عزيزي حكيمو

الشيوعية قامت في غير بلاد بما ذكرته،

هل راجعت طريقة الشيوعية للوصول إلى الحكم وما فيها من إثارة التناقضات الطبقية وما يشبهها من أدوات الصراع في المجتمع حتى تصل إلى الحكم؟ هل راجعت التيارات المتشددة من الشيوعية؟
الشيوعية في بلادنا لم تصل إلى النضج، لأن الشيوعيين رغبوا بإيجادها قبل أن يمهدوا لها في المجتمع، ولارتباطها بالالحاد المرفوض من الرأي العام. وإلا لكنت وجدت ما تعيبه على الإسلام فيها.

الإسلام أعرض قاعدة وأخصب مجالا لمنطقتنا أن يتم توليد العديد من الطرق المتباينة من شدة تطرف الأزارقة، الذين لو راجعت آراءهم وطرائقهم، لوجدت ابن لادن طفلا بريئا بالمقارنة، حتى تصل إلى شدة تسامح بعض الجماعات الصوفية.

ما علينا، الإسلام السياسي موجود وسيبقى موجودا، وتجاهله أو قمعه لن يعطي إلا مزيدا من التطرف في ساحة الإسلام السياسي من باب ردة الفعل، ويبقى الرأي العام في المنطقة إسلاميا ومتعاطفا مع الإسلام السياسي.
حين يتم السماح للإسلام السياسي بالتنفس، بعد حين لن نجد الكثير من الطروحات المتطرفة التي ستذوب أمام الرأي العام، ولن يتم لغير ديني ولا لسلطان القدرة على نزع التيار الإسلامي المتطرف من الساحة السياسية، لن يتم ذلك أبدا إلا لسائر الاسلاميين بالحجة تقابل الحجة.

طبعا التطرف عندي ليس هو الوصول للحكم، ولا إقامة الخلافة، ولا استئناف الحياة الاسلامية، ولا بناء الدولة الاسلامية، كل ما تقدم آراء فكرية يمكن نقاشها وإخضاعها للبحث الأكاديمي والفكري والسياسي والشرعي، وتصويبها أو تخطئتها. التطرف الذي أعنيه هو استخدام الوسائل المادية والعنف وإراقة الدماء في سبيل الوصول إلى الحكم أو الأهداف السياسية أو معاداة الأمة نفسها بحجة مروقها وكفرها أو التعدي على سائر الملل الموجودة في المنطقة أو الزائرة لها بحجة أو بغير حجة.


أما بناء الدولة الإسلامية فهو حق للإسلاميين، بنفس قدر الحق الذي يعطيه العالمانيون واللادينيون لأنفسهم لبناء دولة عالمانية ديمقراطية على أكتاف أمة إسلامية الرأي العام فيها حتى هذه الساعة للإسلام لا لغيره، وقبلت الديمقراطية كمظهر إسلامي لا كمظهر لغيره، إلخ...

إما أننا نقسر الأمة على ما نريد، ونعيد انتاج دورة الاستبداد سواء إسلاميا أم عالمانيا، أو أن كل فريق يسعى مع الأمة وبها حتى يستميل رأيها العام لرأيه، ويجعل من قضيته قضية لها، تستميت الأمة طوعا في الدفاع عنها والتضحية من أجلها وترفض أي بدل لها.

فبدل دعوات السحل والقمع الظاهرة أو الخفية للمخالفين، من إخوان مسلمين، مقدمة لإزالة غيرهم من الإسلاميين، هلمّ معشر العالمانيين، الأمة مفتوحة طولا وعرضا في البلدان المتحررة من القمع، جدوا لأنفسكم حركات فكرية سياسية، أوجدوا فكركم في الساحة السياسية الحقيقية العامة، اجعلوا من الناس عامّة وخاصّة على مشربكم ومنهجكم... قبل أن يتم إجهاض حركة توليد النهضة التي تجري اليوم في تونس ومصر وما سيتبعهما، لا قدر الله، وأنا شخصيا يسعدني أن أكون مواطنا في دولة عالمانية ناهضة على أن أكون في دولة منحطة ولو زعمت أنها إسلامية، وإن كنت أرى أن النهضة الصحيحة لن يكون أساسها إلا إسلاميا، لكنه رأيي ولا تثريب ولا يمنع أن ينجح غيري وأفشل أنا.

عامة، الإنسان هو الأصل في هذا المبحث، وأي جهاز أو حركة يريد الإجهاز على الإنسان الحر الواعي المريد فأنا ضدها، فالله عز وجل حين استخلف فإنما استخلف إنسانا مريدا عالما حرا، ولو شاء لجعله ملاكا أو شيطانا.