الأخ نيوترال .

تحية و تقدير .
أنت تطرح في مداخلتك موضوعات عديدة ،و أرى أنك تطرحها للحوار العام و ليست موجهة لي بصفة خاصة فقد سبق أن تحاورنا في بعضها بالفعل أم هل ربما نسيت ذلك ؟.و البعض الآخر طرحتها – بهجت-للحوار في موضوعات قائمة بذاتها .حسنا لماذا أفترض أن ما أكتبه يقرأه الزملاء و ما يقرأونه يتذكرونه ؟.لهذا سأعرض وجهة نظري من جديد .ربما لا أستطيع الرد في مداخلة واحدة عن كل النقاط المثارة دفعة واحدة . فلم لا نبدأ بالحديث عن تأثير الخطاب السياسي الأمريكي .
هذا الموضوع تحديدآ كان مادة لأكثر من شريط طرحتُه ، ربما يتذكر بعض الزملاء شريطا منه هو " شيزوفرانيا " ، في الشريط تحاورت مطولآ مع الزميل الكندي ، و أيضا تناقشت معك حول تأثير الخطاب الأمريكي مطولآ في شريط طرحته أنت بعنوان " الشماعة الأمريكية " في يناير 2009 ! .في كلآ الشريطين عبرت أنت و الكندي على تخوفكما من تأثير الخطاب الأمريكي الفعال و الكاسح ، و أن أمريكا وراء الأفكار السائدة في مختلف الجماعات و المدارس الفكرية ، و لكنك زدت على ذلك بأنك لم يستثن أحدا من السير مغمض العينين خلف أمريكا .
أنت يا صديقي تشارك زملائنا في الغرب في الوقوع بالضرورة تحت تأثير الإعلام الغربي ، و لهذا تعتقدون أننا في المنطقة العربية واقعين تحت تأثير نفس الإعلام وهذا غير صحيح تماما . فعلى النقيض نحن نعاني من عدم الإستماع أو فهم المنطق الغربي كله بسبب أصولية دينية متغولة مسيطرة على الوعي و العقل الإسلامي كله . إن أكثر ما أخشاه الآن هو ما يمكن أن أطلق عليه المنظار الأمريكي ، فالمصري ( و بعض العرب ) ينفرد عن شعوب العالم لأنه يتوهم أن ما عليه سوى أن يقلب الصورة التي تعرضها أمريكا ليرى كل شيء على حقيقته !، ذلك دون حتى أن يجهد نفسه و ينظر للعالم بعينيه هو و يرى ما يجب عليه رؤيته ولا يخاف أن يختلف ما يراه مع المنظور الأمريكي و الأهم ألا يخاف أن يتفق ما يراه مع ذلك المنظور !. كان برنارد شو يردد :"أن ذلك الذي يقتل الملك ،و ذلك الذي يموت من أجله ،كلاهما عابد أصنام" ، وهو محق فكلاهما يعيش في دائرة ذلك الملك عبدا له سواء في ذلك أن يضيع عمره من أجل القضاء على الملك أو يبدد عمره من أجل حمايته ، هذا الدرس البسيط فشلنا في فهمه ، فأمريكا ليست الله ولا الشيطان ، و لكنها قوة كونية عظمى ولن تختفي بمجرد أن نغمض أعيننا .
يا صديقي .. أمريكا ليست صانعة أفكار كل البشر،وهي في المنطقة تحديدا لا تصنع أفكار أحد ، فالجميع ضدها تقريبا ؛ الإسلاميون و القوميون و الشيوعيون ( السابقون ) و حتى جزء كبير من الليبراليين (إن وجدوا ) ، ربما فقط هناك بعض المسيحيين يتعاطفون مع سياستها لحاجتهم إلى حمايتها و نفوذها .
أمريكا أيضا ليست شيئا واحدا ،و لا تصدر نوعا واحدا من الأفكار ، و بهذا نفترض أن أمريكا التي تنتج نصف الأفكار الجديدة في العالم مجرد دولة شمولية أحادية الفكر من دول الشرق الأوسط ، و هذا غير صحيح ، فالأفكار المدعمة للحرب الصادرة عن اليمين الجديد ، كان يقابلها تماما أفكار أخرى معارضة لها ، و بالطبع أنت سمعت بها في حينها .
أنت بهذا تفترض أننا جميعا – في المنطقة– نتبنى نفس الأفكار ولو في حدها الأدنى ،وهذا خطأ كبير للغاية ، نحن مختلفون في كل شيء تقريبا ، فكيف تأثرنا جميعا بأمريكا و كيف وضعت على ألسنتنا نفس الأفكار ؟. الغريب في المقابل أن الإدارة الأمريكية تشكو دائما من سوء فهمها في المنطقة ، حتى أن إدارة بوش الإبن عينت مفوضة خاصة لتحسين صورة امريكا في المنطقة دون نجاح ، مما اضطر المفوضة إلى تقديم استقالتها .
لو كان الخطاب الأمريكي فعالآ ، ألم يكن من الغريب أن الطريق إلى الشعبية في المنطقة يمر بمعارضة الولايات المتحدة ، فأكثر القادة شعبية في المنطقة و فقا لنتائج اسستطلاعات رأي عام قامت بها مؤسسات غربية كبرى في المنطقة هم أحمدي نجاد و حسن نصرالله و خالد مشعل و خامنئي ، و ذلك بالرغم أن 3 منهم من الشيعة ، وهذا يدل أن العداء لأمريكا فوق كل شيء حتى التناحر السني الشيعي ، كما نتذكر أنه في وقت ما كانت شعبية صدام حسين في الأردن و بين الفلسطينيين لا تقل عن 90% . في هذه الساحة تحديدا موضوعا عن أفغانستان ،و ستجد أن الزملاء الذين يتقاتلون في كل القضايا يتفقون على الشماتة في أمريكا و حلفائها حتى لو كان ذلك لصالح طالبان ، فهل يدل ذلك على وجود أي نوع من التأثير الأمريكي !.
رغم ما تعتقد أنه هجوم أمريكي ضد الوهابية ، فهي تحظى منذ 11 سبتمبر بشعبية متزايدة في الفضاء السني ، إذا لم يكن بهذا الأسم فبمجمل أفكارها و أيضا بمسماها " السلفية " .
يبقى أن معظم العرب كتابا و شعوبا تؤيد جهود إيران في الحصول النووي ، باستثناء بعض دول الخليج و بعض الدول العربية على أساس طائفي ،و ليس تعاطفا مع الخطاب الأمريكي . أما ما تراه من مظاهر للتناحر الطائفي بين الشيعة و السنة السلفية " الحنبلية " فهي ظاهرة ثقافية تاريخية لم تختفي قط ، ربما أصبح أكثر ظهورآ نتيجة العولمة الإعلامية . يبقى ان أمريكا بالطبع تحاول توظيف الصراع السني الشيعي لصالح سياستها في المنطقة و لكن بغبائها السياسي المعتاد .