لم يفهم النائب البريطاني ستيفن تريمز كيف لشابة يافعة أن تتخذ قرارا بقتله لمجرد أنها أمضت بضع ساعات على الإنترنت؟

استعصى على تريمز وربما يستعصى على كثيرين منا إدراك كيف أمكن للبريطانية من أصول آسيوية «روشناروا تشاودري» أن تفرط في مستقبل واعد ينتظرها وتعتزل أصدقاءها وتمضي ساعات في غرفتها سرا وهي تستمع إلى خطب الشيخ الأميركي من أصل يمني أنور العولقي، عبر الإنترنت، ثم تقرر شراء سكينين وتعمد في إحدى المناسبات إلى طعن النائب البريطاني دون أن تتمكن من قتله، جزاء له لأنه صوت دعما للحرب على العراق..

التحول الجذري في حياة تشاودري من طالبة جادة إلى «مجاهدة جديدة» لم يستغرق أكثر من بضعة أشهر، وهي لم تخف خلال التحقيق معها شغفها بخطب العولقي، إلى حد أنها اختارت تدمير حياتها أو موتها جراء هذا التأثر العميق بدعوات الرجل لمحاربة الأميركيين والغرب.

لا يبدو أننا أمام ظاهرة سهلة الفهم عند الحديث عن أنور العولقي.

فالعمليات التي نفذها شباب (ومؤخرا شابات)، مما بات يعرف بالجيل الثالث من الجهاديين الجدد يظهر جليا مدى نفوذ العولقي والتأثر بخطاباته.

نضال حسن وعمر الفاروق إلى فيصل شاه زاد، واليوم روشناروا تشاودري. نماذج لكل منها حيثيته الشخصية والجغرافية، لكن جمعهم افتتان ما بشخصية الداعية الذي ولد في أميركا ويتحدث الإنجليزية بطلاقة، ولديه، على ما يبدو، قدرة هائلة على المخاطبة، والتأثير في جيل مسلم لا يتحدث العربية ويعيش في الغرب، ويثير التباسا قاتلا في العلاقة مع الهوية، القديم منها والمستجد.

بعد عملية «تشاودري»، انصاعت شركة «يوتيوب» للطلب منها سحب خطب العولقي من الموقع، وهي فعلا قلصت خطبه الموجودة لكن بقي الكثير منها.

إنه مأزق الصراع المستجد بين حرية التعبير والتهديد المقبل عبر الإنترنت.

ومما قد يزيد ظاهرة هؤلاء الجهاديين الجدد تعقيدا دخول مؤثرات شخصانية بحتة على الظاهرة، وتستدعي اعترافات الرائد في الجيش الأميركي نضال حسن، الذي افتتن بالعولقي، واليوم ما اعترفت به تشاودري التوقف عنده. تقول تشاودري للمحققين لدى سؤالها: لماذا اختارت العولقي دون غيره من الشيوخ؟ «لأنه مشهور»!

لا شك أن العولقي يدرك تأثر الشباب به، خصوصا حين يتحدث بحساسيات تحاكي جيله وجيلهم..

التأثر بالمشاهير ظاهرة شغلت باحثين كثر وهي اليوم تأخذ طابعا خطرا حين يصبح هؤلاء المشاهير من طراز بن لادن والعولقي..أليس هناك من قال إن الإرهاب موضة وإن الموت انتحار، هو إحدى الموجات، التي تصاحب ازدهار نموذج وتعميمه وفق تقنية الانتشار المعتمدة على الدعاية والإعلان؟!

العولقي أيضا (موديل) يرسم الانتشار في بيئة ووسطها، يكابد من جهة الاقتلاع الثقافي والاجتماعي، ومن جهة أخرى ضعف العلاقة مع الأصل والهوية.. وما أسهل في هذه الحال أن ينجح هذا الموديل في التحول إلى نموذج يخاطب هؤلاء المقتلعين..

نعم العولقي هو ضائقة المسلمين، ولكنه أيضا ضائقة الغرب المتشكل من هضم الثقافات وابتلاعها..

diana@ asharqalawsat.com