{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
القديس الشيطاني جان جينيه.. 100 عام على ولادته
هاله غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 2,810
الانضمام: Jun 2006
مشاركة: #11
RE: القديس الشيطاني جان جينيه.. 100 عام على ولادته
[مرة كنا نتغذى عند بول تيغيان، وكان جينيه هائجا ومنفعلا مثل طفل. كان يحمل راديو ترانزستور، ويتابع في كل موجزات الأنباء أخبار المجموعة الفدائية التي اقتحمت إحدى السفارات، وأخذت بعض الرهائن من أجل الإفراج عن أحد المعتقلين. غادرت الطائرة باريس.. وصلت إلى القاهرة.. تركت مطار القاهرة.. إلى أين يمكن أن تتجه الآن؟ كان سعيدا ومتحمسا. لاحظ فتوري فاندفع يقنعني بأن الفدائيين يصبحون أذكى وأدق في عملياتهم. وحين ألمحت إلى الرأي العام، غضب وقال لي، وكأنه ينهرني: - هذا الرأي العام عرقي. وهو ضد العرب سواء كانت هناك أسباب أم لا. لا تضيعوا وقتكم في تملقه، ومهمتكم تاريخيا هي أن تقلقوه لا أن تسترضوه..] ونتابع الحديث، بعد صمت قصير، استطرد يقول:

شعار "فلسطين علمانية ديمقراطية". هذا الشعار لا معنى له، وهو مستحيل أيضا. إنه يفترض قيام دولة تتأسس على وجود ثلاث مجموعات دينية إسلامية، مسيحية، يهودية، ولكل واحدة من هذه المجموعات حقوق متساوية لحقوق المجموعتين الأخريين. إن هذه العلمانية هي ميثاق تعايش أو تسامح بين الأديان الثلاثة، وليست بناء سياسيا يتجاوز الدين بغية تنظيم المجتمع على أساس مادي وعلمي. هل لاحظت التناقض؟ العلمانية تبرز بعد أن يقصى الدين نهائيا عن السلطة. أما في هذا الشعار فإن الدولة العلمانية تحدد علمانيتها على أساس ديني، ومن منطلق أن التشكيلة البنيوية للمجتمع هي تآلف ثلاث طوائف دينية. من هنا التناقض، والاستحالة أيضا. وأنا متأكد أن أحد دوافع صياغة هذا الشعار هو إرضاء الغرب - إبراز حسن النية، والتأكيد على أنكم لا تريدون رمي اليهود إلى البحر - إنكم ما تزالون تواجهون العدو على الأرض التي يختارها لكم، ووفق منطق المواجهة الذي يفرضه. في البداية جركم إلى نقاشات عقيمة حول "الحق التاريخي"، واضطركم لأن تدخلوا في دوامة تاريخ يعود إلى ما قبل ألفي عام. والآن، حتى مع الثورة الفلسطينية، فرض عليكم أن تواجهوا المستقبل ببرنامج قاصر يعالج المسألة من خلال ظاهرها الديني فقط. إنكم تقبلون حجة وجود الدولة الإسرائيلية (توحيد اليهود في دولة أساسها المعلن هو الدين)، لكن مع التوسع في صياغتها حتى تشمل المسلمين والمسيحيين أيضا
- لا.. لا - أن يعيش المسلمون والمسيحيون واليهود كمجموعات دينية في دولة واحدة، ذلك مستحيل ولا معنى له.
يومها لم أناقش جينيه في صحة الشعار، ودقة كلامه عن مضمون البرنامج الفلسطيني، وإنما قفزت إلى هذا السؤال:
- وإذن.. هل تعتقد أن القضية لا يمكن أن تحل إلا بزوال إحدى هذه المجموعات. والأمر يعني هنا، إما أن يزول يهود إسرائيل، أو نزول نحن العرب مسلمين ومسيحيين.
- حتما. ألقى الكلمة حادة باترة.. ثم غرق في صمت متأمل تموج فيه سحب الدخان. بعد قليل نفض ملامحه وقال:
- أو هناك حل واحد هو الاشتراكية حين تصوغ المقاومة الفلسطينية برنامجها على أساس الاشتراكية، ويكون قتالها لتدمير بؤرة الرأسمالية-الغربية إسرائيل توضع القضية على مستوى أوضح، وتزول كل هذه الالتباسات التي تدوخكم. على أن مثل هذا البرنامج لا يمكن أن ينتصر إلا إذا أصبحت الأنظمة العربية اشتراكية بالفعل.

هززت رأسي، وآثرت ألا أعقب بشيء. شربنا مزيدا من القهوة، وتشعب بنا الحديث. * * *

فواصيل فلسطينية سأنقل في نهاية هذه الفقرة بعض الحكايات الصغيرة التي رواها لي جينيه وهو ينبش ذكرياته عن الفترة التي قضاها مع المقاومة الفلسطينية.

