RE: علي الشاطئ ذهابا وإيابا - قصة قصيرة وهوامش وتأملات شتي
وجه يهجم فجأة
لماذا تستفزين حبري بكتابتك ؟ , لماذا لا تتفضلين خارج الغرفة إلي بهو الانتظار ؟, تركنين إلي عالم الصمت بقلبي , تنزوين هناك في الظلمة الداخلية , تنتظرين مع عشرات الوجوه التي تتكدس هناك دورك , وقت استدعائك , حاذري واركضي للفرار , لا أريد أن أمددك الآن علي طاولة التشريح فنصالي ليست مسنونة بالقدر الكافي , ويدي مازالت ترتعش , أخاف أن تجهز عليك , في الوقت الذي أريد أن أفصل لحمك عن عظمك في عناية , أن أجعل لحمك شرائح طولية , أعلقها علي حبل طويل حتي تجف , ثم أتأملها واحدة واحدة , أنظر ما تشي به الأنسجة عن الأيام البعيدة , ما تفصح عنه حين كانت طازجة مترعة بالحياة , قد يتهور الحبر في غضبه , قد يكتبك بلمسة طائشة , يكشف لك ما أنت فيه من ذنب يأكل رأسك , يرسم لك صورتك التي تتقافز في نزق , يشبك عينيك فيها , ألا تعلمين أن حبري لو اشتبك بهذا القميص الخفيف لفكك كل خيوطه, لجردك منه وأوقفك أما نفسك عارية ترتجفين , أما تخافين سيلان الحبر الذي يمكن له أن يلون نسيجه بلون ثقيل عندما يرشح خلال خيوطه , سوف تضعين أصبعك فوق شفتك متفكرة و تتأملين نفسك برهة , سوف تهوين إلي أعماقك , تترسبين هناك ككلس ثقيل في مائع شفاف , وعندما تستقرين في القاع لن يكون في مقدورك الطفو , سوف تجدين أن أنفاسك قد نفدت , وأن ذراعيك قد وهنت , ولن تستطيعي حتي أن تنطقي بكلمة اعتذار : كنت مخطئة , سوف تنظرين للشمس التي تسطع هناك , في الأعالي وتتمنين أن تغمضي عينيك علي شعاع واحد منها , سوف أبعدك ببساطة عن خاطري بمجرد أن ألتفت وأنظر نحو ما يشغلني الآن , أدير خط الحبر الرفيع علي الصفحة البيضاء الجديدة ليكتب ما يفصله عنك من هم , ما يتبادر للروح حين تفك عنها إطار ثقيل , ما يدور أمام العين من خطر لا تدرين كنهه , ما يجعل القلب يفيض بزحمة الحرف الذي يكويه غير حافل بزيف ما تجرحين به نفسك , بوجهك الذي يتصور أنه يصور بهجة , لا تظني أن الأوان قد فرج ستاره يبحث عنك , ولا تحسبي أن الوقت عندك يسرع , لا , لا تظني , إنما هو الموت يغزل من رفاتك في داخلي لحنا حزينا , يقمطك به كطفلة هرعت من الروع تجري بعيدا , فاستريحي علي العشب الجاف واشعلي سيجارتك الأخيرة وألقي نظرة علي المسرح الحافل أمامك , علك تدركين ذوبان جسمك في برودة العشب , زحف النمل منه إليك نملة نملة , يقوض ما تبقي من ثدييك اللذين كانا حافلين يوما , لون شفتيك , غريزة شاحبة , ساقين لا تقويان علي الوقوف , قلب نزف ماءه حتي النزع الأخير , انفعال لا لون له , عينين خيم فيهما الليل الطويل , قلب طاح به البرد الثقيل .
حتي إذا ما نال حبري منك ما يشتهي , أبقاك هناك في قاع الذاكرة مجرد صورة تنتظر دورها في آخر البهو , ليوم استدعائها عند الحساب الأخير .
مرسي مطروح / يناير 1994
- يتبع -
كوكو
|