{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
حبر سري / حبر علني ( تجريب في السرد )
coco غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,795
الانضمام: Oct 2004
مشاركة: #1
حبر سري / حبر علني ( تجريب في السرد )
حبر سري / حبر علني
( تجريب في السرد )

حبر علني يتمشي في السطور , وحبر سري يتسلل بين السطور , المعركة الدائرة بين الحبرين لا تهدأ أبدا , قد يكسب الحبر العلني جولة ولكنه لا يفوز فوزا حاسما , ينسحب الحبر السري يلعق جراحه , ولكنه يدور علي نفسه , يتكور , ينتفخ , ثم ينفجر , تفيض مياهه في الكلمات , تحبل الكلمات وتتألم في صمت , يتخلق جنينها خلية فخلية , ونسيجا فنسيجا , وعضوا فعضوا , حتي يستوي كيانا فتيا نابضا بالحياة , شهقة الميلاد تنفجر صرخة , ويهيط الوليد مسلحا بمياهه الجديدة , يمشي بين السطور كاشفا زيفها , يخلع عنها زينتها التي تقنعت بها , يمسح الطلاء الذي استترت وراءه , حتي إذا ما عراها من كل كسوتها البذيئة , استوي علي عرشه وحده , بعدها يعود الحبر العلني يلم شتاته , يجمع أوراقه , يسوي حروفه ثم ينطلق في هجمة جديدة .

أحييك صديقي تحية غامرة أنت يا من تركتني في المدينة وحدي , أجول في شوارعها التي تنهض كل صباح مغسولة , مهندمة معطرة لكي تمارس نفوذها الخانق علي روحي , أحييك وأنت تنسحب إلي موطنك البعيد , مكللا نفسك بأكاليل غار وهمية , أنك استطعت أن تنقذ نفسك من المتاهة التي تركتني معها , لا تنس صديقي أنك من عرفتني طريق تلك المدينة , وأنك من أسرجت خيولنا وأعددت الحقائب ونفخت الريح في أشرعة السفر , أحييك صديقي عندما تألمت أمام منتزهاتها الممتلئة في عينيك , الفارغة في عيني , أحييك وأنت تنقبض وتنبسط كقلب في زواياها , أحييك وأنت تحاول أن تتفهم دهاليزها السرية ولكنك تسقط من الإعياء , أحييك من هنا حيث مازلت قابعا في وحدتي وكآبتي معها , أقاوم ما تطلقه من أقفاصها من طيور جارحة كل صباح , وما تسلبه من دماء قلبي ومياه روحي كل مساء , أحييك وأنت تمضي وحدك في طريق عودتك لا تلتفت جانبا أو للوراء , أحييك وأنت تدوس في طريقك كل عهودك المقدسة , أننا سنبقي معا نقاوم سحر تلك المدينة حتي نفك ألغازها , و نفهم شفرتها , ولكنك سقطت في منتصف الشارع الأول وجلست علي الرصيف كشحاذ انقطعت به الأسباب , بينما وقفت أمد لك اليد أن تنهض وتستميت ولكنك استسلمت لبرد الرصيف , أحييك وأنت تنهض وتمضي لا تلوي علي شئ وأنا أتابعك بعيني غير آسف عليك .

يسيل الحبر السري في الشوارع لكي يكتبها من جديد , يقف علي نواصيها يدون , تحت أعمدة أنوارها الصفراء يدون , مراقبا رجالها الآليين ونساءها الآليات يدون , ناسجا من محنته علما ويرفعه في وجه قهرها يدون , مناشدا إياها أن تستيقظ وتتعرف علي ما سقطت فيه من رعب وكراهية وقبح يدون , يكتب أسماء شوارعها في بطاقات صغيرة ويكدسها في غرفته حتي يأتي الوقت الذي يرسل فيه الزنابير والثعابين والذئاب لكي تلسعها وتلدغها وتنهشها حتي تستيقظ ويدون , يزحف عبر أزمانها التي شاخت واقتربت من الهاوية ويدون , يرسل بروقه وصواعقه وينتظر أن تمطر تلك السحابات الراكدة التي تعلوها ويدون , وفي محنة الانتظار يقاوم الحبر العلني الذي يترصد طريقه .

والآن أيها الصديق , ماذا تفعل في مكمنك البعيد ؟, كيف تأكل خبزك المغموس في خلاصك المهين ؟, لماذا تبدل ملابسك التي يفوح منها عرقك الكسول ؟ , هل تجد للصمت البليد الذي خشع له قلبك قيمة ؟ , كيف تحتفل بأعياد لا أسماء لها ؟ , هل تتأمل وجهك المهزوم عند البحيرة ؟ , لماذا تشعل مدفئتك في الليل ؟ ومن أي برد تحتمي ؟, بماذا تسرج قنديلك في المساء , بقلب من كان يقاسمك الأمل , أم بقلبك السجين في علب الذكريات ؟, وما أهمية الوقت لديك ؟ , ذلك الوقت الذي يشتتك في المنافي دون رحمة , يفتت جسدك ذرة فذرة, هل تري هذا النصل الحاد الذي شحذته من أجلك بكل دأب وصبر ؟ نصل يريحك من كسلك الذي تصطلي به ليل نهار , يريحك من عارك الذي تتقلب فيه , يعيدك لدورة الأشياء في الطبيعة , لعلك تزهر يوما بعد مرور الشتاء , في مطلع الربيع , مد عينيك وتأمله لعل لمعانه يروقك ويدهشك, فتتشجع وترسل به طعنة إلي قلبك الخامل المسكين فيتفجر كأوراق وردة حين تتفتح لشمس الصباح .

حبر علني يتحرك في حروف الهجاء , منسربا بخداعه في الجرائد والمجلات والقصاصات الزائفة , ناسجا شراكه في الكتب المدجنة , متباهيا بعزته الفارغة , متقمصا دور بطل , متأملا صورته حين يصير وغدا , يضحك من نفسه حين يخلو بذاته , يبكي علي من يتعاطونه , ولكنه دائما أبدا ما يثوب إلي زيفه ويهرع في الصباح ليعيد دورته من جديد .
حبر سري يقف وحده في مواجهة أخيرة , يكشف زيف الأبجدية , ينقض علي حشو الكتب , يهجم علي القصاصات الفارغة ويشعل فيها النار , يرسم أفقا من الانتظار الصعب , يوقد آلاف الشموع في الليل المترامي الظلمة , يلهب شمس الصباح الآتية لا محالة , يشرع منظارا يرصد به الآتي الذي يتخلق من نسيج الحارات والأزقة المبللة بطعم الوطن , وفي وقفته لا تنكسر ساقاه من تعب , ولا ينحني جبينه من جوع , ولا تتوقف قامته عن الانتصاب , ولا تمتد يده بالسؤال .


( قصيدة البتاع ) أحمد فؤاد نجم

كوكو

01-12-2011, 06:04 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
حبر سري / حبر علني ( تجريب في السرد ) - بواسطة coco - 01-12-2011, 06:04 AM

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS