من لقاء أجرته معه جيزيل خوري ... بتصرف
فرج بيرقدار هل تتعاطف مع صور المعتقلين عامة؟ إن كانوا معك أو ضدك بتفكيرك السياسي.
فرج بيرقدار: باعتقادي هذا أمر بديهي تماماً، أعتقد أن تجربتي في السجن أو لأقل ما ربحته من خسارات في تجربة السجن، علّمني أن أتعاطف ليس فقط مع السجناء بل حتى مع بعض الجلادين..
وبالتالي أنا أعتقد أن آلية القمع دمّرت مواطنين كثراً سجناء ودمرت أيضاً مواطنين آخرين حوّلتهم إلى جلادين، أنا لا أمتلك غفرانية فائضة لست مسيحاً، ولكن بالتأكيد أنا أبحث عن عدالة ما، وأحلم بها في وطني، أبحث عن عدالة ما تنصف السجين من جلاده، وأيضاً تنصف الجلاد من الآلة الجهنمية التي حوّلته من إنسان كامل إلى إنسان مشوّه.
جيزال خوري: ما فينا نقول بس المغرب أو سورية أو البلاد العربية يعني وقت بتشوف صور سجن أبو غريب أو صور سجن البصرة يعني..
فرج بيرقدار: نعم. صدام حسين كان ديكتاتوراً وديكتاتوراً دموياً وقام بفظائع من مجازر وسجون وقتل وتعذيب إلى آخره، ولكن في المحصلة وجهة نظري هو دكتاتور محلي صغير، الإدارة الأميركية الآن تحاول أن تمارس ديكتاتورية عالمية
جيزال خوري: ماذا تشعر فرج بيرقدار؟
فرج بيرقدار: نعم أنا أشعر أن الدكتاتوريات متشابهة إن كانت خارجية أو داخلية، وطرح فظائع القمع في الداخل يجب أن لا تعنينا عن فظائع الخارج وأيضاً فضح فظائع الخارج لا ينبغي أن يكون غطاء للصمت على فظائع القمع..
جيزال خوري: فرج بيرقدار عندما خرجت من السجن كيف رأيت سورية؟
فرج بيرقدار: أنا أعتقد عندما يخرج المرء من السجن بعد سنوات طويلة، البعض يُصاب بما يسمى "صدمة الحرية".
جيزال خوري: يعني؟
فرج بيرقدار: شخص معتاد سنوات طويلة على رتم معين من الحياة، على حيّز مكاني محصور، على أسلوب تعامل، على مستوى قمع معيّن، فجأة يلاقي حاله برّة، الحرية المكانية، أولاً حرية حركته هي بدّو فترة لحتى يعني يبدأ يشعر إنّو عم يقدر
يتجرّع هذه اللحظة المفارِقة، بدّو يرجع بذاكرته إلى ما قبل السجن، بدّو يحسّ إنّو عم يمشي صحيح عم يقدر يتوازن بالمشي لأنه بالسجن في البعض يقعد سنوات طويلة..
جيزال خوري: شو أقسى شيء كان وقت خرجت من السجن تتعوّد عليه؟
فرج بيرقدار: مسائل عديدة ولكن بالنسبة إلي كان..
جيزال خوري: يعني أكثر شي.
فرج بيرقدار: صدمة الزُّرقة، زرقة السماء واتساعها، سماء لا متناهية بدون أي براقع من الأسلاك الشائكة لأنه أنا عشت بتدمر وعشت بصيدنايا باحة التنفس فيه أسلاك شائكة فوقها، كنت يحزنني هذا الأمر ما معقول يعني سماء ملك للكون كله للبشر كلها بالنسبة إلي وقّفت وتطلعت سماء مفتوحة تماماً صافية، بعدها بدأت أحسب شو لازم أعمل؟ وين النقاط الأهمّ؟ بطلع لعند أهلي مثلاً، بطلع بزور أهالي أصدقائي اللي بقيوا في السجن، برتاح بنام لأنه كان مارق علينا ليلة بالفرع مالنا نايمين أبداً، مسائل عديدة والذهن كان مشوشاً لا أدعي أبداً أنه كان عندي حسابات محددة، كان بالسجن فيه حسابات إنّو فيما لو طلعت كل واحد بيحسبها إذا أُفرج عني أولوياتي 1-2-3-4، أنا كل أولوياتي اللي رسمتها لما طلعت لم أستطع تحقيقها، أخذني الواقع بمجرى ثانٍ..
جيزال خوري: طالب تشوف رئيس الفرع اللي انسجنت عنده واللي كان يعذّبك؟
فرج بيرقدار: نعم.
