أعتقد أن أصدقائنا العرب اعتادوا على النظر إلى مصر بشكل سلبي خاطئ وهم لا يريدون أن يتوقفوا عن ذلك ، و يذكرونني بالقول القديم " الإستعمار على يد سعد خير من الإستقلال على يد عدلي "’، فتصبح " العبودية على يد سوريا خير من الحرية على يد مصر "،وهذا موقف يجب أن نغيره كما غيرنا أشياءا كثيرة بفعل من أفعال الإرادة المصرية الجماعية ، فما يجمع عليه المصريون سيصبح تلقائيا واقعا صلبا .
دعونا نلمس الحقائق الأساسية في مصر الآن ، فالثورة في مصر تشبه في كثير تلك في تونس ،و لكن كلاهما يختلفان كلية عن ثورة ليبيا . الثورة في مصر هي ثورة ديمقراطية داخلية بدون أي بعد سياسي خارجي ( هذا البعد العربي سيظهر لاحقا بالضرورة بعد استقرار النظام الجديد ، فالحرية في المنطقة لابد ان تصبح عربية غير قابلة للتجزئة ) ، فلأول مرة لم يحرق العلمين الأمريكي و الإسرئيلي ،و لم يرفع أحد علما فلسطينيا ولا موريتانيا !. و الغريب أن الأمريكيين – عكس العرب - قرأوا ذلك بشكل صحيح ، فلم يفهم أحد ما يفهمه العرب أنه حب في أمريكا و إنتظارا لتعليماتها ،و لكن الأمريكيون فهموا أنهم لم يعدوا العامل الحاسم ولا الهام في المنطقة بالنسبة للمصريين ، لا هم ولا الإسرائيليين ولا العرب ، فأهم ما يراه المصريون الآن هو مصر وحدها .
مصر مشغولة تماما بمشاكلها و إعداة تأسيس البيت ، فلا يمكن أن نهتم بحرب أهلية في ليبيا بينما بيتنا يحترق من الداخل . الحكومة الحالية إنتقالية و المجلس الأعلى هو سلطة استثنائية لها دور محدد ، و لكنها ليست سلطة ثورية ،ولا يطلب أحد منها أكثر من دورها المحدد و المحدود . يبقى جوهر المسألة وهو الحق في التدخل سواء السياسي أو العسكري في الدول العربية الأخرى حتى ولو كان ذلك تحت شعار الثورة . لنا كمصريين تجارب عربية بل إفريقية طويلة في هذا المجال ، قادتنا تلك التجارب إلى أن نكون طرفا في حرب أهلية في اليمن ،و أن نفقد كل علاقتنا العربية تقريبا ،و أن نفقد جزءا هاما من ثروتنا القومية في إفريقيا . لقد تدخل الأمريكيون ضد صدام حسين عسكريا فدمروا العراق ،و جعلوا من صدام حسين بطلآ و شهيدا . فهل نريد تكرار التجربة في ليبيا بواسطة مصر ؟.إن أفضل ما نفعله جميعا هو رفع أيدينا عن الدول العربية ،و أن نترك الشعوب العربية تمارس نضالها وفقا لقدراتها و إرادتها . علينا كشعوب عربية أن ندعم بعضنا البعض ،و لكن دون تدخل في الشئون الداخلية لبعضنا البعض . يبقى لو كان على المصريين التدخل يوما ، فليس في حروب قبلية و جهوية في ليبيا ،و لكن لإسقاط الإستعمار العلوي لسوريا ، و استعمار مليشيات الحرس الثوري الإيراني للبنان .