مقبرة 1
يراودني دائما وسواس مخيف , أنني سوف أدفن حيا , لا أدري كيف استطاع هذا الوسواس غزو عقلي , هو تفكير مرضي لا شك في ذلك ورغم أنني أعرف تماما أنه تفكير مرضي إلا أنه استولي علي تفكيري , وقد عانيت مدة طويلة في محاولة نزع تفكيري من التفكير فيه , إلا أن مقاومة التفكير فيه كانت تزيده عنادا, أفهمت أخي الموقف وطلبت منه أن يخفي في كفني نصلا حادا يكون في متناول يدي لكي أتخلص من الكفن وبعد أن نظر إلي ّفي ارتياب وعدني بذلك ولكي يطمئنني أكثر أراني المقبرة الجديدة التي بناها, مجرد حجرة صغيرة جدا يوضع الميت فيها فوق الأرض وتغلق بباب حديدي , انتهزت أول فرصة فتح للمقبرة لدفن ميت من عائلتنا وحفرت بجوار الجدار ودفنت مطرقة كبيرة , تطور الوسواس بعد ذلك واخذ يضايقني , كيف سيكون الظلام عندما أصحو من الموت فأجد نفسي مكبلا بالأكفان ؟ , وهل سوف أتذكر النصل والمطرقة .. إلخ , استشرت أحد الأطباء النفسيين فقرر لي ببساطة أن أفضل طريقة للتخلص من هذا الوسواس القهري أن أتشاغل عنه عندما يهاجمني بعمل أي شئ والاستغراق فيه بكليتي , مثل إصلاح أحد الأشياء التالفة في المنزل والتي يصعب عليّ إصلاحها ,علي أن أفسدها أكثر حتي تأخذ وقتا طويلا في الإصلاح أو إفسادها تماما والبحث عن أحد المحترفين لإصلاحها والاستغراق في معرفة كيف يقوم بإصلاحها , قررت أن أنفذ الفكرة في سخان الغاز , كانت اللوحة الرقمية التي تسجل حرارة الماء قد فسدت , فقمت بما أشار به الطبيب , وحاولت إصلاحها فأفسدتها ,أضيف إلي الكابوس الأول أن ما فعلته في السخان يمكن أن يؤدي لتسرب الغاز فتموت أسرتي الصغيرة ولا يبقي لهذا الفرع من عائلتي أثر , زرت الشركة ولما آخذ الضمان فنصحوني بإحضاره أو الاتصال بهم تليفونيا من المنزل , فعرفت أنهم يريدون زيادة أتعابهم بالانتقال إلي مقر المشكلة والمعاينة , ثم تحديد موعد آخر للإصلاح ثم فاتورة كبيرة لمشكلة صغيرة ,فتشاجرت معهم , وفي طريق العودة هاجمني وسواس ثالث , ماذا لو عدت فوجدتهم قد ماتوا جميعا من تسرب الغاز وأنا بالخارج , هناك شهود عليّ بأنني كنت أعبث بالسخان , فقد شاهدتني جارتي من شباك المطبخ وأنا أجري محاولاتي في اللوحة الرقمية , وظلت واقفة في المطبخ مدة طويلة بقميص عارٍ من الصدر والكتفين ربما لمحاولة إغرائي , فاستجبت للإغراء ورحت أملي عيني من جسدها , فانشرح صدرها جدا , ولا بد أنها حكت لزوجها ليس عن تحديقي فيها ولكن عن إفساد السخان , ولابد أن زوجها حكي لزملائه في العمل وهم يضحكون مني , , وفجأة برز وسواس آخر أن زوجتي تعرف أن هذه الجارة لعوب , وأنها تراقبني لتعرف رد فعلي تجاه تصرفاتها , عندما عدت للبيت كان همي الأول هو البحث عن السخان الكهربائي ووضعه مكان سخان الغاز , فأفادت زوجتي وعلي عينها دمعة حائرة - من شدة تعنيفي لها لأن يتوه سخان بهذا الحجم في مثل هذا البيت الصغير - أنه في مخزن بيت العائلة الكبير ,انتهزت الفرصة , وأخذت أسرتي الصغيرة المندهشة إلي بيت العائلة وأودعتهم هناك مدعيا أنه لا يمكن العيش بمنزل لا يوجد به سخان صالح للعمل , كيف يمكن أن نعيش دون ماء ساخن ومن السخان علي وجه التحديد , بعد أن رحبت أمي بي وبزوجتي وأولادي , قالت أنها تريدني في أمر مهم فلما أفهمتها أنني مشغول جدا بأمر السخان أعطتني مفتاح المخزن علي مضض , وظللت أعبث في الأشياء المتراكمة حتي عثرت عليه , بعدها صعدت عند أمي وأخذت حماما ساخنا , وأسرعت إلي المنزل وشرعت في استبدال السخان الكهربائي بسخان الغاز و كانت الجارة قد سمعت اللغط في مطبخي فأسرعت بالتخفف من ملابسها ومراقبتي وأنا أختلس النظر لجسمها , ولكني اكتشفت أنني قد وقعت في خطيئة أكبر , إذ كان يجب أن أخطر شركة الغاز أنني سوف أستغني عن غازهم وأعود للكهرباء , كنت قد أغلقت محبس الغاز العمومي في الشقة وانتهيت من فك سخان الغاز , فعدت لتركيب سخان الغاز علي أن أقوم بإخطار الشركة برغبتي في التغيير ,نظرت للساعة فوجدت أن موعد الدوام قد انتهي , أخذت أفكر في حل للمشكلة ولما وجدت جارتي أنني مهموم ولا أنظر لجسدها أطلقت ضحكة خفيفة , فلما رأتني مازلت علي حيرتي أخذت في الغناء . عندها هبطت علي الفكرة كالوحي , أن أتصل بالطوارئ في الشركة , أخذت في البحث عن رقمهم فلم أجده فاتصلت بزوجتي عند أمي وسألتها عن رقم الشركة , فقالت أنه مسجل علي هاتفي الخلوي في أرقام الطوارئ , أخذت في البحث عن الهاتف الخلوي فلم أجده و انتابني وسواس جديد أن أكون قد نسيت التليفون في سيارة أخي ونحن ننقل السخان الكهربائي و لا بد أنه عثر عليه وأخذ يتصفح الأسماء فيه وسوف يخبر أمي ضاحكا بالأسماء الحركية التي وضعتها علي الهاتف ولا بد أنهم يخوضون في سيرتي الآن أمام زوجتي وأولادي , وربما حاولوا الاتصال بأحد هذه الأسماء الحركية لمعرفة صوت المتحدث , ولا بد أن زوجتي وأولادي قد غضبوا وبكوا ولكنهم لا يستطيعون فعل شئ إزاء تصلب أمي , فاتصلت بزوجتي لأطمئن فوجدتها في نقاش كبير مع أمي وزوجة أخي فزاد خوفي , اختلست نظرة سريعة للجارة وأسرعت لمنزل العائلة , وحالما دخلت كففن عن النقاش , طلبت من زوجتي أن تطلب تليفوني الخلوي لأني لا أجده , سمعت رنينه في الحمام , فأسرعت بإحضاره ,حاولت قراءة ما يدور برؤوسهن , كانت أمي تشيح بوجهها عني فلم أتمكن من النفاذ لرأسها أما زوجة أخي فقد كانت تنظر لي وتهز رأسها , وهنا انفجرت أمي : أقول لك أنني أريدك في أمر مهم فتتركني وتجري , قلت لها : إنني لم أعد صغيرا حتي تعاملني كطفل و ... , فإذا بها تصرخ : ولد ! , فانكمشت , كتمت زوجة أخي ضحكة خفيفة , فصرخت أمي : بنت ! فانكتمت , اتصلت بطوارئ الغاز فقالوا : إنهم آتون في الحال , أصابني الرعب وراح الوسواس الجديد يعذبني , ماذا لو اكتشفوا أنني حاولت استبدال السخان , قالت أمي : هه , نتكلم في موضوعنا , قلت وأنا أبحث عن حذائي , فيما بعد , طوارئ الغاز في الطريق إلي البيت وأسرعت من أمامها , وصلت المنزل فوجدت أنهم قد غادروا من الورقة الملصقة بالباب , ويحملونني مسئولية عدم المكوث بالمنزل وانتظارهم , هذا ما قالته الجارة التي ظهرت من الباب بنفس القميص العاري والذي أوضح جانبا كبيرا من ساقيها لم أكن أراه من نافذة المطبخ , وظهر وسواس أشنع ماذا لو كان زوجها صاعدا الآن علي السلم , ورأها علي هذا الحال , ربما يشك أننا نفعل أشياء مخجلة وسوف يصيح , وسوف تعلم أمي وزوجتي وزوجة أخي , وسوف يقلن أنني سربتهم إلي بيت أمي ليخلو لي الجو مع الجارة , أسرعت من أمامها دون استئذان وأغلقت الباب وأخذت أنظر عليها من عين الباب السحرية خائفا , ولكن عندما نظرت ورائي وجدت شباك الصالة مفتوحا وجاري في المنزل المقابل يطل علي ّ , فأسرعت أغلق الشباك , وأسرعت إلي المطبخ فوجدتها قد لحقتني إلي النافذة هناك , برز وسواس آخر أنها يمكن أن تكون قد نسيت باب شقتها مفتوحا وأن زوجها يمكن أن يدخل دون أن تسمعه ويراها بهذا المنظر فأسرعت إلي الباب ونظرت من العين السحرية – إذ انه من المؤكد أن الجار مازال واقفا يراقبنا - فرأيت بابها فعلا مفتوحا , فأسرعت إلي المطبخ , فوجدتها فيه , ما الحل ؟, لا أستطيع أن أتكلم معها عن الباب المفتوح لئلا تظن شيئا , فكرت أن أبتعد عن المطبخ ربما تبتعد هي الأخري , ذهبت إلي حجرة النوم ومكثت قليلا ثم عدت للمطبخ فوجدتها مازالت علي الجانب الآخر , أسرعت إلي باب الشقة وفتحته وأغلقته بعنف ثم عدت علي أطراف أصابعي إلي نافذة المطبخ فوجدتها تمد قامتها لتراقبني , أسقط في يدي , رن جرس التليفون فانتفضت , كانت زوجتي , قالت : إن أمي غاضبة جدا , هنا بدأ وسواس رهيب يدور في رأسي أنني إذا نزلت الآن فقد أصادف الزوج صاعدا , وعندما يصل لشقته يجد الباب مفتوحا فيظن بنا الظنون , أنقذني نفير سيارة أخي يدوي , فتحت الشباك فلوح لي أن أنزل وقال أمام كل الجيران : أمك سوف تقتلك , انزل , نزلت وأسرعنا إلي أمي فوجدتها منهارة , بعد أن تماسكت قالت : هل رأيت المقبرة التي دفنا فيها زوجة خالك , غمغمت : مالها ؟ , قالت في غضب : هل رأيتها جيدا , من خلال وسواسي الكثيرة هززت رأسي بالإيجاب , قالت نريد مقبرة مثلها , قلت : لدينا مقبرتنا , ما الحاجة لمقابر أخري , قالت في بطء : نريد مقبرة تشرح القلب الحزين , نريد مقبرة مساحتها لا تقل عن مائة متر , في المنتصف يكون اللحد العميق وننزل له بسلالم , ونجعل مكانا للنساء ومكانا للرجال , ونزرع في المكان حديقة صغيرة والمكان كله يكون مبنيا بحيث نروح فيه شتاء وصيفا , كان أخي قد وصل وأنا استمع إلي أمي في وجوم , نظرت إلي أخي فوجدته يبتسم في مكر , نظرت إلي أمي التي راح صوتها يضيع , زوجتي تنظر لي بلوم ,زوجة أخي تنظر في شرود , بدأت روحي تنساب ببطء في الفضاء.
انتبه إلي نفسه مقيدا , فتح عينيه فوجد الظلمة تعم المكان , تحسس جسمه فوجد نفسه عاريا وملفوفا , عرف أن ما كان يخاف منه قد حدث وأنه مدفون حيا , أخذ يتحسس داخل الكفن بحثا عن النصل الذي أوصي أخاه أن يضعه داخل الكفن فلم يجده , أخذ يناضل حتي تمكن من التخلص من الكفن , اتجه إلي جانب المقبرة الذي دفن فيه المطرقة ونبشه بحثا عنها ولكنها كانت قد تبخرت , جلس مرعوبا من المصير الذي سوف يلاقيه في هذه المقبرة , ولكنه سمع بغتة أصوات ضحكات في الخارج عبر الجدار الذي يفصله عن العالم الحي , أصاخ السمع جيدا ومع الوقت تبين تلك الأصوات , ضحكات الطبيب وأخيه وزوجة أخيه والجارة اللعوب وموظفي الصيانة في شركة الغاز وزوج جارته وأصدقائه وأمه وزوجته وأولاده وجاره الذي كان يراقب من النافذة , ولدهشته سمع صوت ضحكاتي أنا الآخر في الخارج تمتزج بضحكاتهم .
- يتبع -
أعتذر للزميلين الفاضلين , وردة

وديك الجن

, عن حذف الشريط وإعادته مرة أخري , فقد وجدت أخطاء نحوية كثيرة ما كان لي أن أقع فيها وأرحب بالتعليقات .
كوكو