جيزال خوري: هل هذا انتقام؟ عم بتفرجيه إنّو أنت ما زلت موجوداً؟ أم ماذا؟
فرج بيرقدار: لا.. لا أبداً لا ليس انتقاماً، هو موقف طبيعي أنا بالنسبة لي..
جيزال خوري: شو بدك؟ ليش بدك تروح تزوره؟ اللي هوّ هلأ اليوم خارج يعني السلطة الأمنية..
فرج بيرقدار: أنا أعتقد أنه الآن إنسان مسكين معزول ومع ذلك ربما يكون بداخلي شيئاً من القول المنصف أو العادل إنّو أنظر أنا كنت سجيناً مثلاً..
فرج بيرقدار: ليس من باب التشفي أو الشماتة أو ما شابه..
جيزال خوري: نعم.
فرج بيرقدار: لا لأني الآن أنا أقول..
جيزال خوري: إنو ما قدرتوا حطّمتوهم.
فرج بيرقدار: في المستقبل هناك قانون، القانون بيني وبينه ليس هناك عداوة شخصية بيني وبين رئيس فرع أو بيني وبين أي سجان أو جلاد أو غيره.
جيزال خوري: مين الناس اللي بينهاروا في التحقيق؟ ومين الناس اللي ما بينهاروا؟
فرج بيرقدار: أنا باعتقادي أيضاً هناك عوامل عديدة، يعني فيه شخص بيقول: الحب هو اللي حماه وما خلاّه ينهار، إما حبه لزوجته، حبه لأمه، ما بدّو يوطّي لها رأسها وبالتالي بيقول أنا لو موت ما بقبل..
أنا بحسّ جملة عوامل قد أكون أنا يعني من المحظوظين إن كان بالاعتقال أو بفترة تحقيق أو لاحقاً أنا بشعر كتير عوامل ساعدتني على درجة من تحمّل شروط السجن.. منها الشعر.. أنا باعتقادي الشعر كان عامل توازن عم يحميني وأنا عم بمشي على صراط ممتدة ما بين اللعنة والقداسة..
جيزال خوري: مع إنّو المعلوم إنّو الشعراء بيكونوا أضعف من غيرهم عادةً.
فرج بيرقدار: هذا فهم مغلوط، أنا أعتقد أن المرهفين وهُنّن كثيرين إن كان شعراء ولاّ فنانين ولاّ مواطنين عاديين..
جيزال خوري: إذاً الشعر خلاّك تصمد الكتابة..
فرج بيرقدار: نعم، الحب، الحزن، اليأس يعني الكل يعتبر اليأس موضوعاً سيئاً ويعني سلبياته كثيرة، أنا باعتقادي لأ إذا الواحد عرف يتعامل مع يأسه، أنا أميّز بين اليأس والقنوط، القنوط هو الاستسلام التام، اليأس أنا برأيي قوة شاحنة بتدفع المرء يقول: ما رح أتراجع..
جيزال خوري: هيك هيك رح موت، أنا ما بتراجع.
فرج بيرقدار: نعم أو ربما لا أدري ما هي الآلية النفسية التي تتكوّن بالداخل، أنا أشعر أن اليأس كان عندي هو عامل، بمعنى ربما اليأس بيخلّيني ما عاد خاف، أو بيخلّيني قول شو اللي بدّي أربحه؟ ليش بدّي قدّم اعترافات؟ ليش بدّي أنهار؟ أنا بشعر اليأس كان بيشحنّي.
جيزال خوري: فرج بيرقدار بتحكي عن علاقتك بجسدك في السجن، أنا بفتكر إنّو المقطع الشعري الرائـ.. هو يعني رائع بس مثل كأنك بتتشكّره إنّو تحمّل اللي عم بيتحمّله، هل السجين بيصير عنده كل هالتفاصيل؟ بيصير بيحسّ إنّو روحه محلّ وجسده محلّ؟ كيف بتوصف لنا هالعلاقة هاي؟
فرج بيرقدار: هلأ أنا باعتقادي أنا ممتنّ لجسدي، وقف معاي إلى النهاية وحتى الآن، مرقت مراحل يعني أنا كنت أشعر أن العالم كلّه عم يعوي من الألم، كأن جسدي عم يستغيث، عم بيقول لي: ما عاد أتحمّل، هلأّ أنا كنت أشعر بالخجل والذنب، بس شو فيني أعمل؟
جيزال خوري: إنّو أنت عم بتعذّبه.
