الرد على: محاولات لتغيير الفكر الديني القديم
2- الأخلاق والدين والفساد والنسبية :
هناك صراع محموم بين معتنقي الأديان لجعل الأخلاق من لوزام الدين , فعندهم من هو غير متدين فهو غير أخلاقي , ويأتي مفهوهم لهذه الفكرة من أن الإنسان عليه رد الجميل لمن اعانه وقدم له كل شيء واعطاه من دون أن يسأله , فكانت مسألة العبادة لذاك الكائن والذي له عدة اسماء وصفات ولندعوه ب ( الله ) , ففي الأديان نجد أن كلمتي الله والعبادة متلازمتان وقمة الأخلاق عند أصحاب الدين هي أن تعبد ربك , وقمة الشر هي أن تشرك به أو أن تنكره , ومع أن لا علاقة للاخلاق بما يسمى بالعبادة وطقوسها إلا عند اصحاب الدين , وهذا الافتراض عند اصحاب الدين يأتي لهدف ما , وهذا الهدف هو إلزام تابع الدين بديانته بطريقة ما , فالكهنة وكبار كل دين يدعون بأن الله موجود وهو الخالق لكل شيء وبما أن الله قد خلق هذا الكون فعلينا أن نعبده لأنه صاحب القدرة ولأنه مستحق للعبادة , فهو من خلقنا وخلق كل شيء وسخر الارض والسموات لنا , فيسردون لك سلسلة طويلة ومتشعبة والهدف الأساسي منها هو إلزامك بالفكرة واضفاء فكرة القداسة والوحي على هذه الفكرة , يأتون لك بالبراهين والأفكار التي تصب في مصلحة الإتجاه الذي يؤكد لمعنى العبادة وسيطرة الدين على عقول الناس , فهم لا يأتون بالفكرة ليجدوا هل هي صحيحة أم لا بل يأتون بالأفكار المؤيدة لها باعتبار أن ما هو وحي غير قابل للنقاش وهو عبن الصواب ولو اصطدم ظاهريا مع العقل , فيقولون لك أن عبادة الله هي من أجل الأعمال ( مفهوم خاص بهم وليس صحيحا بالمطلق ) فهو صحيح عندهم وليس عند كل البشر وليس أجل الأعمال وأكثرها خيرا هي عبادة الله , فأنت عندما تعبد الله أو تمارس العبادة حسب مفهومها في كل دين فإن المستفيد الأول منها ولو ظاهريا هو أنت وليس ربك , والإله في الأصل ليس محتاجا لهذه العبادة أو لطريقة ما في آداء الحركات كشكر وتعبير عن الامتنان لهذا الإله وكأنه إله أبكم لا يفهم سوى لغة الإشارات فترى الناس يسجدون من دون وعي ويظنون أن السجود لهذا الكائن المفترض هو عين الصواب وقمة التذلل والخضوع , ولسابقا إن كانت فكرة الإله الغاضب مقبولة حسب فهم البشر في العصور السابقة فهل هناك حجة تؤيد أن اؤصل لمعنى الإله الغاضب الذي لا يمكن أن تسترضيه إلا عن طريق إظهار بعض الخضوع والتذلل له عن طريق الصلاة والدعاء والاعتراف بالفضل له .
ولذلك فمشكلة ربط الأخلاق بالدين تأتي من مفهوم استنبط من مقدمة خاطئة ولا اثبات لها أو لا يمكن القبول بها على أنها مسلمة من المسلمات , فليس من المسلمات أن الإنسان خلق ليعبد الإله وليس من المسلمات أن قمة الأخلاق أن تعبد ربك , فهذه وجدت من أجل ترويج بضاعة الدين عند الرعاع والعامة من الناس , فالعامة قد اعتادوا على سماع أن الكبار والكهنة لا يقومون بالمنكر واعمال السوء والشر , فكان أن استغل اولئك الكهنة لهذا الفكر المتداول لاتهام غيرهم من المخالفين وهذا الإاتهام يتجه فورا إلى خلق الآخر وسريرته وطبيعته , فترى صاحب كل دين يتهم الآخر في خلقه وعقله , فالاتهام في العقل يجعل من الطرف الآخر مالكا للعقل الصحيح أما اتباعه والاتهام في الخلق يجعل الطرف المقابل طرفا غير موثوق , باعتبار أن الذي يقوم بأفعال الشر من السهل جدا أن يكذب وبالتالي فكلامه غير معترف به , فكان أن ركز الكهنة والكبار في كل معتقد على هذين العملين , وهما تسفيه العقل والحط من أخلاق المخالف , وهذا اسلوب قديم اتبعه السابقون والآن يستخدمه اللاحقون , فالفكرة ما دامت لها جذور مقدسة في عقول معتنقيها فإنها ستبقى حية ويعمل بها جيلا من بعد جيل فكان أن بقي الاتهام في الخلق هو من الأولويات التي يهتم بها الطرف الآخر من المؤمنين بالإله للحط من قيمة وفكر ومعتقد المنكرين للدين .
