"ليس في الإمكان أفضل مما كان" قول للملك فيصل بعيد الثورة العربية الكبرى في بداية القرن العشرين، وللأسف قول تخاذلي يعبر عن الخضوع للأمر الواقع، والتهاون بمستقبل الشعب العربي الذي عانى بعد هذه الثورة لقرن إضافي...

لقد تم اختطاف الثورة العربية الكبرى من قبل فرنسا وبريطانيا. وبقينا حتى الآن نترجى المساعدات والتكنولوجيا بذل من هذه الدول ووليدتها إسرائيل.

ثم جاءت أمريكا لتقول كلمتها كبديل لفرنسا وبريطانيا، وتأخذ مكانهما، وتستمر في سياسة فرق تسد، وفي سياسة تجويع الشعوب العربية التي تملك بلادها النفط والثروات، ولكن لا يصلها منه إلا هباء منثور.

في التاريخ البشري، تم اختطاف الثورات مراراً وتكراراً من قبل جنرالات وحكام استغلوا فورة الشعوب ليركبوا موجتها، ويسيطروا على الحكم. ونحن العرب لم نكن بعيدين عن ذلك.
لقد قمنا بانتفاضات وثورات عدة، وتحررنا نظرياً من الاستعمار والاحتلال، ولكننا بقينا تحت وطأة أنظمة جائرة وديكتاتوريات تقتل كل شيئ فينا، من إبداع وإنتاج وشباب وطفولة وحتى الجنس والدين صار محكوماً بقبضة الدكتاتوريات وسلطتها.....
وقلنا يومها بعد طرد الاستعمار أن ليس بالإمكان أفضل مما كان......

واليوم، على شعلة نار محمد البو عزيزي الذي لا يحتاج لدعاء القرضاوي وغيره ليغفر له، لأنه شهيد ولأنه أبو شهداء هذا العصر..... على هذه الشعلة الإلهية المباركة، صحونا جميعاً.... نحن العرب النائمين صحونا.... نحن الذين كنا نغني على الليل يا ليلى ونسهر على اللغو والرقص صحونا.... فغنينا في الطرقات للحرية، ورقصنا محتفلين بانتصار ثورتين سلميتين حتى الآن على الاستبداد والظلم والفساد.....
ولكن إلى أبن ؟؟؟؟

كم كانت فرحتنا عظيمة عندما رأينا أم الدنيا تنفض عن كاهلها الغبار وتنفخ على حسني مبارك، لتريه مدى قوتها إن أرادت أن تصحو.....
كم كانت فرحتنا عظيمة عندما أعطت الحبيبة مصر إلى العالم بأسره درساً في الثورات المنظمة والسلمية جعل الصين تلغي من قاموس الإنترنت لديها كلمة مصر....
كم رفعت رأسي أمام كل من عرفتهم هنا في الغربة، بعد طول ذل وطأطأة، متفاخراً بأولئك الشبان الذين هبوا وأبرزوا للكون بأسره أننا حضاريون أكثر من كثير غيرنا، وأننا سنبني مستقبلاً بثوراتنا سيفوق حاضر الغرب الأناني والحرامي....

ولكن إلى أين ؟؟؟؟ إلى أين ثورة مصر ؟؟؟؟ وإلى متى ستبقى صورتنا الحضارية التي رسمتها تونس ومصر مع استمرار المجازر في البلد الطي يفصل بينهما ؟؟
هذا هو اختبار هذه الثورة الحقيقي... الآن وخلال هذين اليومين سنعرف إن كانت الثورة المصرية نجحت أم استولى عليها بضعة وصوليين ولصوص....
أي مبتدئ في دروس الإستراتيجية يعلم أنه في ظروف كهذه، لمنع مجازر القذافي بشعبه ولإيقاف نيله من العرب، يحق للدول التي مس مواطنيها الأذى المتعمد أن تتدخل....

هل زادت قيمة الإنسان المصري والعربي بعد ثورات الياسمين ؟؟؟
هل صارت لحياتنا قيمة أم ما زلنا نعيش ونموت بلا معنى ولا قيمة ولا جدوى ؟؟؟
هل ستقول مصر كلمتها وفي العاجل قبل أن تتدخل الدول الأجنبية التي ستلبس ثوب الراهب والممرضة، وتخفي من وراء ستارهما ألف سارق ومستثمر ورجل أعمال ؟؟؟؟
هل ستضرب بقدمها الأرض لتقول للعالم أنا أتيت؟؟؟؟ الشعب العرب أتى أخيراً .....
هذه أرضي وهذا شعبي، ولا يحق لأحد أن يتدخل غيري....
أم أن الجنرالات المصريين كانوا فقط مرغمين على التصنع والتبذل لمسايرة ثورة الشباب المصري، ريثما تهدأ الأمور، ويعود الناس إلى بيوتهم، ليعودوا هم إلى فسادهم ومصالحهم في استغلال الداخل والعمالة للخارج.....

اليوم هو الامتحان.... واليوم سنعرف من قبض على زمام الأمور بعد ثورة مصر.... واليوم ستسقط الأقنعة كلها لتبدو الحقيقة الجديدة واضحة لكل الأعين....