نعود للطوفان و للراحل الخالد عمر أميرالاي الذي يقال أنه مات تحت التعذيب بسبب دعوته الشعب السوري للثورة على الحكم البعثي الشمولي خاصة و أن رحيله تزامن مع "يوم الغضب السوري" و لم يكن يعاني من أية أمراض قبل ذلك.
في هذا الفيلم و منذ البداية يقول أميرالاي أنه انحاز الى تحديث سوريا لكنه بسلاح العدسة يوثق لنا كيف كان التحديث تجسيدا لقول درويش "و ان الريح اذا هبت فمن أجل الجيوش تهب .. لا من أجلنا" فالتحديث ما كان الا جزءا من تدمير سوريا و تدجين المواطن السوري و تشويه الأجيال المتتابعة بحيث يسخر كل مشروع و كل سياسة و كل قانون في خدمة المافيا البعثية و استقرار كراسيها ليس الا. فليس من فراغ هذا الظلام الدامس المحيط بشخصيات الشهود و كذلك الغرف القاحلة و الجدران العارية و الشهادات المزورة لصالح القائد الضرورة و ابنه الذي "ورث" سوريا عنه.

لننظر في كلام مربي الأجيال مثلا الذي ردد كلاما انشائيا لا علاقة له بالواقع و واضح تماما انه يجتهد في تأليفه حتى لا يخرج حرف واحد عن النص الوحيد المسموح به و هو نص التسبيح بحمد الرئيس و الدعاية لأقواله و اقتراحاته. فمن سرد مراحل اغتيال الوعي عبر ادخال الطالب الابتدائي في منظمة "طلائع البعث" و الطالب الاعدادي في "منظمة اتحاد شبيبة الثورة" و بعدها لمنظمة "الاتحاد الوطني لطلبة سوريا" و كلها تحت قيادة بعثية لا شريك لها. و يمضي المدرس في التبرير و الاشادة فيذكر لنا أن الزي الموحد جاء بناء على رغبة الرئيس الفلتة في "محو" الفجوة الطبقية! فالزي الموحد سبحانه حل الاشكال و ساوى بين كل أبناء سوريا! هكذا يدفنون حقائق الفساد و الافقار و التهميش مثلما دفن السد المنهار معالم قرية الماشي و لم يبق فيها الا شيخ عشيرة الماشي.

السدود التي انهارت دفنت تحتها حضارات و ذكريات و علاقات و كتبا و بيوتا و بشرا و قرى و مظاهر حياة وووو ... و كذلك فعل الحكم الشمولي عبر عقود عجاف اذ دفن سوريا بتعدديتها و ألوان طيفها و لم يبق الا وجه البعث ذو الفساد و الاجرام.

و لكن أميرالاي رغم كل سواد الواقع و شراسته ترك النوافذ مشرعة كما لاحظنا في العديد من المشاهد و ترك النور و أشعة الشمس تدخلها ليقول لنا أن الضوء موجود و الأمل موجود و برغم جميع حرائق "البعث" و برغم جميع سوابقه فالشعب سيبقى يا بلدي بعد أن يفنى مخلوف و الأسدي.