فكان أن قيل بأن الملحد فاسد الأخلاق و وهم يحتجون أن لا مانع عند الملحد من فعل الموبقات ما دام لا يعترف بحلال أو حرام والتي هي مفاهيم دينية بحتة , وبما أن لا رقيب على فعل الملحد فإنه سيقوم بالموبقات جميعا لو سنحت له الفرصة , وهنا نجد عدة مغالطات , فأولها هو ربط الإلحاد بالفساد واللاخلاقية وهي تهم ساقطة بداهة , وكذلك اعتبار أن الاخلاق والافعال الاخلاقية يوجد اتفاق عليها عند الجميع وهذا من الافتراضات الخاطئة فالأخلاق نسبية وما هو خير عند البعض تجده شرا عند الآخر , فالاخلاق تتغير حسب المفاهيم وليس هناك مفهوم محدد للأخلاق .
فإن اتفقت البشرية على حرمة القتل والسرقة والاغتصاب وغيره باعتبارها افعالا شريرة فإنها لم تتفق على أشياء أخرى من مثل الجنس والزواج ومحاربة الغير وغيره , فنجد مثلا بأن الزواج بأكثر من امرأة في المسيحية لا أخلاقي بعكس المسلمين , ونرى أن محاربة المسلمين لغيرهم اخلاقي ولكن غز الآخرين لهم لا أخلاقي , ونجد أن الاخلاق عند المسلمين هي عين ما فعله محمد ونجد أن المسيحيين يشمئزون من افعال محمد من مثل زواجه المتكرر وزواجه من زوجة ابنه بالتبني , فإن كان سكان التبت يقدمون زوجاتهم لضيوفهم كتعبير عن كرمهم فإننا نجد تأففا واشمئزازا من هذا الفعل عند الآخرين , ونجد أن بعض اصحاب الدين يشمئزون من زواج الاخ من اخته مع أنهم جاؤوا عن طريق زواج الاخ من اخته ( قابيل وهابيل ) وبالتالي فإن مفهوم الأخلاق والأفعال الخلقية متغير حسب الظروف والمجتمع والتفكير وغيره من الأمور , فلا يوجد خلق جيد حقيقة ولا يوجد ما يسمى بخلق سيء حقيقة , والأخلاق تطلق على الأفعال إما سلبا أو ايجابا , فتوصف بعض الافعال بأنها لا اخلاقية ( شر ) والأخرى بأنها اخلاقية ( خير ) .
فلذلك لا يجوز ولا يستقيم ولا أصل للادعاء في أن الملحد لا خلق له , فلأخلاق ليست شيئا واحدا لنقول بوجوده أو عدم وجوده , وكذلك الفهم للفعل الاخلاقي ما دام متغيرا فإنه لا يجوز أن نجعل من مفهومنا للأخلاق هو الصحيح ومفهوم الآخر هو الخطأ .
فالمسلمون مثلا لا يجدون غضاضة من شراء الجواري ومجامعتهن ولكن بنفس الوقت يقيمون حد الزنا على من مارس الجنس مع أمرأة أخرى , ومن الغريب أن هذا الفعل يعتبر لا اخلاقيا والفعل الآخر اخلاقي , ويأتي هذا المفهوم من أن الإله الذي شرع هذه الامور هو الأعلم وبالتالي ما قال عنه أنه خير فهو خير وما قال عنه أنه شر فهو شر , فما دامت أصل الفكرة تأتي من كونها موحى بها ومقدسة فلا تجد من المؤمن بها أي قبول بأي نقد نحوها , فالطرف الآخر لا يرى النص مقدسا وموحى به , وكل نص قابل للنقد والاعتراض ولا يوجد نص لا يمكن الاعتراض عليه أو عدم القبول به .
فلذلك ما دام فهمنا للفعل الجيد من السيء بختلف حسب اختلاف مفاهيمنا فإن القول بأن الملحد لا اخلاق له هو ضرب من ضروب ونوع من انواع الممارسات والهدف الاساس منها هو الطعن في الطرف الآخر لكي لا تسود فكرته على حساب الطرف الأول , فالأول يقول بأن نصق من عند الإله ولا يجوز الطعن به , والطرف الثاني يقول بأن هذا النص من عند البشر وهو قابل للنقد والتحليل , فادعاء أن بعض النصوص هي من عند الإله لا يعطيها أي شرعية في سرد الإتهامات ضد الطرف الآخر , ولا يعطي أي حق للطرف صاحب الدين أن يتهم طرفا مخالفا له بأنه ليس على خلق ويتذرع بأن هذا قول الإله وليس قوله متحججا بوحي النص والذي لا اثبات على وحيه ولا دليل على ذلك سوى ادعاء وقول المؤمن به .
ومن العجيب الغريب أن الإله الابراهيمي شرع في اتهام من لم يعبده باتهامات عديدة واول هذه الإتهامات هي اتهامه في عقله وفي خلقه ووصفه بأنه شرير وفاسد وظالم , فهنا نجد أن الإله وقع في تناقض كبير , فهو الذي خلق الشر والظلم والفساد وبنفس الوقت ينتقد من قام بهم وكأنه يذم نفسه ويذم صنيعه .
|