتى "فطس المقبور"):
كان اسمه كما يقال أنور السادات
كان اسمه المأساة
والعلم عند الله والرواة
وكان يمشي خلف عبد الناصر العظيم مثل الشاة
منحنياً ......منكسراً نصفين...
وشاحباً ...وصامتاً.... وزائغ العينين
وكان أقصى حلمه
في أول الثورة أن يهتم بالحقائب
وأن يقول للرئيس آخر النكات

الحقائق التي يذكرها "هيكل" إذاً ليست جديدة، فمعظمها كان على كل شفة ولسان قبل أن يتم مسخ تاريخ مصر على يد بعض الكتبة والمأجورين في فترة "الثورة المضادة لثورة يوليو" التي تستمر منذ منتصف عهد "ابن ست البرين" حتى اليوم. ومع هذا، فلقد حوّل "هيكل" هذه الحقائق الهامشية الصغيرة إلى أداة لا غنى عنها في فهم شخصية "ابن ست البرين" وفي دراسة أسباب "خيانته".

2) بالنسبة لدليل "المعاناة"
أنت تضحكني يا سندي وتذكرني "بالمغيرة بن شعبة" و"عمر بن الخطاب" و"المزود والمكحلة" .
"هيكل" يا سندي يقدم "قراءة تاريخية" لتاريخ "الساداتي" مبنية على بعض حقائق ووثائق وأحداث معروفة وغير معروفة، وهو في هذا ليس بحاجة لإقامة الدليل والحجة والبرهان على ما يقول. إذ يكفي في "القراءة التاريخية" بعض الأحداث الرئيسية والمنطق متماسك"، وبقدر "تماسك" هذا المنطق تكون "القراءة" مهمة ومبررة – على أية حال -.
من هذه الناحية يتعامل "هيكل" مع "بديهيات وترجيحات بشرية معروفة" أنت لست بحاجة إلى إقامة "الدليل" عليها، فهي مثل قولك "اللبن أبيض". فأن يكون السادات أسود وقد ورث سواده من أمه الزنجية فهو أمر شبه بديهي إن لم يكن بديهياً. وأن يكون "الفتى أنور"، ككل إنسان صغير، قد عانى من لونه في بلد عيّره بالسواد عندما أصبح رئيساً للجمهورية (راجع ما اقتبسته من التايم الأمريكية أعلاه)، لهو أمر مرجح أصلاً، فكيف لو كان "هيكل" نفسه شاهد عيان؟ (صحيح، مش في مصر برضو بيدلعو البت وبيقولولها: يا بيضا !! .. ومش برضو بيغنو وبيقولو: والبت بيضا بيضا بيضا ...؟ أولم يذهب "الفاجومي" إلى هذا عندما قال عنه: أسود من الليل والهم ؟!!).
من ناحية أخرى، فمن المعروف عامة أن "ابن القديمة" يعاني الأمرين – بشكل عام وكقاعدة عامة – في بيت "الجديدة" حتى ان المثل الشعبي عندنا في بلاد الشام يقول: "مرة الأب، لا بتحب ولا بتنحب". فهل على "هيكل" من حرج لو استند إلى بديهية اجتماعية مثل هذه في التعريف بشخصية "ابن ست البرين"؟ لا اعتقد، فنحن نستند في الأدب العربي على "جلبان الجارية القوادة" كي نشرح تهتك "أبو نواس" وخلاعته، ونعتمد على "نسب امريء القيس الملكي" كي نبرر "يوم دارة جلجل"، ونعتمد على منعة "تغلب" وعزتها كي نشرح قتل "عمرو بن هند" على يد "عمر بن كلثوم التغلبي" .. إلخ.
كما بينا فوق، فإنه من العادي جداً والمألوف كثيراً أن "يعاني" من كان في وضع "الفتى أنور"، بل لعله أراد أن ينسى أنه "ابن ست البرين" بكل طاقته، فعمد إلى تزوج "شقراء" نصف أجنبية (جيهان) كرد على "عقدة السواد" التي عانى منها. فلربما فكر، إن لم يستطع هو محاربة "السواد الذي عانى منه (كعقدة نقص) والذي عيره به خصومه حتى عندما صار رئيساً للجمهورية، فإن زواجه من "جيهان" قد يكون نوعاً من محاربة هذا اللون في نسله من بعده. أما محاولة إغفال ذكر "ست البرين" وتهميش دورها مع أنها "أمه" التي أنجبته وربته، فإننا نجدها واضحة جلية في إغفال ذكرها من "البحث عن الذات"؛ قصة حياته التي عليها الكثير من علامات الاستفهام (ذكرها دون أن يسميها مرة واحدة في دور هامشي جداً في صفحة 23)،.

3) بالنسبة لإغضاب المصريين
المصريون ليسوا فئة واحدة، فهناك منهم من سيفرح عندما يقرأ ما أقول، وهناك من سيغضب، وفئة ثالثة سوف تهز كتفيها غير مبالية، وفئة رابعة وخامسة وسادسة ... إلخ.
بالنسبة لي فإن جل اهتمامي منصب على غير المبالين والذين سوف يغضبون. بالنسبة للأولين، فإنه يكفيني أن يمروا بما أقول ويتساءلون قليلاً ثم يهزون أكتافهم ويمضون ملهيين بأمورهم ومشاغلهم، فإن وجدت كلماتي عند واحد أو نصف بالمائة منهم صدى وموافقة فإنا راض مبسوط جداً. أما بالنسبة "للغاضبين" "فليشربوا من بحر اسكندريه"، فأنا لا أكتب من فوق منبر حر افتراضي كي أداري مشاعرهم وأراعي خواطرهم وأترفق بأحاسيسهم على حساب الحقيقة والتاريخ.

واسلم لي
العلماني