{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
علي الشاطئ ذهابا وإيابا - قصة قصيرة وهوامش وتأملات شتي
coco غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,795
الانضمام: Oct 2004
مشاركة: #3
RE: علي الشاطئ ذهابا وإيابا - قصة قصيرة وهوامش وتأملات شتي
لوحة – أطفال المنفي- موسيقي حزينة

لم تكن علاقتي بالبحر في الصيف بالقوة التي في غيره من الفصول , كرهي للزحام ويقيني بملكيتي للمدينة طوال العام يجعلاني لا أفكر بزيارته , كنت أقول لنفسي : لأتركه للغرباء في هذا الفصل وأنفرد به في بقية الفصول , يبدأ قدوم الغرباء بعد الامتحانات وينتهي مع بدء الدراسة , ما قبل ذلك وما بعده كان ملكا للأسر التي تنشد الهدوء , وكنت في هذا الأيام كثيرا ما أزوره تمهيدا للغيبة الطويلة التي ستحدث .

في ذلك اليوم الذي زرته لم يكن أمامه في البقعة التي اخترتها إلا ثلاث أسر متباعدة , نصبت ظلتي وتخففت من ملابسي وتمددت , كان الوقت عصرا وكان البحر يبدو كسجادة زرقاء ناعمة ورحت في غفوة , استيقظت علي أصوات طفولية محببة تداعب أذني , عندما فتحت عيني وجدتهما تلعبان أمامي مباشرة بالرمال المعجونة بالماء تحاولان إقامة بناء ما , تلفت يمنة ويسرة فوجدت الشاطئ علي حاله , نفس الأسر كما هي , شاب وفتاة في مقبل العمر مختليان , وشيخ وسيدة , وأسرة أخري صغيرة , خمنت أن تكون الطفلتان بنتي الشاب والفتاة , ناديت إحداهما فتقدمت مني دون خوف وسألتها : ماذا تفعلين , قالت : نبني بيتا , قلت : ومن هذه , قالت : أختي , تقدمت الأخري مبتسمة وهي تميل برأسها وتتلاعب بيديها, كانتا كما رأيت نسخة واحدة في كل شئ حتي في في ملابس البحر , قلت : انتما توأم , هزتا رأسيهما بالموافقة وأخذتا في التقافز , أنت ما اسمك وأشرت للأولي , قالت : نسمة وما اسم بابا , فذكرت اسم أبيها , وما اسم جدو , فذكرت اسم جدها , ابتسمت لها وأشرت للأخرى : وأنت , قالت متدللة في نطق الكلمات : بسمة , أهاه , أنت فعلا أختها , قلتها وأنا أكاد أضحك من تصرفاتهما الطفولية , قالت إحداهما وأنت يا عمو : ما اسمك وعندما ذكرته قالت وباباك ضحكت مرة أخري وذكرته فقالت وجدو فذكرته لها وأردفت أنت عفريتة , كانتا لا تكفان عن الحركة حول ظلتي والعبث بأشيائي والسؤال عنها وماذا أفعل بها ولماذا أفعل ذلك وكيف أفعل ذلك , أمسكتا بدفتر أفكاري والقلم , قالتا : لماذا تذاكر يا عمو , ضحكت من القلب , أمسكت إحداهما بالمذياع الصغير وجعلت تدير مفاتيحه في عبث طفولي , انتبهتا فجأة ونظرتا لبعضهما , ثم انطلقتا فجأة في تسابق ناحية ظلة الشيخ والسيدة .

أمسكت بالقلم وبدأت أفكر في شئ أكتبه عنهما وأنا أميل برأسي أنظر إليهما هناك , رأيت السيدة بعد قليل تقف وتمضي ممسكة بواحدة بيدها والأخري تجري أمامها ثم تعود للخلف وتلف حولها ثم تسرع في التسابق , كانت السيدة تتجه إليّ , قلت في نفسي : ما الذي كذبت به الشيطانتان علي ّ و انتظرت في قلق لأنني لا أعرف ما الذي سأدافع به عن نفسي , عندما وصلن أشارت الطفلتان بأصبعيهما السبابة نحوي : هو هذا , قالت السيدة : مساء الخير , رددت : مساء الخير , قالت : هل حضرتك من عائلة .. وذكرت لقب عائلتي , أومأت موافقا , قالت : أهلا وسهلا أنا من نفس العائلة , ومدت يدها بالسلام , نهضت واقفا وبدأت في تأمل تفاصيلها وهي تسأل : من أي فرع ؟ , كانت ترتدي نظارة طبية ملونة ولكن أشعة الشمس مكنتني من رؤية لون عينيها السوداوين , قلت : مسقط الرأس في .. وذكرت لها المكان , رددت في حبور : أهلا وسهلا , أهلا وسهلا , ومدت يدها مرة أخري , أصابع طويلة تتفق مع طول قامتها , شعرها الأسود الذي بدأت شعيرات بيضاء تغزوه مربوط من المنتصف ( بايشارب ) أصفر وذؤابات نافرة علي الوجه البيضاوي , قالت : تفضل معنا , زوجي .. وأشارت بيدها إلي الشيخ , تمتمت شاكرا ولكنها لوحت بيدها : تفضل معنا نحن أهل , التفت حولي لأجد الطفلتين مثقلتين بأشيائي , ضحكت وأنا أتناول الحقيبة وأضع فيها الأشياء وقد غزتني من الداخل كلمتها : نحن أهل ,كانت ترتدي عباءة مطرزة بورود كبيرة علي أرضية بنية ورائحة محببة لنفسي تشع منها , مضت تقتلع رجليها من الرمال وهي تشير للبنتين , قلت : شقيتان حفيدتاك , التفتت بجانب وجهها وابتسمت مصححة : ابنتاي .

قال الشيخ ضاحكا : إنها مهتمة بجمع شتات عائلتها , ضحكت وقلت مجاملا : أهلا وسهلا , قال الشيخ : لماذا أنت وحدك أين أسرتك ؟ , أفهمته - وهي تنتبه لكل كلمة - أنني لست مصطافا ولكني أقيم وأعمل هنا , قالت : وزوجتك وأولادك , قلت مبتسما : لا زوجة أولاد فقط , نظر الشيخ إليّ مستفسرا : أرمل , هززت رأسي بالنفي ونظرت في اتجاه البحر الذي بدأ يضطرب , أحسست به يربت علي ظهري فالتفت إليه ورأيت وجهها الواجم : أين هم , قلت معها في الشتاء وسوف يكونون هنا بعد أيام , نظر إلي الشيخ وقال : إذا أردت أن تنقل عملك لأي مكان هي في الخدمة أسرتها تنتشر في كل مكان , قلت في بطء : أنا هنا بإرادتي بدا أنهما تفهما ما وراء كلماتي ووجدتها تقول: خسارة سنسافر بعد غد ونظرت للشيخ في رجاء , نظر لها الشيخ مليا وقال في تمهل : متي سيأتون بالتحديد ؟ قلت : ربما أول الأسبوع القادم , أخذ يفكر ثم نظر إليها وغمغم : ربما ربما سأفكر , تهلل وجهها بغتة وقامت ممسكة بآلة التصوير و أشارت للطفلتين بيدها للانضمام لي وللشيخ وأخذت في التقاط الصور , أحسست بالدفء عندما التصقت الطفلتان بي وبأبيهما وأحسست بوشيجة هائلة تربطني بتلك الأسرة , تململ الشيخ فقمت طالبا الانصراف فضحك وقال : لن تستطيع الهروب , نحن نقيم بهذا الشاليه وأشار إلي أحد الشوارع, قالت في سرعة : ستتناول معنا العشاء , اعتذرت مندهشا من العرض , فقالت السيدة التي بدأت تلم الحاجيات : أنت غريب هنا , قلت لها : بل أنتم الغرباء , نظر الشيخ لها ولي وقال كلنا غرباء يا بني .

عندما وصلت البلد في المساء أوصيت بمن يكون في شئونهم ممن أعرفهم , أن يغسل لهم السيارة ويقضي لهم ما يحتاجون إليه , كنت سكران من الألفة التي غمرتني معهم وكلما تذكرت طهوها الجيد ونكهة مائدتها وترحيبها المستمر أحس بالحنين إلي الوطن , أرسلت ( تلغرفا ) أطلب تقديم موعد مغادرة أطفالي وطلبت الرد الفوري وآويت للمقهي أنتظر الشيخ , رأيت السيارة المرسيدس ذات الموديل القديم تتهادي أمامي و وجدتها تشير للشيخ عن مكاني , نزل من السيارة يرتدي حلة زرقاء وتقدم إلي بينما هي تلوح من السيارة هي والأطفال ثم تنطلق , سلمت واقفا وأوصيت بقهوته بسرعة , شكرني علي الشخص الذي أرسلته للمعاونة وجلسنا صامتين لمدة نتأمل الطريق الذي مضت منه السيارة , أهلا وسهلا قلتها وكأنني أحاول قطع الصمت , قال : أهلا بك يا بني , لماذا لا تحاول أن تسوي أمورك وتلم شتات عائلتك , قلت له في برود : هذا موضوع منته ولا أحب الخوض فيه , قال : منها لله سفيرة السلام جعلتني أخوض فيما ليس لي , قلت : كلا أنا آسف ولكن الموضوع انتهي تماما , قال : الدنيا لا تساوي , كما قلت لك , كلنا غرباء وبعد قليل نغادر , لحظات السعادة قليلة يجب أن نستمتع بها قدر طاقتنا وفجأة وجدته بعد أن ذكر أنه ارتاح لي يسرح في أفكاره ويقول : إلتقيتها في خريفي بعد الستين , كانت في الثانية والأربعين كنت أرمل ولم أنجب وكانت أرملة ولم تنجب أيضا , الحياة غربية , ضحك وقال : كانت البنتان آخر البويضات التي لديها , أما أنا فماذا أقول إلا إن بني صبية صيفيون أفلح من كان له ربعيون , ضحكت وأنا أتذكر المثل ورأيته علي ضوء قصته , أردف : ما جمعنا أنها تشككت في كوني من أسرتها الهائلة عند لقائنا الأول وتم التعارف وتزوجنا , قلت له : ربنا يعطيك طول العمر , قال مبتسما : هذا هو قولها لي دائما وتقول لي أيضا أن عائلتها الهائلة سوف تتكفل بالأمر بعد رحيلي ورحيلها , وصل الشخص الذي أكلفه بأموري وسلمني ( تلغرافا ) وقال من مكتب البريد رأسا , فضضته بسرعة كان من أخي : سوف يصلون غدا في ( سوبرجيت )العاشرة , قال : بهذه السرعة , قلت له : يبدو أن العائلة بدأت تحس بالحميمية التي رأيتها اليوم معكم .
عندما وصلت بالسيارة لكي تعيده( للشالية ) كانت الساعة تشير للواحدة من صباح اليوم التالي أوصلته للسيارة ,وعندما استقلها انحني عليها هامسا فنظرت لي في حبور ونزلت وسلمت عليّ وأخت تهز يدي وقالت : شكرا شكرا.

عندما وصلت إلي موقف ( السوبرجيت ) في العاشرة إلا الربع , لاحظت مندهشا أن السيارة المرسيدس تقف قريبا من الموقف , وفجاة عندما انتبهوا لوجودي وجدتهم يغادرون السيارة والطفلتان تندفعان نحوي في تسابق وتحتضنان ساقي , قالت : أنها لم تنم هي وزوجها وطلبت مني وقد أشرعت ( الكاميرا) أن أنبهها عندما ينزل اطفالي من ( السوبرجيت ) , عندما توقفت السيارة في الموقف كنت أراقب عينيها التي تتنقل بيني وبين الراكبين النازلين وقلت لها : أنت التي ستعرفيني بهم , لحظة وصرخت : هاهم , كان أطفالي نصف نائمين ينزلون من السيارة ويتوجهون إلي ّ وأنا أنحني عليهم وهم في دهشة من السيدة التي تلتقط لهم الصور وتشير لطفلتيها الواحدة تلو الأخري أن تنضما لنا .


مرسي مطروح يونيو 1994

شجن


كوكو

يتبع
- هوامش وتأملات شتي -
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 11-19-2010, 10:43 PM بواسطة coco.)
11-19-2010, 10:12 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
RE: علي الشاطئ ذهابا وإيابا - قصة قصيرة وهوامش وتأملات شتي - بواسطة coco - 11-19-2010, 10:12 PM

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  النفق (قصة قصيرة) رائد قاسم 0 535 12-24-2013, 03:49 PM
آخر رد: رائد قاسم
  اشباح النهار ( قصة قصيرة) رائد قاسم 0 523 12-11-2013, 11:23 AM
آخر رد: رائد قاسم
  شقشقه ( قصة قصيرة) رائد قاسم 0 523 11-14-2013, 11:34 PM
آخر رد: رائد قاسم
  الرؤيا (قصة قصيرة) رائد قاسم 0 613 03-28-2013, 02:48 PM
آخر رد: رائد قاسم
  قصاص قصة قصيرة حمادي بلخشين 0 863 12-02-2012, 01:42 PM
آخر رد: حمادي بلخشين

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 7 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS