في الحقيقة أنا سعيد بما يحدث يوما بعد يوم، فما يحدث كشف الوجه القبيح لمن يدعون انهم "مثقفين" و ان ثورتهم "بيضاء".

فإما أن تكون معهم، او انه سيتم تخوينك و اعتقالك و سحلك مثلما حدث مع تامر حسني و احمد حلمي، فما بالكم في حال نجاح ثورتهم المزعومة تلك و الكابوس الأسوأ في حال وصولهم للسلطة! ثم من اعطاهم الشرعية للتحدث بإسم المصريين؟ لا أعرف حقيقة..من الممكن خروج مظاهرات مؤيدة لمبارك و لكن الناس المؤيدة له تخشى أصلا النزول من بيوتها اما بسبب الامن او بسبب انهم ناس مسالمين يخشون المواجهات مع الفريق الاخر.

نحن امام تكوين ديكتاتورية جديدة ولكنها ستكون أسوأ من دكتاتورية مبارك، على الاقل مبارك لم يكن يعتقل سوى من يعبر بعض الخطوط الحمراء...اما مخنثي التحرير "الحاليين" فهم جيل لم يتعلم أصلا معنى ثقافة الاختلاف في الرأي ولذلك لا تفرحوا كثيراً بما يحدث فعواقبه ستكون كارثية. فتخيل ان مجرد وجودك في ميدان التحرير لتقول رأيك اصبح يقابله عبارات "التخوين" وكذلك السحل! و هذا ما رأيناه لانه حدث لفنان مشهور، فماذا ياترى حدث للناس العادية التي كانت ولازالت مؤيدة لشرعية مبارك حتى انتهاء فترته؟


يعتقد البعض هنا أني عميل للحزب الواطي و مبارك (مثل فارس مثلا) و قريبا سنسمع من بعض الناس عبارات التخوين وذلك لاننا ضد الأفعال الهمجية و ضد من يحاولون هدم الدستور و انشاء دستور على كيف اللي جابوهم.

أولاً دعونا نرى ما حدث حتى الان بصفتي مواطن مصري أقيم في حي شعبي و لا أحصل على قوتي من الحكومة اصلا و كذلك أغلب من اعرفهم :

1- شركات السياحة و كل العاملين بها تكبدوا خسائر لا تحصى، 90% ممكن كانوا يعملون بالسياحة بالغردقة و شرم و الجونة عادوا لمنازلهم خالي العمل و قطاع السياحة وحده كان نصيبه ما يقارب 15% من الناتج القومي لمصر.

2- كل من يعيش على "اليومية" التي يحصل عليها سواء كانت وظيفته قائد اي مركبة (ميكروباص-توك توك-تاكسي) تضررت أعمالهم بشكل كبير جداً و اصبح بعضهم الان يعمل في مهنة أخرى وهي "التثبيت من خلال اللجان الشعبية"

3- الوضع الأمني في مصر كارثي بمعنى الكلمة، الكل هنا يتحرك بالاسلحة الالية و الاطفال يحملون ما يسمى ب "الفرد" و قد لا تأمن بنزول زوجتك او امك للحصول على رغيف عيش او حبة خضار او فاكهة او كيس مكرونة. اللصوص الأن في مصر هم مصر نفسها، فمن خسر وظيفته ولا يمتلك المال او السلفة، تدريجيا سيتحول لمجرم ا ن اجلا ام عاجلاً.

4- انهيار البورصة سيحدث فور افتتاحها و ستكون الكارثة كبرى بمعنى الكلمة خصوصا للمستثمرين في اسهم الدخيلة و بالم هيلز و غيرها من شركات رجال الاعمال المقبوض عليهم الان.

5- الوضع السياسي لازال مظلماً بسبب "عناد" المتظاهرين، الحقيقة أنه لا يمكن الحصول على كل شيء من خلال التظاهر او حتى الحرب، فالجميع لابد و أن يقدم بعض التنازلات، فماذا قدم المتظاهرين من تنازلات لتخفيف الضغط على مبارك و الحكومة؟ هل يتخيل مثلا انه الجيش سيتخلى عن قائد من قواته و رمز من رموزه؟ دا على أساس انهم شايفينه حرامي زي بتاع تونس!

من يحلل هنا و هناك اصلا لا يعرف مدى التقدير الذي يكنه اغلب ظباط الجيش لمبارك، هم يحترمون فيه أنه لم يدخل بمصر في بحر من المشاكل و الحروب و هذه بالنسبة لهم تكفيهم لحمايته حتى نهاية ولايته، و ذلك كان واضحا من خلال تصريحات عمر سليمان و كذلك من مساندة سامي عنان لمبارك، كان بإمكانه الانقلاب عليهم جميعاً لو اراد بالفعل ان لا يحمي الدستور و النظام الحالي.

مبارك نفسه أعلن انه اذا رحل فسيترك السلطة للجيش و ليس لأحد آخر، فكيف يتخيل بعض "الأذكياء" بأن الجيش سينقلب على من سيترك لهم السلطة إذا رحل ؟ وهل هم في وضع يسمح لهم بتحمل اعباء سياسية اخرى؟

6-لاتوجد الية معينة او هيئة معينة للتحدث لمتظاهري ميدان التحرير، و هذه في حد ذاتها نقطة ضعف لديهم بدليل الانقسامات التي حدثت ولازالت تحدث حتى الان لديهم. فبالتالي من سيضمن أنه حتى لو رحل مبارك فسيرحل هؤلاء لتعود الحياة العامة كما هي؟

أرى أن المستفيد الوحيد مما يحدث هو شاب عاطل جربوع لا يريد العمل، او يريد العمل و يحصل على أول مرتب له 2000 جنيه و هو حلم طبعا، ثم من أين ستأتي الدولة بالموارد لهكذا احلام وردية، يعني رجاء قدموا حلولا اقتصادية لتوفير هكذا امور.

رشوة الشعب بال15% زيادة لها كوارثها اصلا من تضخم متخضم وحده و من الخوف على ميزانية الدولة.

7- هناك اخبار عن تحركات امريكية تجاه قناة السويس لضمان استمرار الملاحة بها، لا نعرف صحتها بالطبع و لكن ان صحت تلك الاخبار فما مدى تأثير ذلك على الأمن القومي ككل؟

8- هناك شبه احباط تام لدى جموع الشعب المصري و خوف شديد و ذعر من المجهول نحن في غنى عنه على الاقل في الفترة الحالية، ثم لنصعد من وتيرة الاحتجاجات اذا لم تنفذ المطالب الدستورية خلال 60 يوما مثلاً...لان لو استمرينا بالوضع الحالي سيحدث انهيار تام بالشارع المصري، و كأن البلد دخلت في حرب مثلا و استنزفت بالكامل...

اما الان فما الهدف من التظاهر؟ رحيل مبارك؟ في المشمش ياجماعة الا لو على جثته و جثة من حوله فهم سيخدمون الرجل حتى اخر رصاصة لديهم فهو بالنسبة لهم بطل من ابطال مصر، وبالنسبة لي كمصري، فمبارك هو أحد أفضل الزعماء المصريين في أخر 100 عاماً و لا يستحق تلك النهاية الكارثية بالمرة و كان لابد أن تكون لدينا شخصيتنا المستقلة، و هي ببساطة خروج آمن و مشرف له و من ثم الحصول على ما نهبه إن ثبت انه قد نهب اي اموال.

اما المشعلالتية هنا وخارج نادي الفكر، فأود ان اكرر بأنكم عار على نفسكم، نحن كمصريين نقيم بمصر اتفقنا على رحيل مبارك، و اتفقنا على كافة الاصلاحات، الخلاف بيننا الان كمصريين هو في "الية" تنفيذ تلك الاصلاحات، وكمال قال رجائي عطية : نحن كمثل بضعة افراد ارادوا الذهاب للاسكندرية، بعضنا استخدم القطار، والبعض استخدم السيارة، والبعض استخدم الطائرة.....ولكن في النهاية جميعنا نريد الذهاب للاسكندرية.

ثم من يقول ان النظام الحالي سيستمر، فهذا شيء مضحك، تخيل ان نظام انتهى في ثلاثة أيام يتصور البعض انه قد يستمر مجدداً؟ هأو بأي منطق يعني؟

نظام مبارك سقط هو و كل وزراءه في ثلاثة أيام، من 25 حتى ليلة 27. فكيف لهكذا نظام تافه و مهترئ أن يستمر في السياسة؟ اللهم إلا لتسيير الاعمال حتى تنتهي ولايته و يتم الانتهاء من تعديل الدستور و من ثم فسيترك للجهابزة الجمل بما حمل، و لنرى الوعي و العظمة المصرية في اصلاح ما تم هدمه...وكأن هنضرب الارض هتطلع مليارات !

حتى ثروة مبارك المزعومة و كافة من حوله لم تأتي سوى بإختلاس اموال الاراضي، يعني من يرى ذلك و يعيه يعرف أنه لا يوجد طاقة قدر ممنوعة عن الناس، بل هي حفنة من الملايين ستنتهي بمجرد بيع اغلب الاراضي التي عليها العين.

على كل حال لا ادافع عن مبارك فهو له مساوءه التي اطلت ياما وياما منذ 5 سنوات هنا في شرحها، ولكن التوقيت الان ليس للضغط على الجيش اكثر من ذلك و جعل الخيارات لديه اما معنا او مع مبارك، فلذلك عواقب لا يعلمها إلا الالهة وحدها.

في النهاية كرأي شخصي اتمنى حدوث السيناريو التالي، نظرا لان استمرار مبارك سيسبب انقسامات قوية و عنيفة بين جموع الشعب المصري :

اعلان وفاة مبارك بأزمة صحية و يكون قد ارتاح من هذا الصداع المقرف وريحنا.

او اعلان مروره بأزمة صحية تستلزم سفره لاي دولة، ومن ثم تسليم السلطة لاي من قيادات الجيش ليقوموا بالتعديلات الدستورية اللازمة.

او اعلان تنحيه عن السلطة و من ثم اعطائه حصانة قضائية ضد اي اعمال انتقامية قد يقوم بها من سيخلفه لانها ستكون كارثة لو تم اعتقاله او التنكيل به و ستحدث فتنة بين جموع المصريين لا يعرفها سوى من يعيش معهم الان وكذلك ستكون تلك الثورة هي ثورة انتقامية وليست "انتقالية"