عبدالله بن بخيت
يبدو أننا مجبولون على التفرغ. لا نحب تداخل الأعمال. ننتهي من هذا ونضمن جودته ثم ننتقل للذي يليه.
دخلنا في الأعوام الثلاثة الماضية في بحث قضية الاختلاط. لا أدري كم ستأخذ من الوقت.لا بأس أن تطبخ قضية خطيرة كهذه على نار هادئة. أتذكر قضية غلاء المهور. أمضينا فيها حوالي ثمانية وعشرين عاماً بحثاً وتقليباً. كان العالم ملتهياً في الحرب الباردة وحرب فيتنام وانفجار مفاعل تشيرنوبل. استطعنا بالبحث الجاد أن نحدد كل الأطر الضرورية. توصلنا أخيرا إلى أسعار مناسبة للنساء. تجاوزنا تسعيرات ماركس وآدمز سميث. شيء رائع.
بعد أن تأكدنا أن كل شيء تمام في مسألة غلاء المهور انتقلنا إلى عباءة المرأة. أمضينا في مناقشتها وأبحاثها حوالي خمس عشرة سنة متواصلة. لم نبخل عليها بعقد ونصف من وقت الأمة. كان العالم مشغولا بتفكك المنظومة الاشتراكية وانهيار الاتحاد السوفياتي. تركنا العالم يتلهى بقضاياه ودخلنا في أدق تفاصيل العباءة. بحثنا في شكلها وسوادها ونوع القماش والأكمام وطريقة حياكتها وعلاقتها بالرأس والكتف وقربها من الجسد وبعدها عنه، وديكور محلات بيعها وطريقة الإعلان عنها. توصلنا بعد بحوث مضنية إلى نتائج أبهرت العالم. المؤرخون المنصفون اعتبروا بحثنا هذا أهم بحث قدم للإنسانية في القرن العشرين.
بعد أن تواست العباءة على ظهور نسائنا انتقلنا إلى قضية العنوسة. لم تجد مشكلة العنوسة من الاهتمام في العالم مثلما وجدتها عند مثقفينا وعلمائنا ولله الحمد. استبيانات ودراسات ومقالات وبحوث. يمكن القول بأن ما توصلنا إليه كان فريداً . يكفي أنها نقلتنا إلى قضية إستراتيجية أخرى. مَن مِن الشعوب أعطى قضية التعدد هذا الاهتمام والجدية التي تستحقها؟! ما كنا سنصل إلى التعدد دون أبحاث العنوسة. توصلنا إلى نظريات عظيمة. تزوج اثنتين وخذ الثالثة مجانا.
بعد أن أنهينا قضية التعدد انتقلنا بسلاسة شهد لها العالم إلى قضية الاختلاط التي نخوض فيها هذه الأيام. سيشهد التاريخ أننا المجتمع الوحيد الذي دفع بقضية الاختلاط إلى القرن الواحد والعشرين. صحيح مازلنا في مرحلة التصنيف والتبويب. لكن بالنظر إلى ما تعرفه الشعوب الأخرى وعلى الأخص الغرب سنلاحظ أننا قدمنا في وقت قياسي باقة متكاملة من الاختلاطات: اختلاط محمود، اختلاط مذموم واختلاط عابر .. الخ.
بداية تبشر بخير. من حسن حظنا أن العالم ملتهٍ مع الحلف الأطلسي والبرنامج النووي الإيراني والايوان الصيني. لن يزعجنا أحد. نحن ماضون بمشيئة الله في بحثنا الكبير. خلال السنوات العشر القادمة أو أقل سنبهر البشرية. سيأتينا العالم يطلب النتائج والتوصيات التي توصلنا إليها في مسألة الاختلاط كما فعل قبل عشر سنوات عندما فوجئ بنتائج أبحاثنا عن العباءة. كان العالم يظن أننا لا نملك الخبرات والقدرات العلمية التي تؤهلنا للبحث في قضية العباءة الشائكة. حاول الإعلام الصهيوني تضليل الرأي العام العالمي. استغل مصطلح العباءة الفرنسية ونسب معظم نتائج أبحاثنا إلى العلماء الفرنسيين. نتحمل جزءا من المسؤولية. من الواجب أن نسجل براءات الاختراع أولًا بأول.
عندما تتوالى نتائج أبحاثنا في الاختلاط ونسبتها وسائل الإعلام العالمية إلى الاسكندنافيين لن ينفع الندم..
*نقلا عن "الرياض" السعودية
المصدر