{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
مقابر / قصص قصيرة
coco غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,795
الانضمام: Oct 2004
مشاركة: #7
RE: مقابر / قصص قصيرة
مقبرة 7

كثيرا ما يشعر بأنه لو اختفي من الحياة لكان أفضل له و للآخرين , أن تنشق الأرض وتبتلعه , أن يتبخر كخيط دخان , كلمحة فكر عارضة , المواقف التي تفاجئه علي غير استعداد ويحس أنه أساء التصرف فيها إزاء الآخرين تحدث تلك العلاقة بينه وبين الرغبة في التلاشي , فكر في المشكلة , ما الذي يعنيه الآخرون له ؟, لماذا يهتم بوجهة نظرهم فيه ؟, وماذا يعني أن يضع نفسه في محنة لمجرد أنه يتصور أنه ربما جرح الآخرين بتصرفه ؟ , ربما كانوا من بلادة الحس بحيث لا يدركون عمق الألم الذي يتصور أنه تسبب فيه , ربما لم ينتبهوا أصلا لما فعله , ربما كانت أذهانهم منصرفة لأشياء أخري , أشياء لا تنتمي للعلاقة الراهنة , فكر أنه لو درب نفسه علي شئ من بلادة الحس لهون من حجم ما يعانيه , كثيرا ما كان يتنازل عن طيب خاطر عن أشياء يري انها غالية عليه لمجرد أن يشعر أنه عوض الآخرين عما سببه لهم من ألم , أشياء يري أنها جزء لا يتجزأ من كيانه , قد يعطي بسمة يغتصبها اغتصابا من شفتيه , أو نظرة يجبر عينيه علي افتعالها ويبالغ في تزيينها حتي تزيل ما يتصور أنه سببه , ومع الوقت كانت نفسه تتآكل , تتآكل بفعل هزيمته الداخلية , يشعر كما لو كانوا عائقا صعبا عليه في كل لحظة أن يعبره حتي يصل لسلامه الداخلي , يتمني أن يمنح البسمة والنظرة الطبيعيتين , بسمة ونظرة لا تجعلاه بعيدا عن نفسه حين يرسمهما علي وجهه , ليسا تعويضا عن شئ , فليس مدينا لأحد علي تصرف اعتقد أن صحيح حين اقترفه , قال لنفسه : سأبدأ من اليوم , أضع تجاهل مشاعر الآخرين علي قائمة أولوياتي , أتحدي نفسي أن يجعلوني في حالة خصام مع ذاتي .
رن جرس الهاتف , أتاه صوت زميلة طبيبة تطلب منه في رجاء أن يمنح بعض عنايته لمريض سوف ترسله له وسألته إن كان الآن بعيادته , فلما أجاب بأنه سيكون بعيادته حتي السادسة طلبت منه الانتظار لحظة , سمعها تتحدث مع شخص ثم أكدت له أنه سيكون بالعيادة قبل أن يغادر عيادته , أقفل الخط وسأل نفسه : أكان عليّ أن أستجيب لطلبها بالعناية به فورا أم أحدد موعدا فيما بعد ؟ , لم يستغرق كثيرا في هذه المشكلة ورأي أنها تافهة بالقياس لما خطط للقيام به , كانت الساعة تشير للخامسة والربع وكانت العيادة خالية , ففكر في بعث بعض الموسيقي والنظر في دفتر عيادته لمتابعة حالات بعض مرضاه , غرق في كرسيه ولم يحس بالوقت إلا بعد رأي الساعة المعلقة علي الحائط أمامه تشير إلي السادسة إلا الربع , فكر في المسافة بين عيادته وبين عيادة زميلته , وفكر أيضا أن المريض المنتظر سوف يستقل المواصلات العامة , قدر أنه كان يجب علي المريض أن يكون ماثلا أمامه من ربع ساعة علي أقصي تقدير , ربما فهم خطأ من زميلته , ضغط أزرار الهاتف برقمها , أتاه صوتها من هناك تؤكد له أن المريض قد انصرف من عندها حالما أنهت المكالمة معه من نصف ساعة , وضع السماعة وقال لنفسه : كان عليّ أن أبدأ بتنفيذ خطتي من وقتها , كان يجب أن أحدد موعدا بعد يوم أو يومين , لا بد أنه الآن يستمتع بالتسوق , أو ربما يتبادل حديثا مع أحد أصدقائه قابله صدفة , صديقا لا يعني لنا شيئا إلا أن تصادف وجوده يعتبر هبة من السماء لقطع الوقت , ربما اشتبك مع امرأة رأي في ملامحها شيئا يعيده لماض ما , وجد نفسه يضحك , ووجد أن مريضه هو الآخر يضحك من مكانه الذي لا يعرفه , أفاق علي دخول الممرضة تسأله إن كان سيمكث بالعيادة لأن الساعة الآن السادسة , وضع يده علي جبينه , أيجب أن يطلب منها الانتظار أم الرحيل ؟, غرق في البحث عن إجابة ولكنه لم يصل لحل , ربما لو طلب منها الانتظار لا يأتي المريض , ستكون فضيحة له أمامها , لو طلب منها الرحيل فسيبدو أمام مريضه طبيبا تافها , سيأخذ بياناته بنفسه في دفتر العيادة , سيتقاضي أتعاب الفحص بنفسه , سيشير له علي حجرة الطبيب بعد أن يفتحها له , سيتولي تهيئته لإجراء الفحص , أتاه صوت الممرضة : يا دكتور , كان هذا أقصي ما يستطيع تحمله , وضع يده علي جبينه يعصر فكره ثم نظر إليها في شرود , ما الذي تفكر فيه هذه المرأة الآن من عدم الرد , فكر في التلكؤ : هل انتهي كل شئ , أجابت : نعم كل شئ علي ما يرام , قام واقفا , خلع معطف الطبيب فظهر ثوب خطته التي أزمعها , أشار إليها أنه سيمكث قليلا , راح يراقبها وهي تبتعد وتترك باب حجرته مفتوحا , عندما وصلت لباب العيادة أشار لها بتركه كما هو وانزلق في كرسيه وتحفز , ماذا لو خدعه ولم يحضر , لن ينام ليلته , هذه هي الإجابة الوحيدة .
بدا كما لو كان شبحا يحدق في اللوحة الخارجية أمام عيادته , انتبه له , ضحك في سره عندما رآه يطيل النظر فيها , آآآآه , لقد وصل مريضي المرح , رجل أسود يبدو أنه قادم توا من الأدغال , وصل إلي العيادة قفزا علي الأشجار التي وجدها في طريقه . وجده يعبر الباب وكأنه يتحسس طريقه , قال في نفسه : آآآآه إنه من فصيلة القرد الكسول أيضا , كان الغيظ الذي تنامي كحشو بارود قنبلة يوشك علي الانفجار , راقبه سادرا في غيه يلتفت يمينا ويسارا يبحث عن شي , عندئذ لم يكن هناك بد أن يطلق القنبلة وإلا انفجرت فيه ودمرته , هيه أيها السيد ماذا تنتظر ؟ , كره نفسه عندما وجد نفسه لا يطلق كلمة ( الباندا) عوضا عن كلمة ( السيد )توقف الرجل بغتة , وبدا انه لم يفهم أنه هو المقصود فتابع : ألا تستطيع حتي أن تهتدي إلي مكاني في هذه العيادة الصغيرة , توجه رأس الرجل إليه تلقائيا , كان يريد أن يري علامات الغضب وهي تنتشر علي ملامحه وكان مستعدا للنضال منذ لحظات الانتظار الأولي , مستعدا لأن يراه كومة من الألم والضعف الذي سببه له قبل أن يأتي , راح الرجل يمضي إليه متثاقلا , أحس أن الإعياء الذي فرضته كلماته غير كاف , ألم يعلموك قراءة الوقت في الساعة قبل أن يقرروا إرسالك إلي هنا ؟, كان الرجل قد وصل قرب مكتبه , لاحظ أن مسام جلد جبينه الأسود تفرز حبات من العرق اللامع , حبات من النوع الكبير , تفضل بالجلوس فأنا مازلت في انتظارك , قال الرجل ببطء : لن أجلس سأغادر فورا , فقط أريد أن أعتذر لك عما سببته لك في انتظاري , ليس الأمر بيدي , فأنا ضعيف النظر جدا وأتلمس طريقي بصعوبة .


رأيت الرجل الذي كان يتحول قزما عبر المسافة بين باب العيادة وبين مكتبي يستدير من أمامي وكلما راحت خطاه البطيئة تقطع المسافة في اتجاه باب العيادة كان يصير عملاقا , صرخات من داخلي تطلب منه الانتظار ولكنها لا تخرج من جب القبر الذي انفتح لي , خطتي التي بدأت تنفيذها للتو تحولت لبضعة رجال أشداء يدلونني في القبر ثم يتركون جثتي تتهاوي في القعر العميق , يهيلون التراب في إصرار , وأنا أستعطفهم أن ينتظروا ريثما أسأل الرجل عن التعويض المناسب وربما أيضا طلب هو منهم الكف عن إجراءات دفني , قضي الأمر , وأخذوا يدكون الأرض بأقدامهم يسوونها , أطلت عيناي من نافذة صغيرة في قبري فرأيته يمضي بالشارع متحسسا طريقه في الظلمة الثقيلة غير ملتفت للهاوية التي أودعني فيها .


كوكو
03-24-2011, 01:03 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
مقابر / قصص قصيرة - بواسطة coco - 03-06-2011, 12:05 AM,
RE: مقابر / قصص قصيرة - بواسطة coco - 03-06-2011, 02:43 AM,
RE: مقابر / قصص قصيرة - بواسطة coco - 03-06-2011, 07:25 AM,
RE: مقابر / قصص قصيرة - بواسطة coco - 03-11-2011, 05:17 AM,
RE: مقابر / قصص قصيرة - بواسطة coco - 03-19-2011, 01:08 AM,
RE: مقابر / قصص قصيرة - بواسطة coco - 03-22-2011, 03:05 PM,
RE: مقابر / قصص قصيرة - بواسطة coco - 03-24-2011, 01:03 AM
RE: مقابر / قصص قصيرة - بواسطة coco - 03-24-2011, 06:57 AM,
RE: مقابر / قصص قصيرة - بواسطة هاله - 04-14-2011, 05:32 AM,
RE: مقابر / قصص قصيرة - بواسطة coco - 04-14-2011, 07:13 AM,

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  النفق (قصة قصيرة) رائد قاسم 0 604 12-24-2013, 03:49 PM
آخر رد: رائد قاسم
  اشباح النهار ( قصة قصيرة) رائد قاسم 0 609 12-11-2013, 11:23 AM
آخر رد: رائد قاسم
  شقشقه ( قصة قصيرة) رائد قاسم 0 584 11-14-2013, 11:34 PM
آخر رد: رائد قاسم
  الرؤيا (قصة قصيرة) رائد قاسم 0 670 03-28-2013, 02:48 PM
آخر رد: رائد قاسم
  قصاص قصة قصيرة حمادي بلخشين 0 919 12-02-2012, 01:42 PM
آخر رد: حمادي بلخشين

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS