إرادة السوء و سوء الإرادة .

عزيزي أوبزرفر .
ثق أن ما أملى علي طرح للشريط ومواقفي من الجرائم ضد الأقباط هو أحكام الضمير فقط . إني لا أسعى إلى تبرئة المسيحيين المصريين أو إدانتهم . و لكني طالب للحقيقة كانت ماتكون ، فهذا هو الثمن الوحيد الذي يستحق أن نهدر وقتنا و نجهد عقلنا من أجله . إننا نملك على الشبكة فرصة نادرة تتحقق لأول مرة في تاريخ البشرية ، أن نقول مانراه حقا ولا ندفع ثمنا يمتد إلى الرقبة ، بالطبع ننال بعض الشتائم و نعاني التجحيش ، و لكن ذلك كما نعلم ليس بالثمن الباهظ للحقيقة .
يا صديقي ..
ربما تكون مساهماتي في قضايا الأقباط محدودة في نادي الفكر ، لأني فضلت أن تكون تلك المساهمات في مكان آخر هو " دولة أبناء مصر " لسبب بسيط هو أن معظم أصدقائنا في نادي الفكر بعيدون عن الواقع المصري المعقد . أكثر من ذلك فاهتمامي الميداني بالقضية قديم منذ نهاية السبعينات ، و كان لي شرف المساهمة في تشكيل لجان الوحدة الوطنية في الثمانينات ضمن جهود حزب المستقبل الذي أسسه فرج فوده ، هذه اللجان ضمت عددا كبيرا من الشخصيات العامة ، ومن مختلف الأحزاب ،وكان نشاط فرج و حزب المستقبل لافتا حتى أن البعض كان يعتقد أن تلك اللجان من تنظيمات الحزب !.
هذا تمهيد لأقول أنني كثيرا ما انتقدت مواقف الأقباط المصريين على الشبكة وفي حوارتنا داخل حزب الوفد ثم المستقبل و خارجهما ، ليس لأن الأقباط يساهمون في إشعال الفتنة الطائفية ،و لكن لأسباب أوردها هنا طالما طلبت شهادتي .
1- غياب القيادات المدنية المسيحية ،و قيام الكنيسة بالقيادة السياسية ،و هي بالطبع غير مؤهلة لا تنظيميا ولا فكريا للقيام بهذا الدور ، خاصة مع تقدم السن بالبابا . وجود قيادات مدنية مسيحية تمارس السياسة ،و تفرغ الكنيسة للواجبات الدينية خطوة أساسية جدا ليكون لدينا حركة حقوق مدنية مسيحية قوية ، تماما كما فعل مارتن لوثر كينج في أمريكا .
2- تردد الأقباط طويلآ جدا و إحجامهم عن المواجهة و المطالبة بحقوق المواطنة الكاملة . هذه السلبية أغرت قطعان المتأسلمين الفاشست بالتمادي وصولآ إلى السرقة و القتل و التحريض . ربما بحت أصواتنا مطالبين المسيحيين بالتحرك دون طائل ، إننا نعتقد أن من سيتغذي بالأقباط سيتعشى بالمثقفين ، و خلال الوجبات سيتسلى بالمرأة و يهدر حقوقها . و لكن المسيحيون تقوقعوا داخل الكنائس خوفا من المواجهة ،و النتيجة أن ذهبت الذئاب إلى الكنائس ليفجروها .
3- تشكك القيادات القبطية في المثقفين العلمانيين و إحجامهم عن التعاون معهم طويلآ ، بل ربما اتخذوا موقفا سلبيا منهم !. حتى أن هناك أصوات قبطية كانت ترى أننا نسعى لتوريطهم في صراعنا ضد الإسلام السياسي ، كما لو كان موقف الحياد ممكنا في مثل تلك القضية . وهذا ما شكا منه حتى المثقفون المسيحيون مثل ميلاد حنا و كمال غبريال و ... .ووصل الأمر بالبابا إلى إصدار بيان مع الشيخ شعراوي ضد العلمانيين ، رغم أن الأخيرين هم الحليف المخلص للمسيحيين في مصر .هذا البيان أثار غضب المثقفين المسيحيين قبل المسلمين ،و لم أعلم به من مسلم بل من كمال غبريال المثقف القبطي العلماني .
4- إتخاذ موقف رد الفعل و ليس المبادر . و بالطبع سيتغير هذا الموقف كلية لو توفرت قيادات مدنية قبطية تتعاون بشكل وثيق مع الليبراليين و العلمانيين حتى داخل الحزب الوطني .
ستجد أن كل هذه الإنتقادات و غيرها لا علاقة لها بإثارة الفتن ، بل كلها تقع في دائرة التصرف حيال تحدي خارجي مفروض على الأقباط بالفعل و لم يسعوا إليه ، بل يحاولون الإلتفاف عليه و تفاديه ، بينما يلاحقهم حتى داخل كنائسهم ، هو تحدي التعصب الديني الإسلامي ، نفس التحدي الذي يواجه الحضارة الإنسانية المعاصرة كلها .
يبقى أني لا أبرأ المسلم غير الأصولي من المسؤولية ، ليس لإرادة السوء ، بل لسوء الإرادة . و كلاهما وجه لعملة واحدة رخيصة .