مقالات لآعضاء رواد في اريبيا و
نادي الفكر

كتب الزميل القلم الساخر

بتاريخ
02 -12-1999

السلام عليكم ، وبعد ..

ليس ارتفاع الأصوات وتمزيق الحناجر ما يوصل أمة الإسلام إلى الحقائق التي توصل السلطان إلى تمويهها وتشويهها ، عبر أربعة عشر قرن من السيادة المطلقة بالترغيب أحيانا ، والترهيب في معظم الأحيان .

نحن نعيش عصرا فتح أبواب المعرفة أمام الجميع ، ولم يعد الإسلام ( وحاشى له أن يكون ) مدرسة ظلامية بيد أصحاب المصلحة في الركوب على رقاب البشر واقتيادهم إلى اسطبلات الخضوع المطلق والطاعة العمياء . مستخدمين في ذلك آلة جهنمية تفتق عنها ذهن شرير خبيث روج لها من خلال آلاف الكتب المؤلفة تحت راية السلطان ، ومن خلال مئات الآلاف من الخطب " العصماء " ، الداعية كلها ( وأعوذ بالله ) إلى تمجيد رجل السياسة ومنحه العصمة في شؤون الدين والدنيا معا .

لقد انتصر رجل الدنيا ، واستطاع أن يسخر الإسلام ( وحاشى للإسلام ) كي يحكم سعيدا رافلا بعزة الملك . وهذه حقيقة تاريخية ذهب ضحيتها ملايين المسلمين الذين دخل في روعهم أن الإسلام ( وحاشى ) ليس إلا " الدرر " التي يتفوه بها خدام السلطان على المنابر داعين إلى الخضوع المطلق والطاعة العمياء لـ"أمير مؤمنين" عرف كيف يسخرهم لخدمة أطماعه في الملك .

وفي عودة إلى التاريخ ، ولا أحد يستطيع أن يفهم ما يحدث اليوم إذا لم يفهم ماذا حدث البارحة ، سنرى أن الخلافات بين المسلمين بدأت بالخلافات بين صحابيين ، رضي الله عنهم وعنا أجمعين . لقد شهر صحابي سيفه في وجه صحابي آخر فقتل المسلم بيد المسلم ، وتشتت جمع المسلمين بين هذا وذاك وكانوا عصبة واحدة يجمعها كلام الله على الحق ضد الباطل .

أي صحابي متعه الله بصحبة رسولنا الكريم ، صلى الله عليه وسلم ، أعطاه الله الحق ( وحاشى له سبحانه وتعالى أن يفعل ) في قتل المسلمين ؟.. هل يحق لمسلم قتل مسلم لخلاف على من يكون أمير المؤمنين ؟..
لكن الكل يعرف أن ذلك وقع بالفعل ، وسالت دماء المسلمين الذين خدعتهم اللعبة السياسية ، التي لبست ثوب الدين الحنيف ، فجردوا سيوفهم على بعضهم البعض ، وكل يعتقد أن صاحبه على حق .. وكل يعتقد أنه حين يطيح برأس مسلم فإنه بفعله هذا يذود عن دين الله !.. وأن الجنة أصبحت منه على قاب قوسين أو أدنى .

سيقول البعض : أنت تتعرض لصاحب أو أكثر من صحابة رسول الله ، صلى الله عليه وسلم . وأقول له : حاشى أن أفعل .. لكنني أسألك أيها الأخ الكريم مع أي صحابي أقف ؟.. ولماذا ؟..

هل أقف مع معاوية ، رضي الله عنه وعنا ، لأنه الأحق بالخلافة ؟.. إن فعلت ووقفت معه فهل ترضى أن أقف ضد علي ، رضي الله عنه وعنا ، وهو صحابي مثله ؟..

أم أقف مع علي ، رضي الله عنه وعنا ، لأنه الأحق بالخلافة ؟.. إن فعلت ووقفت معه فهل ترضى أن أقف ضد معاوية ، رضي الله عنه وعنا ، وهو صحابي مثله ؟..
.
.
أم اشيح صفحا عما جرى للعديد من صحابة الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، الذين قتلوا أو اضطهدوا بأيدي صحابة آخرين ؟.. ماذا ستقول لي حينئذ ؟.. ألن تتهمني بالسكوت عن الحقيقة؟_ والساكت عنها شيطان أخرس _ أم إنك ستشيح صفحا عن " سكوتي هذا " هذا لأنه يصب في خانتك باختيارك الصحابي " الممتاز " الذي استطاع أن ينتزع السلطة بالسيف ؟.. وهل السيف هو الحكم بين الصحابة ؟..
.
.
هذه الإشكالية واجهت على مدى قرون طويلة ، ولا تزال تواجه ، أمة المسلمين التي انقسمت بين من وقف مع هذا الصحابي أو ذاك .. فوقع المسلم ، ولا يزال، بين حجري رحى هائلة سحقت فيه كل قدرة على إعمال البصر والبصيرة ، ولم يبق أمامه إلا أن يغذي ضميره بالعلق المتسلق على جسد الأمة من خلافات مذهبية بين سنة وشيعة وخوارج وغيرهم.. وهي خلافات تزداد يوما بعد يوم، ويدعى جميع

أطرافها أنهم بفعلهم هذا إنما ينالون مرضاة الله تعالى !..