* في إحدى قرى الجولان الحدودية، دخلنا عند عائلة ريفية. استقبلنا الرجل وزوجته بحفاوة وبساطة نبيلتين. كنا نتناول الشاي حين لاحظت أن صوت المرأة يعلو غاضبا، وأن الزوج يبدو متضايقا ومرتبكا. سألت مرافقي ماذا يجري، فقال لي: إن المرأة تعنف زوجها لأنه لم ينخرط بعد في صفوف المقاومة. تقول له: انظر.. هوذا رجل أجنبي يأتي مجتازا آلاف الكيلومترات ليساند الثورة، في حين ما تزال أنت الفلسطيني تتردد في حمل السلاح، والانضمام إلى الفدائينن. في كل ثورة، المرأة هي دائما الأكثر جذرية. وفي الثورة الفلسطينية يبدو ذلك بصورة أجلى. عندما كنت في جرش، دعتني مجموعة من النساء لزيارة بيوتهن. كن هادئات، تكسو وجوههن رصانة شجاعة. سرت معهن حتى وصلنا أكواما من الأنقاض والخرائب. قالت لي واحدة بصيغة مؤثرة: "تفضل.. ادخل وتصرف على راحتك"، ثم اعتلت كومة أنقاض، وأضافت مشيرة بيدها: "هنا كنا نستقبل الضيوف.. وهنا كنا نفرش وننام." لا أدري.. اقشعر بدني، وهن يتحدثن بهدوء، ودون أي ميلودرامية، عن بيوتهن التي حولتها قذائف المدفعية إلى أنقاض. أحسست أنهن ينبثقن من حكمة شعبية موغلة في القدم، أو من تاريخ خطير وفاجع. ببضع كلمات وإشارات رمزية قدمن لي سفر القضية الفلسطينية كاملا. إن المرأة أكثر ارتباطا بكل م هو حي وملموس. وهي تجد في عدم التوازن الذي تخلقه الثورة، توازنا وجوديا أعمق. لهذا أقول إنها أكثر ثورية من الرجل. آخر مرة زرت فيها الأردن كدت أسجن. عند الحدود الأردنية-السورية، استدعاني ضابط الأمن الأردني إلى مكتبه، وبدأ يستجوبني، لماذا جئت إلى الأردن، وبمن اتصلت، وما هي علاقتي بالفلسطينيين.. وفي النهاية سألني: "ما رأيك بالنظام الأردني؟". أجبته: "سأرد عليك السؤال، وأرجو أن تصدقني الجواب." عندها تهلهلت ملامحه، وأخذ ينشج باكيا. * وصلت إلى بيروت، كان ينتظرني في المطار داوود تلحمي ومعه أحد المسؤولين. ركبنا سيارة، وذهبنا إلى بيت هذا المسؤول، أثناء السهرة قادنا النقاش إلى موضوع حرية المرأة، أينبغي أن تعطى حرية كاملة، أم أن شروطها البيولوجية والتاريخية لا تسمح إلا بحرية جزئية. كان المسؤول يدافع بحماسة عن الرأي الثاني، وكانت زوجته تجلس معنا، إلا أنها لم تفه بكلمة، ولم يسألها أحد رأيها. تدخلت في الحديث، وطلبت من داوود أن يترجم كلامي حرفيا. قلت "أنا شاذ جنسيا، ولا أحب النساء، لكني أتساءل أليس غريبا وشاذا أن نناقش مصير المرأة، ونقرر نوع وكمية الحرية التي ينبغي أن تعطى لها، ومعنا امرأة لم يحاول أحد أن يسألها رأيها في هذا الموضوع." يا للفضيحة! انزعج المسؤول، وتقنع وجهه بالعبوس. بعد تلك السهرة لم يحاول أو يشأ أن يلتقي بي. * ذات مساء، وفي قاعدة للفدائيين، اندفع أحد الرفاق يغني، ثم انضم إليه الآخرون. آه.. أذكر جيدا. كان غناء مفعما بالحرارة والقوة. بين كل الأغاني والأناشيد التي سمعت تسجيلاتها، لم يكن هناك ما يضاهي غناءهم. بعد أن انتهوا سألتهم ماذا كانوا يغنون؟ فضحكوا، وأجابوني.. "إنها أغنية مرتجلة.. هنا في القاعدة تعودنا أن نرتجل الأغاني.".. أتعلم.. تلك الأغنية المرتجلة هي الإبداع الحقيقي، إنها تكنس بأصالتها كل ذلك الفن المتكلف الذي يدعي أنه فن المقاومة. القواعد تجيش بالصحة والإبداع، أما حين تصعد السلالم، وتدخل المكاتب، فإن نبض الثورة يخفت، وشرايينها تتكلس. * كتبت مقالا لمجلة "شؤون فلسطينية"، لكنهم توجسوا منه. هناك فقرات تمس الدين، لا.. لم أهاجم الدين؛ بل حاولت أن أبين كيف يكون الدين عاملا معوقا للثورة والتغيير. هنا أيضا يكمن تناقض كبير، لا أفهم كيف تفسر ذلك! ها هم رجال يريدون تغيير أسس مجتمع قائم، لكنهم في الوقت نفسه يتجنبون مس الدين، ألا ترى في ذلك تناقضا لا يفهم! بعد جدل طويل، قبلت أن يحذفوا من المقال ما يشاؤون. وبالفعل فقد اقتطعوا منه عدة فقرات.

يتبع
01-01-2011, 10:01 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
RE: القديس الشيطاني جان جينيه.. 100 عام على ولادته - بواسطة هاله - 01-01-2011, 10:01 AM

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS