أولا: يا زميلي أنت تتحدث عن سوريا أو الثورة السورية "بمعزل" عن الوضع العالمي. و لكن "اذا اردنا ان نعرف ما يحدث في ايطاليا ففعلا لا بد من أن نعرف ماذا يحدث في البرازيل" على راي العلامة حسني البرزاني.

من قبل أن تندلع الثورة في سوريا و أنا أتوقع ألا تنجح و بعد ان اندلعت توقعت أن النظام سيفشلها بنجاح لأسباب كثيرة يعرفها من لديه معرفة متواضعة بالشأن السوري و بخريطة العالم و قواه الاقتصادية و من ثم السياسية (مثلا اسرائيل و أمريكا و غيرهم يريدون بقاء النظام السوري).
و لكن اختراق جدار الصمت و الخوف انجاز مهم برأيي فجثة دامت في غيبوبة عقودا تحركت و أثبتت أنها حية تنفعل و تتفاعل. الدك عبد الزاق عيد قال أن اعادة الناس الى حقل السياسة هي مهمة المرحلة. و ها هي الناس عادت.

لم أشطح في التفاؤل لا في الموقف من الثورة المصرية و لا السورية لأسباب داخلية و أخرى أشد و أنكى خارجية. و اذكر اني قلت أن شعبا بمفرده لا يستطيع النفاذ من نظام عالمي شرس معادي للشعوب. فهذا النظام هو من قاد الى الأزمة المالية التي طينت الأوضاع المعيشية لشعوبنا أكثر و جعلت بو العزيزي بياع خضرة من أجل اسكات جوع عائلته و جعل الناس تنتحر من العجز و الفاقة و تنتفض من شدة الضغوط التي تعانيها. هذا النظام يعمل بكل وسعه للحيلولة دون تحرر الشعوب و الانفلات من قبضة التبعية له. لأنه مثل أنظمتنا مصاص دماء و ثروات و مثلها أيضا لن يتخلى عن الهيمنة على البقر الحلوب.

و مع ذلك فان احتواء الثورات أو اجهاضها أو افشالها لا يعني نهاية العالم و التاريخ و لا يعني انكسارنا فنحن لا خيار أمامنا أصلا الا البحث الدائم عن سبل تحررنا. و لذلك لم و لن تتوقف الثورات و الانتفاضات لا في مصر و لا في سوريا و لا في فلسطين أو غيرها. حتى في أوربا و الصين و ايران و غيرها هناك مظاهرات ضد اجراءات و سياسات اقتصادية اتخذتها الحكومات تسبب فيها هذا النظام العالمي. سوريا ليست وحدها من يعاني الظلم و القمع و الافقار.

و مهما يحدث فان التاريخ لا يسير الا الى الأمام و حتى ما نسميه انتكاسات ما هو الا جزء من نفس المسار التصاعدي.

أيام كان المرحوم الاتحاد السوفياتي بصحته كانت تتقاطع مصالحه مع مصالحنا فاستفدنا من دعمه و استطعنا الانفلات من شرك التبعية و تحرير رقابنا و قرارانا لكننا الآن وحدنا في الميدان. و لذلك لا بد من تكتلات تجمعنا مع متعوسي هذا العالم حتى يشتد عودنا و نستطيع انجاز خطوة نوعية للأمام. و أنا متفائلة بذلك لأن الكثير من شعوب العالم تتعرض يوميا لما نتعرض له و بالتالي هناك قاسم مشترك و دافع مشترك للعمل معا. و الشعوب التي كسرت حاجز الخوف أحرزت تقدما بالفعل و لا يجوز التغاضي عنه. فتحرر الانسان من عجزه لا بد منه قبل أن يحرر نفسه من الآخر. و رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة.

و أخيرا من يشطح كثيرا هو من تكبر خيبة أمله يا زميلي. حبة حبة و "نيرون مات .. و لم تمت روما .. بعينيها تقاتل .. و حبوب سنبلة تجف ستملأ الوادي سنابل" .. بس بدها طولة نفس.