لا يولد المرء إنسانا بل يصير كذلك
قبل التساؤل عن كيف يصير توجه الإنسان لا بد أولا أن يكون إنسانا؟
ذكرني مثال القبائل البدائية بأطفال الغابة، أولائك الأطفال الذين قادتهم الأقدار إلى العيش في الأدغال.
أبرزت حالات الأطفال المتوحشين أنهم ،بعد محاولات إدماجهم في الإنسانية بإخضاعهم لإشراف متخصصين،أبرزت أنهم لا يستطيعون سوى تعلم القليل مثل المشي بغرابة على الأقدام و استخدام الملابس و حفظ معنى بعض الكلمات دون القدرة على الكلام و أنهم لا يتخلون إلا بصعوبة كبيرة عن ردود الأفعال العدوانية مع محاولة الفرار للإلتحاق ببيئتهم الأولى.
البيئة هي التي تشكل شخصية الفرد الإجتماعية و الثقافية( تهوده أو تمجسه أو تؤسلمه ....)، و الغالب أن الشخص يندمج في ثقافة مجتمعه إلا أنه هناك دائما من تنشأ لديه القدرة على التساؤل حول نجاعة تلك الثقافة و أحقيتها للسيادة على ما يخالفها فتتقد ملكة النقد لديه بحيث يصبح لجميع الحضارات مكان في فكره و يقارن بينها و يلامس نسبيتها و يمكن أن يؤول به المطاف إلى الحكم على ثقافته الأصلية بعدم مواكبتها للعصر الذي هو فيه.
مَثل من يكبر وسط الدين كمثل طفل يكبر في الأدغال فهو يحس بالغربة عند محاولة وضعه في بيئة أخرى و يكون ممانعا لها و رافضا لها.و أي محاولة لإعادة تشكيل وعيه من جديد لا تلقى سوى الرفض و النفور بحيث يجدها لا تتماشى مع "فطرته" أي تنشئته.