فرج بيرقدار: نعم.. أنا أعتقد إنّو أجسادنا تحمّلت ما لا طاقة للخيول الأصيلة به، وحقاً - مو بس أنا - سجناء كثيرون عبّروا بشيء مقارب لهذا.. بالأخير أنا كنت أشعر إنّو جسدي هو أطلالي اللي أنا واقف عليها، أشعر.. خطر بذهني كتير حصان عنترة كيف بيشكي له؟ أنا جسدي عم بيشكي لي هو حصاني أيضاً، بالأخير كما لو أنه أقنعني وأخجلني حقاً كأنه كان عم يقول: إما أن ننجو معاً وإما أن نهلك معاً، بعد ما خلص التحقيق وتجاوزنا المراحل القاسية بدأ هو يرمّم نفسه الجسد، وقتها بدأت أشعر إنّو يعني كل هالزمن الطويل هذا يعني شو هذا الجسد اللي بيتمّ ماشي معك إلى النهاية بكل آلامه بكل.. شعرته صديق انفصل عني متل ما الروح أحياناً بتنفصل تجريبياً الشخص نفسه بينفصل عن نفسه، بلحظة ما أنا كتبت قصيدة مثلاً عنوانها: "ثلاثتي معاً" يعني ماني 2 أنا 3، بشوف حالي أنا وبشوفه هوّ وبشوف تنيناتنا بحالة ثالثة، فموضوع الجسد الحقيقة كتير مركّب بتجربة السجن والتعذيب، أنا سابقاً أبداً ما خطر بذهني إنّو جسمي شيء آخر وروحي أو نفسي أو عقلي شي مختلف، لأ كانوا كلهم كل واحد بالداخل بينفصلوا بلحظات لكن بالنهاية بيرجعوا هنّ كلاً واحداً بالحقيقة.
الهدف الأساسي من نظام القمع الإرهابي هو تحطيم الذات، تحطيم الذات بجميع معاني التحطيم الوجداني والعقلي والعاطفي والجنسي
المرأة في حياة السجين
جيزال خوري: بس فرج بيرقدار بكتاباتك بتقول إنّو صورة المرأة تصبح مختلفة..
فرج بيرقدار: نعم.
جيزال خوري: يعني تنسى الجنس وتصبح صورة المرأة هي صورة روحانية أكثر.
فرج بيرقدار: أنا أعتقد إنّو هذا الموضوع أيضاً يتباين ما بين سجين وآخر، يعني ما قاله الأخ عبد القادر ليس ضد ما أقول، وأيضاً أنا بالنسبة إلي نفسي بالسنوات الستة الأولى أو السبعة الأولى شيء موقف، وفي السنوات اللاحقة شيء تاني أنا باعتقادي..
جيزال خوري: يعني صورة المرأة عندك بالسجن شو هيّ؟
فرج بيرقدار: لما بيكون الواحد مهدّداً بحياته تحت وطأة تعذيب شديد، آلام شديدة مستمرة..
أنا باعتقادي المرأة بتصير شيئاً آخر، ما معقول يفكّر الواحد بموضوع الجنس وهو جسده مهتري، بتصير المرأة بالنسبة إله يعني بدّو ياها كرحمة وحيدة وأخيرة ربما، بدّو ياها.. بتصير المرأة مجردة.. هي أم وأخت وحبيبة وصديقة بيتماهوا كلياتهم، المرأة هي المرأة، مع الزمن بتصير هي معادلاً رمزياً للحرية، الحرية هي المرأة، والمرأة هي الحرية، بالشروط القاسية يبدأ يشعر المرء إنّو بدون المرأة بدون ظلالها وأصدائها بدون رائحتها على الأقل، هوّ رجل يعني ناقص أو لا يكون الرجل إنساناً بدون المرأة، بدون معناها على
الأقل وبالتالي في هيك ظروف يبدأ بعض سجناء بتتخذ عندهم المرأة أشكالاً فيها هيك شبه بالقداسة، أشكالاً تصوّفية، باعتقادي يُقال الكثير عن المرأة وكل ما يُقال باعتقادي هو صحيح تبعاً لكل سجين وضمن كل مرحلة من مراحله وأيضاً ضمن التباينات والخبرات والـ.. بسّ بالنسبة إلي أنا قلت هيك، وقلت: ما كان ممكن تطلّ على هذا الفردوس المفقود اللي هوّ المرأة إلا من خلال الشعر، لأنه لا يمكن بالكلام العادي أن يقارب مسألة لها أصداء، ولا يمكن للصمت أن يقاربها إلا كظلال، مع ذلك بيصير أنا بيهمّني صوت المرأة، صوت المرأة هل أفكر ببعد جنسي فيه؟ لأ، صوت المرأة بوصفه بُعداً رحيماً، أنا برأيي السجن ذكورة افتراسية قصوى، المرأة من وجه نظري هي: حالة أنوثة رحيمة قصوى، وبالتالي هنّنقيضين، أنا لما كون موجود بهذا الطرف بالسجن والتعذيب أمر بديهي تحضر عندي المرأة بوصفها هي النقيض.
http://www.free-syria.com/loadarticle.ph...cleid=5766